هل حقا توقفت العاصفة؟!
إحسان الفقيه
“قيل لعنترة: أنت أشجع العرب وأشدّها؟ قال: لا.
قيل فبماذا شاع لك هذا في الناس؟
قال: كنت أُقدم إذا رأيتُ الإقدام عزما، وأُحجم إذا رأيتُ الإحجام حزما، ولا أدخل إلا موضعا أرى لي منه مخرجا، وكنتُ أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع فأثني عليه فأقتله.
فالحرب إذن يا فارس العرب عقل وحكمة وحسن تدبير، قبل أن تكون ضربة سيف أو رمية سهم أو طعنة رمح.
أثار القرار الذي اتخذته قيادة تحالف عاصفة الحزم، بإنهاء عملية “عاصفة الحزم” على الانقلابيين الحوثيين في اليمن، عاصفة أخرى من الدهشة التي اعترت المتابعين.
وعلى الصعيد الشخصي، واجهتُ سيلا من التعليقات الساخرة المُتهكمة، نظرا لأنني دافعت وبقوة عن عاصفة الحزم، ودعوتُ إلى تأييدها، واعتبرتها نواة لمشروع عربي سُنّي قوي يُمكنه التعاطي مع الأزمات الأخرى القائمة في بلادي.
وأنا على يقين من أنني لو بدلتُ موقفي واستنكرتُ ذلك القرار، فإن ذلك لن يقدح في شخصي ككاتبة، فالتحليل السياسي واتخاذ المواقف السياسية مبنيّ على اجتهاد وفق نظرة إلى مجموعة من المعطيات تختلف هذه النظرة من كاتب لآخر.
غير أني ما زلت على موقفي من تأييد العاصفة بعد هذا القرار وفق قناعة راسخة بأن هذا القرار يدخل ضمن الخطوات المنطقية التي لا تنأى عن أهداف العاصفة، وهو ما أناقشه خلال تلك السطور.
أشير ابتداء إلى أن القرار الصادر عن قيادة التحالف تضمن النقاط التالية:
- إنهاء عملية عاصفة الحزم وبدء عملية جديدة تحت اسم “إعادة الأمل”.
- العملية الجديدة ستكون وفق قرار مجلس الأمن تُستأنف معه الحياة السياسية.
- التأكيد على إزالة الأخطار المحتملة بالمنطقة وشلّ القدرات العسكرية للحوثيين بتدمير معظم الأسلحة الثقيلة والصواريخ.
وأتساءل: هل يعني قرار إنهاء العملية أن التحالف الذي تقوده السعودية قد أوقف جهوده العسكرية في اليمن وترك مصير ذلك البلد لمجلس الأمن؟
أرى أن ذلك الكلام مردود على قائله، حيث إن قوّات التحالف ما زالت في حالة التأهب القصوى، والملك السعودي أصدر أمرا بمشاركة قوّات الحرس الوطني قبل إعلان القرار بساعات، وهو ما يعني أن دول الخليج ستتابع مسار العملية في مرحلتها الجديدة حتى النهاية، ويعني بطبيعة الحال أن احتمالات العمل العسكري لازال قائما.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أي عاقل يدرك تماما أن دول تحالف العاصفة ستكون الخاسر الأكبر حال عودة الأوضاع إلى ما قبل العملية العسكرية، فلئن عاد الحوثيون لاستكمال الانقلاب وعادت إيران للعربدة في اليمن، فهو يعني إنهاء الالتفاف والتأييد والتعاطف الشعبي حول حكومات الخليج (السعودية) تحديدا، والتي اكتسبته مؤخرا بعد تحرّكها القوي الشجاع في المنطقة بعاصفة الحزم.
وثمة مسألة خطيرة لا أرى أنها سقطت من حسابات القيادة السعودية، وهي الحشد العسكري على الحدود والتعبئة النفسية طوال الفترة الماضية والذي لا يزال مستمرا.
هب أن القيادة فاجأت هذه الحشود بأنها ستعود أدراجها قبل تحقيق الهدف، هل تضمن القيادة ساعتها ألا تدبّ في تلك الحشود حركات انفصالية ناقمة تتحول إلى ميلشيات تؤرّق الخليج على الحدود؟ ونسأل الله ان لا يحدث.
في تقديري أن دول الخليج تسعى لتحقيق عدة أهداف من خلال وقف العملية:
أولها أن تعمل وفق غطاء دولي، وهو ما حرصت عليه ابتداء، فهي تريد أن تحقق أهدافها في المنطقة دون القفز فوق الحواجز الدولية والذي يوقعها بدوره في مشكلات كثيرة، وكما هو معلوم للجميع أن تحالف العاصفة له هدف رسمي معلن وهو إعادة الشرعية في اليمن لتحقيق الاستقرار في ظل مناخ ديمقراطي، وهو ما ينعكس (حتما) على حماية أمن الخليج.
فإذا لم تتوقف دول التحالف عند الحد الذي يتناغم مع ذلك الهدف، تحول التدخل في نظر المجتمع الدولي إلى أطماع توسّعية وتنفيذ أجندات خليجية خاصة ليس لها غطاء شرعي.
** ** **
ثاني هذه الأهداف، تجنب إشعال حرب سنية شيعية شاملة في المنطقة، فليس هذا في صالحها في المرحلة الراهنة، خاصة وأن بعض هذه الدول لها مصالحها مع إيران ولا تريد التضحية بها.
كما أن القدرات العسكرية للخليج في مرحلة مبكرة لمعركة كبيرة غالبا ستكون إيران بتفوقها العسكري أحد طرفيها.
** ** **
وأما الهدف الثالث والذي يفهم ضمن تسمية العملية الجديدة بـ “إعادة الأمل”، فهو الحفاظ على الشعب اليمني والاتجاه للإصلاح والبناء الداخلي في ظل رقابة دولية رسمية، فالحرب ليست في حد ذاتها هدفا يُندب السعي إليه، فالانهيار الداخلي في اليمن سوف تكون دول الخليج قطعا أبرز المتضررين منه.
وثمة أمر آخر لا يمكن استبعاده من تحليل الموقف، وهو أن التدخل البري محتمل، وأن وقف العملية إنما هو التقاط للأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق بعد أخذ صورة بالألوان الطبيعية للموقف داخل اليمن وإقليميا ودوليا، وهو ما قد نستشرفه من خلال تأهب القوات ومنها الحرس الوطني السعودي بأمر خادم الحرمين.
وتجدر الإشارة إلى أنه ينبغي النظر بواقعية إلى الحدث وعدم تقييمه وفق الطموحات المفتوحة والآمال المنشودة، إنما هناك أهداف جزئية مرحلية ينبغي الاكتفاء بها مؤقتا.
** ** **
ولكن هل هناك ما حققته عاصفة الحزم؟
عندما تتمكن قوات تحالف العاصفة من الهيمنة على النطاق الجوي للمنطقة فقل: هناك ما تحقق.
عندما تصيب قوات تحالف العاصفة، القدرات العسكرية الحوثية بالشلل، وتدمر معظم ترسانتها من الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية ونزع خطورتها على المنطقة، فقل: هناك ما تحقق.
عندما توجه دول التحالف هذه الضربة الموجعة لإيران وتجعلها تفكر ألف مرة في كل تحركاتها في المنطقة فقل: هناك ما تحقق.
عندما تتسبب عاصفة الحزم في انتفاضة الشعب اليمني ضد الانقلابيين الحوثيين وتُشعل جذوة النضال والحفاظ على الشرعية فقل: هناك ما تحقق.
** ** **
يا قوم الحروب لا يمكن الفصل فيها بين المسار العسكري والمسار السياسي الدبلوماسي، ومن العبث الاقتصار على أحدهما دون الآخر؛ فالدبلوماسية ضرورة مرحلة ضمن مبدأ (اضرب واكسب)؛ اضرب عسكريا واكسب سياسيا.
ولعلّ الناطق العسكري باسم قوات تحالف دول (عاصفة الحزم) قد اختصر لنا الموقف بتصريحه الصحافي الذي قال فيه:
إن نهاية “عاصفة الحزم” لا يعني وقف العمليات العسكرية، ولكنها ستكون مُركزة على منع أي استخدام للقوات العسكرية من قبل الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وأن العمليات العسكرية ستستمر كلما دعت الحاجة إليها وخاصة في حال استخدام الحوثيين لأية أسلحة أو ذخيرة.
وغدا تقطع جهيزة الحزم تكهّنات كلّ خطيب …
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق