المشروع الإيراني أم ميثاق الأمة الإسلامي؟
مهنا الحبيل
لم يعش الشرق الإسلامي وضعا خطيرا يتوجه لانفجار كبير داخل جغرافيته وبنائه الاجتماعي كما يعيشه اليوم، وهذا لا يعني أن الانفجار لم يقع بل وقع في مناطق عديدة لكنه يزحف اليوم إلى بؤرة هذا التفجير دمويا، ويتقدم لتفجيره معرفيا ومعنويا في نسيج الشرق الاجتماعي وعلاقات طوائفه.
ونتحدث هنا بالذات عن علاقة قاعدة الأمة والتاريخ التشريعي في مدرسة السنة مع الطوائف والمدارس المختلفة، واعتبار أن أهل السنة أو جغرافيتهم، أو مدرستهم الفكرية وميراثهم الواسع، فقهيا وإنسانيا، هو مذهبٌ حربيٌّ لا قاعدة أمة فكرية وبلاغية ترد الظلم على الظالم، وبالتالي يجب شن حروب مواجهة أو صراع استهداف لكل من خالفهم، فتقييم الضلال والانحراف العقائدي لدى هذا المذهب وتلك المدرسة، هو انحراف وخطأ فادح ومحرقة كبرى للشرق.
وهذا التفجير المقصود يأخذ زخمه اليوم من تحويل الصراع السياسي الشرس بين المحور الإيراني المتقاطع في مصالحه في العراق وفي سوريا مع الغرب وتل أبيب، ثم المنظّم لمستقبله القومي القائم على صعود الجمهورية الإيرانية كقوة إقليمية مطلقة ترث عهد الشاه بتركيز أكبر، أو في اعتقادها المعلن في منهجية التنظير والرؤية الطائفية، وأدبيات أذرعها في المنطقة، بأنها مشروع الانتقام من الخلافة السنية، وعودة مدرسة آل البيت لتسود في المشرق كما جرى في العهد العبيدي الفاطمي، لكن بخاتمة نهاية التاريخ للظهور المهدوي بحسب البلاغ الديني للثورة الإيرانية.
"الإشكالية الكبرى التي ورثناها، هي أن ولوج المشروع الإيراني ببعده الطائفي والسياسي، لم يقتصر على استباحة الأوطان، والهيمنة السياسية في معقل الدول باسم المرجعية الطائفية المستقلة عن العرب، ولكنه صَنع شعبا متميّزا عن كل شعب ودولة، بغض النظر عن طبيعة نظام الحكم"
وبين الطرف الثاني، وهو قوة دفع لم تتحول حتى اليوم، كمحور ولا حتى ترس مقابل، وكل ما يجري هو لحظة يقظة خشية على المصالح أمام زحف طهران المركزي، والذي تم الاستيقاظ عليه بعد أن قطع مشوارا واسعا، وبعد أن استقال الشرق الإسلامي، إلا في تمرد تركيا الأخير، من مهامه الإقليمية المركزية، ومسؤولياته السياسية، وسلم للغرب كامل مصالحه وكامل قراره الأمني الإستراتيجي، ففاجأه الحصاد، وبدأ تحركا جغرافيا ضد الزحف الإيراني.
هذا هو التوصيف الدقيق والذي يحرف اليوم في خطورة بالغة، بأنه مركز حرب ليقظة سنية أممية تمارس حروبا مذهبية، وهي لا تستحضر أصلا رسالة الفكر الإسلامي الذي نظمته قاعدة التشريع والفكر الإنساني العريق، التي قاد بها السنة رسالة البلاغ والإرث الفكري وتحقيق استخلاف المعرفة لرحلة البشرية، وأشركوا واشتركت معهم طوائف ومدارس قريبة أو بعيدة منهم، وجادلوها وناقشتهم، لكن ظلت روابط الأمة والشرق والجغرافيا التاريخية جامعة لهم، ولأمميتهم الموحدة.
هذا هو الأصل وهذا هو السياق التاريخي الذي ساد في عصور الأمة في تحقيق مدارات الفلاح، وفي توثيق العلماء والمؤرخين، ولم تعتبر حلقات الصراع والدموية التي اقتحمت التاريخ السياسي بطولة مستقلة ولا إنجازا بلاغيا، سواء تلك المسيسة لمصالح أنظمة الحكم، منذ العهد الأموي، أو دول الطوائف الغلاة، أو التي اندلعت لتحقيق استقرار الضرورات لحكم شبه متوازن أو مستبد، فكل هذه الصراعات لم تكن ممدوحة في الأصل، بل عدالة عمر بن عبد العزيز، هي من خص دون غيرها بالحكم الرشيد المستن والمقتدي بخلافة الهدي الراشد.
وهنا نوضح قضية مهمة كمقدمة في السياق الفكري والإنساني لميثاق الأمة الإسلامي، وهي أن الغلو وصناعة التقسيم الطائفي أو الاحتراب في جغرافيا الأمة، أو في نسيجها الفكري وضرب المدرسة السنية من الداخل أو الطوائف غير المحاربة، فقط لخلاف مذهبي عقدي أو فقهي؛ ليس من صناعة المشروع الإيراني ولكنه سابق له.
وعليه فالأزمة عميقة، واضطرب خطاب الفكر الإسلامي المعاصر في مواجهتها ومعالجتها لتأثيرات التسييس، أو قصور البعد المعرفي، وغياب حسن الوعي للمنهج الفقهي الراشد الجامع لأسس مدرسة أهل السنة في ميثاق الأمة الأكبر.
غير أن الإشكالية الكبرى التي ورثناها اليوم، هي أن ولوج المشروع الإيراني ببعده الطائفي والسياسي، لم يقتصر على استباحة الأوطان، والهيمنة السياسية في معقل الدول باسم المرجعية الطائفية المستقلة عن العرب -لكنها تتبع بالضرورة إلى نفوذ إيران، حتى تلك التي لم تؤمن بنظرية الولي الفقيه، إلا ما ندر- ولكنه صَنع شعبا متميّزا عن كل شعب ودولة، بغض النظر عن طبيعة نظام الحكم.
فتحوّل المشهد الفكري إلى حالة صدمة وارتباك، في ذروة مراجعات الفكر الإسلامي للغلو في الوسط السني، الذي صادر العقل وأعلن المعتقد التفصيلي وكل نفوذه السياسي ومن يؤمن به، دارَ حربٍ تشن على من خالفهم من مدرسة أهل السنة قبل غيرهم.
وهذ الأمر له علاقة مباشرة بقضايا الانحراف والتوحش المسلح التي انطلقت بعد أن تأسس الانحراف المدني، وأصبحت له قاعدة ينطلق منها إلى كل من يخالفه، مما سهّل عملية دحرجته أو فوضويته لتكون بوابة ولولوج لمشاريع القهر الجديد للشرق الإسلامي.
وأمام هذا التفكك الشرعي والسياسي، باغتت الثورة الإيرانية المشهد الممزق، واستثمرت كل ثغراته في الخطاب أو الصناعة السياسية الإستراتيجية، وكان حجم التضليل واسعا، فرغم فقدان إيران لأسس الحريات والنهضة وثقافة الحقوق التي لا يجادل عن وجودها في الاستبداد العربي، فإن إيران الثورة كانت تضخ ضجيج نصرة المظلومين ومسيرات القدس، للتعمية على أذرعها حتى اكتمل بناؤها، ثم أُطلقت لصناعة شعبين في كل دولة، ثم ذراع مسلح يضرب في المدنيين.
"لئن كان مشروع إيران الطائفي أسقط فقه الاعتدال وقتل العقل الشيعي وحول الشرق إلى مشروع صفقة بعد أن زرع هو وغلاة السنة فتنة في أصقاع عديدة، وسخر المذهب ليحول جغرافيا الشرق إلى غنيمة يتقاسمها مع الغرب؛ فإن خطاب الأمة الوسط ليس مشروعا سياسيا، ولا نزوة قهر عاطفية، وإنما بلاغ بالحق وبلاغ للعدالة والإنصاف"
إن صناعة الشعبين تلك أسست لتمزّق مركزي للأمة ووحدة الشرق وطوائفه ومدارسه، وخاصة المدرسة السنية التي كانت محاصرة فكريا وإنسانيا، ولذلك تهيأت فرصة تفتيت المجزأ في الشرق الإسلامي، وهو من أحلام الصهيونية الكبرى والغرب الاستعماري، لكنه لم يكن ليتحقق لولا تفجير مشروع إيران الذي يشاركه غلاة نسبوا لأهل السنة، وماهم منهم ولا هو بمنهاجهم.
ولذلك فإن عودة التأسيس للخطاب الإسلامي اليوم وفقا لميثاق الأمة والحذر من إسقاطه هو ضرورة كبرى، ومسؤولية على العلماء والمفكرين، فليس هناك حرب في هذا الميثاق بل ولا صراع وإن وجد واجب وحق النقاش والجدل العلمي مع الطوائف والمدارس، وخاصة في المدارس القريبة من منهج أهل السنة كالزيدية والإباضية.
إنما الإشكال السياسي كان مع الشيعة الاثنا عشرية، لسهولة توظيف الفكرة السياسية لديها عبر المظلومية التاريخية، والانفصال عن أمة الشرق من خلال رهنها القسري في عقل التابع الشيعي بيزيد بن معاوية، وقوة التحصين الديني للخرافة.
كما أن الأصل في ميثاق الأمة هو السلم والاحتضان لهذه الطوائف والمحاسبة عليهم وعلى غيرهم، بمواثيق عهود الأمة وأمنها، وهم شركاء في المواطنة وشركاء في الخطاب والبناء المتفق لأصول الشرق الإسلامي.
وما يختلف الناس عليه فمرده الجدل بالحسنى، هذا هو الأصل، وأن الأقوام والجماعات والعرقيات، لا تنعت بمجوسية ولا سواها، ممن دخل الإسلام بما فيهم الفرس ذاتهم، الذين قدم فئام منهم خدمة للإسلام ولرسالة الشرق طوال قرون من الزمن.
ولئن كان مشروع إيران الطائفي أسقط فقه الاعتدال والأمة الواحدة في وصايا شمس الدين، وأسقط منظومة الحقوق والحريات لعلي شريعتي، وبات يحاربها اليوم بعد أن تدثر بها وقتل العقل الشيعي، وحول الشرق إلى مشروع صفقة بعد أن زرع هو وغلاة السنة فتنة في أصقاع عديدة، وسخر المذهب ليحول جغرافيا الشرق إلى غنيمة يتقاسمها مع الغرب؛ فإن خطاب الأمة الوسط والميثاق الإسلامي الأكبر للشرق، ليس مشروعا سياسيا، ولا نزوة قهر عاطفية، وإنما بلاغ بالحق وبلاغ للعدالة والإنصاف، وهذا سر شهادة هذه الأمة على الناس، حين اختارها خير أمة أخرجت للناس، تحمل أمانة السماء لرسالة الخطاب الإسلامي الإنساني الكبير.
لم يعش الشرق الإسلامي وضعا خطيرا يتوجه لانفجار كبير داخل جغرافيته وبنائه الاجتماعي كما يعيشه اليوم، وهذا لا يعني أن الانفجار لم يقع بل وقع في مناطق عديدة لكنه يزحف اليوم إلى بؤرة هذا التفجير دمويا، ويتقدم لتفجيره معرفيا ومعنويا في نسيج الشرق الاجتماعي وعلاقات طوائفه.
ونتحدث هنا بالذات عن علاقة قاعدة الأمة والتاريخ التشريعي في مدرسة السنة مع الطوائف والمدارس المختلفة، واعتبار أن أهل السنة أو جغرافيتهم، أو مدرستهم الفكرية وميراثهم الواسع، فقهيا وإنسانيا، هو مذهبٌ حربيٌّ لا قاعدة أمة فكرية وبلاغية ترد الظلم على الظالم، وبالتالي يجب شن حروب مواجهة أو صراع استهداف لكل من خالفهم، فتقييم الضلال والانحراف العقائدي لدى هذا المذهب وتلك المدرسة، هو انحراف وخطأ فادح ومحرقة كبرى للشرق.
وهذا التفجير المقصود يأخذ زخمه اليوم من تحويل الصراع السياسي الشرس بين المحور الإيراني المتقاطع في مصالحه في العراق وفي سوريا مع الغرب وتل أبيب، ثم المنظّم لمستقبله القومي القائم على صعود الجمهورية الإيرانية كقوة إقليمية مطلقة ترث عهد الشاه بتركيز أكبر، أو في اعتقادها المعلن في منهجية التنظير والرؤية الطائفية، وأدبيات أذرعها في المنطقة، بأنها مشروع الانتقام من الخلافة السنية، وعودة مدرسة آل البيت لتسود في المشرق كما جرى في العهد العبيدي الفاطمي، لكن بخاتمة نهاية التاريخ للظهور المهدوي بحسب البلاغ الديني للثورة الإيرانية.
"الإشكالية الكبرى التي ورثناها، هي أن ولوج المشروع الإيراني ببعده الطائفي والسياسي، لم يقتصر على استباحة الأوطان، والهيمنة السياسية في معقل الدول باسم المرجعية الطائفية المستقلة عن العرب، ولكنه صَنع شعبا متميّزا عن كل شعب ودولة، بغض النظر عن طبيعة نظام الحكم"
وبين الطرف الثاني، وهو قوة دفع لم تتحول حتى اليوم، كمحور ولا حتى ترس مقابل، وكل ما يجري هو لحظة يقظة خشية على المصالح أمام زحف طهران المركزي، والذي تم الاستيقاظ عليه بعد أن قطع مشوارا واسعا، وبعد أن استقال الشرق الإسلامي، إلا في تمرد تركيا الأخير، من مهامه الإقليمية المركزية، ومسؤولياته السياسية، وسلم للغرب كامل مصالحه وكامل قراره الأمني الإستراتيجي، ففاجأه الحصاد، وبدأ تحركا جغرافيا ضد الزحف الإيراني.
هذا هو التوصيف الدقيق والذي يحرف اليوم في خطورة بالغة، بأنه مركز حرب ليقظة سنية أممية تمارس حروبا مذهبية، وهي لا تستحضر أصلا رسالة الفكر الإسلامي الذي نظمته قاعدة التشريع والفكر الإنساني العريق، التي قاد بها السنة رسالة البلاغ والإرث الفكري وتحقيق استخلاف المعرفة لرحلة البشرية، وأشركوا واشتركت معهم طوائف ومدارس قريبة أو بعيدة منهم، وجادلوها وناقشتهم، لكن ظلت روابط الأمة والشرق والجغرافيا التاريخية جامعة لهم، ولأمميتهم الموحدة.
هذا هو الأصل وهذا هو السياق التاريخي الذي ساد في عصور الأمة في تحقيق مدارات الفلاح، وفي توثيق العلماء والمؤرخين، ولم تعتبر حلقات الصراع والدموية التي اقتحمت التاريخ السياسي بطولة مستقلة ولا إنجازا بلاغيا، سواء تلك المسيسة لمصالح أنظمة الحكم، منذ العهد الأموي، أو دول الطوائف الغلاة، أو التي اندلعت لتحقيق استقرار الضرورات لحكم شبه متوازن أو مستبد، فكل هذه الصراعات لم تكن ممدوحة في الأصل، بل عدالة عمر بن عبد العزيز، هي من خص دون غيرها بالحكم الرشيد المستن والمقتدي بخلافة الهدي الراشد.
وهنا نوضح قضية مهمة كمقدمة في السياق الفكري والإنساني لميثاق الأمة الإسلامي، وهي أن الغلو وصناعة التقسيم الطائفي أو الاحتراب في جغرافيا الأمة، أو في نسيجها الفكري وضرب المدرسة السنية من الداخل أو الطوائف غير المحاربة، فقط لخلاف مذهبي عقدي أو فقهي؛ ليس من صناعة المشروع الإيراني ولكنه سابق له.
وعليه فالأزمة عميقة، واضطرب خطاب الفكر الإسلامي المعاصر في مواجهتها ومعالجتها لتأثيرات التسييس، أو قصور البعد المعرفي، وغياب حسن الوعي للمنهج الفقهي الراشد الجامع لأسس مدرسة أهل السنة في ميثاق الأمة الأكبر.
غير أن الإشكالية الكبرى التي ورثناها اليوم، هي أن ولوج المشروع الإيراني ببعده الطائفي والسياسي، لم يقتصر على استباحة الأوطان، والهيمنة السياسية في معقل الدول باسم المرجعية الطائفية المستقلة عن العرب -لكنها تتبع بالضرورة إلى نفوذ إيران، حتى تلك التي لم تؤمن بنظرية الولي الفقيه، إلا ما ندر- ولكنه صَنع شعبا متميّزا عن كل شعب ودولة، بغض النظر عن طبيعة نظام الحكم.
فتحوّل المشهد الفكري إلى حالة صدمة وارتباك، في ذروة مراجعات الفكر الإسلامي للغلو في الوسط السني، الذي صادر العقل وأعلن المعتقد التفصيلي وكل نفوذه السياسي ومن يؤمن به، دارَ حربٍ تشن على من خالفهم من مدرسة أهل السنة قبل غيرهم.
وهذ الأمر له علاقة مباشرة بقضايا الانحراف والتوحش المسلح التي انطلقت بعد أن تأسس الانحراف المدني، وأصبحت له قاعدة ينطلق منها إلى كل من يخالفه، مما سهّل عملية دحرجته أو فوضويته لتكون بوابة ولولوج لمشاريع القهر الجديد للشرق الإسلامي.
وأمام هذا التفكك الشرعي والسياسي، باغتت الثورة الإيرانية المشهد الممزق، واستثمرت كل ثغراته في الخطاب أو الصناعة السياسية الإستراتيجية، وكان حجم التضليل واسعا، فرغم فقدان إيران لأسس الحريات والنهضة وثقافة الحقوق التي لا يجادل عن وجودها في الاستبداد العربي، فإن إيران الثورة كانت تضخ ضجيج نصرة المظلومين ومسيرات القدس، للتعمية على أذرعها حتى اكتمل بناؤها، ثم أُطلقت لصناعة شعبين في كل دولة، ثم ذراع مسلح يضرب في المدنيين.
"لئن كان مشروع إيران الطائفي أسقط فقه الاعتدال وقتل العقل الشيعي وحول الشرق إلى مشروع صفقة بعد أن زرع هو وغلاة السنة فتنة في أصقاع عديدة، وسخر المذهب ليحول جغرافيا الشرق إلى غنيمة يتقاسمها مع الغرب؛ فإن خطاب الأمة الوسط ليس مشروعا سياسيا، ولا نزوة قهر عاطفية، وإنما بلاغ بالحق وبلاغ للعدالة والإنصاف"
إن صناعة الشعبين تلك أسست لتمزّق مركزي للأمة ووحدة الشرق وطوائفه ومدارسه، وخاصة المدرسة السنية التي كانت محاصرة فكريا وإنسانيا، ولذلك تهيأت فرصة تفتيت المجزأ في الشرق الإسلامي، وهو من أحلام الصهيونية الكبرى والغرب الاستعماري، لكنه لم يكن ليتحقق لولا تفجير مشروع إيران الذي يشاركه غلاة نسبوا لأهل السنة، وماهم منهم ولا هو بمنهاجهم.
ولذلك فإن عودة التأسيس للخطاب الإسلامي اليوم وفقا لميثاق الأمة والحذر من إسقاطه هو ضرورة كبرى، ومسؤولية على العلماء والمفكرين، فليس هناك حرب في هذا الميثاق بل ولا صراع وإن وجد واجب وحق النقاش والجدل العلمي مع الطوائف والمدارس، وخاصة في المدارس القريبة من منهج أهل السنة كالزيدية والإباضية.
إنما الإشكال السياسي كان مع الشيعة الاثنا عشرية، لسهولة توظيف الفكرة السياسية لديها عبر المظلومية التاريخية، والانفصال عن أمة الشرق من خلال رهنها القسري في عقل التابع الشيعي بيزيد بن معاوية، وقوة التحصين الديني للخرافة.
كما أن الأصل في ميثاق الأمة هو السلم والاحتضان لهذه الطوائف والمحاسبة عليهم وعلى غيرهم، بمواثيق عهود الأمة وأمنها، وهم شركاء في المواطنة وشركاء في الخطاب والبناء المتفق لأصول الشرق الإسلامي.
وما يختلف الناس عليه فمرده الجدل بالحسنى، هذا هو الأصل، وأن الأقوام والجماعات والعرقيات، لا تنعت بمجوسية ولا سواها، ممن دخل الإسلام بما فيهم الفرس ذاتهم، الذين قدم فئام منهم خدمة للإسلام ولرسالة الشرق طوال قرون من الزمن.
ولئن كان مشروع إيران الطائفي أسقط فقه الاعتدال والأمة الواحدة في وصايا شمس الدين، وأسقط منظومة الحقوق والحريات لعلي شريعتي، وبات يحاربها اليوم بعد أن تدثر بها وقتل العقل الشيعي، وحول الشرق إلى مشروع صفقة بعد أن زرع هو وغلاة السنة فتنة في أصقاع عديدة، وسخر المذهب ليحول جغرافيا الشرق إلى غنيمة يتقاسمها مع الغرب؛ فإن خطاب الأمة الوسط والميثاق الإسلامي الأكبر للشرق، ليس مشروعا سياسيا، ولا نزوة قهر عاطفية، وإنما بلاغ بالحق وبلاغ للعدالة والإنصاف، وهذا سر شهادة هذه الأمة على الناس، حين اختارها خير أمة أخرجت للناس، تحمل أمانة السماء لرسالة الخطاب الإسلامي الإنساني الكبير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق