ليلى بنت الغلابه تكتب:وما مصر إلا سجن كبير !
كما توقعنا أن يصدر الحكم على الرئيس “مرسي” مسيس، للنيل منه، ولإقصائه عن المشهد السياسي حتى تستقر الأمور لسلطة الانقلاب ما شاء لها أن تحكم وتتحكم في الشعب بعد أن أقصت عن الساحة جماعة الإخوان المسلمين ومن ينتمي إليهم ومن طالب بعودة الشرعية أو نادى بالحرية أو بسقوط العسكر، واعتقلت طلبة الجامعات، ووجهت إليهم قائمة من التهم المعقدة لإرهابهم، وسلطت على الحرائر زبانية الداخلية اغتصبوهن في سيارات الشرطة، دون أن يتحرك ساكن لمن كان له قلب، وألقت أجهزة الانقلاب القبض عشوائيا على الأطفال وقدمتهم لأسرع محاكمات في تاريخ القضاء المصري، وأصدرت الآف الأحكام التي هزت الثقة في عودة العدل مع دولة الانقلاب.
بصفتي كمشاهدة على الواقع الأليم لا أجد من التعليق على حكم القضاء الذي صدر اليوم على الرئيس “مرسي” ورفاقه غير أنه رسالة “جس نبض” لقياس درجة حرارة الثوار الأحرار الذين لم يبرحوا الشوارع منذ الانقلاب اللعين على الشرعية المغتصبة حتى يومنا هذا، كما أنه رسالة تمهد لأحكام ربما أكثر قسوة إذا ما تقبل الشعب هذه الأحكام الظالمة بصدر رحب، وسلم بالأمر الواقع لكن جذوة الثوار في قمة أوجها، والتعليقات الساخرة والنكات على الأحكام المسيسة، والغضب في كل مكان يكاد أن ينفجر، هل يقبل أي عقل أن يحكم على نصف الشعب المصري أو أكثر بالإعدام شنقا، بزعم أنهم إخوان، وكأننا في شريعة الغاب يحكمنا من يمتلك الدبابة والبندقية، وسحقا لصناديق الانتخاب، أي منطق يقبل أن تتحول مصر إلى سوريا جديدة من أجل كرسي الرئاسة!
حكم اليوم لم يكن غريبا عن المشهد المألوف منذ أن وقع الانقلاب على رأس مصر كالصاعقة، واستغل “السيسي” التفويض المزعوم أو المصطنع له من قبل جنوده في سحق الشباب بعد أن أعطى تعليماته والضوء الأخضر للعسكر بـ”الضرب في المليان” وضمن لهم مطلق الحرية وأصبح ميزان العدل ذو “الكفتين” أحدهما للعسكر والأخرى لأبناء “البطة السوداء” لا يستويان، وعليه إذا ما قتل جنود السيسي أي مواطن سواء بالمسيرات أو الجامعات أو تحت التعذيب بأقسام الشرطة فإن التهمة التي توجه للقاتل تدرج تحت مسمى “شروع في قتل” حتى يكون الحكم هزلي ثم يستأنف عليه، فيخفف إلى “وقف التنفيذ” ثم ينقض بعد ذلك ليخفف إلى البراءة، بداية من حالة مبارك حتى سيارة الترحيلات، قاتل الناشطة شيماء الصباغ.
أما من يتم إلقاء القبض عليه أو يختطف عنوة دون أن يقترف ذنبا سرعان ما توجه إليه مئات التهم وتلفق له القضايا العسكرية والتخابر دون الحاجة إلى أدلة أو شهود عيان، وهذا ما حدث بالفعل مع الرئيس الشرعي “مرسي” الذي تآمروا عليه انقلبوا على شرعيته، ليحكم البلد عسكري، لم يقدم لمصر غير وعود ذهبت أدراج الرياح، ولم يستطع كائن من كان أن يسأله عن برنامجه، أو كشف حساب عن الفترة التي قضاها خلسة في الحكم غير أن كشف انجازاته يؤكد أن سجون مصر اكتظت بالبشر، وغدًا مصر تصبح سجن كبير يستوعب جميع من أنتخب “مرسي” ومن دافع عن صوته، ومن نادي بالثأر للشهداء، هذه مصر التي وعدنا بها، تأخرت عما كانت عليه مائة عام، الرعب يتجسد في كل مكان على أرض مصر لا أمان ولا استقرار ولا كسرة عيش تسد رمق المساكين، ومن يتفوه بكلمة أفٍ يلق مصيره الجلد، وكأننا نعيش الآن داخل فيلم (إحنا بتوع الأتوبيس) بحذافيره!
قضاء ليس نزيه، والميزان لم ينتصب بل منقلب، وأنتم تعلمون أن الحكم الصادر بحق الرئيس مرسي “مسيس” من ساسه لرأسه، قضيتم اليوم كيفما شاء لكم “قائد الانقلاب” الذي وجهكم، وسمعتم وأطعتم له مذعنين، اليوم غضب الله عليكم، أين الحق، أين الإنصاف، وهل حكمتم اليوم بين الناس بالعدل، أي قوة استعرضها الرئيس مرسي على متظاهري الإتحادية، هل استقوى بعضلاته أم استقوى بدباباته وجنوده، أم أنه أباد المتظاهرين عن بكرة أبيهم كما فعلها من قبل “قائد الانقلاب” في رابعة العدوية والنهضة، لو كان “مرسي” يملك من القوة العسكرية ما أسندتموه إليه ما كان هذا حاله الآن، مختطف قصرًا، من داخل قصره الجمهوري، ويمثُل أمامكم داخل قفص زجاجي داخل قفص حديدي، ولفقت له عشرات التهم الباطلة لتنال منه، وهو برئ منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وأنتم تعلمون ذلك جيدًا، ولن تنكروه يوم أن تقفوا أمام الله للسؤال، ويوم يقول لكم فيما قضيتم؟!
أي شامخ تقصدون بعد أن صدرت الآف الأحكام القضائية على جماعة الإخوان المسلمين، ومؤيدي الشرعية والمتظاهرين، ومن نادي بالحرية والعيش والعدالة الاجتماعية، ومن ندد بحكم العسكر، وعاقبتم الأطفال والفتيات والطلبة بالسجن وكفالات قصمت الظهر لتجمعون لخزينة الدولة الخربة من قوت وعرق أهالي السجناء ملايين الجنيهات، وكل قرش مصحوب بالدعوات عليكم، أي قضاء يصدق على لائحة من الاتهامات الجاهزة، والمعده مسبقا لمن يلق القبض عليه، أي شامخ يصدر أحكام الإعدام في دقائق بلا أدلة ولا براهين ولا دفاع، ولا جريمة، ويصدق عليها من المفتي في ثوان، وحجتكم مناصبكم لا يستطيع أي محام أن يجادل أو يعقب، وكأن القاضي هو الله ، ولا معقب لحكمه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق