حشد ثوري كاذب من أجل مرسي
وائل قنديل
قبل أن يتسلّم الرئيس محمد مرسي مهام منصبه، كانت عملية إرباكه قد بدأت من القوى والهيئات التي أصيبت بالاشمئناط من فوزه في الانتخابات، وبدلاً من أن يكون حلف اليمين مناسبة احتفالية مبهجة، تحوّل إلى أزمة، من خلالها أرادوا إيصال رسالة لرئيس الجمهورية مفادها "قادرون على مضايقتك وسنفعل"، حيث امتلأت الصفحات الأولى للجرائد المصرية بتصريحات عنترية من قضاة المحكمة الدستورية تقول: لو أراد محمد مرسي تولي منصب الرئاسة يومياً عليه أن يأتي إلينا في بيتنا وأعضاء البرلمان (الذي قتلته الدستورية بالضربة العسكرية القاضية) يمتنعون، وذلك رداً على مقترحات ومطالبات للرئيس بأن تتم دعوة نواب مجلس الشعب الذبيح لحضور أداء اليمين.
في صحف 29 يونيو/ حزيران 2012 تقرأ العناوين التالية في الصفحات الأولى أيضاً "ضاحي خلفان: مرسي سيأتينا زاحفاً والخارجية تستدعي سفير الإمارات"، وتقرأ أيضاً "مدنية الدولة وتطبيق الشريعة وجهاً لوجه في التحرير اليوم".
في اليوم السابق للثلاثين من يونيو، يوم تسلّم مرسي السلطة رسمياً، كانت القوى السياسية قد دعت لأول مليونية في عصره تحت شعار "مليونية صلاحيات الرئيس"، وهو شعار جميل وجذاب، ظاهره الدعم وباطنه العرقلة، ذلك أن المؤيدين، وكذلك المتربصين، وضعوا في ذلك أول عصا في دولاب الرئاسة، إذ كانت القوى التي تسمي نفسها مدنية تعلن أنها لن تغادر الميدان قبل انتزاع مدنية الدولة، فيما قرر جمهور السلفيين الاعتصام في الميادين، حتى تطبيق الشريعة الإسلامية، ولعلّ هذه كانت واحدة من العلامات المبكرة لما يمكن أن تطلق عليه "التنطع في الثورة"، اجتراراً لتلك البذور السامة التي شقت معسكر الثورة، لحظة دعوة المجلس العسكري إلى استفتاء على إعلانه الدستوري في 19 مارس/ آذار 2011.
ويدهشك أن الرئيس المنتخب استبق هذه الحالة من "الحشد الثوري الكاذب" بلقاءات موسعة مع ممثلي الأحزاب والتيارات المختلفة، شدد فيها على تمسكه بما ورد في وثيقة الأزهر، وما نصت عليه من "دولة مدنية حديثة"، داعياً الأحزاب إلى دعمها.
وفي اليوم نفسه، تقرأ أن عدداً من الشخصيات السياسية دشنت تياراً شعبياً لمواجهة الاستقطاب بين دولتي العسكر والإخوان.. عنوان لطيف، لكنه كاذب وخادع، لأن كل الشخصيات التي دعت إلى ذلك كانت، بعد أقل من خمسة أشهر، تروساً في ماكينة الانقلاب الذي أعاد دولة العسكر.
ولا يقل كذباً وتدليساً وبهتاناً سياسياً وأخلاقياً، عن هذا العنوان، الشعار الذي رفعه السلفيون "لن نترك الميادين قبل تطبيق الشريعة"، ذلك أنهم تحولوا في ما بعد، أيضاً، إلى مطايا مطيعة لدولة الانقلاب العسكري، وخلعوا كل شعاراتهم وهتافاتهم الصاخبة، ولم يعد أحد يسمع لهم صوتاً، ولو همساً، عن تطبيق الشريعة، وباتوا يزايدون على الجميع في تقديم فروض الخضوع للعسكر، بعد أن كانوا أحد الأسباب الرئيسية التي فجرت تأسيسية دستور 2012 بإصرارهم على حذف كلمة "مدنية" من تعريف الدولة.
خلاصة القول إن عمليات الحفر، في السر والعلن، أسفل مقعد الرئيس الجديد قد بدأت قبل تسلّمه مهام منصبه، حتى إذا استقر في القصر، تحرّكت الحشود لمحاصرته، حتى جاءت لحظة الاتحادية التي كان أتباع أحمد شفيق يعلنون أن جنرالهم سيصل إلى مطار القاهرة خلال ساعات، وسيحملونه فوق الرؤوس، ويدخلون به القصر الرئاسي.
وباختصار شديد، يمكنك القول، من دون أن تتجنى على أحد، إن من يسمون "الرموز الثورية" في جبهة الإنقاذ ارتضوا أن يلعبوا دور الواجهة "الثورية" لانقلاب أحمد شفيق، الذي كان من الطبيعي أن يحقق تقدماً في ظل الرعاية الشاملة من مؤسسات الدولة العميقة، وهو الأمر الذي أغرى وزير الدفاع بالتفكير في مسألة اختطاف الكرة والملعب والجمهور.. ولمَ لا، وقد ظهر لديه مدير فني من طراز رفيع، بخبرة الأستاذ محمد حسنين هيكل، فضلاً عن وجود فريق كامل ممّن بنوا شهرتهم الثورية بالهتاف "يسقط حكم العسكر"، تحوّل أعضاؤه فجأة إلى مشجعين لاقتحام الجيش للساحة والظفر بالكأس!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق