القوات المسلحة المصرية وتجديد الامبراطورية الاقتصادية
شانا مارشال
اكتسب الجيش المصري نفوذاً غير مسبوق منذ أن أشرف على إطاحة رئيسَين مصريَّين، هما حسني مبارك في العام 2011 ومحمد مرسي في العام 2013. ومع تهميش أبرز المنافسين السياسيين، والحصول على مايزيد عن 20 مليار دولار من المساعدات الخليجية ودعم محلي واسع النطاق للمشير عبد الفتاح السيسي الذي أصبح رئيساً، استأنفت القوات المسلحة المصرية عملياتها الصناعية المتهالكة، وضمنت السيطرة على مشاريع البنى التحتية الضخمة، وأدخلت جنرالات إلى مناصب الحكم كافة تقريباً. لكن التمدّد الزائد للنفوذ السياسي والخصومات الداخلية، قد يشكلان عقبة في وجه سيطرة القوات المسلحة المصرية على المدى الطويل.
استعادة النفوذ
منذ الانتفاضة التي أطاحت مرسي، أثبتت القوات المسلحة المصرية أنها الحَكَم الأخير في النظام الاقتصادي والسياسي في مصر.
أصبحت القوات المسلحة المصرية المُشرِف والمُراقِب الأول على الاقتصاد المصري، من خلال حماية الأصول الاستراتيجية لشركائها الاستثماريين الأساسيين في حقبات الاضطراب، والسيطرة على عملية مناقصات المشتريات الحكومية الأساسية.
أذعنت حكومة الإخوان المسلمين التابعة لمرسي إلى العديد من المطالب الأساسية للقوات المسلحة المصرية. لكن الاتفاق المؤقّت سقط عندما حاول مرسي تهميش الجيش في المشاريع الكبرى مثل تطوير قناة السويس ومشروع "توشكا"، وهو مشروع لاستصلاح الأراضي.
يواصل السيسي جذب دعم واسع من المستثمرين الدوليين والحكومات الأجنبية، ولاسيما السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين حلّتا مكان الولايات المتحدة بصفتهما الراعيَين الأساسيَّين للنظام.
السيناريوهات المستقبلية
الانقسامات في الجيش يمكن أن تطفو إلى السطح. قد يتسبّب تصاعد نفوذ حلفاء الجيش الجدد بانشقاقات كانت مغمورة، في سياق صراع الأجنحة للحصول على حصة في الحقل الاقتصادي والسياسي الجديد.
الأدلة التي تشير إلى أن الجيش عمل في الكواليس لإثارة الاحتجاجات وإضعاف خصومه قد تُضعِف نفوذه. المعلومات التي بدأت تظهر في أواخر العام 2014 حول دور الجيش المباشر في تمويل الاحتجاجات المناهضة لمرسي، وتلاعب القيادة الواضح بالنظام القضائي والإعلام، قد تدقّ في ناهية المطاف إسفيناً بين النظام وداعميه الليبراليين.
الديمومة المؤسّسية للجيش قد تضاهي تطلّعاته الاقتصادية والسياسية. قلق الجيش الأكبر ليس التهديد الذي يمكن أن تتعرّض إليه امبراطوريته الاقتصادية، بل عودة الاحتجاجات واسعة النطاق ضد الحكومة. إذا اضطرت حكومة يقودها الجيش إلى الطلب من القوات المسلحة قمع الاحتجاجات عن طريق العنف، فقد يواجه هو خطر حصول انشقاق داخلي وأزمة شرعية.
من المرجّح أن تواصل الحكومة الأميركية مساعدتها الجيش، على الرغم من فشل البرنامج في حثّ القوات المسلحة المصرية على الإصلاح أو تحسين إجراءات مساءلتها. هذه الشراكة، التي جرى التأكيد عليها من خلال رفع الحظر الأميركي المؤقّت على الأسلحة المقدّمة إلى مصر في آذار/مارس 2015، ستضع مسؤوليةً سياسيةً أكبر على كاهل واشنطن، في ظل تواصل العنف ضد المدنيين المصريين.
مقدّمة
غالباً ماتُكنّى القوات المسلحة المصرية بـ"الصندوق الأسود"، خاصة حين يتعلَّق الأمر بدور هذه المؤسسة في الاقتصاد المحلي. فمعظم قطاعات الاقتصاد التي يديرها الجيش تبدو خفية، كما أن مصادر نفوذ القوات المسلحة غير واضحة المعالم، مثل المقاعد البرلمانية المنوطة اسمياً بالعمّال والفلاحين.1
لكن أي تدقيق عن كثب في المؤسسات الغامضة على وجه الخصوص خلال حقبات الاضطراب السياسي، يمكن أن يُميط اللثام عن تبصّرات مهمة لاتبان للعيان في ظروف الحياة اليومية. وهذا هو الحال بالفعل في مصر، حيث تسنّمت السلطة العسكرية الغامضة أدواراً سياسية قوية وأكثر علانية بشكل متزايد منذ ثورة 2011 التي أطاحت حسني مبارك. فقد كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو الهيئة الصغيرة من كبار الضباط التي يلتئم شملها فقط في مراحل الحرب أو الأوضاع الطارئة، هو الذي أمسك بزمام الأمور وحكم البلاد إلى أن جرى انتخاب محمد مرسي، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، رئيساً في حزيران/يونيو 2012. وحين أُطيح مرسي في انقلاب بعدها بسنة واحدة، سيطرت مجدداً حكومة مؤقّتة يدعمها الجيش على أمور السلطة، وأُنيطَت بها مهمة الإشراف على جولة جديدة من الانتخابات التي انتهت بانتخاب وزير الدفاع السابق الفريق أول عبد الفتاح السيسي رئيساً في أيار/مايو 2014.
لقد أجبر تسلّم القوات المسلحة المصرية السلطة السياسية الرسمية، قيادة المؤسسة على اتخاذ جملة من الخطوات الاستثنائية، ليس أقلّها إصدار بيانات رسمية دفاعاً عن الأنشطة الاقتصادية للجيش، وهي الأنشطة التي كانت تُعتبَر في السابق من أسرار الدولة. ففي مؤتمر صحافي عقده المجلس الأعلى في ربيع العام 2012، كشف نائب وزير الدفاع للشؤون المالية آنذاك، اللواء أركان حرب محمد نصر، النقاب عن العائدات السنوية للأنشطة الاقتصادية للجيش (198 مليون دولار)، وعن نسبتها في ميزانية الدولة (4.2 في المئة).2 بيد أن نصر امتنع عن تقديم أي أدلة تدعم مثل هذه الأرقام. ومع ذلك، مجرد اتخاذ الجيش قراراً بالردّ رسمياً على الانتقادات العلنية القوية عن مدى انخراطه في الشأن الاقتصادي، كان بمثابة علامة تحوّل فارقة عما كان يجري في الماضي.
والحال أن جهود القوات المسلحة للمناورة بين مراكز القوة السياسية الأخرى في البلاد- أساساً جماعة الإخوان المسلمين ومايُدعى بـ"الفلول" من عهد مبارك-، جرت على خلفية انهيار الحكم السلطوي، ماجعل الموارد الاقتصادية والممارسات السياسية للجيش واضحةً للعيان بطريقة غير مسبوقة. سلَّطت الصراعات اللاحقة التي خاضها الجيش لاستعادة السيطرة على مؤسسات مهمة، الضوء على كيفية استخدام القوات المسلحة نفوذها المؤسسي لتمويل عملياتها، ولتوفير علاوات على الرواتب لسلك الضباط، وإدارة الاقتصاد السياسي المحلي.
والآن، تتنافس قوى دولية عدة – من دول الخليج إلى اليابان وروسيا – للتأثير على القيادة السياسية الجديدة في البلاد. وهذا مايفرض تحدياً أساسياً للتفوّق الدبلوماسي الذي حظي به لعقود صنّاع القرار في واشنطن. وتمثّل ردّ فعل هؤلاء الأخيرين على هذا التنافس في الدعوة إلى زيادة المساعدات العسكرية لمصر وتقليص الانتقادات للحكومة الجديدة.
تتنافس قوى دولية عدة للتأثير على القيادة السياسية الجديدة في البلاد. وهذا مايفرض تحدياً أساسياً للتفوّق الدبلوماسي الذي حظي به لعقود صنّاع القرار في واشنطن.
لكن، حتى ولو ضاعفت واشنطن مبلغ الـ1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية سنوية لمصر، فمثل هذا الرقم يتقزّم أمام نحو 20 مليار دولار ضخّتها دول الخليج كمساعدات مالية إلى خزينة النظام منذ العام 2013. وبالتالي، لامال واشنطن ولاخطبها البلاغية المنمّقة يمكن أن ينتزعا تغييرات رئيسة من الحكومة المصرية. الرهان الأكثر حكمة هو أن تقوم الولايات المتحدة بالضغط على حلفائها الخليجيين كي يضبطوا سلوكيات النظام الأكثر إيغالاً في التجاوزات، بما في ذلك مواصلة القمع العنيف لنشطاء المعارضة.
تطوُّر الاقتصاد العسكري المصري الحديث
يمكن إدراج النفوذ المعاصر للقوات المسلحة المصىرية في السياق الأعرض للقومية العربية في خمسينيات القرن العشرين، وأيضاً في إطار أنموذج التنمية السائد آنذاك، والذي حدّد الجيش على أنه طرف رئيس في التصنيع المحلي والتحديث الاقتصادي. وتحت شعار التنمية التي تقودها الدولة، احتّل القطاع العام دوراً مركزياً في النمو الاقتصادي، وأصبح الجيش المصري قاطرة الصناعة والمزوِّد للخدمات العامة. والواقع أنه حتى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية اعتبرت القوات المسلحة المصرية الشريك المفضّل لإبرام العقود.
في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، الذي قاد مصر من العام 1954 إلى العام 1970، وُجِّهَت موارد الدولة نحو الجيش الذي لعب مهندسوه ومقاولوه الدور الرئيس في مشاريع استصلاح الأراضي، وإقامة البنى التحتية العامة، وتوفير السلع الأساسية، والصناعة المحلية للأجهزة الاستهلاكية والإلكترونات، وكذلك إنتاج السلع الصناعية والزراعية كالفولاذ والسماد. علاوة على ذلك، تم تعيين ضباط من رتب عالية مكان مدراء المصانع المدنيين.3 وقد أدّى وجود هؤلاء الإداريين العسكريين في مختلف المؤسسات التي تملكها الدولة والمؤسسات شبه العامة، إلى خلق قاعدة نافذة تستهدف دعم الوجود المتواصل للقوات المسلحة في الاقتصاد.
في عهد خليفة عبد الناصر، أنور السادات، حدث تحوُّل محدود في الأنشطة الإنتاجية للجيش، حيث جرى التركيز على الصناعات الأكثر ارتباطاً بالدفاع. بيد أن السادات لم يؤسّس وحسب الهيئة العربية للتصنيع لهدفٍ رئيسٍ هو صناعة الطائرات العسكرية، بل حوّل أيضاً تركيز مصر الدبلوماسي من الاتحاد السوفييتي إلى الولايات المتحدة. وهذا يعود جزئياً إلى أن الأميركيين كانوا مصدراً يُعتَدّ به أكثر للعتاد العسكري والتكنولوجيا والتدريب. ثم، فيما شدّد السوفييت على نقل المعدات الجاهزة، ضُخَّت دولارات المساعدات العسكرية الأميركية التي ترافقت مع السلام الذي أبرمه السادات مع إسرائيل، إلى الإنتاج الحربي المحلي بالتحديد، بما في ذلك إعادة تأهيل مصانع الأسلحة التي بناها الأوروبيون قبل عقود.4
في عهد مبارك، الذي أصبح رئيساً بعد اغتيال السادات في العام 1981، بدأ موقع القوات المسلحة التاريخي، بوصفها مهندسة تحديث مصر، بالتآكل بشكل كبير. بيد أن الجيش تمكّن من الحفاظ على لائحة طويلة من الامتيازات المالية والصناعية، بما في ذلك الوقود المدعوم، والسيطرة على قطاع العقارات المُربِح، وعمل المجندين، واستخدام الأذونات الخاصة، وممارسة إشراف خارج عن القانون في قطاعات تتراوح من البتروكيماويات إلى السياحة. لكن العائدات الاقتصادية لهذه الامتيازات تراجعت بعد أن خسرت الدولة المصرية قوة السوق أمام المستثمرين الخاصين والدائنين الدوليين. وفي الوقت نفسه، أسفر الانحدار السريع للاستثمارات العامة إلى تقليص عائدات الجيش الراسخة سابقاً، والتي استخدمها لدعم قاعدته الصناعية وتوفير الوظائف لعناصره.
اجتذاب الاستثمار في عهد مبارك
عمد قادة الجيش، في سبيل تحصين أنفسهم ضد حملة حكومات مبارك للتحرير الاقتصادي والخصخصة، إلى تنويع محفظة القوات المسلحة الاقتصادية الدولتية عبر الحصول على تمويلٍ وتكنولوجيا من مصادر القطاع الخاص الأجنبي والمحلي، وأيضاً عبر شراكات مشتركة مع مروحة من رجال الأعمال غير العسكريين والمصالح الأجنبية.5
منحت هذه العمليات من التمويل والمصادر التكنولوجية الجديدة القوات المسلحة مداخل إلى حلقات الإمدادات العالمية في صناعات تتراوح من صناعة السيارات وإنتاج أجهزة الكومبيوتر، إلى إعادة تدوير مياه الصرف الصحي وصنع الألواح الشمسية. كما نشطت القوات المسلحة للحفاظ على دورها كمزوِّد محلي ومتعاقد من الباطن في مشاريع البنى التحتية – على غرار مزارع الريح - التي يموّلها مانحون أجانب.6 إضافة إلى ذلك، نجحت القوات المسلحة في الحصول على استثمارات صغيرة في بعض المشاريع الجاذبة للاهتمام العام، التي شكّلت عنصراً مهماً في البرنامج الاقتصادي لعهد مبارك – بما في ذلك منشآت حاويات البضائع التي بُنيَت في المرافئ البحرية المصرية.
هذه المشاريع المشتركة تُعتبَر استثمارات مهمة جديدة من طرف مصارف الدولة والمقرضين الدوليين، ومن كتل شركات شحن ضخمة في حالة النقل البحري. وقد أشعلت الاستثمارات الخاصة الكثيفة في قطاع الموانئ المصري النمو في صناعات تكميلية بقيت فيها القوات المسلحة نشطة، مثل خطوط السكك الحديدية الداخلية، وصنادل توفّر النقل عبر نهر النيل.7 ولأن العديد من هذه المشاريع المشتركة نُظِّمت من قِبَل شركات قابضة تحت سلطة وزارة الاستثمار، فإن الدولة المصرية كانت عُرضَةً إلى خسائر مالية محتملة، فيما القوات المسلحة لها سيطرة كأمر واقع على العائدات.8 هذا الترتيب لم يغِب عن بال محلّلي الاستثمارات الإقليميين الذين سلطوا الضوء على "الدعم الكامل" للحكومة، الذي تمتّعت به هذه الشركات القابضة بوصفه عاملاً يجب أن يتدارسه المستثمرون المفترضون وهم يدقّقون في مدى قابلية عمليات الدعم والمشاريع المشتركة للاستمرار.9
والحال أن مثل هذه الثقة من جانب المستثمرين، هي التي كانت تدور في خلد الجيش حين استنفر لحماية أرصدته الاستراتيجية المتعلقة بشركاء الاستثمار في القطاع الخاص الجاذب للاهتمام العام، خلال قلاقل 2011- 2012 التي شملت القمع العنيف لتظاهرات عمالية هدّدت الإنتاج في مواقع أساسية.
عمد قادة الجيش، في سبيل تحصين أنفسهم ضد حملة حكومات مبارك للتحرير الاقتصادي والخصخصة، إلى تنويع محفظة القوات المسلحة الاقتصادية الدولتية عبر الحصول على تمويلٍ وتكنولوجيا من مصادر القطاع الخاص الأجنبي والمحلي، وأيضاً عبر شراكات مشتركة مع مروحة من رجال الأعمال غير العسكريين والمصالح الأجنبية.5
منحت هذه العمليات من التمويل والمصادر التكنولوجية الجديدة القوات المسلحة مداخل إلى حلقات الإمدادات العالمية في صناعات تتراوح من صناعة السيارات وإنتاج أجهزة الكومبيوتر، إلى إعادة تدوير مياه الصرف الصحي وصنع الألواح الشمسية. كما نشطت القوات المسلحة للحفاظ على دورها كمزوِّد محلي ومتعاقد من الباطن في مشاريع البنى التحتية – على غرار مزارع الريح - التي يموّلها مانحون أجانب.6 إضافة إلى ذلك، نجحت القوات المسلحة في الحصول على استثمارات صغيرة في بعض المشاريع الجاذبة للاهتمام العام، التي شكّلت عنصراً مهماً في البرنامج الاقتصادي لعهد مبارك – بما في ذلك منشآت حاويات البضائع التي بُنيَت في المرافئ البحرية المصرية.
هذه المشاريع المشتركة تُعتبَر استثمارات مهمة جديدة من طرف مصارف الدولة والمقرضين الدوليين، ومن كتل شركات شحن ضخمة في حالة النقل البحري. وقد أشعلت الاستثمارات الخاصة الكثيفة في قطاع الموانئ المصري النمو في صناعات تكميلية بقيت فيها القوات المسلحة نشطة، مثل خطوط السكك الحديدية الداخلية، وصنادل توفّر النقل عبر نهر النيل.7 ولأن العديد من هذه المشاريع المشتركة نُظِّمت من قِبَل شركات قابضة تحت سلطة وزارة الاستثمار، فإن الدولة المصرية كانت عُرضَةً إلى خسائر مالية محتملة، فيما القوات المسلحة لها سيطرة كأمر واقع على العائدات.8 هذا الترتيب لم يغِب عن بال محلّلي الاستثمارات الإقليميين الذين سلطوا الضوء على "الدعم الكامل" للحكومة، الذي تمتّعت به هذه الشركات القابضة بوصفه عاملاً يجب أن يتدارسه المستثمرون المفترضون وهم يدقّقون في مدى قابلية عمليات الدعم والمشاريع المشتركة للاستمرار.9
والحال أن مثل هذه الثقة من جانب المستثمرين، هي التي كانت تدور في خلد الجيش حين استنفر لحماية أرصدته الاستراتيجية المتعلقة بشركاء الاستثمار في القطاع الخاص الجاذب للاهتمام العام، خلال قلاقل 2011- 2012 التي شملت القمع العنيف لتظاهرات عمالية هدّدت الإنتاج في مواقع أساسية.
حماية شركاء الاستثمار ومواقع الإنتاج
أدّى الفراغ الفوري في السلطة غداة إطاحة مبارك – وهو فراغ ضخَّمته عقود من قمع المعارضة وترصُّدها – إلى جعل الجيش الطرف الأقوى في المعادلة السياسية. وقد زادت سيولة المشهد السياسي المصري التي تلت ذلك، القيمة المُتصورَّة للجيش كشريك استثماري إلى حدّ كبير. كما سمحت القيادة للقوات المسلحة بإطلاق العديد من الإشارات إلى مستثمرين محليين، منها:
1-الجيش قادر على ضمان استمرار الحصانة إزاء الإشراف الحكومي على مؤسساته (وشركائه في العمل).
2-خلال فترات الاضطراب المُلتهبة، يوفّر الاستثمار، إلى جانب الذراع القهرية للدولة، أمناً مضافاً للأصول المُكلِفة.
3-التهميش والاضطهاد المُحتمَلان لرجال الأعمال المرتبطين بعهد مبارك، والذين تعرّضوا إلى الخزي والعار، يمكن أن يُشرّعا الأبواب والنوافذ أمام فضاء استثماري جديد، ويؤدّيا إلى إعادة بيع أصول مخصخصة سابقاً تابعة للدولة، بما في ذلك الأراضي.
أبدى العديد من الشركات والمستثمرين الدوليين استجابة لهذه الرسالة، وباتوا متشوقّين لاسترضاء الجنرالات بأمل ممارسة نفوذ على الاقتصاد في حقبة مابعد الثورة.10 وكانت إحدى المحصّلات السريعة هي التكثيف السريع والتوسُّع في عقود الإنتاج المشترك للأسلحة التي وُقِّعَت في الأيام الأخيرة من عهد مبارك، وأيضاً خلال الولاية المبكّرة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وعلى الرغم من أن الإنتاج المشترك بين القوات المسلحة المصرية وشركات الدفاع الأجنبية قائم على قدم وساق منذ سنوات طوال، إلا أنه فشل في توليد أي عقود تصدير ذات شأن للجيش المصري، عدا الصفقات التي تتضمّن فوائض، أو أنظمة تُعدّل أهدافها لصالح دول فقيرة لاتستطيع تحمُّل أعباء بدائل أفضل، أو مبيعات تتم بإشراف رعاية أميركية.11 بيد أن كل ذلك بدأ يتغيّر في سنوات الهزيع الأخير من حكم مبارك. وقد أظهر تقرير من السفارة الأميركية في القاهرة، في العام 2010، أن طلبات نقل التكنولوجيا من سلطة التسلّح المصرية ازدادت بشكل ملموس خلال السنة الماضية. وهذا عكس رغبة الجنرالات في توسيع صادرات الأسلحة التي تحتوي تكنولوجيا أميركية، بما في ذلك احتمال بيع دبابات M1A1 للعراق، وذخائر للسعودية، ودعم تقني لترسانة تركيا من صواريخ "هوك".12 وخلال الفترة نفسها، طلب مسؤولون في القوات المسلحة أيضاً الإذن الأميركي للسماح لمسؤولين من تونس والعراق بالقيام بجولات في منشآت الإنتاج العسكري.13
مع تداعي سلطة مبارك، ضاعف الجيش جهوده لإبرام اتفاقات إنتاج مشترك مع شركات دفاع أجنبية، الأمر الذي لم يعنِ فقط توفير فرص أفضل لصادرات مستقبلية، بل أيضاً الحصول على مداخل إلى تكنولوجيات جديدة ومواقع محتملة للضباط في مشاريع مرموقة. وعلى سبيل المثال، في 11 شباط/فبراير – تماماً حين كان مبارك يتأرجح على شفير الاستقالة القصرية – أعادت البحرية المصرية التفاوض حول عقد بقيمة 13 مليون دولار مع شركة "سويفتشيب" Swiftship سبق أن وُقِّع في العام 2008. ونصّ العقد المعدَّل، الذي زادت كلفته بنحو 20 مليون دولار لسفن الدورية الأربع نفسها التي وردت في العقد الأصلي، على أن يشارك حوض مصري لبناء السفن في تجميع هذه السفن وإنتاجها. وتضمّن أيضاً نقل التكنولوجيا، وبناء منشآت جديدة، واستيراد معدات رأسمالية جديدة، وعقوداً طويلة الأمد لقطع الغيار والتصليحات، وتدريباً جديداً للعنصر البشري.
أما الإشارة النهائية على أن القوات المسلحة المصرية لاتزال منفتحة على النشاط الاقتصادي، فجاءت بعد ذلك بخمسة أشهر، أي في تموز/يوليو، حين أعلنت الولايات المتحدة (على الرغم من تواصل العنف ضد المتظاهرين ونزول مئات الآلاف إلى ساحة التحرير ضد حكومة المجلس الأعلى للقوات المسلحة) عن القسط الحادي عشر من برنامج الإنتاج المشترك لدبابة M1A1، وقيمته 1.3 مليار دولار.
في أيلول/سبتمبر 2011، وأيضاً في خضمّ التظاهرات، وقّعت الشركة التركية Yonca-Onuk JV اتفاقاً مع مصر لصنع ستّ سفن دورية مسلّحة في الحوض البحري التابع للقوات المسلحة المصرية في الاسكندرية.14 وقبيل هذه الصفقة، بدأ بالفعل التعاون الإنتاجي المشترك بين تركيا ومصر في مناسبة واحدة، لكن هذا تم بحّثٍ مباشر وعاجل من واشنطن.15 وبسبب تضافر كلٍّ من نفوذ القوات المسلحة المتنامي والمتضخّم والحصانة المنيعة المفترضة لبرنامج المساعدة العسكرية الأميركية (التي توفِّر جلّ مشتريات ميزانية الدفاع المصرية)، فقد تزايدت جاذبية القوات المسلحة كشريك لشركات الدفاع الأجنبية.
وفي سبيل تعزيز ثقة شركاء الاستثمار، أصدرت القوات المسلحة مروحة من الإشارات أبدت خلالها استعدادها للعمل للحفاظ على الأمن والنظام مهما كلّف الأمر، بما في ذلك تشويه سمعة المحتجّين على أنهم سفّاكون. كما عمدت إلى فضّ الإضرابات بعنف، وأطلقت تهديدات غريبة – مثل الإعراب عن نيّتها إنهاء إضراب خطوط السكك الحديدية من خلال تجنيد منتهكي القانون مباشرة في الجيش- . وحين احتلّت عمليات التوقّف عن العمل صدر الأخبار، سارع المسؤولون العسكريون إلى تطمين المراقبين بأن العمل سيُستأَنف كالعادة من دون عرقلة.16
نشرت القوات المسلحة جنوداً لحماية أصول شركائها من الشركات. وخلال انتفاضة العام 2011، زُوِّد الفرع المصري لمجموعة الخرافي الكويتية، التي لها عدد من المشاريع المشتركة مع القوات المسلحة المصرية،17 بحرسٍ مسلّح لضمان التسليم الآمن للمعدات إلى مصنعه للطاقة (مصنع الشباب). ووفقاً لنشرة إخبارية أصدرتها الشركة:
قدّم الجيش المصري القوات، معززةً بالدبابات، لحماية مواقع الطاقة الرئيسة في الشباب ودمياط. كما استخدم الجيش المصري العناصر العسكرية المسلحة لمرافقة نقل قطع كبيرة من المعدات لطوربينات الغاز من مرفأ الإسماعيلية إلى موقع الشباب.18
وعلى الرغم من الاضطرابات، أعلنت مجموعة الخرافي بسرعة عن استثمارٍ بقيمة 80 مليون دولار لتوسيع البنى التحتية الصناعية في مصر.
وبالمثل، وفي حين أُرجِئ العديد من الصفقات المالية في خضم الشكوك حول خليفة مبارك، لم تؤخِّر حكومة المجلس الأعلى للقوات المسلحة أنشطة شركات الأسهم الخاصة التي تتضمّن صفقاتُها شركات ومستثمرين لهم روابط وعلاقات بالجيش. إحدى هذه الشركات، "سيتادل كابيتال" Citadel Capital (الآن شركة القلعة)، استحوذت على شركة خدمات كبرى في العام 2009 كان رئيسها جنرال متقاعد. وفي خريف العام 2011، وعلى الرغم من الاضطرابات المتفاقمة واستمرار الالتباسات والشكوك، تمكّنت الشركة من تأمين قرض ضخم دعمته شركة الاستثمار الخاص الخارجي التابعة للحكومة الأميركية.19
أما شركات الأسهم التي ليس لديها تاريخ من التعامل مع الجيش – مثل تلك المرتبطة بجمال نجل حسني مبارك الأصغر – فهي كانت أقل حظاً.20 وكذا الأمر بالنسبة إلى شركات مرتبطة (أو يُعتقَد أنها مرتبطة) بجماعة الإخوان المسلمين. وكما أن الشرطة العسكرية تخلّت استراتيجياً عن حماية القصر الرئاسي والمستشفيات العامة الكبرى، في مسعًى إلى تقويض سلطة مبارك (وسلامته الشخصية) خلال أحداث مفصلية كبرى، كذلك حُرِمَت الشركات المرتبطة بالإخوان المسلمين من نوع الحماية الأمنية والبوليسية التي وُفِّرَت للشركات الشريكة للجيش على غرار مجموعة الخرافي.21
قمعت القوات المسلحة التظاهرات العمّالية التي اندلعت على مقربة من العمليات الاقتصادية الكبرى التي للجيش مصالح مالية مباشرة فيها – بما في ذلك مصانع معالجة البتروكيماويات، ومناطق التصدير، والمرافئ البحرية، ومشاريع التصنيع متعدّدة الجنسيات. وكان هذا صحيحاً على وجه الخصوص في السويس، حين اشتبك عناصر الشرطة العسكرية (وأفراد الشرطة السرّية من وزارة الداخلية) مع المحتجّين والعمّال المضربين.22 كما قامت الشرطة العسكرية بفضّ إضرابات في مطار القاهرة – حيث المواقع الإدارية العليا والتنفيذية في هذا الصرح كانت محفوظة للضباط المتقاعدين كنوعٍ من برنامج تقاعد غير رسمي.23
بالمقارنة، كان تدخّل الجيش بطيئاً في عهد مبارك. وقد نجحت الاحتجاجات والتظاهرات العمّالية في عرقلة الأعمال في العين السخنة (على البحر الأحمر)، وأغلقت المنشآت الشرقية لمرفأ بور سعيد لثلاثة أيام في ربيع العام 2013؛ وحوّلت العديد من شركات الشحن البحرية طرقها وأفرغت حمولتها في إسرائيل لتجنُّب التأخير. لكن العمل استُؤنِف في نهاية المطاف في كلا الموقعين بعد انتهاء المفاوضات مع القادة النقابيين. لكن، وحين لم تُطبَّق الاتفاقات بعد نحو السنة في ظل حكومة السيسي الجديدة، تم إرسال قوات الشرطة والجنود من الجيش الثالث لتفريق المضربين في بور سعيد وفي العين السخنة، وعمد أفراد الشرطة العسكرية إلى تفريغ السفن المُنتظرة وخدمتها بأنفسهم.24 هذه المقارنة الفاقعة في ميل الجيش إلى التدخّل، تشي بوجود استراتيجية هادفة مُصمَّمة لمفاقمة التعثّرات الاقتصادية لحكومة حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين.25
طيلة فترة مابعد الثورة، استخدم المجلس الأعلى للقوات المسلحة استثماراته الاستراتيجية للتأثير على أسلوب تغطية الأخبار. وفي البيانات العامة التي تُبرِز ماوصفه اللواء الركن نصر بالمساهمات الخيرية للقوات المسلحة المصرية في الاقتصاد المصري، تحدّث نصر عن منح 58 مليون دولار إلى اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري. لكن مالَم يفصح عنه هو أن الهيئة العربية للتصنيع التابعة للجيش مُستثمِرة إلى جانب الاتحاد في شركة الفضائية المصرية. وهذه الشركة، المعرفة بـ"نايلسات"، أثبتت أنها شريك يُعتَدّ به للجيش في الثورة المضادة في خريف العام 2013، حين منعت فضائية الجزيرة من استخدام قمرها الاصطناعي لبثّ صور عن الأزمة المتواصلة في مصر.26 (وهذه لم تكن المرة اليتيمة التي تُستهدَف فيها الجزيرة. فقد حُكِم على ثلاثة صحافيين من هذه المحطة، التي تتّخذ من قطر مقراً لها، بالسجن لمدد طويلة في حزيران/يونيو 2014، بعد أن أُدينوا بتُهمَ مشكوك بصحّتها تتعلّق بتشويه الأخبار ومساعدة جماعة الإخوان المسلمين.27
تحالف مع الإخوان المسلمين
ساعدت أيضاً الخطوات التي اتّخذتها قيادة القوات المسلحة لتشكيل النظام السياسي، في فترة مابعد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الجيشَ في الحفاظ على سيطرته المؤسّسية على موارد اقتصادية رئيسة، بل وتوسيعها كذلك. فقد نجح الجيش في الحصول على ضمانات دعم (أو على الأقل عدم التدخّل) في قضايا أساسية من جانب القيادة المُنتخَبة لحزب الحرية والعدالة. كما حاول القادة العسكريون توجيه السياسة الاقتصادية العليا في اتجاه يُفيد على نحو انتقائي عملياتهم، وانخرطوا في حمأة مناورات سياسية حذقة وبارعة، هدفت إلى تهميش أو استلحاق العديد من مراكز القوى التابعة للنظام السابق.
العديد من السياسات التي مورِسَت في حقبة مابعد الثورة من جانب كلٍّ من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومرسي (على غرار وقف دعم الوقود لمؤسسات الصناعية)، لم تشكِّل تهديداً يُذكَر للأنشطة الاقتصادية للجيش، لأن بنود الدعم للجيش غير منصوص عليها في التنظيمات، وبالتالي لاتتأثر بقطع الدعم.
والواقع أن العديد من السياسات التي مورِسَت في حقبة مابعد الثورة من جانب كلٍّ من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومرسي (على غرار وقف دعم الوقود لمؤسسات الصناعية)، لم تشكِّل تهديداً يُذكَر للأنشطة الاقتصادية للجيش، لأن بنود الدعم للجيش غير منصوص عليها في التنظيمات، وبالتالي لاتتأثر بقطع الدعم. ولأن الميزانية العمومية للجيش (وبالتالي أيضاً أكلافها من الطاقة) أُبقيَت سرّية، فقد بدا المجلس الأعلى للقوات المسلحة أنه صانع قرار مسؤول مالياً، لكن في الحقيقة وقع العبء بشكل غير متناظر على منافسي الجيش.
لكن الأكثر أهمية أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ضَمَنَ أن الأحزاب السياسية الرئيسة المشتركة في النظام الانتخابي الجديد، ستدعم استمرار حصانة الجيش من الرقابة على الموازنة. وعلى الرغم من بعض المطالب الأوّلية لفرض المحاسبة،28 لم يستطِع جهاز الكسب غير المشروع تطبيق السلطان القضائي على الضباط العسكريين، وهذا يعود جزئياً إلى أن العديد من الخبراء القضائيين وضعوا الأولوية لملاحقة عصبة رجال الأعمال وثيقة الصلة بمبارك، بدلاً من وضع الجيش تحت السلطة القضائية المدنية.
بيد أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن المبادئ الدستورية نفسها التي تضمّنت الحصانة القانونية للجيش، والتي أثارت سابقاً إدانة عنيفة وقاسية من قِبَل حزب الحرية والعدالة، أُدخِلَت في خاتمة المطاف إلى الدستور الذي عُرِضَ على مرسي في كانون الأول/ديسمبر 2012. 29 كما تم في الدساتير اللاحقة ضمان إعفاء الجيش من الحظر على العمل الإجباري (ماسمح باستمرار نظام أعمال الخدمة في الجيش)، وأيضاً ضمان سريّة المؤسسات المالية الخاصة بالقوات المسلحة. وقبل ذلك، كانت جماعة الإخوان المسلمين قد ضبطت بحزم أنصارها الشباب وحفّزتهم على عدم المشاركة في الاحتجاجات المناوئة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، في الأشهر التي سبقت الانتخابات البرلمانية والرئاسية في العام 2012، كما أفرغت المطالب الخاصة بمحاسبة الجيش من معظم زخمها.30
لكن هذه التسوية المؤقّتة بين حزب الحرية والعدالة والجيش أثبتت أنها من عمر الورود، مع أنها كانت واضحة في مروحة من المجالات: من إنهاء الحظر كأمرٍ واقعٍ على ترقية الجنود واضحي التديّن (بما في ذلك إدخال ابن أخ مرسي إلى أكاديمية تدريب عسكري في آذار/مارس 2013)، إلى الدعم الصريح للسلطة العسكرية غداة التقرير الحكومي في العام 2013، والذي أظهر بجلاء أن جنوداً ورجال شرطة ارتكبوا جرائم خطيرة خلال الثورة وماتلاها من اعتقالات.31 كما أورد الإعلام المصري بنود الصفقات المزعومة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبين حزب الحرية والعدالة، والتي شملت "خروجاً آمناً" يوفّر حصانة لأعضاء المجلس الأعلى؛ واتفاقاً بألا يطرح حزب الحرية والعدالة مرشحاً للرئاسة لايعتبره الجيش مقبولاً؛ وترتيباً يمنح الجيش السيطرة على السياسة الاقتصادية العليا، فيما هو يترك السلطان القضائي على وزارات الخدمات (وزارات التعليم والشباب والثقافة، إلخ) في يد جماعة الإخوان.32
علاوة على ذلك، ناسب إعلان مرسي الانفرادي الخاص بإنهاء خصخصة شركات القطاع العام، السردية عن وفاقٍ بين القوات المسلحة وحزب الحرية والعدالة، لأن المصانع العسكرية كان يُحتمَل أن تكون على خط الخصخصة في الجولة التالية من عملية البيع. والأمر نفسه انسحب على خطوات مرسي الحاذقة في تنفيذ التنقّلات في بعض مواقع السلطة العسكرية (بما في ذلك أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة)، وفي إبعاد ضباط رفيعي الرتب عبر تعيينهم في مواقع مُربِحة ونافذة في هيئة قناة السويس، والهيئة العربية للتصنيع، ومناصب في وزارة الدفاع، وأيضاً في اختيار بدائلهم من بين صفوف كبار القادة.33 إضافة إلى ذلك، وعد مرسي بمعالجة بعض تظلّمات الجيش، متعهّداً بإعادة نشر القوات المسلحة في سيناء وتنويع مصادر مصر الأجنبية من الأسلحة والتدريب.34
عدا هذه اللائحة من الوفاقات، ثمة مثل فاقع الوضوح لكيفية نجاح الجيش في تحسين موقعه الاقتصادي عبر التحالف مع حزب الحرية والعدالة، تجسّد في المشاريع التي حظيت باهتمام عام، والتي أعلنتها القوات المسلحة إبان ولاية مرسي.35 فقد كشف إعلان في العام 2013 نُشر على الموقع الالكتروني الرسمي لحزب الحرية والعدالة، النقاب عن أن وزارة الإنتاج الحربي "استحوذت" على شركة نصر لصناعة السيارات "ناسكو"،36 وهي الشركة المتهالكة والغارقة للغاية في لجج الديون. لقد كانت صناعة وتجميع سيارات الركاب والعربات الأخرى غير العسكرية مركزية دوماً للنجاح الاقتصادي للجيش المصري، لأن التكنولوجيات والتسهيلات والمعدات المتوافرة من خلال التصنيع التعاوني للعربات العسكرية، يمكن أيضاً استخدامها في إنتاج السيارات المدنية التي يبيعها الجيش في السوق المحلية.
والواقع أن صناعة سيارات محلية الصنع حقاً كانت أساساً تُعتبَر عاملاً حاسماً في عملية تحديث مصر، ولذلك كانت إعادة إحياء شركة "ناسكو" رمزية للغاية.37 ثم برزت علامة حسن نية أخرى بين القوات المسلحة وحزب الحرية والعدالة خلال زيارة مرسي لروسيا في نيسان/أبريل 2013، حين حصل على وعد من موسكو باستثمار أموال الدولة الروسية في شركة السيارات المصرية العليلة،38 والتي حصلت القوات المسلحة على أصولها مجاناً.
مع أن المشاريع الصناعية الصغيرة، على غرار صناعة السيارات وتجميع الألواح الإلكترونية، كانت أرضاً خصبة للاتفاق بين الجيش المصري وجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن مشروع توسيع وتنمية قناة السويس الضخم أثبت أنه يفوق قدرة هذا التحالف المتقلقل على استيعابه.
ويمكن كذلك معاينة الشراكة الاقتصادية قصيرة العمر التي أبرمها حزب الحرية والعدالة مع الجيش في "الآي باد المصري" الذي حظي بدعاية مبالغ فيها، وهو جهاز كمبيوتر لوحي يُدعى "إينار" Inar. فمع أن هذا المشروع كان قيد العمل منذ سنوات، إلا أن التقدّم لم يُحرَز فيه إلا في صيف العام 2013، حين أعلنت الحكومة التي يقودها حزب الحرية والعدالة عن مناقصة عامة كبيرة. ووفقاً لصحيفة "دايلي نيوز مصر" Daily News Egypt، 39 تقدّمت ثلاثة تكتّل شركات بعروض المناقصة ، بينها اثنتان تتكوّنان من شركات أجنبية متعدّدة الجنسيات. لكن مالَم يوضحه تقرير الصحيفة هو أن التكتلات الثلاث كلها تضمنّت شركات يملكها الجيش، منها الهيئة العربية للتصنيع، شركة "بنها" للإلكترونيات (وهي جزء من وزارة الإنتاج الحربي) والشركة العربية لتصنيع أجهزة الكومبيوتر التي تشمل لائحة مالكي الأسهم فيها الهيئة العربية للتصنيع، وشركة "بنها"، ووزارة الإنتاج الحربي.
ومثله مثل مشروع إحياء شركة "ناسكو"، نُشِر مشروع الكومبيوتر اللوحي المصري على الموقع الالكتروني لحزب الحرية والعدالة، الذي فاخر أيضاً بطلبات الاستيراد المُقدمة للكومبيوتر اللوحي من الكويت وقطر والسعودية، إضافة إلى طلبات عديدة تقدّمت بها مختلف وزارات الحكومة المصرية. وقد رسَت المناقصة في نهاية الأمر على شركة "بنها"، مع أن الكثيرين في قطاع التكنولوجيا المصري أطلّوا على مشروع "إينار" بوصفه مخاطرة تضمّنت مبالغات في الترويج له، وشكّكوا في قدرة تكتل الشركات الفائز على برمجة نظام عملاني أساسي للكومبيوتر اللوحي الجديد.
مشروع قناة السويس وتوترات في العلاقة
مع أن المشاريع الصناعية الصغيرة، على غرار صناعة السيارات وتجميع الألواح الإلكترونية، كانت أرضاً خصبة للاتفاق بين الجيش المصري وجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن مشروع توسيع وتنمية قناة السويس الضخم أثبت أنه يفوق قدرة هذا التحالف المتقلقل على استيعابه.
والحال أن تحويل قناة السويس إلى مركز لوجيستي ضخم ومركز للتصنيع الثقيل، لطالما كان هدفاً يرنو إليه بصر المخطّطين الاقتصاديين في الجيش، الذين تقدّموا بمختلف الاقتراحات لإقامة محطات طاقة شمسية ورياحية (من ريح)، وطاقة باطن الأرض في منطقة السويس وحولها، للإفادة من قدرات المنطقة الصناعية. وبالطبع، ستلعب الشركات التي يملكها الجيش أدواراً رئيسة في عمليات البناء وتوفير المعدات لمثل هذه المشاريع. إذ أن وزارة الإنتاج الحربي والهيئة العربية للتصنيع لديهما مصانع قادرة على صناعة سلع مثل الأبراج، ومسنّنات تغيير السرعة في السيارة، والزجاج المعزول المستخدم في طوربينات الريح. وحين أعلن مسؤولو حزب الحرية والعدالة في أواخر العام 2012 عن الخطط لتحويل القناة إلى مركز لوجيستي عالمي، بدا أن الإرادة السياسية ودعم الدولة لمثل هذا المشروع سيتوافران أخيراً.40
لكن، وفيما كان حزب الحرية والعدالة يعلن عن خطط القناة، كشف مستشار حكومي مصري النقاب عن أن الإشراف على التوسيع سيوضع بين يدي رئيس واحد سيكون في رتبة نائب رئيس الوزراء ويكون تابعاً مباشرة لمرسي، الأمر الذي جعل القوات المسلحة مجرد واحدة من مجموعة هيئات حكومية منخرطة في هذا الجهد.41 وقد كانت هذه الخطوة الهادفة إلى تهميش دور الجيش في أكبر مشروع للبنى التحتية منذ عقود، حاسمة في جعل حزب العدالة والتنمية يخسر دعم القوات المسلحة.
ليس من المبالغة في شيء إبراز الأهمية الكبيرة التي يوليها الجيش للقناة - ليس فقط في مجال العائدات بل أيضاً في تزويد القوات المسلحة المصرية بالتبرير لإقحام نفسها في النقاشات حول التخطيط الاقتصادي طويل الأمد. فالعديد من الخدمات المرتبطة بالقناة كانت تقدّمها أساساً شركات مرتبطة بالجيش، وكانت هذه ستتضرر إذا ما استُبعِدَت القوات المسلحة عن عمليات اتخاذ القرار المتعلّقة بخطط تنمية القناة. وتزعم نظريات المؤامرة أن البيع الوشيك للقناة إلى مصالح أجنبية، كان دوماً الوسيلة الكلاسيكية لتعبئة المعارضة الوطنية للحكومات القائمة، ولتذكير المواطنين بمسؤولية الجيش في تأمين الموارد الاستراتيجية لمصر.
إن كلاً من الأهمية الاقتصادية للقناة وأبعادها الرمزية، جعلا خطة توسيع هذا الممر المائي نقطة الارتكاز للصراع المتفاقم بين القوات المسلحة وحزب الحرية والتنمية. وقد حددت عاصفة البيانات الرسمية التي تلت الإعلان المبدئي لحزب الحرية والعدالة، الخطوط الفاصلة التي حاول كل طرف أن يرسمها حول مناطق سلطته. ففي 19 آذار/مارس 2013، أعلن مرسي أن الهند ستكون الشريك الأول لمصر في عملية التوسيع الضخمة.
لكن بعدها بيومين، جاء في عنوان لصحيفة "مصر الجديدة": (وزير الدفاع) السيسي يحذِّر مرسي (ورئيس الوزراء) قنديل: لن يكون هناك عنوان يُعطى للأرض قرب القناة.42 ونُسِبَ إلى مسؤول عسكري قوله في المقال أن خطط الحكومة لتوسيع القناة، لن تخطو خطوة إلى الأمام إلى أن تُقرّ القوات المسلحة التفاصيل. وحذَّر المسؤول من أي انخراط أجنبي في المشروع، ماقد يتسبّب بنزاعات مستقبلية (في إشارة إلى مفاوضات مرسي مع الهند). وواصل المسؤول حديثه معدّداً لائحة بمطالب القوات المسلحة، التي شملت حصر السلطان التشريعي بمحاكم مصر في أي نزاعات تتعلّق بالمشاريع الصناعية أو التجارية، وقواعد أكثر صرامة تُفرَض على الشركات الأجنبية.
وقد كرّر ناطق عسكري لاحقاً هذه المطالب، وأصرّ على أن الشركات والمشرفين المنخرطين في المشروع يجب أن يحظوا باحترام واسع النطاق ويكونوا غير خاضعين إلى نزوات أو هوى أي حزب سياسي بعينه (وهي لغة مرمّزة تريد الإشارة إلى الدور القيادي للقوات المسلحة). وبعد ذلك بيومين، ردّ بيان صدر في 23 آذار/مارس عن الناطق الرسمي باسم هيئة الإعلام في الدولة، على بيانات الجيش، ركّز على أن الهيئة التي شُكِّلَت للإشراف على توسيع القناة ستكون تحت سلطة الرئاسة، وبالتالي ليس تحت السلطان القضائي للقوات المسلحة.
ومع أن مسؤولي حزب الحرية والعدالة أتبعوا هذا البيان شديد الصراحة والوضوح بسلسلة من البيانات التوافقية التي هدفت إلى تهدئة مخاوف الجيش، إلا أن العديد منها قصُر عن الرضوخ إلى فيتو القوات المسلحة. وهكذا، أصرّ وزير الإسكان التابع لحزب الحرية والعدالة، طارق وفيق، على أن الحكومة ستُطلِع قادة الجيش على مسودة القانون الخاص بالمشروع وتستمع إلى وجهة نظرهم ورؤيتهم، لكنها لن توافق على أي اعتراضات، ولن تعدِّل الخطط الراهنة للقناة.43
لكن، بعد ثلاثة أشهر، أُجبِرَ وفيق على التراجع، وأعلن أن الجيش – الذي قال إنه الآن وراء المشروع "مئة في المئة" – سيكون الكيان الوحيد الذي له سلطة منح رخص للشركات العاملة في الخطة. لكن، بدا واضحاً في هذه المرحلة أنه من المستحيل ترميم التحالف بين الطرفين. (أُميط اللثام لاحقاً عن أنه خلال هذه المرحلة، كان مرسي يحاول استبدال السيسي، الذي كان وزيراً للدفاع آنذاك، بشخص مطواع أكثر، وهي الخطة التي تخلّى عنها في نهاية المطاف بسبب معارضة المؤسسة العسكرية لها).44
علاوة على ذلك، كشف النزاع المتعلّق بمقاربات الطرفين المتناقضة لمسألة التدخّل في سورية، مدى تفاقم التوتر في صفوف القيادة، كما ظهر في ردّ الحكومة المخطَط له على التظاهرات المُطالِبة باستقالة الرئيس.45 وهنا، أصدر القادة العسكريون بيانات علنية تحذّر من أنها لن تتسامح مع العنف الذي يرعاه حزب الحرية والعدالة ضد المحتجّين، وأبدوا نفوراً متزايداً من واجباتٍ على غرار حراسة مكان سكن مرسي، وتنفيذ حظر التجوّل غير الشعبي الذي أقرّه حزب الحرية والعدالة.46
وحين تحوّلت التظاهرات إلى العنف، سحبت القوات المسلحة شرطتها العسكرية من مؤسسات رئيسة مثل المستشفيات العامة، التي شهدت عمليات سلب ونهب وتسبّبت بإضرابات من قِبَل موظفي العناية الصحية،47 مافاقم الفشل الأمني المفترض لمرسي. كما ذهبت القوات المسلحة إلى مدى استثنائي أبعد كي تُبرِز التعثّرات الاقتصادية للنظام عشية بدء العدّ العكسي لانقلاب تموز/يوليو 2013، وعمدت إلى إطلاق المخزون الاستراتيجي لتخفيف وطأة النقص الحاد في الوقود والصفوف التي لانهاية لها أمام محطات الوقود، مباشرةً فور وضع الجيش الرئيس قيد الاعتقال.48
وقد كرّر ناطق عسكري لاحقاً هذه المطالب، وأصرّ على أن الشركات والمشرفين المنخرطين في المشروع يجب أن يحظوا باحترام واسع النطاق ويكونوا غير خاضعين إلى نزوات أو هوى أي حزب سياسي بعينه (وهي لغة مرمّزة تريد الإشارة إلى الدور القيادي للقوات المسلحة). وبعد ذلك بيومين، ردّ بيان صدر في 23 آذار/مارس عن الناطق الرسمي باسم هيئة الإعلام في الدولة، على بيانات الجيش، ركّز على أن الهيئة التي شُكِّلَت للإشراف على توسيع القناة ستكون تحت سلطة الرئاسة، وبالتالي ليس تحت السلطان القضائي للقوات المسلحة.
ومع أن مسؤولي حزب الحرية والعدالة أتبعوا هذا البيان شديد الصراحة والوضوح بسلسلة من البيانات التوافقية التي هدفت إلى تهدئة مخاوف الجيش، إلا أن العديد منها قصُر عن الرضوخ إلى فيتو القوات المسلحة. وهكذا، أصرّ وزير الإسكان التابع لحزب الحرية والعدالة، طارق وفيق، على أن الحكومة ستُطلِع قادة الجيش على مسودة القانون الخاص بالمشروع وتستمع إلى وجهة نظرهم ورؤيتهم، لكنها لن توافق على أي اعتراضات، ولن تعدِّل الخطط الراهنة للقناة.43
لكن، بعد ثلاثة أشهر، أُجبِرَ وفيق على التراجع، وأعلن أن الجيش – الذي قال إنه الآن وراء المشروع "مئة في المئة" – سيكون الكيان الوحيد الذي له سلطة منح رخص للشركات العاملة في الخطة. لكن، بدا واضحاً في هذه المرحلة أنه من المستحيل ترميم التحالف بين الطرفين. (أُميط اللثام لاحقاً عن أنه خلال هذه المرحلة، كان مرسي يحاول استبدال السيسي، الذي كان وزيراً للدفاع آنذاك، بشخص مطواع أكثر، وهي الخطة التي تخلّى عنها في نهاية المطاف بسبب معارضة المؤسسة العسكرية لها).44
علاوة على ذلك، كشف النزاع المتعلّق بمقاربات الطرفين المتناقضة لمسألة التدخّل في سورية، مدى تفاقم التوتر في صفوف القيادة، كما ظهر في ردّ الحكومة المخطَط له على التظاهرات المُطالِبة باستقالة الرئيس.45 وهنا، أصدر القادة العسكريون بيانات علنية تحذّر من أنها لن تتسامح مع العنف الذي يرعاه حزب الحرية والعدالة ضد المحتجّين، وأبدوا نفوراً متزايداً من واجباتٍ على غرار حراسة مكان سكن مرسي، وتنفيذ حظر التجوّل غير الشعبي الذي أقرّه حزب الحرية والعدالة.46
وحين تحوّلت التظاهرات إلى العنف، سحبت القوات المسلحة شرطتها العسكرية من مؤسسات رئيسة مثل المستشفيات العامة، التي شهدت عمليات سلب ونهب وتسبّبت بإضرابات من قِبَل موظفي العناية الصحية،47 مافاقم الفشل الأمني المفترض لمرسي. كما ذهبت القوات المسلحة إلى مدى استثنائي أبعد كي تُبرِز التعثّرات الاقتصادية للنظام عشية بدء العدّ العكسي لانقلاب تموز/يوليو 2013، وعمدت إلى إطلاق المخزون الاستراتيجي لتخفيف وطأة النقص الحاد في الوقود والصفوف التي لانهاية لها أمام محطات الوقود، مباشرةً فور وضع الجيش الرئيس قيد الاعتقال.48
تعزيز المكاسب في حقبة مابعد مرسي
في عهد السيسي والحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش التي سبقته، تركَّزَ خطاب الحكومة الاقتصادي على تحسين الخدمات العامة وتوسيعها؛ وتأمين السلع الأساسية بـ"الأسعار المناسبة":49 واستئناف مشاريع البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك استصلاح الأراضي وتوسيع النقل العام؛ وإحياء العمليات الصناعية الكبرى.50
سهّلت إطاحة مرسي وتعزيز النظام العسكري الجديد قدرةَ القوات المسلحة المصرية على تحويل أموال الدولة إلى المشاريع التي لها مصالح فيها. أحد الأمثلة على ذلك هو القرض الذي قدّمه البنك الأهلي المصري بقيمة 20 مليون دولار، في كانون الثاني/يناير 2014، لفرع من شركة ثروة للبترول Tharwa Petroleum التي يمتلك الجيش حصة مباشرة فيها.51 ومع أن الشركة أجرَت القليل من الأعمال مع الدولة بين العامَين 2011 و2013، إلا أنها مُنِحَت امتيازَين كبيرَين في الحقبة قصيرة الأمد منذ مغادرة مرسي الحكم.52
سهّلت إطاحة مرسي وتعزيز النظام العسكري الجديد قدرةَ القوات المسلحة المصرية على تحويل أموال الدولة إلى المشاريع التي لها مصالح فيها.
وبالمثل، ثمة مؤشرات على أن الحصص المملوكة من الدولة في شركة "فودافون مصر" ذات الأرباح المرتفعة، تُحوَّل إلى ملكية عسكرية،53 الأمر الذي من شأنه أن يتيح الفرص للضباط المتقاعدين لعقد شراكات مع الشركة في مشاريع جديدة.54 كما أن دعم الشركات العسكرية من خلال المصارف المملوكة من الدولة، وتوزيع العقود المرغوب فيها على شركات الضباط المتقاعدين هما ممارسة قديمة، إلا أن حدّة هذه الممارسة ستزيد على الأرجح نظراً إلى إحكام الجيش قبضته على السلطة مجدداً.
لكن مشاريع البنية التحتية تبقى المجال الذي ينطوي على الإمكانيات الأكبر لمشاركة الجيش؛ وهذه المشاريع تضمّ بشكل أساسي "توشكا" – أي مشروع "الوادي الجديد" لاستصلاح الأراضي – ومشروع توسيع قناة السويس.
والواقع أن مشروع توسيع وتنمية قناة السويس – الذي تتولّاه اليوم بإحكام هيئة قناة السويس التي يهيمن عليها الجيش55 - أضحى مشروعاً طموحاً أكثر في عهد السيسي. يشمل المشروع توسيع ستة موانئ مصرية، وبناء عدد من الأنفاق والمناطق الصناعية، وحفر قناة موازية للسماح بمرور السفن في الاتجاهين. هذه القناة بدأت بحفرها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية. وقد مُنِح عقد المخطط العام للمشروع لشركة "دار الهندسة" للاستشارات والمقاولات (المملوكة بشكل رئيس من مساهمين أردنيين ولبنانيين) ومقرّها الخليج، ولفرعها المصري "دار مصر"،56 الذي يُعتقَد أن الجيش المصري شريك فيه.57 فضلاً عن ذلك، أُطلِقَت مشاريع ثانوية عدة في قطاع النقل البحري، بما فيها بناء مستودع جديد، وعقود لتوفير تجهيزات ضخمة مثل زوارق السحب.
على الرغم من الحوادث المؤسفة والمحرجة التي تسبّب بها سوء التخطيط (بما في ذلك فيضان موقع حفر القناة الموازية، التي حدّد مهندس الجيش المصري موقعها قريباً جداً من القناة الحالية)، إلا أن المشروع الأوسع يحظى بشعبية كبيرة لدى المصريين. حينما أعلنت الحكومة عن عرض تراخيص استثمار في أيلول/سبتمبر 2014 لجمع الأموال لمراحل المشروع الأوّلية، بيعَت التراخيص بالكامل في ثمانية أيام فقط – وجُمِعت حوالى 9 مليارات دولار. وقد حُصِرت عمليات الشراء بالمواطنين المصريين، في سياسة سعَت من دون شك إلى تذكير المصريين بأن التمويل الأجنبي الذي التُمِس لبناء القناة الأصلية في منتصف القرن التاسع عشر، كان الدافع الأساسي وراء إفلاس البلاد واحتلالها لاحقاً من قبل البريطانيين. والاعتماد على التمويل المحلي فقط يُذكِّر بحملة بناء الدولة التي أطلقها ناصر، ويوطّد في الوقت نفسه الرابط الرمزي بين الجيش والقناة نفسها.
بيد أن ثمة شركات أجنبية تنخرط في العمل الفعلي المطلوب لتوسيع القناة.58 وقد أبدى أحد المدراء الأجانب إعجابه بـ"السرعة التي طُرِح بها المشروع في السوق، والسرعة التي عُرِض بها على المناقصة"،59 لأنه على الأرجح لم يكن ثمة إشراف على عملية المناقصة الفعلية. لاشك في أن جوانب المشروع تبدو أنها أضغاث أحلام دكتاتورية، مثل مطلب السيسي العام بأن يحفر الجيش القناة في عام واحد، في مقابل الأعوام الثلاثة التي قدّرها المهندسون لإنهاء العمل. هذه الإشارة الغريبة نفسها كانت حاضرة في إعلان الحكومة، في آذار/مارس 2015، بأنها تخطّط لنقل العاصمة بأكلمها إلى رقعة في الصحراء القاحلة شرق القاهرة مساحتها 700 كلم مربع.60
لكن حتى مع عملية البيع الناجحة لتراخيص تمويل القناة، مثل هذه المشاريع تتطلّب تعاون المستثمرين الأثرياء من القطاع الخاص مع رعاة الحكومة الخارجيين. وفي الواقع، سعى كلٌّ من مرسي، والحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش، والسيسي، بشكل نشط إلى التقرّب من المستثمرين الأساسيين والنخب النافذة، الذين إما انسحبوا بسبب الظروف الاقتصادية المبهمة، أو كانوا أنفسهم هدفاً لاضطهاد الحكومة نظراً إلى علاقاتهم بمبارك أو الإخوان المسلمين. ومحاولات السيسي لتحقيق مثل هذه "المصالحة من خارج القانون" مع المقرّبين من النظام السابق، جرى التمهيد لها في القانون 32 الذي مرّرته الحكومة المؤقّتة، والذي يحظّر على الأطراف الثالثة تحدّي بنود العقود الرسمية.61 هذا الأمر ترك للحكومة أو المستثمرين فقط الموقع القانوني الضروري لتقديم الشكاوى عبر المحاكم الإدارية، ماجعل من المستحيل على المواطنين تحدّي الاتفاقات على أساس القروض غير الرسمية، وتقييم أصول الدولة بأقل من سعر السوق، وغير ذلك من الوسائل المستخدَمة عادةً لمكافأة المقرّبين من النظام.
ويُرجَّح أن تُركِّز جهود السيسي على الأفراد الأثرياء الذين لهم مصالح واستثمارات في تلك القطاعات الأهم بالنسبة إلى الجيش، أمثال الوليد بن طلال، وهو أمير سعودي تُعَدّ شركته، المعروفة بشركة المملكة للتنمية الزراعية (كادكو مصر)، المستثمر الأساسي في مشروع "توشكا" لاستصلاح الأراضي، الذي يمتدّ إلى عقود ويهدف إلى إعادة تشكيل وادي النيل في الروافد الجنوبية في مصر.62 في العام 2010، رفعت مجموعة من المحامين والمنظمات المصرية غير الحكومية دعوى ضد الوليد بن طلال، زاعمةً أن شراء شركة "كادكو" للأراضي ينتهك عدداً من القوانين المصرية، بما فيها القوانين المتعلّقة باستخدام الأراضي، وشروط العمل، والتنظيمات الضريبية، والصادرات الزراعية.63 لكن حكومة المجلس الأعلى للقوات المسلحة أجّلت الدعوى في العام 2011، وطالبت بالتدخّل المباشر للعاهل السعودي الملك عبدالله في محاولة لدفع الوليد بن طلال إلى التسوية، وهذا ماحصل في نهاية المطاف، إذ أعاد هذا الأخير التفاوض حول العقد لقبول مساحة أصغر من الأراضي. لكن معارضة مشروع "توشكا" (والاتفاقات العقارية المشوبة بالفساد الناتجة عنه) لطالما كانت أداةً في يد الإخوان المسلمين لحشد التأييد لهم. وعندما أصبح حزب الحرية والعدالة الحزب المهمين في البرلمان في أوائل العام 2012، لم يخفِ أعضاؤه معارضتهم لمواصلة المشروع.64
بيد أن التخلّي عن مشروع "توشكا" كان ليشكّل ضربة موجعة للقوات المسلحة المصرية، التي تمتلك عدداً من شركات المقاولات المنخرطة في جوانب مختلفة من هذه الخطة، إضافة إلى مهندسين مُدرَّبين عسكرياً يعملون لصالح مقاولين فرعيين. وبالفعل، بعد إطاحة مرسي، أسرعت الحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش إلى إصدار بيانات حول التزامها المتجدّد بالمشروع. وبحلول أيلول/سبتمبر 2013، أشارت وسائل الإعلام الإقليمية إلى استثمارات كبيرة جديدة من جانب السعودية والإمارات العربية المتحدة،65 اللتين دعمتا بقوة كلاً من الحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش ونظام السيسي الجديد.
كما ذُكِر أن الحكومة اتّخذت خطوات لجذب المزيد من المستثمرين إلى مشروع "توشكا"، بما في ذلك بناء منشآت صناعية جديدة لإنتاج الأغذية، وتأسيس شركة قابضة لتسهيل بيع أراضٍ إضافية.66 وتُعَدّ خطة السيسي الجديدة لمشروع "توشكا"، الذي يُقدَّر الآن بـ140 مليار دولار، توسيعاً هائلاً للمشروع الأصلي الذي صُمِّم في العام 1985؛ فقد وُسِّع ليشمل 48 مدينة جديدة، و8 مطارات، ومزارع أسماك، وسكة حديدية، وطريق سريع ضخم مؤلّف من 8 خطوط سير.67
هذا ويُفترَض أن يكون صندوق "تحيا مصر" الذي أسّسه السيسي – والذي مُنِح رقم الحساب 037037، في إشارة إلى 3 تموز/يوليو 2013، تاريخ إطاحة مرسي من الحكم – مصدراً من مصادر تمويل المشروع. ويُقال إنه جمع تبرّعات من رجال الأعمال الأكثر ثراءً في المنطقة، بمَن فيهم الوليد بن طلال، ونجيب ساويرس (عبر مجموعة شركاته المعروفة بـ"أوراسكوم")، ورئيس مجموعة "حديد المصريين"، إضافة إلى جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش، وعدد من المصارف ذات الأسماء الكبيرة، وعدد كبير من المشاهير، وموظّفي سلسلة فنادق سونستا.
لكن لايزال من غير الواضح مَن سيشرف على الحساب. ووفقاً لبيان ذي طابع رسمي يُعزى إلى القنصلية المصرية في أستراليا، سيكون الصندوق تحت سلطة الجهاز المركزي المصري للرقابة، وتحت إشراف السيسي نفسه وحاكم المصرف المركزي، إضافة إلى شيخ الأزهر، وبابا الكنيسة القبطية المصرية.68 وتشير مصادر أخرى إلى أن الجهات المُشرِفة على الصندوق ستكون خليطاً من مسؤولين حكوميين ورجال أعمال،69 فيما تقول مصادر أخرى إن السيسي سيكون المُشرِف الوحيد.70
وكما كان متوقَّعاً، استُخدِمَت حزمة حوافز بقيمة 4.9 مليارات دولار – مموَّلة إلى حدّ كبير من الإمارات العربية المتحدة – لتمويل عقود البنى التحتية الأساسية التي مُنِحَت لشركات تابعة للجيش.71 وفي العام 2014، صدر مرسوم عن الحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش، يقضي بتوسيع قدرة الوزراء على توقيع العقود أحادية المصدر، الأمر الذي أدّى إلى انتقال أجزاء ضخمة من الاستثمار العام إلى الشركات العسكرية وشركائها،72 الذين مُنِحوا أيضاً عقود خدمات مهمة، بما في ذلك امتيازات طويلة الأمد لتشغيل بعض أكثر الطرق السريعة ازدحاماً في مصر (وتحصيل رسوم استخدامها).73 وفي غضون الأشهر العشرة الأولى فقط في ظل الحكومة المؤقّتة، فاز الجيش بحوالى 770 مليون دولار من العقود،74 وأكثر من مليار دولار من العقود الحكومية أحادية المصدر على مدى ثلاثة أشهر في خريف العام 2014. 75
كما أن شركاء الجيش المفضَّلين استفادوا هم أيضاً. مثال بارز على ذلك هو مشروع إسكان لذوي الدخل المنخفض بقيمة 40 مليار دولار، مُنِح للشركة العقارية "أرابتك للإنشاءات" ومقرّها دبي. ويبرّر المدافعون عن الجيش عملية منح العقود غير التنافسية بالحاجة إلى الحافز السريع. لكن هذه العملية تتناقض بشكل صارخ مع العرقلة المتعمّدة (من جانب الجيش وفلول الحزب الحاكم السابق الذين لايزالون ينشطون ضمن البيروقراطية المصرية) التي أعاقت عدداً من الاتفاقات الاستثمارية التركية والقطرية التي وقّعها الرئيس مرسي آنذاك.76
إضافة إلى الدعم السخيّ من دول الخليج،77 يصطفّ حلفاء محتملون آخرون للعمل مع مصر. فروسيا، فضلاً عن دعمها شركة "ناسكو" للسيارات، التزمت بتطوير مصنع الحديد والصلب المصري في حلوان وشركة مصر للألمنيوم "إيجيبتالوم" Egyptalum الضخمة التابعة للدولة، إلى جانب توفير المساعدة التطويرية لمحطات سد أسوان لتوليد الكهرباء.78 وبالمثل، تُعتبَر الصين شريكاً في مشاريع البنية التحتية الكبيرة، بما فيها محطات طاقة جديدة، ومشروع سكك حديدية عالية السرعة، ومشروع قناة السويس.79
كما استمر تدفّق المساعدات المالية العسكرية الأميركية إلى مصر في ظل الحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش وأيضاً في ظل حكومة السيسي، على الرغم من الاحتجاجات الضعيفة لوزارة الخارجية الأميركية على عنف النظام. فخلال الشهرين اللذين أعقبا الانقلاب مباشرةً، وقّعت وزارة الدفاع الأميركية عقوداً جديدة بقيمة 300 مليون دولار لإنتاج المعدات العسكرية بشكل مشترك مع مصر أو توريدها إليها.80 وفي 6 أيلول/سبتمبر 2013، وخلال ذروة المواجهات العنيفة بين مؤيّدي الجيش ومؤيّدي مرسي، جرى التوقيع على أحد هذه العقود، الذي نصّ على التعاون بين شركة "بي آي إي سيستمز" BAE Systems مع المصانع العسكرية المصرية لبناء أجهزة رادار لطائرات الشحن العسكرية.81 وفي 22 حزيران/يونيو 2014، بعد أسبوعين فقط على أداء السيسي قسمه، أعلنت الولايات المتحدة عن الإفراج عن 575 مليون دولار على شكل مساعدات عسكرية كانت مجمّدة سابقاً، وتلت ذلك مساعدات إضافية بقيمة 1.3 مليار دولار في كانون الأول/ديسمبر 2014.
على نحو مماثل، تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى نيل رضى السيسي. فمع أن فرنسا علّقت بيع الأسلحة إلى مصر في العام 2011، إلا أن الحكومة وقّعت اتفاقات مع السيسي قيمتها أكثر من 7 مليارات دولار منذ بداية العام 2015، من ضمنها صفقات لشراء مقاتلات نفاثة وبوارج حربية.82 كان التنافس على الصفقة الفرنسية التي أُبرِمَت في شباط/فبراير 2015 شرساً، ذلك أن دولاً عدة من الرعاة المحتملين المتلهّفين، مثل روسيا والصين والإمارات العربية المتحدة، قدّمت عروضاً متنافسة لتعزّز بنفسها ترسانة مصر الحالية من الطائرات الفرنسية، أو لتزوّدها بنفّاثات مستعمَلة من مخزونها الخاص. إضافةً إلى ذلك، ازداد التعاون العسكري مع الإمارات العربية المتحدة في أعقاب إطاحة مرسي – بما في ذلك إجراء ثلاثة تدريبات مشتركة بين آذار/مارس وتشرين الأول/أكتوبر من العام 2014، وتنسيق استخباراتي وعملاني متواصل في الغارات المشتركة ضد أهدافٍ للدولة الإسلامية في ليبيا.
على الرغم من سيل المساعدات المالية والحلفاء الجدد، من شأن هذا التدفّق المفاجئ للموارد وتركُّز السلطة أن يُحدِثا نزاعاً داخل المؤسسة العسكرية. وينبغي على الجيش المصري، شأنه شأن أي مؤسسة كبيرة، أن يقرّر كيفية اقتسام الغنائم. والواقع أن سيطرة الجيش المتزايدة على الدولة قد تُبرِز الانقسامات والانشقاقات التي لم تكن ظاهرة في السابق، وقد تطفو على السطح تصدّعات في صفوف القوات المسلحة المصرية فيما تسعى الأجنحة إلى الحصول على حصص اقتصادية وسياسية جديدة.
قد تكون هذه التنافسات حميدة نسبيّاً، مثل التسابق بين وزارة الإنتاج الحربي والهيئة العربية للتصنيع على إنتاج نسخ متنافسة من أجهزة الكمبيوتر اللوحي.83 صحيح أن هذا التنافس هو إضاعة للموارد ومؤشّر على ضعف التخطيط الاقتصادي للقوات المسلحة المصرية، لكنه لايمثّل مواجهة وجودية.
سيطرة الجيش المتزايدة على الدولة قد تُبرِز الانقسامات والانشقاقات التي لم تكن ظاهرة في السابق، وقد تطفو على السطح تصدّعات في صفوف القوات المسلحة المصرية فيما تسعى الأجنحة إلى الحصول على حصص اقتصادية وسياسية جديدة.
لكن التسريبات المتكرّرة لمحادثات ضبّاط الجيش المصري المسجّلة، التي بدأت في أواخر العام 2014، تشي بانشقاق أكثر خطورة في صفوف القيادة.
فقد كشفت التسجيلات الأولى عن تلاعب الجيش السافر بالنظام القانوني المصري لضمان إدانة مرسي بتهمة الخيانة.84 لكن التسجيلات اللاحقة كانت أكثر إدانة.
فهي تقدّم دليلاً قوياً لما كان يتخوّف منه الكثير من الناشطين العلمانيين، وهو أن كوادر الجيش وداعميه في الخليج موّلوا ووجّهوا التظاهرات الضخمة التي عجّلت إطاحة مرسي في تموز/يوليو 2013. ويبدو أن التسجيلات، التي تُورِّط بشكلٍ مباشر السيسي وأقرب مقرّبيه ومستشاريه، تم تسريبها من قبل أشخاص آخرين في قيادة الجيش غير راضين عن الوضع القائم.
التحديات المقبلة
كانت السرعة والوتيرة التي تمكَّنت بهما القوات المسلحة المصرية من إعادة بناء امبراطوريتها الاقتصادية والسياسية في مرحلة مابعد مبارك مدهشتَين. فإلى جانب النهوض بالأنشطة الصناعية التي كانت متوقّفة، وفرض السيطرة على مشاريع بنى تحتية هائلة، أصبح انتشار القادة العسكريين كبيراً جدّاً في أروقة الحكم.
فسبعة عشر محافظاً من أصل سبعة وعشرين هم جنرالات عسكريون (تسعة عشر محافظاً عسكريّاً إذا شملنا ضابطَي شرطة من الرتبة نفسها) وسائر الحكّام المدنيين يتشاركون الحكم مع 24 لواءً في مناصب نائب المحافظ، والأمين العام، ومساعد الأمين العام.85
مع أن هذا الأمر يُظهِر حتماً توطيد سلطة الجيش، إلا أنه قد يشي أيضاً بوجود شكوك ضمن قيادة القوات المسلحة المصرية حول قدرة حكومة يقودها الجيش على الاستمرار لمدة طويلة. وفي بيئة تسودها الشكوك، تكمن الاستجابة المنطقية في فرض أكبر قدر ممكن من السيطرة الاقتصادية والسياسية للتخفيف من الخسائر في التنازع المقبل على السلطة. لكن هذه الاستراتيجية قد تنقلب عليها (وأغلب الظن أن هذا سيحدث)، فيما تتضاءل المساعدات الخليجية ويواصل النظام بذخه.
يتبع العديد من الانقلابات العسكرية مساراً مشابهاً: الدعم الشعبي الأولي لإطاحة حكومة مدنية لاتحظى بالشعبية، تليها فترة يوطّد خلالها الجيش سلطته ويصبح أشدّ قمعاً وفساداً.
يبدو المسار في مصر شبيهاً بذلك إلى حدّ بعيد. ففي البدء، تمكّن الجيش من إظهار أفعاله على أنها تعبير ملموس عن إرادة الشعب – أوّلاً عند رفضه دعم مبارك، ثم ضمان إطاحة مرسي من خلال رفضه التوصّل إلى تسوية مع قيادة حزب الحرية والعدالة.86 شكّل قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالإعلان عن وديعتين كبيرتين في البنك المركزي لدعم العملة المصرية المتدهورة (في أواخر العام 2011 ثم في العام 2014)، ورفضه المبكر الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، ورفض السيسي الخضوع إلى مشيئة رعاة مصر التقليديين (الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وكبرى الوكالات الدولية المانحة)، خطواتٍ مدروسة بدقّة لإبراز نقاط الاختلاف بين القيادة العسكرية وبين نظام حسني مبارك الذليل.
منذ انتخاب السيسي رئيساً، قام برفع الضرائب على أصحاب الثروات الكبيرة، وحاول تقليص بعض أرباح الشركات الكبرى الطائلة عبر فرض ضريبة جديدة على عائدات رأس المال، وتخفيف القيود على العملة في الوقت نفسه. وقد أكسب ذلك حكومته تأييداً شعبيّاً كبيراً. ويتّضح أيضاً بشكل متزايد أن أكثر المؤسسات نفوذاً في مصر، بما في ذلك القضاء والإعلام، موالية للسيسي بشكلٍ حازم، ومستعدة لتسخير ثقلها المؤسّسي لأهداف الرئيس.
لكن من المستبعد ألا ينتبه أحد إلى المعلومات التي ظهرت منذ وصول السيسي إلى سُدّة الحكم حول الجهود التي بذلها الجيش لإضعاف حكومة حزب الحرية والعدالة،87 ودور القوات المسلحة المصرية المباشر في إثارة الاحتجاجات المناهضة لمرسي وتمويلها، وازدراء القيادة للنظام القانوني ووسائل الإعلام الموالية لها88 (والتلاعب السافر بهما).
لايتمثّل القلق الأكبر للقيادة العسكرية المصرية في وجود خطر على الامبراطورية الاقتصادية، بل في عودة الاضطرابات الداخلية على نطاق واسع.
من الممكن أيضاً أن تقرّر القوات المسلحة المصرية أن تكاليف الفشل المؤسسي تتجاوز فوائد وجودها رسميّاً في سدّة الحكم. لايتمثّل القلق الأكبر للقيادة العسكرية المصرية في وجود خطر على الامبراطورية الاقتصادية، بل في عودة الاضطرابات الداخلية على نطاق واسع. الحكومات المدنية التي تطالب الجيش بإخماد الاحتجاجات يمكنها أن تتجنّب تحمّل المسؤولية الكاملة عن العنف وإراقة الدماء، لكن هذا لاينطبق على الحكومات العسكرية مثل حكومة السيسي. فالجيش هو النظام والنظام هو الجيش. لذلك، عزّزت المساعدات المالية والالتزامات بتمويل مشاريع البنى التحتية الكبرى، العلاقات بين حكومة السيسي ودول الخليج بسرعة. والأمور التي ستهدّئ الغضب الشعبي هي مشاريع الإسكان ومرافق معالجة المياه وبرامج التدريب المهني (التي تموّلها المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة) – فهي تضمن بقاء الجيش بعيداً عن الشوارع وتساعده في تجنّب التحديات الوجودية التي تهدّد شرعيته. ولهذا السبب أيضاً الشرطة شاملةٌ في ممارستها العنف والرقابة يومياً ضد الناشطين والمواطنين العاديين – فوزارة الداخلية هي في الوقت نفسه منفِّذة أوامر الجيش وكبش محرقته.
حُدِّد الدور الاقتصادي للقوات المسلحة المصرية، في معظم تاريخها الحديث، عبر قدرتها على الاستفادة من النفوذ الهامشي في مجموعة كبيرة من المشاريع المموَّلة من رؤوس الأموال الأجنبية ورجال الأعمال المصريين الأثرياء، أكثر ممّا حُدِّد عبر هيمنتها على المشاريع الكبرى. هذا دورٌ يمكنها الحفاظ عليه في ظل حكومة مدنية وديّة، ومن شأنه أن يعفي الجيش من تحمّل مسؤولية الفشل الاقتصادي وجزء من العنف السياسي. ونادراً ماكان هذا النوع من التدخّل العسكري الاقتصادي مزعجاً إلى حدٍّ منع الشركات المحتملة من الاستثمار في قطاعات مثل الطاقة والبتروكيماويات والعقارات، التي تركّزت فيها الاستثمارات الأجنبية في مصر منذ مدة طويلة. لكن هذا التدخّل كافٍ لضمان أن الجيش لايزال رقيباً مهمّاً على الاستثمار في مشاريع جديدة.
من المرجّح أن تعزّز إجراءات السيسي الجديدة، بما في ذلك قانون نصّ على دور الجيش في حماية البنى التحتية الأساسية (كان ذلك سابقاً ضمن صلاحيات الشرطة)، دورَ الرقابة هذا من خلال بناء العلاقات والاتصالات بين الجنرالات وبين رجال الأعمال الذين يموّلون هذه البنى التحتية.89 تشي هذه الظروف بأن الاستثمارات الأجنبية المقبلة ستكون على الأرجح متركزة أكثر، لا أقل، في المشاريع التي يمتلك فيها الجيش حصصاً. ومامن سبب للاعتقاد بأن حكومة مدنية مقبلة ستكون مستعدة أو قادرة على عكس هذه السياسات.
مع أن هذا الأمر يُظهِر حتماً توطيد سلطة الجيش، إلا أنه قد يشي أيضاً بوجود شكوك ضمن قيادة القوات المسلحة المصرية حول قدرة حكومة يقودها الجيش على الاستمرار لمدة طويلة. وفي بيئة تسودها الشكوك، تكمن الاستجابة المنطقية في فرض أكبر قدر ممكن من السيطرة الاقتصادية والسياسية للتخفيف من الخسائر في التنازع المقبل على السلطة. لكن هذه الاستراتيجية قد تنقلب عليها (وأغلب الظن أن هذا سيحدث)، فيما تتضاءل المساعدات الخليجية ويواصل النظام بذخه.
يتبع العديد من الانقلابات العسكرية مساراً مشابهاً: الدعم الشعبي الأولي لإطاحة حكومة مدنية لاتحظى بالشعبية، تليها فترة يوطّد خلالها الجيش سلطته ويصبح أشدّ قمعاً وفساداً.
يبدو المسار في مصر شبيهاً بذلك إلى حدّ بعيد. ففي البدء، تمكّن الجيش من إظهار أفعاله على أنها تعبير ملموس عن إرادة الشعب – أوّلاً عند رفضه دعم مبارك، ثم ضمان إطاحة مرسي من خلال رفضه التوصّل إلى تسوية مع قيادة حزب الحرية والعدالة.86 شكّل قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالإعلان عن وديعتين كبيرتين في البنك المركزي لدعم العملة المصرية المتدهورة (في أواخر العام 2011 ثم في العام 2014)، ورفضه المبكر الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، ورفض السيسي الخضوع إلى مشيئة رعاة مصر التقليديين (الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وكبرى الوكالات الدولية المانحة)، خطواتٍ مدروسة بدقّة لإبراز نقاط الاختلاف بين القيادة العسكرية وبين نظام حسني مبارك الذليل.
منذ انتخاب السيسي رئيساً، قام برفع الضرائب على أصحاب الثروات الكبيرة، وحاول تقليص بعض أرباح الشركات الكبرى الطائلة عبر فرض ضريبة جديدة على عائدات رأس المال، وتخفيف القيود على العملة في الوقت نفسه. وقد أكسب ذلك حكومته تأييداً شعبيّاً كبيراً. ويتّضح أيضاً بشكل متزايد أن أكثر المؤسسات نفوذاً في مصر، بما في ذلك القضاء والإعلام، موالية للسيسي بشكلٍ حازم، ومستعدة لتسخير ثقلها المؤسّسي لأهداف الرئيس.
لكن من المستبعد ألا ينتبه أحد إلى المعلومات التي ظهرت منذ وصول السيسي إلى سُدّة الحكم حول الجهود التي بذلها الجيش لإضعاف حكومة حزب الحرية والعدالة،87 ودور القوات المسلحة المصرية المباشر في إثارة الاحتجاجات المناهضة لمرسي وتمويلها، وازدراء القيادة للنظام القانوني ووسائل الإعلام الموالية لها88 (والتلاعب السافر بهما).
لايتمثّل القلق الأكبر للقيادة العسكرية المصرية في وجود خطر على الامبراطورية الاقتصادية، بل في عودة الاضطرابات الداخلية على نطاق واسع.
من الممكن أيضاً أن تقرّر القوات المسلحة المصرية أن تكاليف الفشل المؤسسي تتجاوز فوائد وجودها رسميّاً في سدّة الحكم. لايتمثّل القلق الأكبر للقيادة العسكرية المصرية في وجود خطر على الامبراطورية الاقتصادية، بل في عودة الاضطرابات الداخلية على نطاق واسع. الحكومات المدنية التي تطالب الجيش بإخماد الاحتجاجات يمكنها أن تتجنّب تحمّل المسؤولية الكاملة عن العنف وإراقة الدماء، لكن هذا لاينطبق على الحكومات العسكرية مثل حكومة السيسي. فالجيش هو النظام والنظام هو الجيش. لذلك، عزّزت المساعدات المالية والالتزامات بتمويل مشاريع البنى التحتية الكبرى، العلاقات بين حكومة السيسي ودول الخليج بسرعة. والأمور التي ستهدّئ الغضب الشعبي هي مشاريع الإسكان ومرافق معالجة المياه وبرامج التدريب المهني (التي تموّلها المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة) – فهي تضمن بقاء الجيش بعيداً عن الشوارع وتساعده في تجنّب التحديات الوجودية التي تهدّد شرعيته. ولهذا السبب أيضاً الشرطة شاملةٌ في ممارستها العنف والرقابة يومياً ضد الناشطين والمواطنين العاديين – فوزارة الداخلية هي في الوقت نفسه منفِّذة أوامر الجيش وكبش محرقته.
حُدِّد الدور الاقتصادي للقوات المسلحة المصرية، في معظم تاريخها الحديث، عبر قدرتها على الاستفادة من النفوذ الهامشي في مجموعة كبيرة من المشاريع المموَّلة من رؤوس الأموال الأجنبية ورجال الأعمال المصريين الأثرياء، أكثر ممّا حُدِّد عبر هيمنتها على المشاريع الكبرى. هذا دورٌ يمكنها الحفاظ عليه في ظل حكومة مدنية وديّة، ومن شأنه أن يعفي الجيش من تحمّل مسؤولية الفشل الاقتصادي وجزء من العنف السياسي. ونادراً ماكان هذا النوع من التدخّل العسكري الاقتصادي مزعجاً إلى حدٍّ منع الشركات المحتملة من الاستثمار في قطاعات مثل الطاقة والبتروكيماويات والعقارات، التي تركّزت فيها الاستثمارات الأجنبية في مصر منذ مدة طويلة. لكن هذا التدخّل كافٍ لضمان أن الجيش لايزال رقيباً مهمّاً على الاستثمار في مشاريع جديدة.
من المرجّح أن تعزّز إجراءات السيسي الجديدة، بما في ذلك قانون نصّ على دور الجيش في حماية البنى التحتية الأساسية (كان ذلك سابقاً ضمن صلاحيات الشرطة)، دورَ الرقابة هذا من خلال بناء العلاقات والاتصالات بين الجنرالات وبين رجال الأعمال الذين يموّلون هذه البنى التحتية.89 تشي هذه الظروف بأن الاستثمارات الأجنبية المقبلة ستكون على الأرجح متركزة أكثر، لا أقل، في المشاريع التي يمتلك فيها الجيش حصصاً. ومامن سبب للاعتقاد بأن حكومة مدنية مقبلة ستكون مستعدة أو قادرة على عكس هذه السياسات.
خاتمة
لاتترك هيمنة الجيش المصري الراهنة، التي تحظى بدعم شعبي ومساعدات خليجية، لصانعي السياسات الأميركيين وسائل مهمة تُذكَر للضغط على القاهرة في مايتعلّق بحقوق الإنسان والإصلاح السياسي. فوقف المساعدات العسكرية أصبح أقل خطراً مما كان عليه في السابق، ذلك أن المبلغ السنوي البالغ 1.3 مليار دولار يبدو قليلاً مقارنةً بالمساعدات الخليجية الهائلة التي تخطّت مبلغ 20 مليار دولار منذ العام 2013. حتى من دون المساعدات الخليجية، لم تتمكّن المساعدات العسكرية الأميركية من مواكبة التضخّم، لذا لاتسهم سوى بجزء قليل من الفوائد المؤسّسية التي كانت تسهم فيها في الماضي.90
قدرة جماعات الضغط في الصناعة العسكرية الأميركية على إملاء سياسة التصدير، وتراخي القوانين الأميركية التي تنظّم بيع قطع الغيار العسكرية في العام 2013، والانتشار غير المشروع للتكنولوجيا العسكرية ساهمت كلّها بشكلٍ متزايد في إضعاف قدرة صانعي السياسات الأميركية على استخدام المساعدات العسكرية كشكلٍ من أشكال النفوذ.
مالَم تصبح الحكومة الأميركية مستعدةً لفرض حظر على تصدير المواد العسكرية المرغوبة أو على قطع الغيار (وهو أمر غير مرجّح بتاتاً)، ستتمكّن القوات المسلحة المصرية من الحصول على ماتحتاج إليه من خلال قنوات الشراء العادية مستخدمةً الأموال الخليجية. إن قدرة جماعات الضغط في الصناعة العسكرية الأميركية على إملاء سياسة التصدير، وتراخي القوانين الأميركية التي تنظّم بيع قطع الغيار العسكرية في العام 2013، 91 والانتشار غير المشروع للتكنولوجيا العسكرية ساهمت كلّها بشكلٍ متزايد في إضعاف قدرة صانعي السياسات الأميركية على استخدام المساعدات العسكرية كشكلٍ من أشكال النفوذ.
ولن تحسّن الزيادة الكبيرة في المساعدات العسكرية بالضرورة العلاقات مع القاهرة، ذلك أن برنامج المساعدات العسكرية الأميركي كان في الواقع مكلفاً جدّاً للجانب المصري. أتاحت المساعدات العسكرية الأميركية استمرار التنسيق في مشاريع صناعية مكلفة كان يمكن استخدام مواردها على نحو أفضل في الاقتصاد الخاص المدني (أو حتى في بعض مؤسسات القطاع العام المدني ذات الأداء الأفضل في مصر). وتتضاعف أسعار قطع الغيار والصيانة والتخزين وأمن الموقع مع كل دفعة جديدة من الأسلحة "المجانية". وإذا كانت القيادة العسكرية مسؤولة الآن عن أداء الاقتصاد المدني، ينبغي عليها التعامل مع هذه الأولويات المتنافسة.
إضافةً إلى ذلك، ستصطدم الأولويات المؤسسية حُكماً بالتطلّعات المهنية والمالية للضباط رفيعي المستوى الذين يرى عددٌ كبير منهم أن رئاسة السيسي تفسح لهم مجال الحصول على الامتيازات. فقد جنى عدد من الجنرالات المتقاعدين في القوات المسلحة المصرية أرباحاً كبيرة من عقود المساعدات العسكرية الأميركية، من خلال العمل كمقدّمي خدمات في القطاع الخاص - تأجير المستودعات، وتنسيق الشؤون اللوجستية الخاصة بالشحن، وتوفير سائر الخدمات لتسهيل سير عمل برنامج المساعدات العسكرية.
لكن نظام الامتيازات المؤسّسية غير المتوازنة هذا هو الذي ساهم في الشعور بالضيق والاستياء الذي كان يلازم الضباط الأعوان لأكثر من عقد. وإن كان العديد من المراقبين يعتبرون أن برنامج المساعدات العسكرية الأميركية هو أساساً هبة لكبار الضباط المصريين، لابد أن يكون رأي المجنّدين العاديين والضباط الأعوان في البرنامج سلبيّاً على نحو مماثل. وفي أي جيش - بما في ذلك الجيش المصري العليل كما يُزعَم – يُعَدّ الولاء والتماسك المؤسسي من المتطلّبات الأساسية التي لاتستطيع أي قيادة قوات مسلحة تجاهلها.
في أوائل العام 2015، طالب ستيفن كوك في مجلس العلاقات الخارجية بزيادة المساعدات العسكرية، محاججاً أن المزيد من المال سيساعد في إبقاء مصر ضمن المحور الأميركي وتجنّب تقرّبها من دول معادية محتملة مثل روسيا.92 حاجج كوك بأن تعزيز المساعدات الأميركية لن يساعد فقط في ضمان المصالح المحدودة أكثر للقوات المسلحة المصرية – على رأسها ترسانة الدبابات والمقاتلات النفاثة المتضخّمة بشكلٍ لايمكن إنكاره - بل من شأنه أيضاً أن يخدم أهدافاً استراتيجية حقيقية من خلال توفير الأسلحة والتدريب لعمليات مكافحة الإرهاب الجديدة في سيناء، حيث قُتِل مئات الجنود المصريين في اشتباكات مع إسلاميين عنيفين.
مع ذلك، لايُعَدّ تأمين تمويل إضافي لعمليات مكافحة الإرهاب خياراً جيداً، إلا إذا كان العنف الذي تشهده سيناء يُمارسه إرهابيون عابرون للحدود يستغلّون المنطقة مؤقّتاً لأنها مساحة غير محكومة نسبيّاً. في هذه الحال، قد يساعد إحضار المزيد من الأسلحة والقوات فعلاً في حماية الجنود المصريين – وبالتالي الحدّ من عقلية الحصار التي تتبنّاها راهناً القوات المسلحة المصرية، والتي يعتبرها كوك عقبة أمام الإصلاح السياسي. لكن زيادة التمويل العسكري لن تحسّن الأمن الإقليمي في المدى الطويل، لأن هذه المجموعات ستنتقل إلى مساحات أقل عسكرة في الدول المجاورة. والأدلّة على أن هذه الأسلحة تُستخدَم في ممارسات العقاب الجماعي التي تُهلِك مجتمعات بأكملها في سيناء، هي مقلقة جدّاً - ولاشك في أنها ستسفر عن معارضة أعنف ضد الحكومة العسكرية.
من جهة أخرى، إذا كان العنف الذي تشهده سيناء تمارسه مجموعات لديها تظلمات مشروعة ومحدّدة تجاه الحكومة العسكرية في مصر، ويبدو أن هذه هي الحال فعلاً، فالحلّ يقتضي مفاوضات سياسية وتنازلات من جانب حكومة السيسي، وليس مزيداً من الأسلحة. فالمطلوب إجراء مفاوضات سياسية وقيام عدالة تصالحية لضحايا النظامَين الحالي والسابق من علمانيين ومتدينين، والمزيد من المال الأميركي لن يحقّق أيّاً من ذلك.
***
هذه الورقة أُعِّدت برعاية منحة من مركز بحوث التنمية الدوليةInternational Development Research Center.
نبذة عن الكاتبة
شانا مارشال هي مديرة مساعدة لمعهد دراسات الشرق الأوسط، وباحثة عضو في كلية إليوت للشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن. حازت شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية والسياسات المقارنة للشرق الأوسط من جامعة ميريلاند في العام 2012. تناولت أطروحتها التي تحمل العنوان "سياسات المحسوبية الجديدة: تجارة الأسلحة والزبائنية في العالم العربي" The New Politics of Patronage: The Arms Trade and Clientelism in the Arab World (تصدر قريباً عن منشورات جامعة كولومبيا)، كيفية استخدام حكومات الشرق الأوسط لاتفاقات تجارة الأسلحة لتحويل الموارد المالية والامتيازات الاقتصادية إلى النخب المحلية المؤيِّدة للأنظمة. نُشِرت أبحاثها في مجلات Middle East Report، وInternational Journal of Middle East Studies، وMiddle East Policy، و"جدلية".
قبل انضمامها إلى جامعة جورج واشنطن، عملت مارشال باحثة في مركز كراون Crown Center لدراسات الشرق الأوسط في جامعة براندايس، ومركز نيهاوس Niehaus center للعولمة والحوكمة في جامعة برنستون. وتتركّز أبحاثها الحالية على أنماط المشاريع العسكرية في مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة، وكيفية تكييف أشكال الرشوة على مرّ الزمن للتحايل على الأنظمة القانونية القائمة.
هوامش
1 Martini, Jeff and Julie Taylor, “Commanding Democracy in Egypt,” Foreign Affairs 90, no. 5 (September/October 2011): 131.
2 “Army Gets 4.2% of State Budget, Says SCAF Member,” Al Masry Al Youm, March 3, 2012.
أنظر أيضاً:
“Egypt Army Protects Business,” Hürriyet Daily News (Turkey), March 30, 2012.
هذه التقديرات محافِظة أكثر من تلك التي قدّمها وزير الإنتاج الحربي السابق سيد مشعل، الذي برّر كلفة مجمّعات الدفاع الصناعية الجديدة بالزيادات الهائلة في إنتاجية منشآت الإنتاج التابعة للجيش، مقدِّماً رقماً يبلغ 483 مليون دولار من الإنتاج للسنة المالية 2009/2010، وعائدات تبلغ 345 مليون دولار.
3 Hicham Bou Nassif, “Wedded to Mubarak: The Second Careers and Financial Rewards of Egypt’s Military Elite, 1981–2011,” Middle East Journal, 67, no. 4 (Autumn 2013): 4–5.
أنظر أيضاً:
Anouar Abdel-Malek, Egypt: Military Society, The Army Regime, the Left, and Social Change Under Nasser (New York: Random House, 1968).
4 Joe Stork, “Arms Industries of the Middle East,” Middle East Report 144 (January/February 1987): 13.
مع أن القادة العسكريين النافذين كانوا قادرين على الإفادة من هذه العلاقة الجديدة مع الولايات المتحدة بغية زيادة التمويل والدعم السياسي لتوسيع وجود الجيش في مروحة من القطاعات غير الدفاعية أيضاً، إلا أنهم غالباً مافعلوا ذلك وهم يضعون نصب أعينهم تطوير الصناعات متعدّدة الفروع التي يمكن دمجها في الإنتاج الصناعي الحربي لمصر، أو التي يمكن استخدامها كجهود فاعلة أكثر لضمان مصادر العائدات لتمويل علاوات الضباط النافذين وأجورهم.
5 إضافة إلى توفير تيار استثماري جديد، أنتج تعاون القوات المسلحة المصرية مع القطاع الخاص أيضاً مصادر جديدة من المعلومات حول المشاريع العسكرية، بما في ذلك منشورات من رابطات التجارة التي تمثّل قطاعات واسعة يمتلك فيها الجيش استثمارات وعمليات مشتركة (مثل الطاقة، والتصنيع، والزراعة، والنقل)، وبيانات صحافية وتقارير سنوية صادرة عن شركات تتعامل مع شركات عسكرية، ومنشورات الأعمال الذكية، والمواد الترويجية.
Shana Marshall and Joshua Stacher, “Egypt’s Generals and Transnational Capital,” Middle East Report 42, no. 262 (Spring 2012): 12–18.
6 تشتمل مزارع الريح الواقعة في الغردقة، الزعفرانة، وعلى طول الشاطئ الشمالي، على تعاونٍ مع الدنمارك، وألمانيا، واليابان، وهولندا، وإيطاليا، وإسبانيا، والولايات المتحدة، إضافة إلى العديد من الشركات العسكرية المصرية، بما فيها مصنعا حلوان وصقر التابعَين للهيئة العربية للتصنيع، وترسانة السويس البحرية، وشركة القاهرة للمقاولات (وهي جزء من الشركة القومية للتشييد والتعمير NCCD).
أنظر:
“European Governments Help Egypt to Build Zafarana Windfarm,” Wind Power, July 8, 2009.
أنظر أيضاً:
New and Renewable Energy Authority, Egyptian Ministry of Electricity, “Wind Energy: Local Manufacturing,” slide presentation, www.slideshare.net/rcreee/local-manifacturing.
(تمت زيارة الرابط في 16 كانون الثاني/يناير 2014).
7 تُصنَّع مركبات السكك الحديدية والمعدات ذات الصلة من قبل شركة SEMAF التابعة للهيئة العربية للتصنيع، فيما تمتلك الشركات العسكرية 52 في المئة من البوارج العاملة على طول نهر النيل، بما في ذلك شركة النيل للنقل النهري الجديدة نسبياً، والتي أسّستها وزارتا الدفاع والإنتاج الحربي، اللتين مُنِحتا عقوداً من عددٍ من مجموعات الشركات الضخمة المملوكة من الدولة، وذلك بعد وقت قصير من إنشائها.
أنظر:
“Egypt: Transport & Logistics.” Capital Research, May 25, 2010, 18.
أنظر أيضاً:
“NRPMC Inaugurates Its River Port in Tanash With Strategic Shipments of Wheat,” press release, February 23, 2010, http://citadelcapital.com/press-releases/nrpmc-inaugurates-its-river-port-in-tanash-with-strategic-shipments-of-wheat.
8 “Impact of Liberalization of Trade in Services: Banking, Telecommunications and Maritime Transport in Egypt, Morocco, Tunisia and Turkey,” Bilkent University (Turkey) Centre for International Economics and Cairo University, Faculty of Economics & Political Science, December 2005, 301.
9 “Egyptian Maritime Transport Industry,” Capital Research, July 14, 2009.
10 يبدو أن ذلك تغيّر عندما أحرز الإخوان المسلمون تقدّماً مقارنة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة في مرحلة التمهيد للانتخابات الرئاسية التي أتت بمرسي إلى السلطة. وكان المستثمرون – ولاسيما أولئك الذين يعملون في قطاع النفط والغاز – يغازلون الحلفاء من نخبة الأعمال التابعة للإخوان المسلمين، ويحاولون تقويض نفوذ الجيش على العقود في هذا القطاع. أنظر:
Alistair Beach, “Majors Vie With Egypt’s Generals Over Oil,” Daily Star (Lebanon), April 14, 2012.
11 صدّرت مصر أيضاً الأسلحة إلى الصومال، وعُمان، والسودان، وشمال اليمن، إضافة إلى الفصائل المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة، بما فيها المجاهدون الأفغان وقوات حسين حبري في التشاد. أنظر:
Joe Stork, “Arms Industries of the Middle East,” Middle East Report, issue 144, January/February 1987.
كما مُنِحَت القوات المسلحة المصرية عقداً لإنتاج أجزاء لطائرات "أف 16" جرى تجميعها في تركيا ثم أُعيد تصديرها إلى مصر بموجب برنامج "بيس أونيكس" Peace Onyx.
12 Embassy, Cairo, “TPT Blanket Approval for Non-technology Transfer Requests,” February 28, 2010.
13 U.S. Embassy, Cairo, “Egypt Responds Positively to End-Use Training,” June 17, 2009.
14 Ipek Yezdani, “Egypt Eyes to Buy Turkish Unmanned Aerial Vehicles,” Hurriyet Daily News, September 19, 2011.
المراكب المُشار إليها هي زوارق تدخّل سريع من طراز MRTP-20.
15 حالات الإنتاج التعاوني للأسلحة الوحيدة التي أعرف بها هي برنامج "بيس أونيكس" Peace Onyx في أواخر الثمانينيات /أوائل التسعينيات، الذي أنتجت تركيا بموجبه طائرات "أف 16" بالتعاون مع شركات أميركية، ثم باعت الطائرات إلى مصر (التي أنتجت بعض العناصر الثانوية لاستخدامها في الطائرات)؛ وربما اتفاق عُقِد في الثمانينيات، وبنَت بموجبه شركة MKEK التركية منشأةً في مصر لإنتاج قذائف دبابات من عيار 105 مليمتر.
Omer Karasapan. January-February 1987. “Turkey’s Armaments Industries.” Middle East Report, p29.<
16 أصدر مسؤولون في هيئة قناة السويس، التي يهيمن عليها ضباط من الجيش ذوو مراتب عالية، بيانات صحافية بشكل متكرر أصرّوا فيها أن موجة الإضرابات التي نظّمها موظّفو فروع الهيئة في شباط/فبراير 2011، لن تؤثّر على الحركة في القناة.
Amr Ramadan, “Canal Authority Says Suez Strikes Not Disrupting Traffic,” Daily News Egypt, February 20, 2011.
أنظر أيضاً:
Ashraf Ghazy, “Back to Normality: How Egyptian Ports Are Settling Back Into the Old Routine,” Port Technology, February 7, 2011. And Michelle Wiese Bockmann, “Suez Canal Seen Kept Open by Egyptian Army as Ship Agent Suspends Service,” Bloomberg News, February 1, 2013.
17 أحد هذه المشاريع هو الشركة العالمية لصناعة المواسير IPIC – المصنّع الأكبر لأنابيب النفط والغاز في المنطقة – التي وصفها وزير الإنتاج الحربي في عهد مبارك سيد مشعل بأنها "نموذج للتعاون" بين الدولة والقطاع الخاص. "نموذج للتعاون العربي الناجح: زيادة إنتاج أول مصنع مواسير لنقل الغاز والبترول بمصر والشرق الأوسط"، الأهرام، 2 نيسان/أبريل 2005.
http://www.ahram.org.eg/Archive/2005/4/2/ECON2.HTM
تشمل مشاريع مشتركة أخرى شركة "ماكسالتو" Maxalto التي تصنّع بطاقات الهوية المنفَّذة بواسطة الكمبيوتر، والشركة العربية لتصنيع أجهزة الكمبيوتر ACCM.
18 “Commitments delivered despite severe pressures,” Transmissions (Kharafi National corporate newsletter), no. 28 (May 2011): 6, http://www.kharafinational.com/images/transmisssion/2011/Transmission%2028.pdf.
19 استحوذت شركة القلعة على الشركة الوطنية لإدارة الموانئ النهرية في العام 2009؛ مدير الشركة ماجد فراج هو ضابط في الجيش.
20 يملك جمال مبارك حصة بنسبة 18 في المئة في إدارة الاستثمار المباشر في المجموعة المالية هيرميس. وكانت الشركة واستثماراتها هدفاً لمراقبي الحكومة في عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
21 Mohammad Fadel, “What Killed Egyptian Democracy?” Boston Review of Books, January 21, 2014, www.bostonreview.net/forum/mohammad-fadel-what-killed-egyptian-democracy.
22 Salma El-Wardani, “Two of the Seven Suez Canal Companies Suspend Strikes,” Ahram Online, July 7, 2011.
23 يزيد صايغ، "فوق الدولة: جمهورية الضباط في مصر"، ورقة كارنيغي، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 2012.
24 “Labor Groups Condemn Crackdown on Strikes in Port Said and Ain Sokhna,” Mada Masr, April 29, 2014.
25 تشير تسجيلات صوتية سُرِّبَت مؤخراً إلى أن القيادة العسكرية للإمارات العربية المتحدة ومصر أدّت دوراً أساسياً في تمويل وتنظيم الاحتجاجات المناهضة لمرسي.
“New Sisi leaks exposes UAE support for military coup,” March 2, 2015, The Middle East Monitor. https://www.middleeastmonitor.com/news/africa/17273-new-sisi-leaks-exposes-uae-support-for-military-coup.
26 Lisa O’Carroll, “Egypt Accused of Jamming al-Jazeera,” Guardian, September 7, 2013.
27 “Dark Day for Media Freedom as Al Jazeera Journalists Convicted,” Amnesty International, June 23, 2014, www.amnesty.org/en/news/dark-day-media-freedom-al-jazeera-journalists-convicted-2014-06-23.
28 حملة "منهوبة" هي محاولة للمطالبة بالكشف علناً عن مشاريع الجيش التجارية؛ اعتُقِل مؤسِّسا الحملة أثناء محاولتهما توزيع أدلة وثائقية حول عمليات الجيش الاقتصادية.
29 Wael Eskandar, “Brothers and Officers: A History of Pacts,” Jadaliyya, January 25, 2013.
30 شملت هذه الدعوات مقاطعة الاعتصام الذي نُظِّم في تموز/يوليو 2011. المصدر السابق.
31 “Egypt Army Denies Torture Allegations,” Agence France-Presse, April 12, 2013.
32 Eskandar, “Brothers and Officers.”
33 Hazem Kandil. “Deadlock in Cairo,” The London Review of Books, March 21 2013.
34 Stratfor. August 14, 2012. “Egypt Floats a Revision to the Camp David Accords.” https://www.stratfor.com/analysis/egypt-floats-revision-camp-david-accords
Ipek Yezdani. 2011.
35 Zeinab Abul-Magd, “Chuck Hagel in Egypt’s Economic Chaos,” Atlantic Council, April 29, 2013.
36 في الواقع، قال وزير الإنتاج الحربي إنه سيشغّل شركة السيارات حالما تتم "مراجعة" وضعها المالي (أي حالما يُحذّف دين الشركة). أنظر:
Mona El-Fiqi, “Comeback Car,” Ahram Weekly, May 21, 2013.
37 على الرغم من إعلان الحكومة مرات عدة عن خطط لإحياء شركة "ناسكو"، ما من أدلة على أن تجميع سيارات الركاب قد استُئنِف.
38 “Investment Minister: Russia Agrees to Develop Steel Complex, Nasr Car Company in Egypt,” Egyptian State News Service, April 20, 2013.
39 Mohamed Aladdin, “Experimental Project to Produce Domestic Tablet Computers,” Daily News Egypt, July 16, 2012.
40 تتوقّع أرقام الحكومة عائدات بقيمة 100 مليار دولار من رسوم المرور وغيرها من الأعمال ذات الصلة بالشحن، لتُسجِّل بذلك ارتفاعاً من العائدات الحالية التي تبلغ 5.4 مليارات دولار.
Patrick Werr, “Egypt Sees Revenue in Suez Canal Corridor Project,” Reuters, October 10, 2012.
41 Patrick Werr. 2012. “Egypt sees revenue in Suez Canal corridor project.” Reuters, October 10.
42 “Sisi warns Morsi and Qandil—There will be no title given to land near the Suez,” March 21, 2013, Misr Elgdida.
43 Taha al-Najjar, “Housing Minister: We Will Not Pass Canal Development Law Without Army Approval,” Rose al-Yousef, March 21, 2013.
44 Kandil, “Deadlock in Cairo.”
45 Ahram Online (Egypt), June 16, 2013, “Army source dismisses Egyptian military intervention in Syria.”
46 كما يشير قنديل، بحلول كانون الثاني/يناير 2013، لم يكن الجيش يحرس مقرّ إقامة الرئيس مرسي آنذاك في القاهرة وحسب، بل كان أيضاً يفرض حظر التجوّل بتفويض من الحكومة في ثلاث مدن في السويس. وثمة مقارنة مثيرة للاهتمام هنا وهي وجود عدد أقل من رجال الشرطة لحراسة مقرّ إقامة مرسي في شباط/فبراير من العام السابق، حينما أجبر تواجد المتظاهرين مرسي على استخدام الباب الخلفي للخروج. في نهاية المطاف، استبدل مرسي وزير الداخلية الذي كان أشرف على تلك العمليات (وهو أمر لم يستطع فعله مع السيسي). أنظر:
Kandil, “Deadlock in Cairo.”
47 Fadel, “What Killed Egyptian Democracy?”
48 اعتُقِل مرسي في 3 تموز/يوليو. وبحلول 4 تموز/يوليو كانت صفوف الانتظار في محطات الوقود قد اختفت.
49 في اليوم الذي عيّن عدلي منصور، رئيس الحكومة المؤقتة المدعومة من الجيش، 18 محافظاً جديداً (كان نصفهم من ضباط الجيش المتقاعدين)، قال للمحافظين المجتمعين إن أولوياتهم هي "تحسين الخدمات العامة، وتوفير السلع الأساسية بالأسعار المناسبة، وبسط الأمن في الشارع المصر".
Tom Perry, “Egypt Restores Ex-Generals’ Role in Provinces,” Reuters, August 13, 2013.
50 إضافة إلى مشروع "توشكا"، مُنِحَت أيضاً قروض مصرفية لتطوير السكك الحديدية في مصر، بما في ذلك مشروع اُطلِق مؤخراً بقيمة 130 مليون دولار لتمويل بناء مقطورات جديدة، وكُلِّفَت به شركة SEMAF، وهي فرع من الهيئة العربية للتصنيع التابعة للجيش.
51 Sayed Badr, “NBE Grants US$20 mln Credit Facilities for Sino Tharwa Drilling Co.,” Amwal Al-Ghad, January 16, 2014.
أُعلِن عن القرض في اليوم الذي عقب التصويت في استفتاءٍ حول مسودة دستور العام 2013، التي وضعتها الحكومة الانتقالية المدعومة من الجيش، والتي انتُقِدَت بشدة للإبقاء على حصانة الجيش القانونية وعدم فرض أي رقابة على عمليات الجيش الاقتصادية.
52 ضمّت هذه الامتيازات الحق في تطوير حقل النفط "طائر البحر" (إلى جانب شركة "تنمية" والمؤسسة المصرية العامة للبترول)، الذي وُقِّع في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، إضافة إلى عقد استكشاف وُقِّع مع وزارة البترول في تشرين الأول/أوكتوبر 2014.
53 تشير وسائل الأخبار المصرية إلى بيع حصص شركة "فودان" لـ"جهات سيادية"، وهذا الأخير مصطلح يلفت سامر عطالله إلى أنه يُستخدَم للإشارة إلى المخابرات العسكرية. سامر عطالله، "السعي خلف الثروة والاستيلاء على السلطة"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2014.
http://carnegieendowment.org/sada/2014/11/18/السعي-خلف-الثروة-والاستيلاء-على-السلطة/hus7
54 سبق أن أبرم أعضاء في سلك الضباط عقوداً كبيرة مع شركة "فودافون"، بما في ذلك الشركة المصرية لخدمات التتبّع وتكنولوجيا المعلومات ETIT التابعة للواء سمير فتحي، والتي تقدّم خدمات تتبّع المركبات على الإنترنت الموجَّهة إلى المصارف التجارية ومنظِّمي الجولات السياحية.
55 Islam Atrees, “Canal Zone Project Entrusted to the SCA,” Daily News Egypt, October 6, 2013.
56 Sara Aggour, “Investment Opportunities in Suez Canal Project Are Endless: Dar Al-Handasah Director of Operations,” Daily News Egypt, September 16, 2014, http://www.dailynewsegypt.com/2014/09/16/investment-opportunities-suez-canal-project-endless-dar-al-handasah-director-operations/.
57 Egypt Awards Suez Hub Project to Consortium of Army, Gulf Engineering Firm,” Reuters, August 19, 2014, www.reuters.com/article/2014/08/19/egypt-suezcanal-idUSL5N0QP28F20140819.
58 من بين مواقع العمل الستة، يحفر الجيش موقعاً واحداً. أما المواقع الأخرى فتحفرها شركات من الولايات المتحدة وهولندا وبلجيكا والإمارات العربية المتحدة.
59 Stephen Kalin, “Egypt Signs With Six International Firms to Dredge New Suez Canal,” Reuters, October 18, 2014, www.reuters.com/article/2014/10/18/us-egypt-suezcanal-idUSKCN0I70IC20141018.
60 Patrick Kingsley, “A New New Cairo: Egypt plans £30bn purpose-built capital in desert,” The Guardian (UK), March 16, 2015.
61 عمرو عادلي، "مستقبل رأس المال الكبير في مصر السيسي"، ورقة كارنيغي، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2014.
http://carnegie-mec.org/2014/11/19/مستقبل-رأس-المال-الكبير-في-مصر-السيسي/i2io
62 كان هدف مشروع الاستصلاح نقل 20 في المئة من سكان مصر إلى هذا الوادي الجديد، حيث تُغَذّى المدن والحقول بشبكة من القنوات تمتدّ من بحيرة ناصر إلى الصحراء الغربية.
63 Tamim Elyan, “Lawsuit Aims to Annul Saudi Prince’s Toshka Land Deal,” Daily News Egypt, October 20, 2010.
64 Bradley Hope, “Egypt’s New Nile Valley: Grand Plan Gone Bad,” National, April 22, 2012.
65 كانت الإمارات العربية المتحدة قد أجرت أيضاً استثمارات سابقة في مشروع "توشكا"، لكن تلك الاستثمارات أُعلِن عنها قبل انتخاب مرسي. أنظر:
“UAE to Carry Out Three Giant Projects in Egypt—Minister,” Egyptian State News Service, May 14, 2012, and “20.000 Feddans to be Cultivated in Toshka,” May 17, 2012.
66 Waleed Abu al-Khair, “Egypt Cultivates Investment in Toshka Region,” Al-Shorfa (regional media supported by US CENTCOM), September 13, 2013.
67 Stephen Kalin, “Sisi’s Economic Vision for Egypt: Back to the Future,” Reuters, May 22, 2014.
68 “A Message From the Egyptian Consulate of Sydney Regarding the ‘Long Live Egypt’ Fund,” posted on the website of the Australian Coptic Movement (ACM) on July 17, 2014, www.auscma.com/2014/07/a-message-from-the-egyptian-consulate-of-sydney-regarding-the-long-live-egypt-fund.
69 “Long Live Egypt Fund Collects EGP2.3 bln in 2 Months,” Mubasher, August 19, 2014, http://english.mubasher.info/EGX/news/2585789/Long-Live-Egypt-Fund-collects-EGP2-3-bln-in-2-months#.VQngbhDF9O8.
70 Passant Rabie, “A Donation Plea for Egypt to ‘Live Long,’” Mada Masr, September 14, 2014, www.madamasr.com/sections/economy/donation-plea-egypt-live-long.
71 تتراوح المشاريع من النقل (الطرق، والجسور، والأنفاق، وممرات المشاة)، إلى مشاريع الإسكان لذوي الدخل المنخفض، والمستشفيات، والمدارس، والمخابز.
Mohamed El Dahshan (Egyptian blogger), “The Egyptian Army Collects Billions in Government Contracts,” January 3, 2014, http://eldahshan.com/2014/01/03/army-contracts.
ذُكِر في: سامر عطالله، "السعي خلف الثروة والاستيلاء على السلطة"، صدى، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2014.
http://carnegieendowment.org/sada/2014/11/18/السعي-خلف-الثروة-والاستيلاء-على-السلطة/hus7
أنظر أيضاً، محمود الواقع، "القوات المسلحة تسيطر على تنفيذ المشروعات الحكومية وحقوق الانتفاع للطرق"، يناير، 29 آذار/مارس 2014.
http://yanair.net/archives/31896
72 للاطلاع على الجدل القائم حول شركة سعودية منخرطة في مشروع توسيع قناة السويس، أنظر، أحمد جمال الدين، "تحالف هندسي مصري سعودي بفوز بالمخطط العام"، صحيفة الأخبار، 20 آب/أغسطس 2014.
http://www.al-akhbar.com/node/213809
73 عادلي، "مستقبل رأس المال الكبير في مصر السيسي".
74 المصدر السابق.
75 El Dahshan, “The Egyptian Army Collects Billions in Government Contracts.”
76 Kandil, “Deadlock in Cairo.”
77 The Economist, “Egypt’s economy: Pyramid scheme,” February 21, 2015. http://www.economist.com/news/finance-and-economics/21644197-arab-worlds-biggest-country-struggling-revive-its-fortunes-pyramid-scheme.
78 Sara Aggour, “Russian Industrial Zone to Be Established in Egypt,” Daily News Egypt, March 26, 2014, www.dailynewsegypt.com/2014/03/26/russian-industrial-zone-established-egypt.
79 Amwal Alghad, “Egypt Seeks to Attract More Chinese Investment,” Amwal Al Ghad, September 10, 2014, http://amwalalghad.com/en/investment-news/industry-trade/29618-egypt-seeks-to-attract-more-chinese-investment.html.
80 كل العقود هي من قاعدة بيانات وزارة الدفاع الأميركية: www.defense.gov/contracts.
يمكن الاطلاع على هذه العقود على الروابط التالية:
www.defense.gov/contracts/contract.aspx?contractid=5077;
www.defense.gov/contracts/contract.aspx?contractid=5098;
www.defense.gov/contracts/contract.aspx?contractid=5108;
www.defense.gov/contracts/contract.aspx?contractid=5122.
81 U.S. Department of Defense, “Contracts,” Defense Logistics Agency, September 6, 2013, www.defense.gov/contracts/contract.aspx?contractid=5128.
يذكر إعلان العقد أيضاً شركاء تنسيقيين في الإنتاج، بما في ذلك أستراليا وكندا والنرويج وبولندا وكوريا الجنوبية.
82 BBC News, “France wins deal to sell Rafale combat jet to Egypt,” February 12, 2015, http://www.bbc.com/news/business-31449564.
83 في أيلول/سبتمبر 2013، أنتجت الهيئة العربية للتصنيع، بالتعاون مع شركة "إنتل" Intel العملاقة في مجال التكنولوجيا، جهاز الكمبيوتر اللوحي "بلوتو" Pluto، الذي ستتنافس بشكل مباشر مع جهاز الكمبيوتر اللوحي "إينار" Inar الذي أنتجته شركة "بنها" للصناعات الإلكترونية الخاضعة إلى سلطة وزارة الإنتاج الحربي.
84 Azzam Tamimi, “Egypt’s New Shocking and Potentially Indicting Leaks,” Middle East Monitor, December 5, 2014, www.middleeastmonitor.com/articles/middle-east/15666-egypts-new-shocking-and-potentially-indicting-leaks.
85 Tom Stevenson. November 7, 2014, “Egypt: Land of the Generals.” Middle East Eye. http://www.middleeasteye.net/in-depth/features/land-generals-1661973598. Also see Nassif, “Wedded to Mubarak,” 2013.
86 أصبح معروفاً الآن أن السيسي رفض الجهود التي بذلها مبعوثو الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي للتوصّل إلى اتفاق بين الجيش وبين قيادة حزب الحرية والعدالة، على الرغم من مبادرات الحزب الإيجابية.
87 شكّلت صفوف الانتظار الطويلة في محطات الوقود مصدراً رئيساً للاستياء في الأيام الأخيرة من عهد مرسي، لكن الجيش لم يوفّر مخزوناً من احتياطيات الوقود الاستراتيجية لديه لتخفيف النقص إلا بعد إطاحة مرسي.
“Petroleum Authority Officials Granted Arrest Powers,” Mada Masr, September 9, 2013>
88 Borzou Daragahi, February 8, 2015, “Recording claims to show Egypt leaders’ disdain for Gulf donors.” Financial Times.
www.ft.com/intl/cms/s/0/fbe57902-af8a-11e4-b42e-00144feab7de.html#axzz3UlQoMjTt
89 شريف عبد القدوس، "مصر والعودة إلى السلطوية"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 30 تشرين الأول/أكتوبر 2014.
http://carnegieendowment.org/sada/2014/10/28/مصر-والعودة-إلى-السلطوية/hsy4
90 Zeinab Abul-Magd, “US Military Aid to Egypt Lost Value,” Jadaliyya, July 25, 2013, www.jadaliyya.com/pages/index/13186/us-military-aid-to-egypt-lost-value.
91 Cora Currier, “In Big Win for Defense Industry, Obama Rolls Back Limits on Arms Exports,” ProPublica, October 14, 2013, www.propublica.org/article/in-big-win-for-defense-industry-obama-rolls-back-limits-on-arms-export.
92 Steven Cook, “How to Get Egypt’s Generals Back on Our Side,” January 5, 2015, http://foreignpolicy.com/2015/01/05/how-to-get-egypts-generals-back-on-our-side-sisi-military-us-foreign-policy
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق