الإسلاميون وعاصفة الحزم
د. أحمد موفق زيدان
تماماً كالفرق بين تحرك الدولة العميقة والدولة السطحية، فالأولى مرهونة مشدودة للماضي أكثر مما هي مرهونة للحاضر والمستقبل، وتسعى للحفاظ على المكتسبات التي كدّستها على مدى الزمان والمكان، يشبهها في ذلك فقير ورث عقارات ضخمة في أرقى الأحياء، ولكن يؤثر أن يعيش كفافاً على أن يبيع هذه العقارات ويتجشم عناء مستقبل يراه مجهولاً..
أدرك تماماً أنني قد أستفز البعض، ولكن تلك هي ضريبة الكتابة والحرية حيث في جوهرها التمرد، وحين أتحدث عن الدولة العميقة فلا أقصد الدولة الرسمية ولكنني أقصد دولة الأحزاب الإسلامية العتيدة، الذين لم يحسموا أمرهم بشكل واضح تجاه عاصفة الحزم، ومن حسمه أتى متأخراً بعد أن انتقدها أو نال منها في البداية، كما حصل مع صاحب الدار حزب الإصلاح اليمني، والذي من المفترض أن يكون سبّاقاً ورائداً في الكشف عن موقفه ليضع البوصلة للآخرين، ولعل إخوان سوريا وثوارها لاكتوائهم بالنار الإيرانية لعقود، كانوا الأسرع في دعمها ومساندتها أملاً في أن تتدحرج صوبهم..
الإخوان المسلمون كتنظيم دولي لم يتبق منه سوى أطلال على ما يبدو بعد انشقاق طال نائب مرشده محمد حبيب وناطقه الرسمي بأوروبا كمال الهلباوي، وما يتعرض له جناحه الأردني من تمرد لقياداته، ومن قبل انفضاض حسن الترابي والشيخ راشد الغنوشي عنه، بالإضافة إلى تناقضاته في الموقف من إيران واستباحتها لعالم عربي وإسلامي لم يجابه من قبلهم إلا بالصمت، كل ذلك يدفع للتفكير ملياً في جدوى تكبيل الأمة بسلاسل تُقيد أكثر مما تُطلق وتُضر أكثر مما تُفيد، بينما الكل يعلم أنه لا يوجد تنظيم دولي ولا هم يحزنون على الواقع، تجلى ذلك في عدم التوصل لموقف موحد منذ سنوات في قضايا كُلفتها مئات الآلاف من الشهداء وتدمير أوطان، وأعني احتلال إيران للعراق والشام ومن قبل لبنان، ولا تجد موقفاً موحداً، يترافق مع صمت مريب تجاه تعاون بعض الإخوان مع الاحتلال الأميركي في كل من العراق وأفغانستان، ثم تعاون التنظيم العراقي مع الحشد الشيعي العراقي في تدمير ما تبقى لأهل السنة في مناطقهم.
إذن، ندفع ثمن لافتات كبرى بتأليب العالم غربيه وشرقيه علينا من أجل راية لم تُرفع بحقها كما أخذ الصحابي «أبو دجانة» سماك بن خرشة السيف من نبينا عليه السلام بحقه، تماماً كما دفعنا وندفع ثمن لافتة تنظيم القاعدة العالمي، وبالتالي من لم يمت بذريعة بعض الأنظمة الغاضبة على هذه الراية مات بالثانية، ناهيك عن الدواعش، وهذا يذكرني بالثمن الذي دفعه الشعب الألماني لنظرية تفوق العنصر الآري التي رفعها أدولف هتلر، وهي نظرية لم يُستشر بها ولم يُستفت فيها..
العنصر الآخر من الإسلاميين الذين يمثلون الدولة السطحية، والمعني به حداثة تنظيماتهم الذين لم تشدهم الحسابات الحزبية الضيقة مثل الجماعات الجهادية السلفية وعلى رأسها حزب البناء والتنمية المصري، الذي هو الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، حيث أعلن زعيمه طارق الزمر منذ اليوم الأول انحيازه للعاصفة وذاك عين العقل، والأمر نفسه حصل في الوسط السلفي الجهادي والعلمي بباكستان، وغيرهما، فبينما رأينا موقف الجماعة الإسلامية الباكستانية المتماهي مع إيران والحكومة الباكستانية، وهي التي عجزت على إصدار موقف واضح تجاه الثورة السورية ومجازر طاغية الشام بحجة السلم الأهلي والخشية من الطائفية، بينما كان لها موقف في اليمن لإرضاء الأقلية الشيعية وخشية من غضبتها تحت نفس المسمى الحفاظ على الوحدة الوطنية..
في السياسة لا بد أن تقرأ الحدث ومستقبله، وهو ما يميز سياسيا متبصرا ناجحا عن غيره، وعاصفة الحزم التي جاءت إنما في حاضرها ومستقبلها لصالح الأمة الإسلامية والأحزاب جزء منها، فبعد أن كان الإرهاب المعني به هو السنة، جعلت منه عاصفة الحزم إرهاباً طائفياً بزعامة إيران وبالتالي صححت البوصلة أولاً، ومنحت متنفساً وشرعية لانتفاضة الشعوب، وتحركاً للإسلاميين وأهل الخير في الدول العربية، بعد أن كان التضييق عليهم هو الأساس، ومع هذا نجد بعض الإسلاميين وكأنهم يصرون على البقاء في الكهف من التشكيك والارتهان لماضي الصدام مع الحكومات، وقد أدمنوا حياة المعارضة.
نحن أمام مشهدية خطيرة غير مسبوقة قد تطيح بالأمة بسبب تغول إيران وطموحات أمجادها الساسانية والفارسية، وبالتالي الثأر للنفس من خلال الوقوف على الحياد وترك الطرفين العاصفة مع إيران وأذنابها لوحدهما لا يقره دين ولا دنيا بنظرنا المتواضع، فالأمة اليوم تحت التهديد بعقيدتها ووجودها، وبالمقابل على الطرف الحكومي أن يقدم على ما يُطمئن الأحزاب الإسلامية وعلى رأسها الإخوان المسلمين، ففي هذه الحالة معادلة الكل فيها رابح ودونها الكل فيها خاسر..
أدرك تماماً الغُبن والظلم الذي حاق بالإسلاميين على أيدي مغتصبي السلطة في مصر، وأدرك تماماً مبرر الامتعاض من كل من دعم مغتصبي السلطة، وأعي تماماً أن الكتابة عن الإخوان في هذا الوقت قد يراها البعض غير مناسبة لوجودهم خلف زنازين الطغاة ظلماً وعتواً، وفي ذاك حق كثير لو لم يكن وجود الأمة مهدداً، فالحق أحق أن يتبع وتلك رسالة الإمام البنا رحمه الله، والتاريخ فرص ونفحات ومن لم يقتنصها مرّت على غيره، فاللحظات الفاصلة لا تتوقف لمتأخر ومتباطئ، والحكيم من يقتنصها وقت هبوبها..
المعركة واحدة من العراق والشام إلى لبنان واليمن وغيرها، وبالتالي ينبغي ألا تُلهينا معركة عن أخرى، وضرب الأفعى يكون بالرأس والرأس في العراق والشام وفي عقر دارها لتنكفئ إلى جحرها أو ليقضي الله أمراً كان مفعولا..
 @ahmadmuaffaq
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق