حتى لا تكون "البداية".. منتهى الحنجلة
وائل قنديل
حتى يجيب مؤسسو ما تسمى "حركة البداية" عن السؤال الذي قفزوا عليه، في بيانهم التأسيسي، الخاص بتوصيفهم الطريقة التي وصل بها نظام عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، تظل هذه الحركة المفاجئة محل شكوك وهواجس مشروعة.
لم يقدم لنا البيان وصفا أو تعريفا لما قام به السيسي والعسكريون للاستيلاء على الحكم، هل يعتبرونه انقلابا على تجربة حكم جاءت بشكل ديمقراطي، عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون ثاني 2011، أم كان وصولا مشروعاً إلى السلطة؟
يخلو بيان الحركة من أية إشارة لموقفها من شرعية، أو بالأحرى لا شرعية، نظام حكم عسكري، وصل إلى السلطة عبر سلسلة من المجازر بحق معارضيه، بما تبدو معه وكأنها حركة تطمح فقط إلى تحسين ظروف العيش، تحت ظل سلطة قمعية مستبدة، ولا تعتبر نفسها في حالة مقاومة له، سلميا، بشكل جذري، ومن ثم لا تسعى، بأي حال، إلى تغيير النظام، أو إسقاطه، بل تطلب فقط تغيير الطريقة التي يستخدمها النظام في البطش، أو قل تخفيف حدة الاستبداد، وتخفيض كمية القمع، وليس إنهاء حكم النظام القمعي.
يناقض مؤسسو الحملة أنفسهم حين يقولون إنها "تستهدف توحيد القوى الثورية من أجل تحقيق أهداف ثورة يناير"، ثم يخرج أحد مؤسسيها بتصريحاتٍ يعلن فيها إقصاء المصريين من المنتمين إلى "الإخوان"، معتبرا أن "قضيتنا ليست واحدة".
إن أي كلام عن استعادة حالة ثورة يناير، وتحقيق أهدافها، باستبعاد الإخوان والإسلاميين هو نوع من الدجل السياسي، فضلاً عن أنه يقود مباشرة إلى "فقه تمرد" الذي تمت صياغته في معامل تفريخ" الثوار الجدد" التابعة للعسكر، والذين كانوا وقود الانقلاب، والارتداد عن قيم ومبادئ وأهداف ثورة يناير.
وإذا وضعت في الاعتبار أن من مؤسسي "البداية" من كانوا يلعبون الأدوار نفسها في تأسيس" تمرد"، ومنهم من كان يجوب قرى الصعيد والدلتا، لحشد الناس لتوقيع "استمارات تمرد" المدعومة عسكريا، فإنك تكون بصدد فخ جديد، يستهدف قطع الطريق على إنشاء كيانات أخرى محترمة، تسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية، وتطمح إلى أكثر من مجرد تخفيف وطأة البطش بالمعارضة، أو إلغاء قانون التظاهر و"الإفراج عن كل سجناء الرأي، وفي القلب منهم شباب الثورة"، كما يقول البيان التأسيسي.
ومشكلة هذه الحركة أنها تتأسس على مقدمات فاسدة منطقيا، ومن ثم لا يمكن توقع نتائج سليمة من ورائها، وهي، على هذا النحو، لا تختلف عن كوميديا ما يعرف بـ "تحالف 25+30"، والاسم يحمل في ذاته كل علامات فساد المنطق، إذ يضع الثلاثين من يونيو" الثورة المضادة" كشقيق للخامس والعشرين من يناير "الثورة الحقيقية"، وهو بذلك يريد خلط العذب الفرات بالملح الأجاج، ويتوقع ماء صحيا صالحا للشرب.
صحيح أن من الموقعين على البيان التأسيسي من كانوا في القلب من دراما يناير 2011، ولديهم رصيد في "بنك الثورة"، لكن الصحيح أيضاً أن منهم من أضاعوا رصيدهم، وبددوه أو رهنوه، أو ضاربوا به في بورصة الثورة المضادة التي عملوا في خدمتها، بكل كد وتفان، بعضهم بوعي كامل، وآخرون شبه لهم.
وعلى ذلك، فإن هؤلاء مطالبون أولاً، وقبل غيرهم، بالاعتذار عن خطيئة المشاركة في مشروع إجهاض ثورة يناير، وكذلك عن التحريض على، أو السكوت عن، إراقة دماء آلاف الشهداء، في فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، اللذين لم يرد لهما ذكر في بيان تأسيسي يزعم أنه ضد القمع والبطش والظلم، ومطالبون، قبل ذلك وبعده، بإعلان الدعوة إلى العودة إلى خطوط 11 فبراير/ شباط 2011، لاستئناف الثورة بعد يومها الثامن عشر.
كما لا يصح أن يزعم أحد أنه يبحث عن توحيد الصفوف لاستعادة ثورة يناير، ويتحدث عن حراك ثوري شعبي مناضل، قافزا على، أو متجاهلا، حراكا حقيقيا وصامدا بشكل أسطوري منذ بداية الانقلاب العسكري، وحتى الآن، في مواجهة أعنف وأبشع عمليات القمع والإبادة، من دون أن يتراجع أصحابه، أو تفتر عزيمتهم، إلا إذا كان أصحاب "البداية" يعتبرون أن ما قبلهم هو العدم، وما دونهم هو "اللاوجود"، وأن الثورات لا تبدأ إلا حين يستيقظون من نومهم.
ومن دون إعلان مواقف واضحة وقاطعة من هذه الإشكاليات، وتقديم إجابة محددة عن موقفهم من "شرعية" النظام الحالي، ستبقى هذه الحركة موضع "شبهات تمرد"، أو نوعا من "الحنجلة" في الحديقة الخلفية للنظام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق