عن رستم غزالي ودلالات مقتله
ياسر الزعاترة
نُسجت وستنسج الكثير من الروايات حول مقتل رستم غزالي، رجل النظام السوري الأقوى في لبنان حتى اغتيال رفيق الحريري. ففي مثل هذه الأنظمة الستالينية لا يمكن الجزم بحقيقة ما جرى، لكن المؤكد أن بشار ومن ورائه قاسم سليماني قد قررا التخلص من رستم غزالي، بصرف النظر عن أداة القتل، وما إذا كانت نتيجة الضرب على أيدي منافسه رفيق شحادة كما قيل، أم فسخ جسده عبر ربطه بسيارتين كما في إحدى الروايات، أم بحقنة سامة كما في رواية صحيفة «لوموند» الفرنسية.
ثمة وجوه عدة لما جرى ويجري في سوريا من تصفيات، بعضها قبل الثورة، كما في حالة عماد مغنية، والأكثر بعدها كما في حالات آصف شوكت، اللواء غازي كنعان، الجنرال جامع جامع، واللواء عبدالكريم عباس، وكذلك عموم خلية الأزمة التي بات التحليل الأكثر إقناعا يشير إلى أنها كانت نتاج تصفية داخلية.
الوجه الأول هو أن قاسم سليماني أصبح المتحكم عمليا بالنظام السوري، وهو الذي يدير مؤسسته الأمنية والعسكرية، ومن يخرج عن هذا السياق أو يحتج على هذا التغول أو الاحتلال بتعبير أدق، فمصيره الموت، ولا يمكن استبعاد أن يكون غزالي من ضمن هؤلاء، وقد قيل إن سليماني احتج على مراقبة غزالي للضباط الإيرانيين في سوريا.
الوجه الآخر يتمثل في تشديد البعد الطائفي للنظام، حيث أصبح كل سنّي عمليا مشكوكا فيه، وما جرى لفاروق الشرع شاهد، فيما يعلم الجميع أن غزالي سنّي، رغم أنه قاتل حقير وفاسد كبير لا يمكن أن يُحسب على أية طائفة، لكنه ينتمي لمدينة درعا التي كان لها الحضور الأبرز في المؤسسة العسكرية والأمنية والحزبية بالنسبة للسنّة، فيما كانت الغالبية من النافذين من الطائفة العلوية.
هكذا يصفّي النظام رموزه السنّة تباعا، أعني من لهم حضور لافت، أما أصحاب الحضور الصوري في الحكومة، وحتى في الجيش فلا مشكلة مع بقائهم، بل هو ضروري لتجنب حشر المسألة في البعد الطائفي، مع أنه لم يعد سرا أنه حتى في المستويات الدنيا في الجيش بات كل سنّي مشكوكا فيه، وهو ما يقوله العلويون أنفسهم في سياق من تبرير حجم الخسائر الكبيرة في صفوفهم، وحيث يوضعون في مقدمة المعارك. وعموما، فإن المشاعر الكامنة (كذلك المخاوف) لا بد أن تتحرك داخل أي سنّي في النظام، وهو يشاهد الاحتلال الإيراني، ويتابع تلك الميليشيات التي تُستجلب من أنحاء الأرض بحشد طائفي واضح، ويلمس ذلك بيديه.
ثمة وجه لا يقل أهمية عن ذلك كله فيما يتصل بمسلسل التصفيات، ألا وهو الجانب المتعلق باغتيال الحريري، فمن الواضح أن كل من كانت لهم صلة بعملية الاغتيال يُراد التخلص منهم، والذين لم يبق منهم عمليا سوى القيادي في حزب الله، مصطفى بدر الدين واثنين آخرين أقل أهمية.
وقد بدأ مسلسل تصفيات من لهم علاقة بالأمر بعماد مغنية الذي بات بالإمكان القول: إن تسريب مكان وجوده للصهاينة قد تم عن طريق النظام نفسه، ثم غازي كنعان ورستم غزالي، والخلاصة أن النظام، ومعه إيران، يريدون أن يغلقوا هذا الملف تماما، ولا يُستبعد أن يجري لاحقا التخلص من بدر الدين، أو إبعاده عن لبنان نهائيا، وغالبا إلى إيران.
يحدث ذلك فيما يترنح النظام السوري تحت ضربات المعارضة، ولا يجد في مواجهة ذلك غير استجداء الغرب لمساعدته بالضغط على تركيا لوقف التراجع، وبالطبع مقابل تعاونه فيما يسمى مكافحة الإرهاب.
مثل هذا النظام الطائفي ليس قابلا للبقاء، مهما طالت المعركة، ومثل هذا الاحتلال الإيراني لبلد محوري مثل سوريا لم يعد قابلا للاستمرار أيضا، والنهاية معروفة، لكن توقيتها هو المجهول، وهو التوقيت الذي يرتبط بمدى قدرة إيران على احتمال كل هذا النزيف الممتد من صنعاء إلى بغداد فدمشق، وصولا إلى الضاحية الجنوبية.
•  @yzaatreh
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق