الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

قصص مبكية يرويها أستاذ أزهري من داخل محبسه


قصص مبكية يرويها أستاذ أزهري من داخل محبسه

الشيخ محمود شعبان


مفكرة الإسلام : من داخل سجن العقرب روى الشيخ محمود شعبان، أستاذ البلاغة بجامعة الأزهر، وأحد المعتقلين فيه ، قصصًا مبكية عن أحوال المعتقلين فى السجن شديد الحراسة.
وقال شعبان فى رسالته المسربة التي نشرتها صحيفة "المصريون": إنه "سبق وأن كتب إلى بقايا ضمير ولم تؤثر فى أحد، مشيرًا إلى أن رسالته هذه المرة إلى "بقايا إنسان". وجاء نص الرسالة:
لقد أرسلت رسالة من قبل إلى بقايا ضمير، ولم تؤثر فى أحد ولم يتحرك لها أحد فتأكد موت ضمائر كثيرين، لذا فإنني أكتب اليوم إلى بقايا إنسان.
أكتب إلى ما تبقى من إنسان شوهوه خُلقا وخَلقا وثقافة، فافتقد التمييز بين الصواب والخطأ فضلاً عن التمييز بين الحلال والحرام، أكتب إلى مثقفي الأمة وعقلائها ونخبتها أكتب إلى من سماهم الله فى كتابه الملأ، أكتب إليهم لا انتظر منهم شيئًا وإنما ليعلموا من هم وما حقيقتهم، أكتب لتظهر الصورة للكل بلا كذب ولا تزييف ولا تدليس.
أكتب موقفًا لهم أمام مرآة الحقيقة ليهلك من هلك من بينة ويحيا من حييا عن بينة. أكتب عن آلاف من المساجين جلهم من الشباب الرافضة للظلم والعودة لبلاد الفساد والإفساد، فلم يصبح الفساد بلدًا بل صار بلادًا، فلكل فاسد من الفاسدين بلد يديرها بمعرفته لمصلحته هو وأعوانه وزبانيته، أكتب عن آلاف المظلومين المغيبين فى السجون لا لشىء إلا لأن الأمن الظالم زج بهم بحثًا عن مجرم ادعوه وادعو عدم القدرة على الوصول إليه، وخذ لذلك مثلاً مجموعة من الشرقية فى قرى متطرفة فى مكانها بحيث تجاور مجرى القناة من طريق الإسماعيلية الصحراوي، لقد حدث اعتداء على سفينة من هذه المنطقة، فإذا الأمن يهجم على كل القرى ويأخذ كل ملتحٍ وكل من منتقبة وكل مصل، بل وصل الأمر لصلاة الجمعة، السيارة المصفحة تنتظر الناس فى الخروج من الصلاة وتأخذهم للسؤال ثم العودة ولا عودة، وبعدها يرحلون على سجن العازولى فيرون الموت عيانًا بيانًا من تعليق وضرب وتكسير عظام ومفاصل وكهربة فى الأعضاء التناسلية، كل هذا وهم يسألون عن غيرهم ممن لا يعرفون، حتى إن أحدهم من شدة التعذيب قال "أعرف يا باشا" فقال انزلوه، فلما نزل قال لا أعرف شيئا ولكنى قلت هذا من شدة التعذيب لأريحك ولأنني رأيت الموت فقلت أتحول عن هذا الاتجاه من الموت، فرفعوه ثانية وعذبوه ثالثة وقال بأعلى صوت سأقول كل شيء أنزلوني، فلما أنزلوه، قال يا باشا أكتب ما تريد وأنا أوقع عليه.
هذا غيض من فيض فإن أناسا كثيرين فى العازولي شهورا طوالاً لا يعرف عنهم أحد شيئًا، منهم من مات من وطأة التعذيب ومنهم المفقود ومنهم من رحل على العقرب ومنهم من ظل فى أمن الدولة فترى أخرى.
المهم هذه الشهور ليست محسوبة من فترة حبسه، لأنه يحسب له من أول عرض على النيابة. وعلى قضية قرى الشرقية، قس فالأمثلة كثيرة من هذا الباب الذي جعل الشباب يكفرون بالديمقراطية ورجالها بل ويكفرون بالوطن والثقافة والمثقفين ويعلم أنها حرب وجود، فهم فصيل لا يراد له أن يكون موجودًا، فكأنهم يحاربونه على رد فعل فى 25 يناير لما أسقط عرش الظالم الأكبر.
تأكد الشباب من ذلك لما رأى الوجوه القديمة تعود بممثليها ونوابها، يكره كل شيء وعزف عن كل شيء، انتخابات وغيرها، لأنه رأى حربًا على دين الله حربًا على الحق حربًا على الخير حربًا لمصلحة الفساد والمفسدين فقط، حربا تأكل الأخضر واليابس وتزيد الكراهية التي أنبتت أشجارًا من البغض تستحيل معها الحياة، فكتب على جيل الموت غيظًا وكمدًا قبل أن يرى الحياة.
الشباب يا سادة إما سجين أو شهيدًا أو جريح أو مكلوم على قريب أو صديق، لقد تأكد الشباب أنهم ليس لهم إلا الله فتعلقوا به وكفروا بمن سواه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق