الاثنين، 2 نوفمبر 2015

لماذا يتفوق بوتين ويتخبط أوباما ؟

لماذا يتفوق بوتين ويتخبط أوباما ؟

شريف عبدالعزيز
" أمريكا تحتفظ بـ99% من أوراق اللعبة الدولية " بهذه العبارة الموجزة لخص الرئيس المصري الراحل أنور السادات أسباب طرده للخبراء السوفيت في بداية عهده في أوائل السبعينيات ، وتوجهه السياسي نحو المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية . 
فالشواهد الدولية منذ أزمة الصواريخ الكوبية كانت تدلل على ذلك بقوة ، حتى أن المقولة السياسية الرائجة آنذاك كانت "أن مع أمريكا يكسب، ومن مع الاتحاد يخسر".
 غير أن كفة الصراع باتت تميل بشكل كبير منذ أواسط السبعينات للسوفييت الذين ينتقلون - ولأول مرة - من حالة الدفاع إلى الهجوم، الأمر الذي حذا بوزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر بأن يصف تلك الحقبة بأنها "مستهل اختلاط المشهد الدولي".
ففي عقد السبعينات لحقت بأمريكا أول هزيمة عسكرية وسياسية غير مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية في فيتنام، وقد توالت النقاط التي أحرزها السوفييت ضد الولايات المتحدة حتى احتل السوفييت أفغانستان، وهو الاحتلال الذي جاء لتثبيت النفوذ الأحمر في أسيا والاقتراب من منابع النفط على الخليج العربي.

غير أن ذروة المجد السوفيتي قد أخذت في التراجع وبشكل سريع يدعو للعجب،حيث بدأ تاريخ أفول نجم الاتحاد السوفيتي منذ احتلاله لأفغانستان، ذلك الغزو الذي دق المسمار الأخير في نعش الإمبراطورية العجوز وسرّع من وتيرة انهيارها المفاجئ، وفجأة وبعد اعتقاد ساد في مطلع الثمانينات، بأن الشيوعية ستكتسح كل الأيدلوجيات والأمم أمامها ، أخذت الشيوعية تهدم نفسها بنفسها، وتتآكل داخليا ، ففي عقد واحد تلاشت التوابع في أوروبا الشرقية وتقطعت أوصال الإمبراطورية السوفيتية متخلية عن جميع المكتسبات الروسية تقريبًا منذ عهد بطرس الأكبر، فما من قوة سبق لها أن تقطعت بهذا الحجم وبهذه السرعة ، ليُهزم الاتحاد السوفيتي ويتفكك بعدها، حتى وصل الحال بأن يفعل شعب لا يتجاوز تعداده المليون نسمة – الأفغان - الأفاعيل بالسوفييت ويكبدهم خسائر بشرية ومالية مهولة في عقد واحد .

ظل الروس في تراجع مستمر وتفكك مؤسسي مروع خاصة مع وجود رئيس سكير ومريض -بوريس يلتسن - ، حتى ظهر المنقذ – بوتين- الذي توفرت فيه جميع صفات الزعيم المغامر، إذ تمكن بوتين بالفعل من تحقيق إنجازات اقتصادية وسياسية داخليًا وخارجيًا، حيث استطاع تثبيت الهدوء والاستقرار في الشيشان التي كانت تعد من أخطر الملفات التي أرّقت الروس وأرهقتهم، فيما خاض حربًا منتصرة تمامًا ضد جورجيا في فترة رئاسته للوزراء في عام 2008 وهي الحرب التي كانت رسالة إلى أوروبا تُظهر عدم تهاون روسيا مع أي تهديد لهيمنتها على قطاع الطاقة فضلاً عن وضعها حدًا لخطط "الناتو" الرامية إلى إنشاء قواعد الصواريخ ومحطات الرصد على الأراضي الجورجية، كذلك استطاع من خلال تحالفاته مع الصين وإيران أن يضمن حضورًا دوليًا فعّالًا.

وباختصار يمكننا القول إن عهد بوتين شهد إعادة الهيبة لروسيا داخليًا وخارجيًا، ولكن ليس على المستوى الذي يتماشى مع التقدم الروسي الحادث هذه الأيام خاصة على مستوى التأثير الدولي .فمازال الملف الاقتصادي هو نقطة الضعف الكبرى لدى بوتين،مثلاً الناتج المحلي الإجمالي لروسيا في عام 2014 كان أقل من 2 تريليون دولار،في حين نما الاقتصاد الأمريكي في نفس العام بمبلغ يتجاوز الاقتصاد الروسي بأكمله،كما أن الاقتصاد الأمريكي هو بشكل عام أكثر تنوعاً ومرونة من الاقتصاد الروسي ، وفي حين لم تفقد الولايات المتحدة أياً من حلفائها الرئيسيين على مدى السنوات السبع الماضية،وعلاقاتها مع عدد من البلدان،كالهند وفيتنام وكوبا على سبيل المثال، تحسنت بشكل ملحوظ، بينما على الجانب الآخر، ورغم التعاون الروسي- الصيني، إلا أن البلدين بالكاد يمكن اعتبارهما كحليفين، كما أن أزمة أوكرانيا أضرت بشكل كبير بالعلاقات الاقتصادية الروسية مع أوروبا، وأودت إلى إيقاف روسيا من مجموعة الثمانية، وفي الوقت الذي أبرمت فيه الولايات المتحدة صفقة تجارية ضخمة مع مجموعة من الشركاء الآسيويين، أسفرت جهود بوتين لبناء "الاتحاد الأوراسي الاقتصادي" عن ولادة اتحاد ميت .
ورغم هذا التفاوت الملحوظ بين الروس والأمريكان إلا إن الشواهد الجارية تكشف عن تفوق ملحوظ لبوتين في مقابل تخبط أشد لحوظا لأوباما خاصة فيما يتعلق بملف السياسة الخارجية وأبرز تجلياته في العراق وسوريا . فما السر هذا التفاوت العجيب ؟! فكلا من أوباما وبوتين يعتمدان إلى حد ما على التقارير الإستخباراتية والمشورة المقدمة من مستشاريهم الموثوق بهم، ولا يعولون بشكل تام على حكمهم الخاص، وبناء على ذلك، فإن أي تقييم لأداء الرئيسين هو نسبياً تقييم لا يشملهما وحدهما فحسب، وإنما يشمل أيضاً مستشاري السياسة الخارجية الذين يعتمد عليهم كلا الرئيسين، ولكن مع ذلك، المسؤولية عن مواقف وإستراتيجيات الدول تنتهي بالمحصلة في قمة الهرم، فبعد التحرك الروسي الأخير نحو سورية، كثير من الناس أضحوا يتساءلون عن أسباب تفوق بوتين على أوباما ؟

السبب الرئيسي لهذا التفوق يرجع إلى"واقعية بوتين"  في التعامل مع أهدافه الاستراتيجية ، فبوتين يركز على أهداف بسيطة يسهل تحقيقها نسبياً باستخدام القوة الروسية المتواضعة؛ ففي أوكرانيا، كان الهدف الرئيسي لبوتين يتمثل بمنع هذا البلد من الاقتراب بشكل أكبر من الاتحاد الأوروبي، ومنعه من الحصول في نهاية المطاف على عضوية كاملة ضمن الاتحاد، ومن ثم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"،حيث لم يكن بوتين مهتماً بمحاولة دمج كامل أوكرانيا بروسيا، و بنظرة شاملة إلى موقف بوتين من أوكرانيا، يتبين لنا ببساطة بأن الهدف السلبي الذي كان يسعى إليه أساساً لم يكن من الصعب تحقيقه، لأن أوكرانيا هي بالأساس بلد فاسد، ومنقسم داخلياً، ويجاور روسيا بشكل مباشر، مما سهّل على بوتين استخدام درجة متواضعة من القوة . أيضا أهداف بوتين في سورية تتميز أيضاً بالبساطة والواقعية، وتتماشى مع الموارد الروسية المحدودة، فهو يسعى لإبقاء نظام الأسد ككيان سياسي يوفر له ممراً سهلاً لبسط النفوذ الروسي في حوض البحر المتوسط ، ويضمن لروسيا حصة في أي تسوية سياسية ضمن البلاد في المستقبل، بمعنى أن بوتين لا يحاول احتلال سوريا،ولا لإعادة العلويين إلى دفة السيطرة الكاملة على البلاد بأكملها،فإن الانتشار المحدود للقوة الجوية الروسية ، قد تكون اجراءات كافية لتحقيق الهدف الروسي بالحفاظ على الأسد ومنع هزيمته ، لذلك فليس من المتوقع أن يكرر بوتين نفس السيناريو الأفغاني في الثمانينيات.

وعلى النقيض من ذلك،كانت أهداف أوباما تجاه هذين الصراعين وغيرهما تضم مزيجاً من الأفكار الحالمة والتناقضات الإستراتيجية؛ ففي أوكرانيا أقتنع أوباما بأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عملاً إستراتيجيا جيدا في حد ذاته ،مع إقامة نظام ديمقراطي فاعل في أوكرانيا،ففي حين كان هدف بوتين، المتمثل بمنع انضمام أوكرانيا إلى الناتو، أكثر محدودية ويسهل تحقيقه نسبياً، في ظل الفساد والانقسام الداخلي في أوكرانيا .
 أما في سوريا فقد كان التشوش والتخبط الأوبامي أكبر وأوسع ، فمنذ اندلاع الانتفاضة السورية، يحاول أوباما عبثاً تحقيق سلسلة من الأهداف الصعبة والمتضاربة في نفس الوقت؛ فدائما ما يقول "إن على الأسد الرحيل"، ولكنه بذات الوقت لا يريد لأي جماعة جهادية أن تحل محله، رغم أن هؤلاء في الواقع هم وحدهم من يحارب الأسد فعلاً، كما يسعى أوباما "لإضعاف وتدمير داعش"، وفي الوقت عينه لا يرغب بصعود ونجاح المجموعات المعادية للدولة الإسلامية، كجبهة النصرة و أحرار الشام ، ويعتمد على المقاتلين الأكراد للمساعدة في الحرب مع الدولة الإسلامية، ولكنه يريد من تركيا بذات الوقت أن تساعده بهذه الحرب، رغم أن الأخيرة تعارض أي خطوة قد تؤجج نيران القومية الكردية.

أيضا من أسباب تخبط أوباما في ملف السياسة الخارجية وجود خمس وكالات حكومية أميركية على الأقل تقدم آراءها المختلفة حول ملف السياسة الخارجية وكيفية التعاطي معها ، وهي مجلس الأمن القومي ، والبنتاجون ، ووكالة الاستخبارات المركزية ، ووزارة الخارجية ، والجيش الأمريكي ،وتعتمد كل من هذه الوكالات إلى تحريض السياسيين المقربين منها لتبني رأيها، كما تلجأ إلى تسريب المعلومات التي تدعم وجهة نظرها إلى الصحافيين ، والنتيجة فهي تخبط أميركي رهيب في السياسة الخارجية وخاصة الأزمتين السورية والعراقية. يترافق ذلك مع عناد قلّ مثيله للرئيس الأميركي باراك أوباما حول ضرورة إبقاء أي تدخل أمريكي في الشرق الأوسط مقتصرا على الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية والعراق، وحصر أي تدخل أميركي آخر بالجهود الدبلوماسية .
أيضا اوباما يخضع بقوة لتأثير مستشارة الأمن القومي السابقة " سوازن رايس " ورئيس موظفي البيت الأبيض "دينيس ماكدنو" هما الأكثر نفوذا وتأثيرا في أوباما، وهما يعتقدان أن عليهما "حماية" الرئيس من التورط في مستنقعات خارجية مثل الحرب السورية، أو التوغل أكثر في الحرب العراقية ضد "داعش " . 
أيضا علاقة أوباما مع عسكره متوترة ، فالرئيس الأميركي يتدخل في شؤون الجيش أكثر من المعهود، ويرفض منح قيادته كل طلباتها، فيمنحهم مثلا نصف عدد القوات التي يطلبونها في أفغانستان، ويحدد مدة وجودهم على عكس نصيحة الجيش، فمركزية أوباما الحديدية وانعدام خبرته في السياسة الخارجية وتردده ورفضه مقترحات كبار ضباطه واتخاذه قرارات متأخرة، فضلا عن تخبط وكالات أمريكية متعددة ومسؤولين متعاقبين بين آراء مختلفة حول كيفية التعاطي مع الصراع في سوريا، كلها أنتجت واحدة من أكثر السياسات الخارجية الأميركية تخبطا منذ زمن بعيد .

لذلك كله يتفوق المخابراتي الواقعي " بوتين " على القانوني الاداري الحالم " أوباما".


أقرأ 

تَحالف الفرسُ والرومُ ، ولا خالدَ لهم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق