الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

هل يعرف كاميرون آمال محمد؟

هل يعرف كاميرون آمال محمد؟
وائل قنديل

ماذا سيقول ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، لزوجته سامنثا، وبنتيه نانسي وفلورينس وولده آرثر، حين يعود إلى المنزل في المساء، بعد أن يستقبل جنرالاً وصل إلى السلطة سيراً فوق جثث نحو ثلاثة آلاف شخص، ثم اعتقل وسجن نحو خمسين ألفاً آخرين، لتأمين سلطته؟

هل سيقول لهم: لقد استقبلت ضيفاً عظيماً قادماً من مصر اليوم؟

ربما تسأله الأسرة عن ملامح عظمة الضيف، وربما لا يجد "مستر كاميرون" الذي عرف مرارة الفقد، حين توفي طفله الأول ريجنالد في السابعة من عمره، ربما لا يجد إجابة، فلنساعده بعض الشيء.

يمكن للسيد كاميرون أن يحكي للزوجة والأبناء قصة آمال محمد، الأم التي تركتها سلطات سجون عبد الفتاح السيسي نهباً للسرطان، حتى تعفن ثديها، وماتت من دون أن يروي حكايتها أحد، إلا الصغيرة سناء سيف التي خرجت، أخيراً، من السجن، حيث أمضت شهوراً، بلا تهمة، سوى أنها شاركت في تظاهرة لرفض قانون سنّته حكومة السيسي، يجعل من التظاهر السلمي جريمة.

سناء التي تركت شقيقها الأكبر والأوحد، علاء، في ظلام السجون، ولم تتمكن من أن تنقل منه حضنا لطفله الذي لم يره إلا أشهراً قلائل منذ ولادته، نقلت وقائع موت، أو قتل، آمال محمد داخل زنازين السيسي.

تكتب سناء على صفحتها في "فيسبوك" عن أم مصرية دخلت السجن متهمة بجلب مخدرات، لكي تفتدي ابنها، المتهم الحقيقي، وقضت جزءاً من المدة، ثم أدرج اسمها في قرار بالعفو في إبريل/نيسان 2012 ، لكنها لم تخرج، لأن العفو كان يشترط إجراءات مراقبة لها في محل إقامة ثابت، وهي بلا مكان يؤويها، فبقيت في السجن وحدها، لم يزرها أحد إلا سرطان الثدي الذي كان يصطحبها، نادراً، إلى معهد الأورام لتلقي العلاج الكيماوي، حيث كانت تحصل على جلسة علاج واحدة، من كل عشر جلسات مقررة، لتعنّت إدارة السجن وإهمالها.

بعد الكيماوي، تروي سناء، كان من المفروض أن يستأصلوا لها الثدي، لكي لا يعاود السرطان الانتشار، غير أن أحداً لم يسأل عنها، حتى تعفن صدرها "كان عليه عفن بالمعنى الحرفي للكلمة مش أفورة"، كما تصف سناء، حتى أن المسكينة انزوت في ركن فوق سريرها، تأبى أن تقترب، أو يقترب منها أحد، حتى تذكروها أخيراً، فقرروا تخليصها من الثدي، لكن بعد أن كان الأوان قد فات، واستفحل السرطان اللعين، حتى وصل إلى الدم.

سناء تقول "أنا قابلت آمال لما حجزوني في مستشفى السجن عشان الإضراب، عشت معاها شهرين. ساعتها الدكاترة كانوا بيقولوا إن كل اللي يقدروا يعملوه إنهم يحاولوا يسكنولها الألم لحد ما تموت. فضلت تنزل معهد الأورام يتصرف لها ترامادول عشان بس يسكن الألم، خلاص مفيش علاج".
حتى المسكن استخسروه فيها، تشرح سناء، لأن مدير المستشفى، وقتها، كان يستولي على "الترامادول" المخصص للمسكينة، حتى يتعاطاه، بينما هي تقضي الليل كله صراخاً، من الوجع، حتى ماتت داخل السجن، يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.

تختم سناء
"السجن مليان ستات زي آمال، بس أنا مش هقدر أحكي عنهم بالتفصيل، لأنهم جوا وكلامي ممكن يأذيهم".
حكاية حزينة وموجعة ومقبضة، لا تصلح حدوتة يقصها السيد كاميرون على الزوجة والأبناء، بعد العودة من استقبال "جنرال مصر العظيم". حسناً، هناك حدوتة بديلة، حدوتة إسراء الطويل، واحدة من فتيات صغيرات، كثيرات، تستضيفهن زنازين الجنرال، سعيدة الحظ منهن لم تغتصب، لكن خلف كل واحدة منهن قصة انتهاك لأبسط حقوق البشر.
قبل أن يستقل الجنرال طائرته الرئاسية إلى لندن، كان قضاته الذين لا يتدخلون في عمل القضاء أبداً، يقررون حبس إسراء خمسة وأربعين يوماً أخرى، بلا قضية، لتكمل مع عكازها واحتمالات الشلل الجزئي، أكثر من نصف عام.. أو عن طفل ارتدى قميصا يحمل عبارة "وطن بلا تعذيب"، فقبع في السجن حتى الآن.

يمكنك، سيد كاميرون، أن تحدث الزوجة والأبناء عن حاكم دولة، تشبه جنوب أفريقيا، القديمة، في عنصريتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق