الجمعة، 29 يناير 2016

"فورين بوليسي": يجب على أمريكا الاعتراف بأنها ما عادت تملك سياسة في "الشرق الأوسط"


The United States Should Admit It No Longer Has a Middle East Policy
"فورين بوليسي": يجب على أمريكا الاعتراف بأنها ما عادت تملك 
سياسة في "الشرق الأوسط"



الترجمة:خدمة العصر
هل تعرف الولايات المتحدة ما يجب أن تفعله في الشرق الأوسط؟، كما تساءل المحلل السياسي "ستيفن وولت" في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي"، كانت الإجابة على هذا السؤال، فيما مضى، واضحة جدا، ولكن ما عادت كذلك الآن.
وبالنسبة لمعظم فترات العقود الخمسة الأخيرة من القرن الماضي، كان القادة الأمريكيون يعرفون من هم الأصدقاء ومن هم الأعداء، وكان لديهم إحساس واضح، إلى حد ما، عما كانوا يحاولون تحقيقه. ولكن حاليَا ما عاد الأمر كذلك.
اليوم، وفقا لما كتبه، هناك مزيد من عدم اليقين حول مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وشكوك في الدعم الذي تقدمه لشركائها التقليديين، وليس هناك إجماع على كيفية التعامل مع مجموعة مذهلة من الجهات الفاعلة والقوى التي تعصف الآن بالمنطقة.
وكتب أن شيئا واحدا يبدو واضحا: قواعد اللعبة التي عملنا بها منذ الأربعينيات من القرن الماضي لا تزال مؤثرة.
إذ يبدو أننا ما زلنا نفكر أنه يمكن إدارة شؤون الشرق الأوسط بتملقنا للحكام المستبدين المحليين ودعمنا إسرائيل إلى أقصى درجة ونكرر باستمرار الحاجة إلى "قيادة" الولايات المتحدة، وعندما يفشل كل هذا وغيره، نقوم بضرب بعض الأشياء. ولكن، هذا النهج أثبت أنه لا يعمل، والمبادئ التي وجهت سياسة الولايات المتحدة في الماضي لم تعد مفيدة.
خلال الحرب الباردة، على سبيل المثال، كانت المكونات الأساسية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط مفهومة ومعقولة جدا، كما يرى الكاتب.
أولا وقبل كل شيء، سعت الولايات المتحدة لاحتواء والحد من النفوذ السوفيتي في المنطقة، إذا كان ذلك ممكنا. كما كانت تريد أيضا ضمان تدفق نفط وغاز الشرق إلى الأسواق العالمية، وحماية إسرائيل، رغم أن "العلاقة الخاصة"، كما عليه الحال الآن، لم تبدأ في الظهور إلا في أواخر الستينيات من القرن الماضي.
لتحقيق هذه الأهداف، تصرفت الولايات المتحدة، وفقا للكاتب، خلال فترة الحرب الباردة)1945-1990( عموما باعتبارها "عامل توازن خارجي". وفي تناقض كبير مع الانتشار العسكري في أوروبا أو آسيا، لم ترسل واشنطن قوات برية كبيرة إلى منطقة الشرق الأوسط، والاعتماد بدلا من ذلك على مجموعة متنوعة من الحلفاء المحليين والعملاء.
وقد دعمت الولايات المتحدة الممالك العربية المحافظة في السعودية والأردن والخليج، على وجه الخصوص، وكانت على علاقة وثيقة بإيران حتى قيام الثورة 1979، ورأت في "إسرائيل" رصيدا إستراتيجيا، لأنها، في الغالب، تمكنت من هزيمة مختلف الموالين للاتحاد السوفييتي من العرب.
في الواقع، فإن سلسلة الهزائم وتنامي المشاكل الاقتصادية أقنعت في نهاية المطاف الرئيس المصري أنور السادات بالتخلي عن سيده السوفيتي والاصطفاف مع واشنطن. كما لعبت الولايات المتحدة لعبة ميزان القوى في الخليج: مال رونالد ريغان وبوش الأب نحو العراق خلال حربه مع إيران، ثم تحولت بوش ضد العراق عندما غزا الكويت في عام 1990.
عندما انتهت الحرب الباردة، كان يتوقع المرء أن تقلل الولايات المتحدة من تدخلها في المنطقة، لأنه لم يكن هناك ما يشكل تهديدا خارجيا كبيرا لاحتوائه.
بدلا من ذلك، تعمق تورط الولايات المتحدة، بدءا من حرب الخليج عام 1991. وبعيدا عن النهج السابق في ميزان القوة، ورَطت إستراتيجية إدارة كلينتون "الاحتواء المزدوج" واشنطن في تحمَل أعباء "الشرطي الإقليمي".
للأسف، تطلبت هذه الإستراتيجية غير المدروسة من الولايات المتحدة الحفاظ على قوات برية وجوية كبيرة في المملكة العربية السعودية، مما أثار غضب أسامة بن لادن وأقنعه بمهاجمة الولايات المتحدة مباشرة في 9/11.
زيادة التدخل العسكري الأميركي أكثر بعد هجمات 11/9 أغرت جورج دبليو بوش وديك تشيني والمحافظين الجدد بدفع جهودهم نحو أوهام "التحول الإقليمي". كانت النتائج كارثية، وانتخب باراك أوباما على وعد بإنهاء الحرب على العراق وإعادة بناء علاقات أمريكا مع العالم الإسلامي وتحقيق حل الدولتين في فلسطين وصياغة علاقات الولايات المتحدة مع إيران على أساس جديد.
ورغم أنه توصل في نهاية المطاف إلى اتفاق نووي مع إيران، في حين لم تكن بقية سياسته في الشرق الأوسط أكثر نجاحا من سلفه غير الكفء.
سوريا في حالة خراب، لا يزال تنظيم القاعدة قوة فاعلة، الدولة الإسلامية زرعت العنف في جميع أنحاء العالم، ليبيا واليمن مزقتهما الحروب الفاشلة وعملية السلام في حالة يرثى لها.
لماذا واجهت الولايات المتحدة مثل هذه المشاكل؟ لأنها، وفقا لرأي الكاتب، فشلت في استيعاب التغيرات الهائلة التي حولت المشهد الإستراتيجي في الشرق الأوسط.
احتواء النفوذ السوفيتي كان الهدف الرئيس خلال الحرب الباردة، ووضوح هذا الهدف سهَل مهمة تحديد الأولويات ودعم السياسات المتسقة.
اليوم، على النقيض من ذلك، لا يوجد خطر شامل واحد في المنطقة، وبالتالي لا يوجد مبدأ تنظيمي واضح لتوجيه صناع القرار في الولايات المتحدة. بعض الناس يود أن يحمَل إيران هذا الدور، ولكنها لا تزال حتى الآن ضعيفة جدا وعاجزة داخليا لتكون بمثابة محور مُنظم لإستراتيجية الولايات المتحدة.
ثانيا، علاقات الولايات المتحدة مع كل الحلفاء التقليديين في الشرق الأوسط هي في أدنى مستوياتها منذ سنوات. وفي الوقت نفسه، تحسنت العلاقات بين واشنطن وإيران.
الاتفاق النووي هو الدليل الأكثر أهمية في التغيير. ولكن هذه الخطوات الأولية قد لا تؤدي إلى ما هو أكبر منها، لكنها تثير تساؤلات جديدة حول ما ينبغي أن تكون عليه سياسة الولايات المتحدة.
ثالثا، انهيار مذهل في أسعار الطاقة، واحتمال وجود فائض في النفط يلقي ظلالا من الشك على الأساس المنطقي الإستراتيجي الذي استند إليه تورط الولايات المتحدة في المنطقة منذ عام 1945. فأمريكا ما عادت تستورد كميات كبيرة من النفط أو الغاز من الشرق الأوسط.
وإذا كانت الولايات المتحدة قادرة، وعلى نحو متزايد، على الاستقلال في مجال الطاقة (وتبحث عن سبل للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري على المدى الطويل)، فإنه ليس من الواضح لماذا ينبغي أن تستمر في إنفاق المليارات على الدفاع عن إمدادات الطاقة في الشرق الأوسط نيابة عن بلدان أخرى.
رابعا، سجل أميركا في المنطقة على مدى أكثر من 20 عاما الماضية يثير تساؤلات خطرة حول قدرته على تحديد أهداف واقعية ومن ثم تحقيقها. إذ يعتمد التأثير عالمي في جزء منه على صورة الكفاءة، والإدارات الثلاث الماضية لم تفعل شيئا يذكر لتلميع تلك الصورة. في الواقع، عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، فإن كل ما لمسته إدارات كلينتون وبوش وأوباما تحول إلى حريق عنيف.
ويمكن إلقاء نظرة على السجل التالي للتبين: 1) "الاحتواء المزدوج" في الخليج أسهم في إقناع بن لادن بشن هجمات 11/9. 2) عقدان من إشراف الولايات المتحدة على "عملية السلام" بين إسرائيل والفلسطينيين فتلت فكرة "حل الدولتين". 3) كان غزو العراق في عام 2003 خطأ فادحا خلف آثارا سيئة إلى اليوم. 4) تدخل الولايات المتحدة في ليبيا، الصومال واليمن ساعد في إنشاء دول فاشلة هناك، أيضا. 5) في سوريا، لم توقف الحرب، بل زادتها سوءا.
وأخيرا، من الصعب معرفة ما ينبغي أن يكون عليه دور الولايات المتحدة، لأن أدوات السياسة العامة التي كان من السهل على واشنطن استخدامها ليست ذات صلة بالمشاكل التي تهز المنطقة الآن.
الأداة الأكثر صلاحية للاستعمال بسهولة في الولايات المتحدة هو جيشها الذي لا يزال قويا، سواء على شكل مساعدات مادية، تدريب، غارات جوية، فرق البحرية، طائرات بدون طيار وقوات العمليات الخاصة، أو في الحالات القصوى، قوة الانتشار السريع.
ولسوء الحظ، كما يرى الكاتب، فإن المشكلة الأساسية التي تواجه معظم دول الشرق الأوسط ليست جيشا تقليديا قويا (نوع من العدو نحن مؤهلون لهزيمته)، ولكنها عدم وجود مؤسسات شرعية وفعالة للحكم المحلي. كما رأينا في العراق وأفغانستان، فإن الجيش الأمريكي ليس مصمما لإنشاء مؤسسات سياسية محلية، وكلما استخدمنا هذه الأداة، أصبحت السياسة المحلية أكثر هشاشة، منقسمة وعنيفة.
الشرق الأوسط يتحول أمام أعيننا، وفقا للمحلل السياسي "ستيفن وولت"، وما عادت الحقائق القديمة في السياسة الأمريكية تنطبق عليه. أقوى أدوات تأثيرها ليست ذات قيمة تذكر، ومصلحتنا الإستراتيجية في المنطقة آخذ في الانخفاض، وأيا من حلفائنا الحاليين يستحقون الدعم غير المشروط.
المقال بالانجليزية هــــــنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق