الجمعة، 29 يناير 2016

ارْجِع إلى نفسك!

ارْجِع إلى نفسك!


الجمعة 19 ربيع الثاني 1437 الموافق 29 يناير 2016


د. سلمان العودة


يحدث لي أن أحفظ الكلام عن ظهر قلب
وأن أكرره مرات ومرات
وأن أقرأ معناه في الكتب المتخصصة
وأستمع إلى شرحه من العلماء المتمكنين
وبعد سنين طويلة أقف في لحظةٍ مفاجئة عند الكلام نفسه وكأني أسمعه لأول مرة، وأفهم منه معنىً دقيقاً واضحاً، حتى إني أتعجّب كيف غاب عن فهمي هذا المعنى الجليّ الجليل طيلة هذه السنين!
ما السبب؟
لعله أنني لم أرجع إلى نفسي، بل رجعت إلى غيري، ولنفسي عليّ حق مراجعتها وتصويبها ومكاشفتها، والغوص على أسرارها ومثالبها ومعايبها، وصواباتها وأخطائها، وتفعيل قدراتها وملكاتها وتجاربها.
أن أرجع إلى نفسي لا يعني إلغاء الآخرين، ولا تجاهل فضلهم وسبقهم، فمن لم يكن له أول فليس له آخر..
أن أرجع إلى نفسي يعني التخلص الحقيقي من وطأة التقليد الاجتماعي حين يكون حائلاً بيني وبين الحق والخير والفضل.
يعني أن أواجه نفسي بالحقيقة بعيداً عن الضجيج والضوضاء، بعيداً عن الضغوط المحيطة، بعيداً عن العقل الجمْعي وسلوك القطيع؛ الذي يسيرني رغم أنفي..
وجدت الناس حين يسمعون نقدي لبعض المألوف لديهم ينبرون للدفاع، ويشعر كل فرد منهم أنه مستهدف ومقصود فيدافع عن نفسه.
وحين أنتقد نفسي وأجعلها مثلاً يكونون في مواجهة مع أنفسهم، وليس لديهم إحساس بالاستهداف، فيكون النقد مدعاة أن يعودوا إلى أنفسهم ويصارحوها ويتحسسوا مواطن العلة فيها!
ولذا وعظ الله المدعوين بواحدة، واحدة فقط تؤسس لما بعدها:
{أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} (46:سبأ)
أن تكون منفرداً تتفكّر، يعني انعتاقك من سلطة الجماعة الضاغطة المهيمنة الآسرة، ومواجهتك لنفسك دون حواجز أو مؤثرات خارجية.
ولو كتب لك أن تضيف لنفسك شخصاً آخر فستختار أقرب الناس إليك ممن تبوح له بسرك، وتبثه شكواك، وتصارحه بآرائك الخاصة، وتأتمنه على التوجهات والأفكار الجازمة أو المترددة؛ التي تدور في ضميرك ولا تبوح بها لسواه!
وهو يفهمك أكثر من أي شخص آخر.
وأن يكون القيام لله فهي محاولة الخلاص من الأهواء، والنزعات، والنزغات، والميول الفاسدة، والتجرّد للحق.. وللحق وحده.
وهذا مقام -وَايْمُ اللَّهِ- عزيز وعظيم.
ومن تحقق به فهو من الناجين السالكين.
وليس الأمر هنا تهويماً روحانياً صرفاً، ولا انتظاراً خالصاً للإلهام، وإن كان فيه شيء من هذا وهذا، ولكنه مقام إعمال تام للعقل: (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)، فلولا أنهم عقلاء مكلَّفون ما خُوطبوا، ولا عُوتبوا.
هذا المصطلح (العودة إلى النفس)؛ ربما يكون -والله أعلم-  المقصود بقوله تعالى في حكاية قصة إبراهيم الخليل -عليه السلام-، ومجادلته لقومه، حين سألوه:
-{أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ؟} (62:الأنبياء).
فأجابهم:
-{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ} (63:الأنبياء).
وهنا جاء التعبير الإلهي بالرجوع إلى النفس:
{فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ} (65،64: الأنبياء).
والأقرب في المعنى أنهم صُدموا من جوابه، وكانوا أقرب إلى الهداية حين حانت منهم لحظة رجوع إلى الأنفس؛ التي طالما هجروها وأهملوها، وشغلهم الصّخب والجدل، والقيل والقال، والرغبة في الانتصار، وموافقة المجموع، والتَّصدُّر والوجاهة عن الاستماع إليها، والإنصات لحديثها الصادق المباشر الفطري!
وسرعان ما ثارت نوازع الإصرار على المألوف الفاسد؛ الموروث عن الآباء والأجداد، والتزام الرسوم المعتادة الحاكمة لسير مجتمعهم.. فكانت (النكسة).
جميل أن أرجع إلى نفسي كلما شعرت أن مساحة الآخرين توسَّعت في فراغاتها على حساب مسؤوليتي الخاصة وتبعتي الذاتية: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} (95:مريم).
جميل أن أرجع إليها كلما شعرت أنني قطعت طريقاً ثم بحثت عن نفسي فلم أجدها، وأدركت أنني ضيّعتها وتركتها ورائي في ذروة انشغالي بمن حولي، واندفاعي في التبرير والتسويغ والتفلسف غير الجاد!
جميل أن أرجع إلى نفسي كلما أردت أن أعيب أحداً لأجد العيب في فهمي وفي سلوكي، وقد يكون العيب فينا معاً.. فلماذا أعيبه بما أنا واقع فيه وأنسى نفسي؟
جميل أن أرجع إلى نفسي كلما سمعت نقداً لسلوكي الشخصي، أو مجموعتي، أو محيطي، أو مجتمعي، أو أمتي..
ليس شيء من ذلك موصوفاً بالعصمة ولا منعوتاً بالكمال..
وما أسهل أن أعيب الخصوم فأكون الناطق باسم من حولي، المبجّل الممدوح عندهم!
وما أشق أن أنتقد ذاتي أمام الآخرين، أو أنتقد المجموعة التي أنتمي إليها!
وفي الحالين..
ما أصعب أن أكون صادقاً منصفاً موضوعياً ساعياً للخلاص من الغضب وردة الفعل، ومن الحب والميل!
ما أصعب السلامة من التعصب لـ .. أو التعصب على ..
حين أتدرّب على نقد ذاتي فهو ترقية لها وتهذيب، وهو في الوقت نفسه تشجيع لآخر أن يسلك الطريق ذاته ويرجع إلى نفسه؛ ليكون في مواجهةٍ معها، ليس محتاجاً إلى استجماع حججه للدفاع وإثبات البراءة، بل للبحث في ثناياها عن الخلل والزلل..
وقفتُ عند هذه الآية الكريمة أمس، وكأني أقرؤها للمرة الأولى.. إنها تضع أيدينا على أهمية الرجوع إلى النفس؛ لنعرف مدى ظلمنا: {إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ} (64:الأنبياء).
ولنعرف أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، ولنعرف أن الانتكاس مرتبط بتقليد الجاهلين والغافلين والمعرضين.

وطُوبَى لمن شَغلَهُ عَيبُه عن عُيُوبِ النّاسِ.

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    تحية طيبة وبعد ,,,,

    يسعدنا بداية أن نهديكم أصالة عن أنفسنا، ونيابة عن جامعة المدينة العالمية [MEDIU] أرق التحية وأطيب الأمنيات لكم بدوام التقدم والإزدهار، مقرونة بصادق الدعوات لكم بالمزيد من التوفيق والتطور والنماء.

    جامعة المدينة العالمية [MEDIU] ماليزيا:

    "جامعة المدينة العالمية [MEDIU] ماليزيا" هي إحدى الجامعات الرائدة في دولة ماليزيا، والتي امتازت بالتفوق والتميز في مجالات التقنية والتعليم العالي، و "جامعة المدينة العالمية [MEDIU]" هي جامعة متعددة الثقافات والمجالات الدراسية ويقع مقرها الإداري الرئيسى في مدينة شاه علم بماليزيا ، وإليكم تاريخ موجز:
    1. تأسست "جامعة المدينة العالمية [MEDIU]" مطلع عام 2004م بالمدينة المنورة.
    2. في تاريخ 19/يوليو/ 2006م حصلت الجامعة على دعوة من وزارة التعليم العالي الماليزية لإنشاء مركز الجامعة بدولة ماليزيا .
    3. بتاريخ 20/يوليو/2007م، حصلت الجامعة على الترخيص الكامل من وزارة التعليم العالي الماليزية لتكون أول جامعة عالمية ماليزية تنتهج منهجي التعليم - نظام التعليم المباشر في المقر الجامعي بماليزيا - نظام التعليم عن بعد (عبر التعليم الالكتروني) وتستهدف الطلاب من شتى أنحاء العالم.
    4. في مطلع شهر فبراير من العام 2008م بدأت الجامعة أعمال التشغيل الكامل وإستقبال الطلاب .
    5. إلتحق بالجامعة إلى مطلع العام 2009م زهاء [1500] طالب وطالبة من دول مختلفة، في حين زاد عدد طلبات الإلتحاق المقدمة إلى الجامعة عن [3000] طلب إلتحاق.
    6. اوائل /2009 م. طرحت الجامعة اكثر من (24)برنامجا أكاديميا معتمدا من قبل هيئة الاعتماد الأكاديمي ووزارة التعليم العالي الماليزية في كلياتها, واكثر من (34) دورة معتمدة في اللغتين العربية والإنجليزية بمركز اللغات .
    7. أوائل 2009 م. تنوعت مستويات البرامج الدراسية في الجامعة لتشمل إيجاد مراحل : المستوى التمهيدي للمرحلة ماقبل الجامعية , الدبلوم , درجة البكالوريوس ، الدراسات العليا , دورات التأهيل اللغوي .
    8. أواسط 2009 م. بلغ عدد الطلبة الذين تم تسجيلهم في الجامعة اكثر من (4701) طالب وطالبة من اكثر من ( 40 ) جنسية حول العالم .
    9. الربع الثالث لسنة 2009 م. اجتازت جامعة المدينة العالمية [MEDIU] بنجاح التفتيش المؤسسي الذي عقدته وزارة التعليم العالي الماليزية للتأكد من الجودة الأكاديمية والإدارية للجامعة .
    10. نهاية عام 2009 م. زاد عدد طلبات الإلتحاق الوارده الى الجامعه عن ( 6508 ) طلب من اكثر من (60) دولة حول العالم , فيما زاد عدد الطلبة المسجلين في الجامعة عن ( 2482 ) .
    11. نهاية عام 2009 م. انتهت الجامعة من تقديم (10) برامج دراسية جديدة لإعتمادها من قبل هيئة الإعتماد الماليزي في مراحل الدراسات العليا .
    12. نهاية عام 2009 م. بدأت جامعة المدينة العالمية الاجراءات التأسيسية للبدء بالتعليم الجامعي المباشر في تخصصات علمية وتطبيقية جديدة شملت علوم الحاسب الآلي , والعلوم المالية والإدارية , والهندسة والتي تعتزم أن يتم البدء بها منتصف العام 2010 م .
    13. أوائل عام 2010 م. زاد عدد الطلبة المنتسبين في الجامعة الى (3057 ) طالب من مختلف دول العالم , من بداية موسم 2010 .
    14. نهاية عام 2010 م. بلغ عدد طلبات الإلتحاق الواردة الى الجامعة لنظام التعليم المباشر قرابة (511) بلغ عدد المسجلين أكثر من (154) طالباً .
    15. أوائل عام 2011 م. زاد عدد طلبات الإلتحاق الواردة إلى الجامعة لنظام التعليم المباشر قرابة (2312) وبلغ عدد المسجلين أكثر من (362) .
    16. أوائل عام2011 م. إدراج برامج جامعة المدينة العالمية الحاصلة على الإعتماد الأكاديمي الكامل لأربعة برامج دراسات عليا في كلية العلوم الاسلامية ضمن قائمة المؤهلات المعترف بها من قبل هيئة الخدمة المدنية بماليزيا .
    17. نهاية عام 2011 م. تم تخريج الدفعه الأولى من طلبة جامعة المدينة العالمية في مرحلة برامج الماجستير والبكالوريوس وعددهم (84) طالبا وطالبة لدرجة البكالوريوس, و(27) طالبا وطلبة لدرجة الماجستير .

    ردحذف