الخميس، 28 يناير 2016

الشرق الإسلامي ورحلة الغرب الصعبة



الشرق الإسلامي ورحلة الغرب الصعبة 

مهنا الحبيل
مدير مكتب دراسات الشرق الإسلامي بإسطنبول




استقرار الأمور لدى مسلمي الغرب المستوطنين اليوم، هو أحد المسارات المساعدة للتوازن المفقود، والمطلوب للطريق الثالث، والشق الثاني هو مهمة مثقفي الشرق الإسلامي وعلمائه المتنورين بحقائق مقاصد الشريعة، لتدشين المسار الجديد.

كان من الضروري للعبور إلى قاعدة التفكير في الطريق الثالث للعلاقة الغربية الإسلامية، الذي شرحنا مبادئه في المقال السابق، جس الواقع المشترك بين المسلمين المواطنين في الدول الغربية، وبين المجتمع المدني والمؤسسات السياسية والرأي العام، وما هو واقعها كجس نبض أولي لمسار بحث أوسع من أطروحة مقال.


"في أوروبا القديمة، وُلدت حياة سياسية ومنظومة قوانين, لكن لم يحصل هذا الأمر إلا بعد حروب شرسة وعشرات الملايين من الضحايا في تاريخ الأمم الغربية"                  


ولكن قبل ذلك نحتاج التذكير والتصحيح، في استعراض تاريخ الغرب ووصوله إلى مبادئ مشتركة للعالم الإنساني الحديث، لكنه عالم ظل منفصلا عن الجنوب ولم يُطبق أخلاقيات التوازن البشري في العالم، بل على العكس اعتمد مصالحه المادية ولو على حساب الجنوب العالمي والشرق الإسلامي، عن طريق سياسة حكوماته أو مجمل العملية السياسية في الدول الغربية الحديثة.


ولكن على المستوى القُطري وخاصة في أوروبا القديمة، وُلدت حياة سياسية جديدة ومنظومة قوانين وثقافات دستورية للحقوق الوطنية الجامعة, ولم يحصل هذا الأمر إلا بعد حروب شرسة وعشرات الملايين من الضحايا في تاريخ الأمم الغربية، وقعت في صراع مسيحي، أو دول كاثوليكية، أكلتها الحرب بناء على أطماع توسع لمملكاتها.

هذه الحياة ثُبتّت اليوم لكن تحت سيادة القانون الدستوري، والمؤسسة التشريعية، وحيّدت النظام الملكي وأبقته رمزا للوحدة والتراث التاريخي الغربي، فلا تزال المسيحية والازدواجية بين الكنيسة والقصر موجودة، وتعتبر هوية جامعة للسكان الأصليين.

وفي المنطقة الإسكندنافية لم تهدأ هذه الحروب بين السويد والنرويج والدانمارك حتى 1905، بدأت بعدها مهمة الخلاص من إرث الحروب وصناعة الدول الدستورية الحديثة، وأثّر فيهم كثرة ما نزفه الغرب الإسكندنافي من ضحايا وتخلف جراء هذه الصراعات، وهي صراعات تفوق كثيرا عدد ضحايا الحروب الشرسة بين المسلمين، وخاصة لتثبيت استبداد الحكم، منذُ نحّيت العدالة الإسلامية في دول العهد القديم، حتى الدول القطرية الحديثة بعد سايكس بيكو.

ولقد كان الجواب الذي وردني في كوبنهاغن أو ستوكهولم متقاربا جدا، من حيث إأن العهد الأول لقدوم الجاليات المسلمة كان محل ترحيب كبير جدا، واحتواء وتقديم للمساعدات وتضامن معهم، وربما استمر الأمر حتى منتصف السبعينيات. ولم يكن ذلك التغيّر في البداية من آثار الحملات الإعلامية على الإسلام والصراعات المختلفة، ولكن -وفق هذه الشهادة- كان بسبب سلوك بعض المسلمين الذين أساء بعضهم استخدام هذا التعاون في الخدمات والعلاقات، فتأثر الموقف الإسكندنافي بذلك.

ثم ازدادت التحديات بعد 2001، والتطورات السلبية والحملات من اليمين المسيحي والإعلام الذي -بلا شك- وجد في صورة جماعات التوحش، دليلا مركزيا لاستهداف المسلمين في المهجر، أو تعزيز استهداف الشرق المسلم الذي كان مرتهنا في تدخلات الغرب الرسمي وحروبه. ومع ذلك ذكر لي بعض شخصيات المجتمع المسلم الإسكندنافي جملة من المواقف والشخصيات الإيجابية التي تواصلت وقدمت مواقف جيدة، تجاوز بها المسلمون هذه الظروف بنسبية عالية.

ومن هذه المواقف رفض القس الأكبر في كوبنهاغن توجها طُرح للحكومة الدانماركية لنشر الرسوم المسيئة في المناهج بعد حادثة شارلي إيبدو، وهو الاقتراح الأحمق الذي صُرف النظر عنه بعد موقف القس الأكبر ومسؤولين آخرين، وهو موقف محمود تحول لصالح الدانمارك ذاتها، وكل مواطنيها المسيحيين والمسلمين وغيرهم.


"الجالية المسلمة في السويد تجاوزت كثيرا من التحديات، لكن لا يزال الطريق طويلا لتحولها إلى جماعة ضغط سياسي لصالح حقوقها المدنية"        



ويقاس على ذلك حملة المجتمع المدني في السويد بعد هجوم متشددين كتبوا عبارات مشينة على مساجد البلاد وألقوا برأس خنزير وغيرها، قابلتها حملة تضامن تقصد المساجد من مواطني السويد غير المسلمين، وتضع باقات ورد عند أبوابها، وتتواصل مع ممثلي المسلمين هناك للتضامن معهم، بينما دعمت بعض الفعاليات السياسية والثقافية حقوقهم الوطنية المدنية.


وذكر لي أحد الشخصيات المرموقة من مسلمي السويد أن الجالية تجاوزت كثيرا هذه التحديات وربطت جسرا حيويا مع المؤسسات والشخصيات المختلفة، لكن لا يزال الطريق طويلا لتحولها إلى جماعة ضغط سياسي لصالح حقوقها المدنية، ومنبراً لقضايا الشرق المضطهدة من الغرب وغيره.

وهذا مشروع يحتاج إلى منهج عملي، وصناعة قدرات وتدريب ذاتي، لمسار المواطنة الدستورية لكل مسلمي الغرب، تنسق بينهم في كونغرس موحد كما هو لدى اليهود وآخرين، ويُتجنب استدعاء أمراض الاستبداد والشارع العربي، ثم تجدول مهمات دعم قضايا الأمة ومضطهديها بمنابر فاعلة، لا بردود فعل عاطفية مضطربة قد تحصد من الخسائر ما لا تُطيقه.

وهنا.. رسالة الدعوة والبلاغ حق قائم، فإيصال الإسلام إلى كل البشرية، تلك مهمة الرسل وأتباعهم، لكن السياق الذي تحتاجه منابر الدعوة يجب أن لا تَخلط ذلك بشأنها السياسي، بل بحس التعريف الهادئ والعميق وممارسة السلوك الأخلاقي الراقي للوفود الراغبة في التعرف على هذا الدين.

إن استقرار الأمور لدى مسلمي الغرب المستوطنين اليوم، والذين لم يعد مطروحا عودتهم، بل الشرق ذاته يتعرض لاحتمالات تفكك وسقوط الله أعلم بها، هو أحد المسارات المساعدة للتوازن المفقود والمطلوب للطريق الثالث، والشق الثاني هو مهمة مثقفي الشرق الإسلامي وعلمائه المتنورين بحقائق مقاصد الشريعة، لتدشين المسار الجديد.

هذا المسار ليس مقصوداً منه تبرئة الغرب المتطرف في حكوماته ولا متشدديه، من دورهم في إشعال حروب الشرق وخاصة الطائفية بعد احتلال العراق عام 2003، ولا للقيام بمهام ثقافية أو أمنية لصالح مشاريعه، وإنما اختراق هذا الحصار الذي يُغلق روح التفكير الداخلي في المسار الفكري العربي، وشقيقه العجمي المسلم، فيتحول إلى ردة فعل عاصفة، يهتف بجنون في شارع الجمهور، بدلاً من أن يحتويه ويهديه إلى الدرب المضيء.

"لا بد من مد الجسور مع منظمات المجتمع المدني ومراكز البحوث الغربية، لأن ذلك يبعث برسائل إعلامية واجتماعية تعزز مع الغرب فرص التعاون والشراكة"                    

وهو ما تترتب عليه صناعة تفكير إستراتيجي مختلف، ومد هذه الجسور التي تتواصل مع مؤسسات البحث الغربية وورش العمل المشتعلة اليوم، لتحديد مسارات الخروج من منعطفات الحروبز والفكرة هي بداية المشروع، وقد يصعب كثيراً تغيير معادلات التحالفات الدولية، ولكن تحقيق اختراق فيها قد يعني الكثير لإطفاء حرب ونصرة مستضعف، وهي مهمة تحتاج إلى رديف من دول إسلامية، لكن واقع هذه الدول لا يُشجع أبدا.

أما المسار الآخر فهو مد الجسور مع منظمات المجتمع المدني ومراكز البحوث بطريقة مختلفة عن السائد العاطفي، أو النظرة الأحادية لمُنَظّري الغرب، فهي جسور تتحول إلى رسائل إعلامية واجتماعية تعزز الغرب المستقل، الباحث عن فرص تعاون وشراكة.

والذي يُدفع من جهات صراع في داخله وفي محيط الإقليم الشرقي، لاعتبار واقع الشرق الإسلامي خرابة من التخلف والإرهاب، لا يُسمع فيه إلا صوت داعش أو مستبد يحارب شعبه باسمها، وتحصد الطائفية الشيعية فيه مكاسب سياسية لإيران الإمبراطورية، وليس للإنسان الشيعي الباحث عن الأمن والاستقرار والحق السياسي، كما هو الإنسان السُني في أمة هذا الشرق.

إن مجرد فقداننا منبر الحوار وتنظيم الفكرة، ومعيار الفرز بين مسؤول غربي معتدٍ وغربي منصف محسن وغربي متسائل، يبحث عن إجابة خارج إطار الضجيج، هو هزيمة كبيرة للمسار الفكري العربي الحديث والتفكير الإسلامي المعاصر. وأول خطوة للتصحيح، هي اليقظة من سكرة المشاتمة والعاطفة التي لا تُنقذ أرضاً، ولا تحمي ضحية.



المصدر : الجزيرة




هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    تحية طيبة وبعد ,,,,

    يسعدنا بداية أن نهديكم أصالة عن أنفسنا، ونيابة عن جامعة المدينة العالمية [MEDIU] أرق التحية وأطيب الأمنيات لكم بدوام التقدم والإزدهار، مقرونة بصادق الدعوات لكم بالمزيد من التوفيق والتطور والنماء.

    جامعة المدينة العالمية [MEDIU] ماليزيا:

    "جامعة المدينة العالمية [MEDIU] ماليزيا" هي إحدى الجامعات الرائدة في دولة ماليزيا، والتي امتازت بالتفوق والتميز في مجالات التقنية والتعليم العالي، و "جامعة المدينة العالمية [MEDIU]" هي جامعة متعددة الثقافات والمجالات الدراسية ويقع مقرها الإداري الرئيسى في مدينة شاه علم بماليزيا ، وإليكم تاريخ موجز:
    1. تأسست "جامعة المدينة العالمية [MEDIU]" مطلع عام 2004م بالمدينة المنورة.
    2. في تاريخ 19/يوليو/ 2006م حصلت الجامعة على دعوة من وزارة التعليم العالي الماليزية لإنشاء مركز الجامعة بدولة ماليزيا .
    3. بتاريخ 20/يوليو/2007م، حصلت الجامعة على الترخيص الكامل من وزارة التعليم العالي الماليزية لتكون أول جامعة عالمية ماليزية تنتهج منهجي التعليم - نظام التعليم المباشر في المقر الجامعي بماليزيا - نظام التعليم عن بعد (عبر التعليم الالكتروني) وتستهدف الطلاب من شتى أنحاء العالم.
    4. في مطلع شهر فبراير من العام 2008م بدأت الجامعة أعمال التشغيل الكامل وإستقبال الطلاب .
    5. إلتحق بالجامعة إلى مطلع العام 2009م زهاء [1500] طالب وطالبة من دول مختلفة، في حين زاد عدد طلبات الإلتحاق المقدمة إلى الجامعة عن [3000] طلب إلتحاق.
    6. اوائل /2009 م. طرحت الجامعة اكثر من (24)برنامجا أكاديميا معتمدا من قبل هيئة الاعتماد الأكاديمي ووزارة التعليم العالي الماليزية في كلياتها, واكثر من (34) دورة معتمدة في اللغتين العربية والإنجليزية بمركز اللغات .
    7. أوائل 2009 م. تنوعت مستويات البرامج الدراسية في الجامعة لتشمل إيجاد مراحل : المستوى التمهيدي للمرحلة ماقبل الجامعية , الدبلوم , درجة البكالوريوس ، الدراسات العليا , دورات التأهيل اللغوي .
    8. أواسط 2009 م. بلغ عدد الطلبة الذين تم تسجيلهم في الجامعة اكثر من (4701) طالب وطالبة من اكثر من ( 40 ) جنسية حول العالم .
    9. الربع الثالث لسنة 2009 م. اجتازت جامعة المدينة العالمية [MEDIU] بنجاح التفتيش المؤسسي الذي عقدته وزارة التعليم العالي الماليزية للتأكد من الجودة الأكاديمية والإدارية للجامعة .
    10. نهاية عام 2009 م. زاد عدد طلبات الإلتحاق الوارده الى الجامعه عن ( 6508 ) طلب من اكثر من (60) دولة حول العالم , فيما زاد عدد الطلبة المسجلين في الجامعة عن ( 2482 ) .
    11. نهاية عام 2009 م. انتهت الجامعة من تقديم (10) برامج دراسية جديدة لإعتمادها من قبل هيئة الإعتماد الماليزي في مراحل الدراسات العليا .
    12. نهاية عام 2009 م. بدأت جامعة المدينة العالمية الاجراءات التأسيسية للبدء بالتعليم الجامعي المباشر في تخصصات علمية وتطبيقية جديدة شملت علوم الحاسب الآلي , والعلوم المالية والإدارية , والهندسة والتي تعتزم أن يتم البدء بها منتصف العام 2010 م .
    13. أوائل عام 2010 م. زاد عدد الطلبة المنتسبين في الجامعة الى (3057 ) طالب من مختلف دول العالم , من بداية موسم 2010 .
    14. نهاية عام 2010 م. بلغ عدد طلبات الإلتحاق الواردة الى الجامعة لنظام التعليم المباشر قرابة (511) بلغ عدد المسجلين أكثر من (154) طالباً .
    15. أوائل عام 2011 م. زاد عدد طلبات الإلتحاق الواردة إلى الجامعة لنظام التعليم المباشر قرابة (2312) وبلغ عدد المسجلين أكثر من (362) .
    16. أوائل عام2011 م. إدراج برامج جامعة المدينة العالمية الحاصلة على الإعتماد الأكاديمي الكامل لأربعة برامج دراسات عليا في كلية العلوم الاسلامية ضمن قائمة المؤهلات المعترف بها من قبل هيئة الخدمة المدنية بماليزيا .
    17. نهاية عام 2011 م. تم تخريج الدفعه الأولى من طلبة جامعة المدينة العالمية في مرحلة برامج الماجستير والبكالوريوس وعددهم (84) طالبا وطالبة لدرجة البكالوريوس, و(27) طالبا وطلبة لدرجة الماجستير .

    ردحذف