الجمعة، 22 يناير 2016

عرين الحمار

عرين الحمار

أحمد عمر

أخرجت لحجي هاتفي، وعرضت فيلماً قصيراً على المذهب الروماني. يُقدم حمارٌ حيٌ طعاماً لأسد محبوس في قفص، يبدو من الفيلم أنّ أصحابه مترفون من إرم ذات العماد، وديار ناطحات السحاب، فهم يضحكون في أثناء الفيلم ضحكات عربية طويلة التيلة.
الأسد منفي، مقعي، منزو، في ركن القفص، والحمار يحدّق ويتفحص الأسد، ويقلّبه بنظره، ثم يقرّر الكرّ عليه، كما كان يفعل عنترة بن شداد، فينقضّ عليه، ويضربه بيديه على وجهه، ثم يرى أنّ الأوْلى أن يرفسه بقدميه فيفعل، لأن رفسة الحافر من القدم أقوى، وأذل، ويكون ردُّ الأسد، زأرة استغاثة!
 ينهض ويحاول الدفاع عن نفسه، ثم يكتفي من الغنيمة بالإياب إلى قوقعة ركنه، وهو يقول: سيبني في حالي أنا مش إخوان.. أصوات ضحكات مدبري المقلب عالية طويلة التيلة.
الحجي حزين، وأنا كذلك، لم أنجح في إقناع أرملةٍ سوريةٍ في الاقتران به حتى الآن، لديه أمل، أما حلمي بحورية عثمانية فدونه خرط شوك القتاد، حافياً طبعاً. من الصعب إثارة الحجي، هو يظنُّ أنه أفهم واحد في تركيا، وأنّ لتركيا سلطانين، هو على حديقة غازي أوسمان بخجة، وأردوغان على باقي تركيا. 
يحرص حجي على الظهور بمظهر الرجل الصلب، هو دائماً يجهد على السماع بوقار. أخطب فيه أحياناً خطباً طوالاً، أُسمعه نوادر، أخباراً، لكنه يخفي مشاعره ودهشته، فهو يعرف كل أخبار الدنيا، وأحياناً تنقلب الأمور على نقيض ما أريد، كما حدث مع قصة عصفور عمر بن الخطاب. 
أبدى الحجي اهتماماً شديداً بالفيلم، وطلب إعادة عرضه؛ لا أصدق. مؤكد أنّ الأسد مريض، يا سبعي، وأنه مصفد مثلنا بالسلاسل.
قلت نعم: معه زكام، ربما هو مصابٌ بخجل العذارى، ربما يكون أسداً نباتياً، مروّضاً، موظفاً في عروض السيرك، أو "يحبُ النأي بالنفس". الأسد صعب الترويض، غريزته قويّة، أتذكّر قصة أسدٍ افترس يد مدربه في مصر، لنقل إنه كذلك، فما تقول في شجاعة الحمار، يا صاحب العرين؟
قال الحجي: الحمار.. حمار.. لعلهم سقوه زجاجةً من حليب السباع؟
قلت ضاحكاً، وقد تمكّنت من افتراس الحجي: أو أنّ السبع أشربوه دنا من حليب الحمير.
قال الحجي، وهو يضع يدا على يد: طيب ما هو تفسيرك يا سبعي.
عرضت فيلماً آخر لأسدٍ يتربّص بعجل مسكين في برية، العجل وليد، والأسد يبدو خبيراّ استراتيجياً، يقترب، ويزحف، ويتربّص، ويستغرق مدة طويلة في التدبير والزحف على العجل، واستعراض مهارته في الصيد، ثم يهجم هجمة غضنفرية على العجل المسكين الذي لم يكن في حياته قد رأى أسداً، ولعله ظنّ أنه.. أمه، فكان العناق.. الأخير.
بدأت أخطب: أوباما رئيس أميركا، وسيد البيت الأبيض، يتوعد، ويقول السلاح الكيماوي خط أحمر، ثم يهجم الحمار على شعبه بالسارين والمارين، فيغضب أوباما، ويحرّك أساطيله، ثم يهمس له الثعلب بوتين، فيهجم عليه الحمار الذي يحكمنا، ويرفسه بقدمه.
 أهمّ مطرب في مصر الآن هو شعبولا، له لحنٌ وحيد: أي ي ي و أو ه ه ه.. السيسي صار نبياً، ومعشوقاً تحبل نجمات مصر به، ويقع الرجال في دباديب عشقه. وحفتر، اللواء المتقاعد صار بطلاً يُفرش له السجاد، ومبارك يخرج براءةً، هو وأولاده النبلاء،.. فهمتَ، يا صاحب العرين؟
توقفنا عن المشي، فوجئنا بصبيةٍ محتارةٍ باتخاذ مقعدها في حضن شاب تحت إحدى الأشجار الكثيفة. كانت تحاول تنظيم مكعب الحب السحري. في حي تقسيم، تجد قبلات محمومة بين العشاق. أمّا في غازي أوسمان باشا، فمشهد العشق المفترس نادرٌ.
تجمدنا، تبادلنا نظرات فيها زئير ولوعة، عدنا على أعقابنا، وكأننا سبعان مرفوسان بحافريْن على وجهينا.
لعل الأسد يريد اختيار الزمان والمكان المناسبين للرد على الرفسة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق