السبت، 16 يناير 2016

السيسي يشكركم لحسن تعاونكم

السيسي يشكركم لحسن تعاونكم


 وائل قنديل
تزداد سلطة عبد الفتاح السيسي ارتباكاً، فتواصل سعارها المجنون، كلما اقتربنا من موعد الخامس والعشرين من يناير، فيسرع نفر من المشتغلين بالشرعية والحراك المناهض للانقلاب لنجدتها، وإلقاء أطواق الإنقاذ لها.

يقابلون ابتذالها بابتذال أشد، ويردّون على تخبطها وتآكلها الذاتي، بتآكل أعنف واشتباك أوقح، وافتعال لمعارك دونكيشوتية شديدة الإسفاف. تظهر الجبهة المناوئة للانقلاب، وكأنها مجموعة من المماليك، يمارسون رفاهية الانتحار الذاتي في الهواء الطلق.

تشتغل آلات القمع، وتدور ماكينة الاعتقالات، وتوغل السلطة في ممارسة الإرهاب ضد "شعب يناير"، فيما يستغرق بعضهم في "مصارعة المحترفين" على حلبة النضال المزيف.

هذه مقتطفات مما نشر خلال عامين عن أولئك اللاعبين الذين يسجلون أهدافاً متعمدة في مرماهم.


إخوان ونصف: 3 أكتوبر/ تشرين أول 2014:

وكان من أدوات اللعبة أن صبّ الانقلاب نيرانه الإعلامية على كل من يعارضه ويقاومه، بحيث يصبح كل من ينطق بكلمة ضده من "الإسلاميين الإرهابيين الأوغاد الإخوان"، لكي تصبح المعادلة، في نهاية الأمر، صراعا بين "الوطن" و"أعداء الوطن"، أو بين "جيش الوطن" و"مجموعات متربصة بالمواطن".

ومن أسفٍ أن بعض الأصوات من خارج جماعة الإخوان والتيار الإسلامي قد وقعت في هذا الفخ، وقدّمت خدمات جليلة لسلطة الانقلاب، بعضها بحسن نية، يصل إلى درجة السذاجة، وآخرون لم يعرف أحد لهم صلة بالثورة من الأساس، جاءوا بعقلية احترافيةٍ، وجدت الاستثمار في هذه المساحة مضموناً، إذ تبنت هذه الأصوات في مواجهة الانقلاب الخطاب نفسه الصادر عن الإسلاميين، بل وزايدت عليه، ما ساعد سلطة الدم على أن تفترس مساحاتٍ إضافيةً من وعي الجماهير البسيطة، بحيث يصبح سائداً ومكرساً أن كل من يعارض السيسي وينتقده "إخوان".

بوية سوداء: 2 مايو/ أيار 2015

كان الإنجاز الأكبر لمؤسسة الانقلاب أنها نجحت في فرض أسلوبها في اللعب على من يفترض أنهم خصومها، سواء كانوا خصوماً حقيقيين، أم كائنات مستحدثة. وفي وقت سابق، ومبكراً جداً، قلت إن هذا ما تريده، وتسعى إليه تلك السلطة الموغلة في بذاءة الفعل ورداءة الأداء، لكي تنقل المعركة من مقاومة جريمة سياسيةٍ وحضاريةٍ في حق مصر وثورتها، إلى مطاردة درامية أو سباق مثير في مضمار النكتة والقفشة و"الإيفيه"، وهذا من شأنه أن يبتذل المعركة على نحو يتيح للقتلة وسافكي الدماء أن يظهروا في وضع الضحية المشتوم الذي يتعرّض للسخرية والاستهزاء.

والأخطر من ذلك نقل المعركة من الحاضر إلى الماضي، وبدلاً من أن يكون الجهد كلّه منصبّاً على رداءة واقعٍ لا يليق بمصر، تصوّب المدافع نحو التاريخ، بكل ما فيه، من لحظات مضيئة، وفترات معتمة، فتنزلق أصوات محسوبةٌ على المعارضة إلى إهالة التراب على الماضي كله، بحجة أن صنّاع رداءة الحاضر هم الامتداد لمن سلفوا.

يثير الأسى والقرف، هنا، أن بعضهم، ممّن لا يعرف أحد متى جاءوا ولماذا، يظهرون، طوال الوقت، ممسكين بعبواتٍ ضخمة من "البوية السوداء" لطمس كل بقعة ضوءٍ مرّت بمصر. ففي سياق معارضة "حكم العسكر"، تُهان "العسكرية المصرية"، وتُرمى حرب أكتوبر بكميات لا حصر لها من الملوثات المعلوماتية، وكأنه لا توجد بيوت مصرية، لا تزال حوائطها تحتفظ بصور شهداء حقيقيين، في معركة حقيقية ومحترمة، وكأنه لم يكن هناك محاربون وقادة صادقون في حبهم الأرض.


طحالب: 7 مايو/أيار 2015


من فشل إلى فشل، تتخبط قافلة الانقلاب، وعلى الرغم من ذلك لم تسقط، هل تعرف لماذا؟

انظر إلى ما يفعله معسكر مقاومة الانقلاب في نفسه، فما يخسره نظام السيسي، ببلادته ورداءته، تتولى المعارضة تعويضه بخيبتها وفشلها في صياغة مشروع موحد، يشمل الجميع، من دون تخوين أو إقصاء، ومن دون التصرف وكأنهم أسقطوا الانقلاب، وانشغلوا بحصاد الغنائم.

ما يدور هذه الأيام من عبث على جبهة معارضة الانقلاب يكشف عن حالةٍ كارثية، لا تختلف عما جرى لثورة يناير بعد أيامها الثمانية عشر الخالدة، فمعظمهم يسلكون وكأنهم يتصارعون على جلد نمر لم يتم اصطياده بعد، بل ربما لا يستطيع أحد أن يحدّد في أي غابةٍ يختبئ، ومع ذلك تلمح بوادر الإزاحة والتدافع، لحمل كأس بطولةٍ لم يخوضوا منافساتها بجدية بعد.

لا يريد أحد أن يتعلم من أخطاء الماضي القريب وخطاياه، حتى يكاد السيسي يوجه برقية لمعارضيه، تقول "نشكركم على حسن تعاونكم".

طحالب تكدّست على ضفتي "دعم الشرعية" فجأة، وتكاثرت كالفطر، وابتذلت المشهد كله، وراحت تتقافز هنا وهناك، بخطابٍ منفّر، نجح بامتياز في تضييق دائرة مقاومة الانقلاب العسكري، حتى كادت تغلق على مجموعةٍ تكلّم نفسها، طوال الوقت، وتقطع الطريق على كل محاولةٍ جادة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، بعد عامين، إلا قليلاً، من "الهري" والسفسطة والكلام الفارغ، إلا من عصم ربك من هذه الحالة الاستعراضية الركيكة.

مكرراً ومجدّداً وأخيراً: استعيدوا يناير، أو جهزوا أكفانكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق