الخطر التركي والإسلامي الذي يخشاه الغرب
إبراهيم كاراغل
ترجمة وتحرير ــ تركيا بوست
عند انهيار إمبراطورية روسيا بسقوط الاتحاد السوفياتي، كان الهاجس الأكبر في ذلك الوقت، هو ظهور الإمبراطورية التركية من جديد.
الموقع الاستراتيجي الذي تمتلكه تركيا، يجعلها تتربع على نقطة مركزية في الشرق الأوسط. ووجودها وسط خط دول وسط آسيا، الذي يمتد من بحر الادرياتيك شرق إيطاليا حتى سور الصين غربا، جعلها منبع قلق يقوّض النظام العالمي الجديد.
هذا الكلام ليس من عندي وإنما قاله الغرب. في البداية، كنا نظن أن هذا الكلام مجرد محاولة للإثارة والتحفيز. ولكن بعدها فهمنا أن هذا الكلام هو خطة لإفشال تركيا والحد من خطرها على النظام العالمي الجديد. لقد بقينا لفترة ونحن لا نعير لهذا الكلام أي اهتمام.
أول تخوف
الغرب الذي كسب الحرب الباردة وغلب الروس، يتدخّل في مجريات التاريخ ويقوم بتصور القوة التي قد تشكّل خطرا عليه في المستقبل. مع أن هذا التصور في أغلب الأحيان، قد يكون من فراغ. لكننا نصدقه وتجذبنا الحماسة إليه، لنصبح بعدها مجرد متفرجين على ما يحدث.
في فترة من الزمن، تم التخلّص من “التهديد التركي”، الذي كان يزحف من الهند حتى شمال أفريقيا ليصل إلى قلب أوروبا. وتم القضاء على أقوى مخرجات القرن الواحد والعشرين، قبل ظهورها. وبالرغم من الضعف السياسي والاقتصادي لتركيا، إلا أنه بدأ التخوف في تلك الفترة من أن تشكّل تركيا خطرا يمكن أن يهدد الغرب في المستقبل.
مواجهة الخطر الإسلامي
الخطر التركي وبعده الخطر الإسلامي، أثار الرعب لدى الغرب. قوس الإسلام الذي يمتد من سواحل المحيط الأطلسي حتى شواطئ المحيط الهادي، ويتربّع على خطوط التجارة العالمية في البر والبحر ومصادر وخطوط الطاقة، يغذي خطاب التمرد ضد النظام العالمي.
هذا الخطاب، بدأ بتحريك الجماهير المتلهّفة للحرية والازدهار، مما زعزع الأنظمة الاستعمارية الغربية.
وهذا يمثل خطرا أكبر من الخطر التركي، ويزداد قوة يوما بعد يوم في مواجهة الغرب.الأمر الذي أدى إلى ظهور حركة عجيبة مناهضة للهيمنة الغربية، من المغرب حتى اندونيسيا، حاملا لغة سياسية واحدة. في تلك الفترة تم إيجاد ما يسمى بمحاربة الإرهاب الإسلامي. ليتحول فيما بعد، إلى عقيدة عالمية راسخة.
بناء على هذا التهديد، تم تجديد استراتيجيات الأمن لدى الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي. وبدأ المسؤولون الأوروبيون بشن خطابات نارية، مفادها أنهم سيهزمون الإسلام كما هزموا الاتحاد السوفيتي. ثم وُضعت الدول الإسلامية كمركز لمحاربة الإرهاب، بعدها دفعوا الإرهاب ليقوم بعمليات احتلال وحروب داخلية في هذه البلدان. وأي تحرك في العالم الإسلامي يحكم عليه بالإرهاب ويتم إخماده.
نمو تركيا
الغرب الذي تخلّص من الخطر التركي، بدأ بحرب صليبية واسعة لمواجهة الإسلام، الذي يمثّل الخطر الأكبر بالنسبة له. وقام بحملة شعواء ضد التقارب الإسلامي ومنع محاولات تحقيق الحرية والعدالة في البلدان الإسلامية.
تركيا تقع وسط هذا المركز. أثناء العمل على إفساد التقارب بين البلدان ذات الأصول التركية، أدركوا بأن تركيا تمثل خطرا كبيرا بالنسبة لهم، خطر على شاكلة الخطر العثماني في ذاكرة الغرب.كما شعروا بأن تركيا تحاول التخلّص من وصايتهم عليها.
بعد انتهاء الدولة العثمانية شنّوا عدة حملات لكسر بيضة الأتراك، لكنهم لم يفلحوا. إلا أنهم نجحوا في حملات أخرى. وبدأوا ينظرون للأمور من منظور آخر.
من الذي سيغير الخارطة
نحن نعرّف هذه الفترة بأنها فترة تجاوز طوق البلدان ذات الأصول التركية، إلى مرحلة أسلمة تركيا وهدم الهوة بين الدولة والإسلام. وتغيير لهجة الخطاب أمام المجتمع والسياسة الخارجية.
باقتراب تركيا من الإسلام، يتسع مجال مركز التحرك في طوق العالم الإسلامي. ولهذا السبب كانت تركيا الداعم الرئيسي لثورات الربيع العربي. خصوصا أنها لم تتراجع عن القول بأنها الداعم الأساسي للثورة المصرية. تركيا شكّلت خطرا بالنسبة لهم، لأنها حرّكت الديناميكية الإسلامية في الداخل والخارج. كانت الدافع لثورات الربيع العربي. وفي نفس الوقت كانت تعيش ثورة حقيقية في الداخل.
بنجاح هذه الثورة لم يكن أحد يعرف كيف سيتم تشكيل الشرق الأوسط من جديد. كانت ستتغير خارطة القوى من شمال أفريقيا حتى الهند. وبخلاص تركيا من الوصاية، كانت عدة دول ستتخلّص من الوصاية أيضا. الغرب يعمل على خلط الأوراق في منطقتنا لمائة سنة قادمة. ويسعى لإنتاج خارطة جديدة. وبتحريك تركيا لجموع المسلمين، ستفسد عليهم هذه الأعمال. ويعاد تشكيل خارطة سياسية جديدة وقوية في العالم.
دفعوا بإيران للحرب مع الإسلام
تم إفساد الربيع العربي. وتم تحويل المطالبة بالحرية، إلى ديكتاتورية غاشمة أو حروب أهلية. وتم وضع المنطقة تحت رحمة “الحرب الأهلية الإسلامية”. وأصبحت الدول والقبائل والعشائر في حروب مستعرة. وأصبحت الحروب الطائفية والعرقية تشمل الجميع. وتحوّلت موجة الاستعمار الجديدة، إلى احتلال غير طبيعي. ربما هم يبحثون عن أيديولوجيا تفتح الباب أمام حرب لمائة سنة قادمة.
ربما أن الأمور كانت على وشك أن تُحدث موجة ثورة عربية عارمة، لكن تم إيقافها. وهكذا تم إفساد الوحدة التركية والوحدة العربية والإسلامية.
في هذه الفترة تم الكشف مجددا عن إيران، لإثارة الحروب الداخلية في المنطقة. وتُركت الخلافات التي بين طهران والغرب جانبا. ثم عملوا على فصل العالم الإسلامي إلى محورين، وجرّوا إيران إلى لعبتهم. بعدها قامت إيران بفتح جبهات، ليس في سوريا فحسب، بل في المنطقة بأسرها، من الخليج حتى البحر الأحمر وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط. وأصبحت إيران وكيل الغرب لهذا القرن، في حروبها في المنطقة.
إيران من الخارج وحزب العمال من الداخل
أصبح من الواضح أنه من ضمن المهام التي وُكّلت لإيران، مهمة تضييق المجال على تركيا. وبدأوا بضرب تركيا من الداخل عبر هجمات إرهابية، من خلال القومية الكردية. أي أن تركيا أصبحت محاصرة بإيران من الخارج، وبالهجمات الإرهابية في الحدود من الداخل.
الغرب عمل على الإمساك بتركيا داخل منظومته، وإضعاف تأثيرها وسلبها الخطر الذي تشكّله عليه. لكن عندما بدأت موجة “خطر الإسلام”، أصبح من الواضح أن تركيا لن تبقى داخل المنظومة الغربية ولن تخضع لوصايته عليها. لأن تركيا بدأت في التحول وقواعدها أصبحت متجذرة بقوة في الطوق الإسلامي. وكانت تستعد للقيام بشيء ما. ولم يتبق أي احتمال لرجوعها خطوة إلى الخلف.
لذلك فما نعيشه اليوم من أحداث، هو حرب مفتوحة. ولهذا لم يعد أي معنى للتحالف الذي نمثل جزءا منه. وأصبح حلفاؤنا يقفون في صف أعدائنا ويشعلون الحرب على تركيا عبر إيران والقومية الكردية.
تركيا تعيش تحولا استراتيجيا عميقا. تقوم بخطوات ثورية في الداخل والخارج. وتستعد لمستقبل عظيم. في المرة الأولى، أفسدوا التقارب بين الدول ذات الأصول التركية، لكن تركيا لم يلحق بها ضرر كبير جراء ذلك. في المرة الثانية، فتحوا النار على التقارب الإسلامي. والآن يقومون بتغريم تركيا، لكونها تحتل المركز الرئيسي في المنطقة. لهذا فكل ما نشاهده من صراعات كلها تهدف إلى تركيع تركيا وتحجيم دورها في المنطقة. كذلك محاولات الانقلابات الثلاثة، خلال الثلاث سنوات الأخيرة، كانت من أجل هذا.
يعيشون مذعورين بسبب “خطر تركيا”
تركيا تشكّل مركزا للموجات الثورية. وتمثل رقما صعبا في كل الحسابات. وهي كذلك تعيش في نضال صعب للغاية. إذا لم يتحد الأتراك والمسلمين وتُرسم الخريطة من جديد، فمن سيكون الخاسر الأكبر حينها؟ أصل القضية هنا. تركيا تلقّت ضربات قوية وأصبحت هدفا رئيسيا لكل محاولاتهم في المنطقة. ولذلك هم مذعورون منا لأننا نقوم بإفشال ألاعيبهم كل مرة.
هناك “خطر تركيا” بالنسبة للغرب. ويربطونه بخطر الدولة العثمانية عليهم سابقا. وكل محاولات التدخل في المنطقة، وخطط الأمن الاستراتيجية، ناتجة عن هذا الذعر.
عند النظر إلى كل هذه الأمور، سنراها تبدو سيئة للغاية في الوهلة الأولى. لكن عند التدقيق في الرؤية نجد مفارقة عجيبة. فمشروع حصار تركيا وتطويقها بالمشاكل، سيفشل. ونحن واثقون من ذلك تماما.
تركيا تمضي في الطريق الصحيح، وتعمل على الاستثمار من أجل مستقبلها. ستعيش مرحلة عصيبة، لكن بعد أن تتعدى هذه العتبة الصعبة، لن يكون هناك مجال للتراجع خطوة واحدة إلى الخلف. تركيا تحت تهديد هجمة صليبية. وتعيش فترة تصفية حسابات لا مفر منها، من قبل قوى مختلفة.
المصدر:صحيفة يني شفق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق