السعودية تنصر لبنان ظالماً!
أحمد بن راشد بن سعيّد
تاريخياً، كانت الرياض "الأم الرؤوم" للبنان، تحدب عليه، وربما تسرف في تدليله، وتسعى إلى استنقاذه من أزماته السياسية والاقتصادية (شكّل "اتفاق الطائف" في سبتمبر 1989 أهم المبادرات السعودية التي وضعت لبنان على طريق التعافي بعد حرب أهلية استمرت 15 عاماً).
لكن لبنان، بسبب فسيفسائه الديموغرافية والطائفية، وبسبب الاعتداءات الصهيونية عليه عبر السنين، وفّر بيئة جاذبة لاستغلال "الخليفة" الشيعي غير المعلن في طهران، أو"الولي الفقيه" الذي شكّل ميليشيات تأتمر بأمره، وتضرب بسيفه.
وجاء "حزب الله" ليختطف من لبنان كل شيء: االاستقلال، السيادة، وحتى قرارات الحرب والسلام، وأصبحت الدولة رهينة في يد دويلة. منذ مايو2014، والحزب يعطّل انتخاب رئيس للجمهورية حتى لو كان حليفه ميشال عون، لكي يخلو له الجو، ولا يُضطر إلى تقديم تنازلات إلى الرئيس الجديد، أو الوصول معه إلى تفاهمات تتعلق بالوضع الداخلي والعلاقات الخارجية. الفراغ يمنح "حزب الله" مزيداً من "الفلتان".
غضبت الرياض من رفض وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، إدانة الاعتداء على سفارتها وقنصليتها في إيران خلال اجتماعي وزراء الخارجية العرب، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وهو الوزير المقرّب من "حزب الله"، وصهر حليفه، ميشال عون. لكنّ للغضب أسباباً أخرى.
إنه شعور السعوديين أن لبنان تحوّل إلى "بيدق" تحركّه إيران؛ إلى قاعدة إيرانية؛ إلى مركز تدريب وتجنيد للمشاركة في قتل الأطفال والنساء في القرى والبلدات السورية تحت سمع الجيش اللبناني وبصره، وهو المؤسسة التي "وهبتها" السعودية بلايين الدولارات لتحافظ على الاستقرار، وتنفّذ على الأقل سياسة "النأي بالنفس" التي أعلنتها الحكومة اللبنانية تجاه الصراع في سوريا.
يعلم السعوديون أن الجيش لم يعد سوى ورقة في يد "حزب الله"، وأنه ينسّق معه عالياً في انتشاره على الحدود مع سوريا، ويعلمون أن الحزب يمارس أدواراً وظيفية أخرى في العراق واليمن والخليج تحقيقاً لشعار قائده حسن نصر الله: "سنكون حيث يجب أن نكون".
يدرك صانع القرار السعودي أن مواجهة الغزو الفارسي للمشرق العربي لا يمكن أن تكون جزئية، فهزيمة سفّاح دمشق تتطلّب أيضاً هزيمة شبّيح الضاحية، إلى إحراج الدول الغربية الراعية للمحرقة السورية والتي يمثل "حزب الله" أحد "أكابر مجرميها".
ربما تتلو خطوة قطع المساعدات السعودية خطوات "تصعيدية" أخرى، كسحب الاستثمارات (تربو على 4 بلايين دولار معظمها في القطاعات المصرفية والعقارية والسياحية).
وجدير بالذكر أن أكثر من 200 ألف لبناني يعملون في السعودية، وأكثر من 400 ألف آخرين يعملون في دول خليجية أخرى، يحوّلون إلى بلدهم نحو 7 بلايين دولار، تشكّل 85% من إجمالي تحويلات اللبنانيين من الخارج.
جاء قرار إيقاف المساعدات إثر مراجعة سعودية شاملة للعلاقات مع لبنان، فهل ستكرر المراجعة عينها مع النظام المصري الذي أمطرته الرياض ببلايين الدولارات بين هبات واستثمارات فلم يساند حربها في اليمن، ولا موقفها من سوريا، بل أعلن انحيازه إلى المعسكر الإيراني الروسي في المنطقة.
هل ستحسم المملكة موقفها من رئيس نظام وعد بنجدة سريعة للأشقاء لا تتجاوز "مسافة السكّة"؟يبدو الموقف من لبنان رسالة إلى النظام توحي أن المراجعة قادمة.
في غضون ذلك، تواصل الرياض خوض معركة مصيرية على صُعُد دبلوماسية وعسكرية واقتصادية، وهذه المرة، قررت أن تنصر لبنان ظالماً لا مظلوماً، بردعه عن ظلمه، ومنع سلخه عن عروبته، وتحويله إلى محميّة فارسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق