أمام العلاقات التركية الأمريكية نفق مظلم
إسماعيل ياشا
العلاقات التركية الأمريكية بدأت في زمن الدولة العثمانية في أواخر القرن الثامن عشر حين انتصرت ولايات شمال أفريقيا العثمانية على الولايات المتحدة، وتم التوقيع على اتفاقية طرابلس، وبموجب هذه الاتفاقية دفعت الولايات المتحدة 642 ألف عملة ذهبية للدولة العثمانية وتعهدت بدفع 12 ألف عملة ذهبية لها سنويا، على أن تسمح الدولة العثمانية للسفن الأمريكية بالإبحار في مياه البحر الأبيض المتوسط. والتزمت الولايات المتحدة بهذه الاتفاقية التي كتبت باللغة التركية العثمانية من عام 1795 إلى عام 1818.
وكانت أول سفينة دخلت البحر الأبيض المتوسط بعد توقيع الاتفاقية فرقاطة جورج واشنطن التي وصلت إلى إسطنبول في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1800 لتقديم الهدايا إلى السلطان العثماني.
منذ تلك الاتفاقية حتى اليوم، شهدت العلاقات التركية الأمريكية صعودا وهبوطا، ومرت بأزمات عديدة، كما أنها تمر هذه الأيام بإحدى تلك الأزمات، بسبب موقف واشنطن من حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية لارتباطه التنظيمي بحزب العمال الكردستاني.
الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر، يقول إن حزب الاتحاد الديمقراطي ليس منظمة إرهابية، ويشاركه في هذا الرأي مسؤولون أمريكيون آخرون، إلا أن المركز القومي الأمريكي لمكافحة الإرهاب التابع للحكومة الأمريكية يكذِّبهم جميعا ويعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي منظمة إرهابية ويصنفه في موقعه الإلكتروني "الذراع السورية" لحزب العمال الكردستاني.
العلاقات بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني وكذلك العلاقات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري، لا تخفى على أحد.
وكما ذكر وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، فإن "هناك أدلة مقلقة للغاية على وجود تنسيق بين وحدات الحماية الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري وسلاح الجو الروسي"، بل إن هذا التنسيق واضح وضوح الشمس في رابعة النهار إلى درجة لا يحتاج أحد إلى أي دليل، لأن المعنيين هم أنفسهم يعلنونه بكل صراحة.
ومن المؤكد أن واشنطن هي نفسها تعرف هذه الحقيقة أكثر من غيرها، ولكنها تكابر وتتجاهل وتتظاهر بأنها لا تعرفها، وتقول إنها ليست لديها أدلة كافية لتصنيف حزب الاتحاد الديمقراطي منظمة إرهابية، كما أن أنقرة تدرك جيدا أن واشنطن تعرف حقيقة حزب الاتحاد الديمقراطي وارتباطه بحزب العمال الكردستاني، بل إنها على يقين تماما بأن هناك علاقات مشبوهة بين الولايات المتحدة والمنظمة الإرهابية، ولكنها تحاول أن تقنعها وتقدم إليها ملفات تحتوي على أدلة قاطعة، كما فعلت خلال استدعاء سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إلى وزارة الخارجية التركية، لعلها تتخلى عن سياسة التجاهل والتظاهر بعدم المعرفة.
وفي ظل هذا التوتر الذي تشهده العلاقات التركية الأمريكية، صرح شريف مالكوتش، مستشار رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، قبل أيام، بأن قاعدة إنغرليك الجوية قد يتم إغلاقها أمام الطائرات الحربية الأمريكية، إلا أن أردوغان استدرك قائلا بأن مالكوتش ليس مخوَّلا بالتصريح في مثل هذه الأمور التي هي من مسؤولية الحكومة التركية، ما يعني أن القيادة التركية لا ترغب حاليا في التصعيد ضد الولايات المتحدة واستخدام ورقة قاعدة إنغرليك الجوية.
المشكلة الحالية في العلاقات التركية الأمريكية، ليست في اعتبار حزب الاتحاد الديمقراطي أو عدم اعتباره منظمة إرهابية، بل إن المشكلة في الدرجة الأولى في وقوف واشنطن إلى جانب حزب الاتحاد الديمقراطي وتزويده بالمال والسلاح والتدريب، ليوسع سيطرته في شمال سوريا ويضع أسس دولة كردية مستقلة، وهي بالتأكيد ستكون - إن نجحت الخطة لا سمح الله ورأت النور - دولة حزب العمال الكردستاني بامتياز وستشكل خطرا كبيرا يهدد أمن تركيا ومصالحها الوطنية.
قوات الدرك التركية ضبطت الأسبوع الماضي في محافظة شانلي أورفا شحنة أسلحة ومستلزمات عسكرية أرسلها حزب الاتحاد الديمقراطي من شمال سوريا إلى عناصر حزب العمال الكردستاني، كما أن هناك إرهابيين تسللوا إلى تركيا ليقاتلوا ضد قوات الأمن التركية بعد تدريبهم في معسكرات تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، بالإضافة إلى تأكيد الحكومة التركية أن منفذ تفجير أنقرة الإرهابي الذي أسفر عن مقتل 29 مواطنا تركيا وجرح العشرات في قلب العاصمة التركية هو أحد عناصر وحدات الحماية الكردية، وأن تركيا لن تسمح على الإطلاق بفرض واقع في شمال سوريا لتأسيس دولة كردية، ما يعني أن هناك نفقا مظلما بانتظار العلاقات التركية الأمريكية ما لم تتخل واشنطن عن دعم مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي الانفصالي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق