الضمير العربي ومذابح العرب السنة في العراق
د.عمران الكبيسي
dr.omran@gmail.com
السؤال الذي بات يحيرني ويضطهدني ولا أجد له جوابا، هل غاب الضمير العربي أم غيب عما يجري في العراق من مذابح ضحيتها العرب السنة؟
فليست الحرب الدائرة كما يدعون بين أبناء كربلاء وأبناء الأنبار فلا ثأر بينهم ولا سابق لها، وليس الصراع القائم بين السنة والشيعة فهم عزوة واحدة، تجد العشيرة العربية نصفها من الشيعة والنصف الآخر من السنة، وبينهم أحساب وأنساب وتصاهر قرون مديدة، ولا يهون على أي منهم قتل أخيه في الدين والعروبة والوطن، فمتى ينتبه الضمير العربي فيستيقظ وينتفض لفتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، نذروا أنفسهم لخدمة أمتهم دفاعا عن المبادئ والثوابت في كل مخاض، ويضيعون بلا ثمن؟
الصراع القائم في العراق صراع بين العرب والفرس الصفويين، والجيش الذي يحاصر المدن العربية السنية ليس الجيش العراقي، وإنما جيش المالكي الطائفي بعدته وتعداده الذي يتجاوز مليون مقاتل، غالبيتهم من المجنسين الإيرانيين الحاقدين على العروبة والإسلام، حرب صورية يديرها خبراء إيرانيون يسيرهم قاسم سليماني، وتتقدمهم مليشيات حزب الله، يعيثون في الأرض الفساد، بدليل مجرد أن تدخل داعش مدينة ينسحب الجيش وتنسحب الشرطة المحلية بلا مقاومة، وتترك المدينة تأخذ نصيبها من المليشيات تقتل وتعدم وتحرق، ثم يأتي الجيش ليحاصر المدن، يجوعونها، يقطعون عنها الطعام والماء والكهرباء والوقود، ويقصفونها بالصواريخ والطائرات والمدفعية والبراميل المتفجرة على طريقة الأسد، فتدفع الأسر جبرا وقهرا إلى الهجرة بأطفالهم ونسائهم، بهدف إذلالهم وتفكيك قيمهم الأصيلة، يعاملون بعنجهية فارسية، وضحية كل ذلك العرب السنة. والحجة داعش التي لا نعرف لها أصلا ولا فصلا.
من أين أتت داعش؟
وكيف تحولت فجأة خلال أشهر من مجموعات صغيرة في الصحراء يطاردها مرتزقة المالكي والأسد بحسب زعمهم، إلى جحافل تحتل ست محافظات عربية سنية، تشكل ثلاث أرباع مساحة العراق، جلها مجاور لسوريا وإيران، بحدود تمتد أربعة آلاف كيلومتر؟
أين كانت الدولة عن داعش؟
وأين عنها الاستخبارات الأمريكية وأقمارها الاستطلاعية؟
من يصدق هذا الهراء وينطلي عليه الادعاء، لماذا لا تهاجم إلا المحافظات السنية، داعش خلايا عميلة لإيران كانت نائمة ضمن تنظيم القاعدة الإرهابي، صناعة إيرانية عددا وعدة جرى تهيئتها لليوم الموعود، شقت المعارضة السورية وأساءت إليها، وتمنح جيش المالكي المبرر لذبح السنة العرب ودفعهم لترك مدنهم وأملاكهم بغية إذلالهم وتغيير التركيبة السكانية،
يقول الشاعر بألم:
قدر أم سفر وكتاب/ يتقدم فينا الأذناب
يتحكم فينا الأغراب/ زمن الغفلة زمن الغاب
أن يقتل أشبال الأمة، باسم مكافحة الإرهاب!
الغريب أن العالم العربي بمثقفيه، بفضائياته وصحافته ووسائل إعلامه، بحكوماته وبمؤسساته الرسمية والمدنية، الدينية والقومية والإنسانية غض الطرف، فلا إذن سمعت ولا عين رأت!
فهل هناك سر دفين أملى عليهم الصمت المطبق؟ كأنّ لا انتماء، ولا أمن قوميا، ولا مصالح مشتركة، ولا حمية، عرب العراق سور الأمة وحصنها الشرقي، وحراس دار الخلافة، يتعرضون للإبادة والاجتثاث، تسفك دماؤهم، وتحرق مزارعهم وبساتينهم، وتهد مساكنهم على رؤوسهم، يهجرون ويعنفون، ولا من يمد اليد لمساعدتهم أو يشد أزرهم، مَن مِن العرب لا يخسر إذا خسرنا العراق؟ ولا يهزم إذا هزم الفرس العرب؟ من مثل العراق؟ ساعد العرب الأيمن بحاضرهم وماضيهم، دافع عن مقدسات الأمة في فلسطين وتبني قضيتها؟ ودافع عن سوريا وحمى دمشق من دنس الصهاينة في حرب يونيو 67، ودافع عن مصر بنخبة طياريه وطائراته، وروت دماؤهم سفوح الأردن، وقف أبناؤه سورا عشر سنوات يقامون شعار تصدير الثورة الفارسية، يستغيث أبناؤه اليوم ولا من مجيب!
أما الغرب فلهم ثأر مع العرب السنة لقيادتهم المقاومة ضد الاحتلال وأجبروا أمريكا على الانسحاب بعد أن كبدوها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى واليوم ينتقمون بصنيعتهم المالكي؟
الجامعة العربية وما أدراك ما هي، لم تحرك ساكنا، كأن العراق ليس عضوا مؤسسا، وكأن ضياع عروبة العراق ليس ضياعا للأمة وخسارة لا تعوض، لم تحاول حتى بحث ما يجري على أرضه الأبية، والفلوجة المحتسبة مدينة المساجد تتعرض للمرة الثالثة لحرب ظالمة ولا ذنب إلا أنها عربية المصدر والمنزع، تتظاهر وتعتصم طيلة عام، وتحاصر خمسة أشهر ويباد أهلها، والجامعة صم بكم فهم لا يرجعون،
ماذا يعني سقوط مئة شهيد في الفلوجة والرمادي يوم السبت الماضي وعلى مدار الأيام، ومئة في بغداد، ومثلها في الموصل، وسامراء، وديالي، وجرف الصخر ببابل والحويجة بكركوك،
كيف تكون التصفية وتجريف البشر؟
ولكن الحقيقة بقلب الشاعر:
ألملايين التي تمتد من أقصى المحيط إلى الخليج/
ومن أعالي النيل حتى حضرموت إلى حلب/
قرانها يتلى وثروتها ذهب/لكنهم، لا خيل تعكف في المضارب/
لا سفين على الشواطئ/لا مواقد للهب/ أفهؤلاء هم العرب؟/ أبدا تساورني الظنون ويستبد بي العجب!
تاريخ النشر
16/6/2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق