شاورما عمرو موسى
تلِد البرجوازية المصرية، حينما تخيب، أشياء عجيبة ومضحكة، في أواخر أعمارها ونهاية بنيانها الوطني والسياسي، مثل، مطعم عائم في البر الشرقي لنيل الزمالك بالمخالفة القانونية وبترخيص رقم 9 لسنة 2015، باسم مدام ميرفت التلاوي وبعض الشركاء.
وهذا العمل كان من الممكن أن تتركه مدام ميرفت لشعبان عبد الرحيم مثلا، خصوصاً وهو الذي غنّى لوزير خارجيتها سابقاً، عمرو موسى، أغنيته الشهيرة "بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل"، ووعدهم بأنه سيبطّل الدخان، وأبرّ الرجل بقسمه، لكن البرجوازية المصرية عوّدتنا على مثل هذه الأفاعيل، كي تغذّي الكوميديا برافدٍ لا يُستهان به في زمنٍ شحّ فيه الضحك وندر، وكي نترحّم على الزمن الماضي الجميل بالفعل، والذي فيه تبرّع والد الأديبة والأميرة المصرية، قوت القلوب الدمرداش، بأرض مستشفى الدمرداش الحالية، وأرض جامعة عين شمس.
وهي أيضاً التي كانت صاحبة جائزة قوت القلوب الدمرداش في الأدب، وكانت أول جائزه ينالها الكاتب الشاب، آنذاك، نجيب محفوظ، وعليك أن تتأمل الفرق، وتضحك على مساحة الخيبة.
أما لو عرفت أن الكاتبة والبرلمانية، الدكتورة ليلى تكلا، بشهادة الأجانب المكتوبة في كتبٍ رصينة، وبترجمة بشير السباعي وتنقيبه، كانت تتحصّل على عمولات بالملايين في زمن حسني مبارك من البروتوكولات والاتفاقات الأجنبية، فلا تتعجب من مهازلنا البرجوازية في الطبقة المستنيرة.
أما لو بحثنا أكثر، وسقطنا في مساحة السخام أكثر، وعرفنا أن المستنير ووزير أكبر وزارة تهتم بالعقل والوجدان (ووزير حكومتين للثقافة) دكتور جابر عصفور، حينما سُئل عن كيفية رد جائزة معمر القذافي بعد ثورة شعبه عليه، وهي من مال الشعب، بعد رفض الإسباني خوان غوتسولو لها، قال جابر، في حوار له بعد الثورة والمحاسبة الشعبية للأحداث: "ممكن أرد للشعب الليبي قيمتها المعنوية"، أما قيمتها المالية ففيما معناه "كبضاعة أتلفها الهوى".
ولو دخلنا أعمق في رأس المال والبورصة المصرية، وكيف تم استنزافها، فيكفي أن هناك قضية تشهدها المحاكم من سنوات، وصاحبتها تسريبات وفضائح أثبتت بريطانيا صحتها صوتياً، وأبطالها، ليس أولاد مستكة العالمة أو علي أبو عكشة في الدرب الأحمر، بل أولاد محمد حسنين هيكل وأولاد حسني مبارك، وهذا الأمر لا تنفع معه كوميديا بالقطع.
أما روائح التاريخ العطرة بالطبع، فتقول إن أم الشاعر أحمد شوقي، أو جدّته، كانت وصيفة في القصر. وعلى الرغم من ذلك، حافَظ شوقي على كرْمته على ضفاف النيل، وحولتها الحكومة إلى متحف، ولم يحوّلها الورثة إلى مطعم شاورما مثلا، فهل الرجل الذي كتب للنيل أعذب أغانيه، وتحكّمت فيه صدق كلماته، ومحبته النيل في ضفته الغربية، كان يرى من الغيب، أن سفيرة في وزارة الخارجية المصرية ستأتي، بعد أقل من قرن، كي تأخذ ترخيصا على البر الشرقي لنيل الزمالك، بفندق عائم؟
أتذكّر، حينما أتاحت لي الأقدار التحدث مع الفنان التشكيلي الراحل (فلان)، وكان رجلاً شريفاً بحق، ودار بنا الحديث عن الطرب والأصوات، حتى دخلنا على مطربةٍ شعبية، صوتها نحاسي وجميل. صدمني، حينما ضحك، ومال إلى الوراء في الكرسي، وقال: هذه زوجة اللواء (الفلاني)، وهي أول من ابتدعت (النقطة) في شارع الهرم، وانهالت من بعدها الفلوس من الأخوة العرب على أهل الطرب، ومن ثم الراقصات، حتى وصلت إلى كتكوت الأمير.
والآن، أسأل نفسي: هل زوّدت الدكتورة ميرفت التلاوي مطعمها العائم، أو سفينتها العائمة، أو فندقها العائم، بأفران الشاورما؟ أم لقي هذا الأمر رفضاً قاطعاً من الشركاء؟ ومن سيكون المطرب صاحب أغنية الافتتاح.
أعرف أن الدكتورة ميرفت كانت سفيرة مصر في خارجيةٍ وزيرها عمرو موسى سنوات، ولها صولات وجولات ضد التدخل الأجنبي، وفي تحرير الإرادة المصرية من أي تأثير ما أو شائبةٍ ما.
وكانت أيضاً رئيسة المجلس القومي للمرأة قبل التخطيط لمشروع السفينة وفي أثنائه، وأعرف أن وزيرها عمرو موسى يحب الفن والطرب، ويهتز له من دواخله، فهل ستحرم مطربه المفضل شعبان عبد الرحيم على شواطئ نيل بر الزمالك الشرقي من أن يتحف وزيرها عمرو موسى بتوزيعة معاصرة من لحنه القديم: "بحب عمرو موسى وأكره إسرائيل"؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق