المستعمرة المصرائيلية
آيات عرابي
لم تكن تصريحات عبد نتن ياهو التي غازل فيها سيده نتن ياهو مفاجئة لي شخصياً, وإن كان تصريحه الجديد الذي قال فيه أن
“نتن ياهو قائد ذو قدرات قيادية عظيمة، وهذه القدرات لا تؤهله فقط لقيادة دولته وشعبه، بل إنها كفيلة بأن تضمن تطور المنطقة وتقدم العالم بأسره.” هو الأكثر سفالة وانحطاطاً وتعبيراً عن العلاقة الوظيفية التي تربط ولاة أكشاك مستعمرات ما بعد الاحتلال, بالدولة الأم في تل أبيب.
فقد سبق له أن قال لصحيفة كورييري ديلا سيرا قبل سفره لإيطاليا بيوم واحد أنه ملتزم بأمن الكيان الصهيوني, ومع بداية الإنقلاب انفجر صنبور التصريحات الفاضحة على لسانه وعلى لسان مسؤولي مؤسسات العسكر, فقال للواشنطن بوست أن مشكلته مع الإخوان المسلمين هي سعيهم لإقامة الخلافة وتبجح وكيل المخابرات العامة الأسبق على قناة أون تي في بعد الإنقلاب وقال أنهم ملتزمون بحماية أمن الكيان الصهيوني.
قلت مراراً في أكثر من مقال أن تلك المستعمرات قد اُقيمت لحماية الكيان الصهيوني.
لم يترك الاحتلال المنطقة الا بعد أن انتقى مجموعة من الغفر سلمهم مفاتيح قطع الأرض المحيطة بفلسطين المحتلة وقام بعملية مراقبة جودة للإشراف على اداءهم ثم انصرف عائداً لبلاده ليقوم بمتابعة الأداء بالتليفون.
لم تعد العلاقة المحرمة سرية كما كان الحال في عهد المقبور عبد الناصر, لم تعد الزوجة الخائنة تتسلل من دارها في غياب زوجها لمنادمة عشيقها في تل أبيب كما كان يفعل عبد الناصر والسادات والمخلوع, ولم يعد العشيق يحرص على إخفاء العلاقة, انتهى زمن إرسال مبعوثي عبد الناصر سراً لبن جوريون وانتهى بلا رجعة عصر الرسائل التي تمر عبر الملحق العسكري في سفارة فرنسا, ولم يعد العشيق بحاجة لاصطناع مشاجرة بينه وبين الزوجة الخائنة كمشاجرة أكتوبر التي اشرف عليها كيسنجر ونفذها صبيهم السادات.
لم يعودوا بحاجة إلى إخفاء علاقتهم بآل سعود, ولم يعد العشيق يهتم بإخفاء علاقته بفيصل كما جرى في السابق.
(تستطيع أن تقرأ عن اتفاق فيصل عبر مدير مخابراته كمال أدهم ورجل الأعمال عدنان خاشقجي ولقاءاته مع شيمون بيريز في باريس سنة 1963 للتنسيق لإرسال السلاح لليمن ضد جيش عبد الناصر في عدد من الكتب باللغة الإنجليزية مثل الحرب السرية في اليمن وسيصور لك الناصريون أن هذا دليل على وطنية المقبور عبد الناصر, ثم ستفاجأ بأن الاثنين تصالحا وكان فيصل هو من طلب تعيين جندي السي آي إيه السادات, الذي جنده كمال أدهم مدير مخابرات آل سعود وصهر فيصل وقتها, وسأفرد ان شاء الله عدداً من المقالات للحديث عن ذلك الملف)
ولعل الصورة الفاضحة التي التقطها عبد نتن ياهو مع ممثلي المنظمات اليهودية الأمريكية هي الأكثر تعبيراً عن حقيقة العلاقة الوظيفية التي تربط تلك المؤسسات بعاصمة الدولة الأم في تل أبيب, وهي صورة ظهر فيها مدير مخابرات الإنقلاب يقف كتفاً إلى كتف مع ممثلي المنظمات اليهودية وبجانبه عبد نتن ياهو مما ينسف الصورة التقليدية التي حاول إعلام العسكر ترسيخها خلال ستين عاماً من الدعاية عن طريق أعمال جيدة التقديم عديمة المضمون مثل مسلسل رأفت الهجان, الذي اتضح في النهاية أنه كان عميلاً مزدوجاً خدعت به المخابرات الصهيونية مخابرات العسكر في مصر كما اعترف بذلك مدير المخابرات الأسبق الفريق رفعت جبريل على صفحات المصري اليوم.
وقلت مراراً ولا أمل من تكرار ذلك, أن ذلك الجيش المصرائيلي ما هو الا قوات أمن مركزي للكيان الصهيوني يعمل على حمايته وأنه لكي يستمر طوال تلك العقود على الوجه الأمثل فكان لابد من تقديمه بتلك الصورة الشاعرية الرومانسية ومنحه بعض الانتصارات الدعائية في مسرحيات سابقة التجهيز (مثل مسرحية أكتوبر والتي انتهت فعلياً بهزيمة ساحقة) وما ان تحين لحظة العمل الفعلي حتى ينشط الفيروس الكامن في الجسد ليهاجم الأعضاء كما حدث في لحظة الإنقلاب وكما يحدث يومياً في سيناء حيث تخترق الطائرات الصهيونية سماء سيناء يومياً وتقصف طائرات الجيش المصرائيلي منازل المصريين هناك.
صورة مجنونة ربما ولكنها الحقيقة الفاضحة دون أي رتوش, ربما لا يريد البعض رؤية حقيقة الصورة لأسباب نفسية عديدة, ولكن الصورة أكثر قتامة من هذا ويكفي أن تشاهد فيديو جنود الجيش المصرائيلي وهم يعذبون أحد أهالي سيناء لتدرك الحقيقة المرعبة, وهي أننا ربينا قاتلاً مأجوراً مريضاً خائناً طوال تلك السنوات وأنفقنا عليه من أموالنا.
ربما يقرب لك الدور الذي لعبه زكي رستم في فيلم رصيف نمرة خمسة الصورة الحقيقية, فالرجل كان يحمل مسبحته ولا ينقطع عن الصلاة وما أن يختفي عن أعين الناس حتى يمارس القتل وتجارة المخدرات.
لسنا فقط في عصر المكاشفة, بل في عصر سقوط تلك المؤسسات, لا أتوقع أن يستمر ذلك الجيش ولا كل المؤسسات المحيطة به, ولعل دراويش خرافة (شرفاء الجيش الوهميين) يفيقون من أوهامهم, ولعل مسلوبي العقل الذين يدافعون عما يسمونه بالمؤسسات يفيقوا من غفلتهم ويدركوا “مصرائيلية” تلك الدولة وعمالة مؤسساتها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق