غشلقت وغفلقت: شكرا أم ريجيني
بولا ريجيني .. أم المعذبين
الأولى والثانية ينطقهما المصريون، أولاد البلد، بالجيم المعطشة، بدلاً من القاف، والمعنى في الأولى أنها أظلمت وأعتمت، ولم يعد أحد يعرف لها ملامح، أما الثانية "غفلجت" فتعني أنها انسدت وتعقدت وأطبقت خناقها، واستعصت على النجاة.
بعد ما نشرته "ريبوبليكا" الإيطالية، أمس، ليست أفضل من الكلمتين المذكورتين أعلاه لوصف الموقف الذي يجد فيه النظام المصري الآن، قبل ساعاتٍ من المثول بين يدي الإيطاليين، في قضية جوليو ريجيني التي تحولت إلى فضيحةٍ دولية، تغطي على فضيحة "وثائق بنما"، وتجعل العالم كله يقف على أطراف أصابعه، في انتظار الكشف عما لدى السلطات الإيطالية من معلوماتٍ وأدلةٍ وقرائن تخص الجريمة.
لو صح المنشور، أمس، والذي يعلق الجرس في رقاب عديد من كبار القيادات في المؤسسة الأمنية المصرية، بكل فروعها، نكون بصدد جريمة نظام، وليست جريمة أفرادٍ أو جهات داخل النظام، إذ تكشف الصحيفة أن أكثر من جهة في الدولة "البوليسكرية" تناوبت على إهانة الباحث الإيطالي وتعذيبه، قبل ظهور جثته، مشوهة المعالم.
هنا لا فرق بين أن يكون المتهم الأول خفيراً أم وزيراً، لواء في المباحث، أم جنرالا في الدبلوماسية، يحمل رتبة "وزير خارجية" ويدعى سامح شكري، إذ لم يعد لدى الحكومة الإيطالية ما تستر به عورة النظام الصديق الذي تغاضت عن فظائعه، بحجة استخدامه في الحرب على الإرهاب، فمارس الإرهاب على أبناء شعبها، وأغمضت عينيها عن سجله المتخم بانتهاكات حقوق الإنسان، بدعوى أنها تتربّح من ورائه، فما حصدت إلا خراباً يهدّد بسقوطها.
حري بنا، في هذه اللحظة، أن ننحني احتراماً وتقديرا للسيدة "باولا" التي لم تعد "أم ريجيني" فقط، بل صارت أماً لمئات المختفين قسرياً والمعتقلين، المنسيين في غياهب زنازين تشبه تلك التي التهمت حياة ولدها، ونقلت مأساتهم للعالم كله، حين نطقت بجملتها الخالدة
"لقد عذبوه وقتلوه كما لو كان مصريا".
باتت السيدة أما للمصريين وللسوريين، ولكل المعذبين في زنازين الاستبداد، لتكتسب رمزيةً جليلة، وتتحوّل إلى أيقونةٍ للإنسانية، ندعو الله أن يحفظها بعيداً عن أي "حمدين" إيطالي، أو "جبهة إنقاذ"، تستثمر في وجيعتها، وتبتذل حزنها ورمزيتها.
وضعت السيدة باولا الضمير الأوروبي كله أمام اختبارٍ أخلاقيٍّ صعب، وتذكّره بأنه ادّعى النعاس والغفلة، أمام جريمة قتل وحرق ثلاثة آلاف مواطنٍ مصري، وتصنع الجهل بملابسات ما حدث، وارتضى أن يدعم السلطة التي قتلتهم، باعتبارها أداةً في الحرب على الإرهاب، ومحفظة نقود يهزونها فتتساقط مليارات رعاتها الإقليميين، وتذهب إلى خزائن الحكومات الأوروبية، صفقات سلاح وخلافه.
أسقطت "باولا" ورقة التوت عن الجميع، انحازت للإنسان، ضد إجرام السلطات القمعية، وأعادت للإنسانية جزءاً من قيمها المهدرة في مواخير السياسة الدولية، وقطعت الطريق على الحكومات، لكي تهرب تتخفى من استحقاقات الضمير في كهوف المصالح والصفقات.
بقي أن يفهم الشعب السيساوي المغيّب، أن الوقوف ضد الممارسات الإجرامية لمن يحكمون مصر بقيم العصابات المنظمة وعقليتها، لا يعني الوقوف ضد مصر، ولا شماتةً أو تشفياً في الوطن المنكوب بهؤلاء، بل إن من يحب مصر حقاً لا يتمنى لها أن تبقى رهينةً للقبح والفشل والظلم، ويسعى إلى تحريرها من قبضة الذين أهانوها وقيّدوها بالسلاسل والأغلال، وجعلوها تبدو على هذه الصورة البائسة أمام العالم.
وأكرّر أننا نحبها فنقف ضد نظام يبتز الذين أصابهم الهم والغم على وصوله بها إلى مصاف الدول الأكثر فشلاً، باتهامهم بالشماتة، وتنتفي فيه الفوارق بين "البيان الرسمي" و"الجنون الرسمي"، ويردّد، طوال الوقت، أن كل سكان الكرة الأرضية يتآمرون عليه.
في نظام بهذه المواصفات البائسة، يصبح الصمت على الإهانة الدولية التي يعرّض لها مصر نوعاً من الخيانة، فارحمونا من وطنيتكم المبتذلة، وحديثكم التافه عن الشماتة والتشفي.
باتت السيدة أما للمصريين وللسوريين، ولكل المعذبين في زنازين الاستبداد، لتكتسب رمزيةً جليلة، وتتحوّل إلى أيقونةٍ للإنسانية، ندعو الله أن يحفظها بعيداً عن أي "حمدين" إيطالي، أو "جبهة إنقاذ"، تستثمر في وجيعتها، وتبتذل حزنها ورمزيتها.
وضعت السيدة باولا الضمير الأوروبي كله أمام اختبارٍ أخلاقيٍّ صعب، وتذكّره بأنه ادّعى النعاس والغفلة، أمام جريمة قتل وحرق ثلاثة آلاف مواطنٍ مصري، وتصنع الجهل بملابسات ما حدث، وارتضى أن يدعم السلطة التي قتلتهم، باعتبارها أداةً في الحرب على الإرهاب، ومحفظة نقود يهزونها فتتساقط مليارات رعاتها الإقليميين، وتذهب إلى خزائن الحكومات الأوروبية، صفقات سلاح وخلافه.
أسقطت "باولا" ورقة التوت عن الجميع، انحازت للإنسان، ضد إجرام السلطات القمعية، وأعادت للإنسانية جزءاً من قيمها المهدرة في مواخير السياسة الدولية، وقطعت الطريق على الحكومات، لكي تهرب تتخفى من استحقاقات الضمير في كهوف المصالح والصفقات.
بقي أن يفهم الشعب السيساوي المغيّب، أن الوقوف ضد الممارسات الإجرامية لمن يحكمون مصر بقيم العصابات المنظمة وعقليتها، لا يعني الوقوف ضد مصر، ولا شماتةً أو تشفياً في الوطن المنكوب بهؤلاء، بل إن من يحب مصر حقاً لا يتمنى لها أن تبقى رهينةً للقبح والفشل والظلم، ويسعى إلى تحريرها من قبضة الذين أهانوها وقيّدوها بالسلاسل والأغلال، وجعلوها تبدو على هذه الصورة البائسة أمام العالم.
وأكرّر أننا نحبها فنقف ضد نظام يبتز الذين أصابهم الهم والغم على وصوله بها إلى مصاف الدول الأكثر فشلاً، باتهامهم بالشماتة، وتنتفي فيه الفوارق بين "البيان الرسمي" و"الجنون الرسمي"، ويردّد، طوال الوقت، أن كل سكان الكرة الأرضية يتآمرون عليه.
في نظام بهذه المواصفات البائسة، يصبح الصمت على الإهانة الدولية التي يعرّض لها مصر نوعاً من الخيانة، فارحمونا من وطنيتكم المبتذلة، وحديثكم التافه عن الشماتة والتشفي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق