هزيمة السيسي في معركة الأزهر
يأتي التحريض الحكومي الرسمي ضد الأزهر الشريف ليكشف عن حالة من الجنون أصابت النظام السياسي المصري، فالأزهر ليس حزبا سياسيا خصما للسلطة.
عامر عبد المنعم
انتصر الأزهر على السيسي في معركة قانون الأزهر، وفشلت الحملة الحكومية التي تم التخطيط لها لتمرير التشريع الذي كان سيدمر المؤسسة الأزهرية العريقة ويفسدها، وفي اعتراف صريح بالهزيمة ذهب رئيس مجلس النواب إلى شيخ الأزهر في مكتبه واعتذر له، وأعلن أن مشروع القانون "صفحة وطويت".
جاء التراجع الرسمي خوفا من أن يكون تخريب الأزهر هو القضية الساخنة التي تفجر الثورة في الشارع المصري، الذي ينتظر شرارة لانفجار الغضب، وبعد تصاعد الرفض ضد القانون والفشل في حشد أعضاء البرلمان لتأييد تدمير الصرح الذي يخدم الإسلام منذ أكثر من ألف عام.
كان السيسي هو الذي بدأ الحملة بانتقاد الأزهر في المؤتمرات أكثر من مرة والتقليل من شأنه، واشتعلت المعركة بعد ما حاولوا استغلال تفجيرات الكنيستين فاتهموا الأزهر بالتطرف، وبالغوا في الإساءة إلى الدكتور أحمد الطيب، حتى في أثناء زيارة بابا الفاتيكان، دون مراعاة لسمعة مصر ومكانة المؤسسة الدينية.
في البداية لم نكن نعلم سر الهجوم المفاجئ على شيخ الأزهر، والتطاول عليه، وتشويهه إلى حد اتهامه بالإرهاب، ولكن يبدو أن الذين يقفون خلف الحملة لم يتركونا طويلا في هذه الحيرة، فكشفوا لنا عن السر وهو هزيمة الدكتور أحمد الطيب نفسيا والضغط عليه وإرهابه ليستسلم ويقبل تمرير قانون إعادة تنظيم الأزهر الذي تم تقديمه لمجلس النواب.
من الواضح أن القانون معد منذ فترة طويلة وليس مكتوبا على عجل، والذين يقفون خلفه انتظروا واقعة الكنيستين، ليبدأوا حملة القصف الإعلامي والسياسي للأزهر، ويؤكد مضمون القانون والمحاور والصياغة الماكرة أن دوائر خارجية وداخلية درست وخططت هذا المشروع الذي يهدف إلى تفكيك الأزهر كمؤسسة متخصصة في تدريس القرآن والسنة وأصول الدين وتحويله إلى أداة لمكافحة الإرهاب على الطريقة الأمريكية.
يأتي التحريض الحكومي الرسمي ضد الأزهر الشريف ليكشف عن حالة من الجنون أصابت النظام السياسي المصري، فالأزهر ليس حزبا سياسيا خصما للسلطة، وليس كيانا معارضا لنظام الحكم، وإنما هو أهم مؤسسة تابعة للدولة تخدم الإسلام في مصر والعالم.
لعب الأزهر دورا مهما في حياة المصريين، ولم يكن فقط مجرد مدرسة دينية، وإنما كان ملاذا للمصريين في الكثير من المواقف التي عانى فيها الشعب من ظلم الحكام، حيث كان يلجأ إلى الجامع أصحاب الشكاوى لرفعها إلى رأس الحكم.
من الأدوار المشهودة للأزهر الشريف التصدي للاحتلال أثناء الحملة الفرنسية عام 1798 حيث استطاع علماء الأزهر حشد الجماهير ضد الفرنسيين وأشعلوا المقاومة الشعبية، بعد هروب المماليك وسقوط القاهرة، وقضوا على حلم نابليون في البقاء في مصر.
ورغم تحجيم الدور السياسي للأزهر منذ عهد محمد علي، الذي وصل إلى السلطة على أكتاف علماء الأزهر ظل دوره الديني مؤثرا حتى ثورة يوليو 1952 ، التي وجهت ضربة قوية للأزهر بتقنين السيطرة الحكومية عليه، والقضاء على استقلاله بفصل الأوقاف عنه، ولكن رغم تراجع الدور السياسي والارتباط بالسلطة ظل الأزهر هو الصرح الذي يعلم الناس الدين.
تنظيم أم تخريب؟
مشروع القانون الذي تم تقديمه للبرلمان يكشف عن عقل شرير يتفوق على إبليس، فمواد القانون عبارة عن خطة إستراتيجية صليبية ماسونية لهدم الأزهر وإعادة تشكيل المؤسسة لتتحول من تعليم الدين إلى محاربة الدين نفسه.
يهدف القانون إلى تحقيق 3 أهداف رئيسية أولها: انتزاع السيطرة على الأزهر من علماء الأزهر رغم مواقفهم السياسية المؤيدة للسلطة، وتسليم كل المفاتيح لعبد الفتاح السيسي، وثانيها: تفكيك المؤسسة وتقليص حجمها، وثالثها: الاستفادة من الاسم وإعادة توظيف الأزهر لخدمة الإستراتيجية الأمريكية الصهيونية وتقديم الإسلام بالطريقة التي ترضي الرئيس الأمريكي ترمب!
السيطرة ونزع الصلاحيات
أهم محاور القانون تجريد شيخ الأزهر من صلاحياته، وتحجيم دوره ليصبح رئيس الجمهورية هو الرئيس الفعلي للأزهر، ليجمع بين الزعامة السياسية والسلطة الدينية في وقت واحد، فرئيس الجمهورية هو الذي يعين الأعضاء ويختارهم في كل الهيئات الأزهرية، ففي المجلس الأعلى للأزهر وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية وجامعة الأزهر يتم ترشيح الأسماء والرئيس هو الذي يختار من بينها، والترشيحات تأتي من هيئات ووزارات ومجالس هي في الأصل كلها بالتعيين.
يضع القانون خطة محكمة للتحكم في عملية اختيار شيخ الأزهر وجعلها في يد رئيس الجمهورية، فالاختيار يتم من خلال اجتماع مشترك لهيئتي كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية وأعضاء الهيئتين يختارهما رئيس الجمهورية.
تقضي نصوص القانون بتجريد شيخ الأزهر من كل صلاحياته، وجعل المنصب مجرد وظيفة بلا صلاحيات وإسناد صلاحيات الشيخ للمجلس الأعلى للأزهر، وهذا المجلس هو الذي يدير الأزهر وليس الشيخ، وتشكيلته حسب القانون تجعل شيخ الأزهر مجرد رئيس على الورق ليس له حول ولا قوة، والتحقيق معه وعزله إذا لزم الأمر.
لقد تعاملوا مع الأزهر على أنه مؤسسة مشبوهة، والنظر إلى الأزهريين كمتطرفين ومتهمين؛ فيهدف القانون إلى إغراق الهياكل القيادية بعناصر من خارج الأزهر، لتذويب الشخصية الأزهرية ومحاصرتها، ففي المجلس الأعلى للأزهر ثلث الأعضاء من خارج الأزهر، منهم 6 وكلاء وزارات العدل والتربية والتعليم والتعليم العالي والمالية والخارجية، و5 شخصيات عامة يختارهم رئيس الجمهورية من المهتمين بالثقافة والقضايا الاجتماعية والسياسية والشئون الدولية.
وفي هيئة كبار العلماء يوجد عشرة أعضاء من خارج الأزهر يرشحهم المجلس الأعلى للجامعات ووزير الشباب ووزير التعليم والمركز القومي للبحوث والمجلس القومي للمرأة.
وفي مجمع البحوث الإسلامية يوجد عشرة أعضاء تحت اسم خبراء في التخصصات الدنيوية الأساسية وهي البحوث الاجتماعية والصحة النفسية والاقتصاد وقضايا المرأة والشباب والتنمية البشرية والشئون الصحية وقضايا الأمومة والطفولة.
ومن كوارث القانون تمكين المجلس القومي للمرأة من المشاركة في تشكيل مؤسسات الأزهر؛ فالقانون أسند لهذا المجلس النسوي الحق في ترشيح 6 سيدات في هيئة كبار العلماء و7 سيدات في مجمع البحوث الإسلامية.
تفكيك المؤسسة وتحجيمها
يعمل القانون على تقليص حجم المؤسسة الأزهرية بتجريدها من دورها التعليمي، بانتزاع الكليات العلمية والأدبية من الأزهر وتتشكل منها جامعة جديدة باسم "الإمام محمد عبده للدراسات العلمية"، تخضع لإشراف المجلس الأعلى للجامعات ويسمح فيها بدخول غير المسلمين وهذا مطلب قديم للكنيسة المصرية منذ تولي البابا شنودة منصب البطريرك.
ومع هذا لم يكتفوا بفصل الجامعات؛ فالقانون يحتوي على خطة لتحجيم دور الأزهر في التعليم الشرعي بتجفيف المعاهد الأزهرية لتقليل عدد الدراسين للعلوم الشرعية من خلال الآتي:
- وقف بناء المعاهد الأزهرية لمدة 15 عاما.
- تقليص عدد المعاهد الأزهرية (ما يزيد عن 9 آلاف) بالإبقاء على 3 آلاف معهد فقط ومصادرة الباقي وضمها إلى وزارة التعليم.
- تأتي الخطوة الأهم والأخطر وهي إلغاء التعليم الأزهري الابتدائي، وأن تبدأ الدراسة في المعاهد الأزهرية من سن 12 عاما، أي في المرحلة الإعدادية التي سيتغير اسمها إلى الابتدائية، وسيتم تقليص أعداد المقبولين بوضع شرط حفظ القرآن كاملا واجتياز الكشف الطبي على المتقدمين!
تغيير الرسالة وتبديل الدين
حدد القانون الدور الجديد للأزهر، وهو تدريس الإسلام بما يتماشى مع الإستراتيجية الأمريكية لـ "مكافحة الإرهاب" وتوظيف الأزهر كأداة تؤدي دورا لصالح الإستراتيجية الغربية لمواجهة ما يرونه "إرهابا إسلاميا" وإنهاء دوره في تعليم الإسلام داخليا وخارجيا.
من المهام التي نص عليها القانون لهيئة كبار العلماء " إعادة النظر في المسائل الشرعية المبتوت فيها والموصوفة بالإجماع والتي تحتاج إلى إعادة النظر وتجديد الفهم لتغير ظروف وأحوال الناس ومصالحهم" و طالبهم بالتقريب بين الأديان من خلال التأكيد على "حرية الاعتقاد"، وهذا من المطالب المتكررة لمؤتمرات الأمم المتحدة.
وأسند القانون لمجمع البحوث الإسلامية الذي لا يخضع لرئاسة شيخ الأزهر مهمة المراجعة الدورية لجميع المناهج والبرامج والمقررات الدراسية التي تدرس بالمعاهد والكليات الأزهرية والدراسات العليا، وفرض عقوبات على المعترضين.
وحدد القانون لمجمع البحوث الإسلامية مهمة تنقية المناهج والبرامج والمقررات الدراسية من الشروح والتفاسير التي وصفها بـ "اللانسانية واللاعقلانية وتلك التي يساء ويصعب فهمها، أو التي تدعو للعنف والأفكار التكفيرية المتطرفة وتحض على الكراهية الدينية وتدعو إلى الطائفية والمذهبية والتمييز الطائفي والمذهبي وذلك بغض النظر عن صاحب هئا التفسير والشرح، بل و "استبعاد الأفكار التي تقلل من القيم الأخلاقية والمدنية".
أما الدور الخارجي للأزهر حسب القانون الشيطاني هو استحداث هيئة للدعوة بالخارج وإحياء المراكز الإسلامية التي كان يرعاها الأزهر " لتحصين الجاليات المسلمة في دول العالم من الأفكار المتطرفة والتكفيرية والدعوات الهدامة"!
هذا الدور الخارجي للأزهر هو الأخطر لأنه سيجعل الأزهر أداة سياسية دعائية توظفها الحكومات الأجنبية لخدمة أهدافها السياسية ضد الجاليات والأقليات المسلمة التي تتعرض للتمييز والاضطهاد في أوربا وأمريكا وآسيا، وسيتم توظيف العناصر المدسوسة في الهيئات الأزهرية القيادية لإدانة المسلمين وليس الدفاع عنهم!
***
كان من الواضح أنهم خططوا للإجهاز على الأزهر والانقلاب على الإسلام، وأغراهم لارتكاب هذه الجريمة تنفيذ توجهات الحكم الحالي المعادية لعقيدة المصريين بدون مقاومة تليق وحجم العدوان، فإلغاء تدريس الدين في المدارس والهجوم على ثوابت الإسلام في الإعلام الرسمي جرأهم على أن يوجهوا الطعنة لصرح الإسلام الكبير ولكن خاب ظنهم والحمد لله.
إن تدمير صروحنا الإسلامية لخدمة الاستراتيجيات المعادية وتغييب العلماء في الوقت الذي تحتاجهم الأمة ليصححوا المفاهيم ويحافظوا على تماسك المجتمعات والبلاد خيانة للأمة الإسلامية وللدولة المصرية التي تعيش هذه الأيام أسوأ فترات تاريخها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق