الخميس، 4 مايو 2017

الجديد في وثيقة حماس



عبد الستار قاسم

تحدثت وسائل إعلام متعددة عن وثيقة جديدة لحماس، وما كان علينا إلا انتظار إعلانها، وهذا ما حصل في 1 أيار 2017 على لسان السيد خالد مشعل. وقد لاحظت البون الشاسع بين التسريبات الإعلامية وحقيقة الوثيقة. لقد تمادت التسريبات الإعلامية بالكثير من التكهنات حول تنازلات حماس بشأن القضية الفلسطينية، وأعطت انطباعا أن حركة حماس تسابق منظمة التحرير في التفريط بالقضية الفلسطينية.

لكن المشهد بدا مختلفا بعد قراءة بنود الوثيقة. الوثيقة لم تنتهك المحرمات الفلسطينية، ولم تتناقض مع الثوابت الفلسطينية، ولم تنتقص من الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني.

هناك جديد في وثيقة حماس فيما يتعلق بأمرين فقط وهما: 

1- ديباجة الوثيقة التي ألقاها السيد مشعل تدل على نضوج فلسفي وعلمي، ولأول مرة أسمع قائد فصيل فلسطيني يتحدث منطقا وعلما وفلسفة متخليا عن التهريج والشعارات الجوفاء. تحدث مشعل بعلمية عن ضرورة التجديد في الفكر والثقافة لأن الرتابة الممتدة على مدى طويل من الزمن تغرس النمطية والتحجر والبلادة في النفوس، ويتحول الإنسان عن طريق الإبداع إلى عبادة أصنام الماضي.

وأضح أن الشعوب التي لا تراقب التطورات في محيطها وبيئتها لا تستطيع القيام بالتطويرات الضرورية التي تبقيها في مستوى العصر، وبالتالي لا تستطيع أن تتجنب المخاطر المترتبة على الانفصام الزمني. المفروض ألا تكون الشعوب خلف الزمن، وما يجعلها كذلك هو قدرتها على مواكبة التطورات في مختلف مجالات الحياة، واتخاذ الإجراءات المناسبة لاتقاء الأضرار. السيد مشعل شرح جدليته بشكل جيد.

2- تعرض الغلو الديني إلى إعادة تقييم بحيث نصت الوثيقة على التمييز بين اليهود والصهاينة، وإلى أن الإسلام دين وئام ومحبة وسلام وتسامح، وأن التعصب والعنصرية والقتل العشوائي ليس من الإسلام في شيء. وهذا ما يدعونا إلى الاعتقاد بأن الوثيقة موجهة أساسا إلى العرب والمسلمين الذين شطحوا بعيدا في غلوهم الديني وبرروا القتل وسفك الدماء وسبي النساء.

يدور بعض اللغط حول البند رقم عشرين من الوثيقة والذي ينص على موافقة حماس على إقامة دولة فلسطينية على الأرض المحتلة 67 شريطة عدم الاعتراف بإسرائيل وعودة اللاجئين الفلسطينيين.

اعتبر بعضهم أن هذا البند يشكل خطوة أولى نحو الاعتراف بإسرائيل واللحاق بركب منظمة التحرير المفرط بالحقوق الوطنية. لكن هذه الموافقة الحمساوية على هكذا دولة ليس جديدا إذ سبق أن أعلنت حماس عن استعدادها لقبول دولة فلسطينية على المحتل 67 دون الاعتراف بإسرائيل، وسبق أن طرحت مبادرتها الخاصة بإقامة هدنة مع إسرائيل لعشر سنوات إنما دون الاعتراف بإسرائيل. طبعا هذا الطرح عبثي ولا يمكن قبوله من قبل إسرائيل والدول الغربية المؤيدة لها. إذا كانت إسرائيل ترفض إقامة دولة فلسطينية لسلطة تعترف بها وتنسق معها أمنيا ولا تدفع باتجاه عودة اللاجئين، فكيف بها تقيم دولة لمن يرفض الاعتراف بها؟

لم يكن من الحكمة أن تطرح حماس هذا الموضوع بوثيقتها وهي تعلم مسبقا أن الطريق أمام طرحها مغلق تماما. وهذا جزء من مشكلة فلسطينية قديمة تتمثل بتكرار طرحهم لمبادرات لا هم قادرون على إنفاذها ولا الآخرون مستعدون لقبولها. 

والبند هذا لا يعني أن حماس تطرح مبادرة، إنما يعني أن حماس لن تعارض إذا أفرزت المسيرة التفاوضية مع إسرائيل دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران. وهنا كان مشعل موفقا في التوضيح من حيث أن الواقع قد يفرز حلا من هذا القبيل، والمنطق لا يدعو إلى رفضه. لكن مشعل لم يكن موفقا عندما وصف التفاوض بأنه آلية دون أن يوضح جيدا متى يمكن استعمالها. صحيح أن التفاوض مع إسرائيل يشكل مساومة، والمساومة على الحقوق الفلسطينية ليست واردة من ناحية المبدأ. 

العرب مجتمعون رفضوا التفاوض مع إسرائيل من ناحية المبدأ، ولم يقبلوا بالمفاوضات الثنائية المباشرة إلا بعد أن تأكدوا أنه لا يوجد لمبدئهم ظهر يحميه. المفروض تم التوضيح أن التفاوض لا يشكل خيارا إلا عندما تصبح إسرائيل غير قادرة على رفض إعادة الحقوق إلى أصحابها.

أما فيما يتعلق برد فعل ما يسمى المجتمع الدولي على هذه الوثيقة الجديدة، فإنه من غير المتوقع قبولها أو التعامل معها لأنها لم تقدم جديدا ينسجم مع شروط هذا المجتمع. وهنا يجب أن نكون حذرين في التعامل مع فكرة المجتمع الدولي لأن الولايات المتحدة وبعض أوروبا الغربية وإسرائيل يحصرون المجتمع الدولي بأنفسهم. الوثيقة الحمساوية ليست مبادرة للتسوية. إنها أشبه ما تكون بوثيقة دستورية لحركة حماس، ومصممة لتكون إحدى الأعمدة الفكرية للحركة. وأشد ما تحرص عليه هو إخراج الحركة من الفكر الكلي الاحتكاري إلى الفكر الإنساني الذي يرى العالم بآفاق رحبة.

الخلل الوحيد الذي لمسته في الوثيقة أنها لم تعالج التناقض مع ميثاق الحركة لعام 1988. هناك تباين بين بنود الوثيقة وبنود الميثاق، والتصادم بينهما سيحصل يوما، فما هو الحل؟ كان المفروض تعديل الميثاق أولا بما يتناسب مع الوثيقة حتى تتجنب الحركة النزاع القانوني مستقبلا.



وثيقة المبادئ والسياسات العامة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق