الأحد، 7 مايو 2017

أقسام السنة النبوية


أقسام السنة النبوية
محمد عمارة

السنة النبوية هي فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله، وإقراره، على هذا التعريف الجامع اتفق علماء المسلمين جميعا.

لكن هل كل السنة النبوية دين ورسالة على المسلمين أن يلتزموها في كل زمان ومكان؟ أم أن السنة النبوية أقسام؟ منها ما هو ديني وتشريع ملزم لأن جزءا من الرسالة ما هو من العادات والخصوصيات والأعراف الاجتماعية والسياسات التي تتغير بتغير المصالح والغايات؟

لقد تصدى للإجابة على هذا السؤال من أعلام علماء الإسلام، فكتبوا عن أقسام السنة النبوية كتابات نفيسة، كونت علما من علوم السنة النبوية، ومن هؤلاء العلماء الإمام أحمد بن إدريس، وولي الله الدهلوي، والشيخ عبد العزيز جاويش، والشيخ محمد الخضر حسين، والعلامة الدكتور محمد عبد الله دراز، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور، والشيخ علي الخفيف، والشيخ عبد الجليل عيسى، والشيخ محمود شلتوت، كل هؤلاء وغيرهم من علماء السنة والأصول كتبوا في قواعد علم أقسام السنة النبوية، وأيها دين وجزء من الرسالة ملزم لكل المسلمين، وأيها ليس بدين وإنما هو من العادات والسياسات التي لا تمثل دينا ثابتا وملزما عبر الزمان والمكان؟

لكن الغريب والعجيب أنك إن بحثت عن هذا العلم - علم أقسام السنة النبوية - في كل كلياتنا الشرعية فلن تجد له أثرا ولن تجد أحدا من مدرسي السنة والمتخصصين فيها يعيره اهتماما، ويدرسه للطلاب، بل ستجد الجهل به يكاد يكون مطبقا ومركبا!

ونحن إذا شئنا نصا يعرف بهذا العلم فسنجده في قول الإمام محمود شلتوت: "إنه ينبغي أن يلاحظ أن كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ودون وكُتِب في كتب الحديث من أقواله وأفعاله وتقريراته على أقسام:

أحدها:
ما سبيله سبيل الحاجة البشرية، كالأكل والشرب والنوم والمشي والتزاور، والمصالحة بين شخصين بالطرق العرفية، والشفاعة، والمساومة في البيع والشراء.

ثانيها:
ما سبيله سبيل التجارب والعادة الشخصية أو الاجتماعية كالذي ورد في شئون الزراعة والطب وطول اللباس وقصره.

ثالثها:
ما سبيله التدبير الإنساني أخذا من الظروف الخاصة كتوزيع الجيوش على المواقع الحربية وتنظيم الصفوف في الموقعة الواحدة، والكمون والكر والفر، واختيار أماكن النزول، وما إلى ذلك مما يعتمد على وحي الظروف والدربة الخاصة.

وكل ما نقل من هذه الأنواع الثلاثة ليس شرعا يتعلق به طلب الفعل والترك، وإنما هو من الشؤون البشرية التي ليس مسلك الرسول فيها تشريعا ولا مصدر تشريع.

رابعها: ما كان سبيله التشريع وهو على أقسام:

أولا: ما يصدر عن الرسول على وجه التبليغ بصفة أنه رسول، كأن يبين مجملا من الكتاب، أو يخصص عاما، أو يقيد مطلقا، أو يبين شأنا في العبادات أو الحلال والحرام، أو العقائد والأخلاق، أو شأنا متصلا بشيء مما ذكره، وهذا النوع تشريع عام إلى يوم القيامة.

ثانيا:
ما يصدر عن الرسول بوصف الإمامة والرياسة العامة لجماعة المسلمين، كبعث الجيوش للقتال، وجمع الأموال وصرفها، وتولية القضاة والولاة، وعقد المعاهدات، وغير ذلك مما هو من شأن الإمامة التدبير العام لمصلحة الجماعة، وحكم هذا أنه ليس تشريعا عاما، فلا يجوز الإقدام عليه، إلا بإذن إمام الزمان، وليس لأحد أن يفعل شيئا منه من تلقاء نفسه بحجة أن النبي فعله أو طلبه.


ثالثا:
ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بوصف القضاء والفصل في الدعاوى بالبينات، وحكم هذا كسابقه، ليس تشريعا عاما، فلا يجوز لأي إنسان أن يقدم عليه بناء على قضاء الرسول به، وإنما الواجب الرجوع فيه إلى قاضي الزمان".

ثم يضيف الإمام الشيخ شلتوت:
"إنه لابد من معرفة هذه الأقسام، لأن كثيرا مما ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم قد صور بأنه شرع أو دين، أو سنة أو مندوب، وهو لم يكن في الحقيقة صادرا على وجه التشريع أصلا، وقد كثر ذلك في أفعاله الصدارة عنه بصفته البشرية، أو بصفة العادة والتجارب، ونجد أيضا أن ما صدر على وجه الإمامة أو القضاء، قد يؤخذ على أنه تشريع عام، ومن ذلك تضطرب الأحكام وتختلط الجهات"!

هكذا رأينا كيف الجهل بأقسام السنة النبوية والتمييز بين ما هو دين وتشريع منها، وبين ما هو من العادات والسياسات والقضاء، وهو جهل تجاوز العامة ليشمل الأساتذة الذين يدرسون السنة النبوية في كلياتنا الشرعية! وهي مأساة تحتاج إلى وقفة وعلاج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق