اليقظة والتكامل قاربا النهضة لأمتنا
تمر أمتنا بمرحلة صعبة تشهد فيها عدد من دولها حروبا طاحنة من جهات متعددة، فاليهود لم يتوقف عدوانهم على فلسطين، أرضا وشعبا، رغم اتفاق السلام الموقع معهم، بل إنهم تمكنوا بهذا السلام من التوسع والعدوان أضعافا مضاعفة، حتى غدت الضفة الغربية بيدهم تقريباً، وأصبحت اعتداءاتهم على المسجد الأقصى شبه يومية ووصلوا لمناطق ما كانوا يصلون لها من قبل.
أما ملالي طهران فقد جاهروا بوقاحتهم المعهودة بأنهم احتلوا أربع عواصم عربية، وقد عاثوا ووكلاؤهم في هذه البلاد بالفساد طولا وعرضا، فسرقوا الأموال والخيرات والبيوت ودمروا البنية التحتية وهجّروا ملايين الأبرياء من مساكنهم وقَتلوا ما يزيد عن مليون شخص، ولا يزالون ماضين في افسادهم.
أما روسيا فهي قد دكّت الشيشان من قبل واليوم تدك في سوريا، وهي ماضية في تكرار تجربة الشيشان بسوريا من خلال سرقة أحد الثوار وجعله قائدا لسوريا بشرط أن يكون ذيلا لها كحال قديروف!
أما أمريكا فهي تحتل أفغانستان وتعود للعراق وسوريا بعد أن تفرجت على مأساتهم عدة سنوات وسمحت لإيران وروسيا بتهديم مدن السنة وقتل أهلها لتمرير مخططاتها التي لم تستقر بعد، فمنذ الفوضى الخلاقة إلى الشرق الأوسط الكبير إلى الشرق الأوسط الجديد والحبل على الجرار.
وهناك مأساة بورما وعدوان البوذيين الاشتراكيين على المسلمين، وهناك أفريقيا الوسطى حيث تقوم عصابات النصارى المتطرفين بقتل المسلمين وتهجيرهم، وغيرها وغيرها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أما الدول التي نجت من العدوان الخارجي فلم ينفكوا عن تدبير الدسائس لها من الداخل، فتارة عبر أحزاب المعارضة، وتارة عبر القوميات والأقليات، ومرة عبر اختراق بعض الجماعات الإسلامية، وتارة بهجمة إعلامية خارجية، وبالانقلابات حينا، حتى حولوا سياسة (صفر مشاكل) التركية مع جيرانها إلى افتعال عشرات المشاكل لها لتحطيمها وتركيعها من جديد، وعلى غرارها ماليزيا وأندونيسيا.
والدول التي نجت من غالب ذلك سرعان ما تم إحداث الوقيعة بينها، فبينما ترى بعض الدول تشترك في التصدي لعدوان معين سرعان ما تتضارب مصالحها في قضية أخرى فتتفرق كلمتها، حتى أصبح من الصعب أن تجد بلدين مسلمين تتطابق غالب سياستهما ومصالحهما، وبالتالى تتشتت قوتهم وتذهب ريحهم، ويصعب عليهم قطف الثمار!
ويوازي هذا العدوان البربري الغاشم عدوان فكري وإعلامي هابط يستهدف دين الأمة، فجيوش المبشرين من الشيعة والنصارى والعلمانيين والملحدين واليساريين تغزو شباب الأمة لحرف عقيدتها ودينها، ومن لم يكن من أهل الدين سلطوا عليه الشهوات المسعورة من الإباحية والمخدرات والمتع الرخيصة.
ومن نجا من هذه الوباءات والطواعين استهدفوه بمنابر الضلال ممّن يتزيّا بزي المسلمين كالعمة واللحية ويتحدث بالقرآن والسنة أو يخطب من على منابر المساجد ليشيع بين المسلمين العقائد الباطلة والمفاهيم المغلوطة من أمثال عدنان إبراهيم وعلي الكيالي وعدنان الرفاعي ومن لفّ لفّهم.
ومما سلطه الأعداء على الأمة فكر الخوارج وجماعات التكفير والإرهاب، فبعد أن احتضنت إيران والغرب، وخاصة لندستان، قادة ومنظري القاعدة والعنف والتكفير لسنوات طويلة، أصبح كلاب الغرب وأذنابهم في بلادنا يحاربون الإسلام جهرة باسم محاربة فكر الإرهاب الذي نما في مزرعة حرية التعبير الغربية، وعندها فهمنا لماذا أنفق الغرب ولا يزال ينفق على هؤلاء الإرهابيين أموال الضمان الاجتماعي شهريا!!
حيث قامت القاعدة وابنتها العاقة (داعش) بالكثير من الخدمات لأعداء الأمة بزعزعة الأمن الداخلى عبر التفجيرات والاغتيالات، ودمّرت البلاد وخربتها كالصومال وأفغانستان، وآذت العباد والأبرياء كما في سوريا والعراق، وضربت أمن وسلامة الدعوة الإسلامية في العالم كله، ثم حاربت المخلصين والشرفاء من العلماء والدعاة والمجاهدين والثوار باسم محاربة المرتدين وتطبيق الشريعة!
إن هذا الحال الصعب والمركب والذي تحفّه الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الداخلية مع الصراع الهائج بين السلطة والمعارضة هو مما يزيد الأمر بؤساً وشقاءً.
وفي كثير من البلاد يساهم غياب أو قصور دور القيادة الرسمية أو الشعبية في توعية الناس بمصالحهم ومصالح أمتهم الحقيقية في تضارب أمزجة الناس وتصادم جهودهم، مما يزيد الطينة بلة بسبب غياب الوعي عن تلك القيادات أصلا أو بحثها عن مصالحها الخاصة أو قصيرة المدى.
وفي خضم هذه التحديات والواقع المعقد لا بد للمسلم الصالح من أن يكون ذا موقف سليم وصحيح يرضي به ربه ويخدم نفسه وأمته حتى لو كان التيار الغالب لا يدرك الحقيقة ولا يرى الصراط المستقيم.
فالواجب على المسلم الصالح أن يكون يقظاً منتبهاً لمصلحة الدين، التي هي مصلحته الشخصية ومصلحة المجتمع والدولة، فلا ينخدع بمشاريع العدوان العسكرية والسلمية والفكرية والإعلامية على بلاد المسلمين، بل ينتبه لمكايدها وشرورها.
فلا ينخدع بدعايات اليهود ولا الروس ولا الإيرانيين والأمريكيين، فهم لا يبحثون إلا عن مصالحهم على حساب مصالحنا، ولكن بسبب تعقد الأوضاع وضعف دول الإسلام فإنه قد يضطر المسلمون لبعض المهادنات والمساومات لتقليل الخسائر أو تفتيت صف الأعداء، ولنا في تفكير النبي صلى الله عليه وسلم عندما عرض على اليهود يوم الأحزاب والخندق ثلث ثمار المدينة منهج وقدوة.
ولكن إذا جاز التهادن مع الأعداء سياسيا وعسكريا فإن ذلك لا يجوز على صعيد العقيدة والدين، "لكم دينكم وليَ دين"، ومن هنا تأتي أزمة كثير من الساسة في بلادنا، الذين يخلطون بين القضيتين، ويجعلون من رفض العلماء والدعاة لكسر حواجز دين الإسلام لصالح الآخرين نوعا من التطرف والتشدد أو التخلف والرجعية، ولذلك على الساسة تقبل موقف العلماء وتطبيق نظرياتهم بالتعددية الفكرية والحرية تجاه العلماء وعدم قصرها فقط على تبرير وجود ونشوء الأفكار السيئة في مجتمعاتنا! وعلى العلماء والدعاة الثبات على موقفهم لكن مع التيقظ والوعي لعدم وقوع صدام من بعض المتهورين أو المندسين، وهم كثر في عصرنا.
ومواجهة الأفكار الضالة والمنحرفة يجب أن تكون بعلم وحكمة وعلانية وعبر السبل القانونية والرسمية، ولو أحسن العلماء والدعاة توظيف الأدوات القانونية والرسمية والتركيز على كسب الجمهور لتبنوا آراءهم ومواقفهم وحققوا الكثير من الإنجازات وقطعوا الطريق على المزاودين من الشباب المتهور والجاهل والميال للعنف، وأيضا من أصحاب الشعارات العاطفية المؤججة للشارع دون تقديم بدائل وحلول.
ومما يساعد على عبور هذه المرحلة بأقل قدر من الخسائر وأكبر قدر من المكاسب، السعي للتكامل والتكاتف على صعيد العلماء والدعاة والهيئات والمجاميع الشعبية، سواء كان ذلك تكاملا مباشرا متفقا عليه أو عبر عدم التصادم وتوزيع الأدوار والتنافس في مجالات متنوعة بدلا من التصادم في نفس المجال!
فأبواب الخير المطلوبة لنهضة الأمة كثيرة جداً ولن يطيقها فرد أو جماعة أو تيار لوحده، والساحة تسع الجميع، والإمكانيات قليلة فلماذا نتصارع؟ لماذا لا نفكر بعقلية هارون الرشيد حين قال: امطري حيث شئتِ فإن خراجك سيأتيني! ونحن كذلك، فجهد أي داعية أو عالم أو جماعة أو مؤسسة سيكون قوة لصالح الإسلام طالما أنه من أهل الحق بالجملة وليس من أهل الباطل الصرف أو من يغلب شره خيره، ولنا في سيرة العلامة ابن باز رحمه الله في التعاون مع أهل الخير عموما مثال وقدوة، ولم يمنعه ذلك من تنبيه من أخطأ منهم على خطئه بعلم ورحمة ومحبة.
كما يجب على أهل العلم والدعوة والخير تشجيع كل عمل وجهد صواب يخدم الدين والأمة مهما كان فاعله، فليس المهم أن نقوم نحن بعمل الخير بقدر ما أن المهم هو وقوع وحصول الخير، ولذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لو عُرض عليه حلف الفضول مرة أخرى في الإسلام لقبله وشارك به لأنه عمل خير وحق، وقد شكر اللهُ عز وجل لبغي سقت كلبا وأدخلها الجنة.
ومن مجالات التكامل المطلوبة لنهضة الأمة التكامل بين العلماء وأهل الخير والجماعات الصادقة وأهل الحكم والسلطة، بالنصيحة الصادقة والتأييد للمواقف السليمة، فإن النزاع والشقاق بين أهل السلطة وأهل الدين -أفرادا وجماعات- هو غاية الأعداء، فهل نعينهم بأيدينا؟
واستئثار الساسة بالقرار أو الأموال طبيعة البشرية منذ أن خلقها الله عز وجل، والتنازع والتصارع غالبا لا يأتي بخير ويخرّب الأوضاع القائمة ويزيدها فسادا وظلما، ونحن في زمان لا نملك فيه الحصول على الحق التام، فالحكمة الحكمة بتقديم التكامل في مواقف الصواب والنصيحة في مواقف الخطأ، والثبات على الحق مع الصبر والتأني كفيل بالتغيير للأفضل غالبا بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق