الاثنين، 9 أكتوبر 2017

استعمار الوساطة.. حيثيات الدور الفرنسي الجديد في ليبيا

استعمار الوساطة.. 
حيثيات الدور الفرنسي الجديد في ليبيا

أيمن الرشيد
مترجم
مقدمة المترجم
إن التدخل العسكري الذي قام به كل من الناتو والاتحاد الأوروبي أنقذ الليبيين من بطش القذافي بعد اندلاع الثورة في بلادهم. تدخل لولاه لأصبحت ليبيا مثل سوريا تعاني من حربها مع النظام الفاسد. ملايين اللاجئين ومئات آلاف الضحايا الأبرياء كان نتاج عدم تدخل المجتمع الدولي في سوريا.
 لكن السؤال هنا: ما هي نوايا التدخل الأوروبي؟ وهل حقًا التدخل الأوروبي العسكري نجح في تحرير ليبيا من أغلال الحرب؟ وما هو الغرض الذي أرادت فرنسا أن تحققه من تدخلها السياسي والدبلوماسي في ليبيا؟ أسئلة نجد إجاباتها في هذا التقرير.

نص التقرير
توصل فايز السراج، رئيس الوزراء الليبي في حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، وخليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وبدء الانتخابات الوطنية الليبية في أقرب وقت ممكن. وكان الاتفاق نزولا عند دعوة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بتاريخ 25 (تموز/يوليو) 2017 لإجراء حوار سلمي بين الأطراف المتناحرة بتاريخ.

وهو ما دفع العديد من الصحف المحلية والعالمية للاحتفاء بالنجاح الدبلوماسي الذي حققه الرئيس الشاب. لكن الحقيقة أن قيام فرنسا بإدخال حفتر على خط الحوار السلمي سيمنحه فرصة السيطرة على كامل ليبيا، برغم الدعم الذي يوفره الاتحاد الأوروبي والناتو لحكومة الوفاق الوطني، وهو ما سيضاعف من تأزم الحرب الأهلية المشتعلة هناك.

صعود صقور فرنسا

جاءت نبرة ماكرون المؤيدة لحفتر متسقة مع السياسة الفرنسية السابقة في ليبيا. منذ بداية 2015 كانت فرنسا تدعم نظام حفتر عن طريق إرسال خبراء، وعملاء سريين، وقوات خاصة إلى شرق ليبيا. في (شباط/فبراير)، 2017 أفاد حفتر في مقابلة مع إحدى الصحف الفرنسية أن فرنسا تقوم بتوفير الدعم لنظامه "لدواع أمنية وأخلاقية". إلا أن الحكومة الفرنسية انتظرت حتى مقتل ثلاثة من جنودها قرب بنغازي في تموز/يوليو، قبل الإعلان الصريح عن هذا الدعم.  


يُعتبر وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، بطل حفتر في باريس. فقد شغل منصب وزير الدفاع في حكومات فرانسوا هولاند ما بين عامي 2012-2017. في ذلك المنصب، كان لودريان وسيلة فرنسا لاستهلال حقبة جديدة، والانتقال من السياسة الخارجية المتحفظة التي واكبت حقبة جاك شيراك (1995-2007)، إلى أخرى أشد حزما وتدخليّة في السنوات الأخيرة. عندما يتعلق الأمر بأفريقيا والشرق الأوسط، نرى أن فرنسا قطعت شوطا طويلا منذ معارضتها الحمائِمية غزو العراق مطلع الألفية الثانية.


تنقسم هذه السلالة الجديدة من صقور فرنسا إلى معسكرين متنافسين. الأول، ممثلا بساركوزي، وهولاند في بواكير سنوات حكمه، يؤيد تعزيز الديمقراطية الليبرالية بما يتضمنه ذلك من تغيير للنظام. هولاند، على سبيل المثال، لم يتطرق أمام الجمهور إلى قرار ساركوزي الإطاحة بنظام القذافي في 2011. وكان من أوائل الداعين إلى تدخل غربي عسكري للقيام بالأمر ذاته مع نظام الأسد في سوريا. أما المعسكر الثاني أشد تشككا، وكما يعرّفون أنفسهم، أشد براغماتية. يفضل إدامة الاستقرار في الشرق الأوسط وأفريقيا ويضع أولويةً، السعي وراء مصالح فرنسا الوطنية، والمواجهة العسكرية مع الجهاديين، وتدشين حملات أيديولوجية ضدَّ الإسلام السياسي في الخارج.نتمي لودريان إلى المعسكر الثاني، الذي يبدو أنه وجد في ماكرون ضالته، فقد أدان ماكرون سلوك تعزيز الديمقراطية بوصفه "صنفًا من صنوف المحافظية الجديدة المستوردة من الخارج". عادةً ما ترجع الإشادة بمهمة لودريان في منصب وزير الدفاع إلى تدخله العسكري في (كانون الثاني/يناير) ضد الجماعات الجهادية شمال مالي. وهو نجاح تكتيكي، وإن لم يكن مكتملا، إلا أنه وفر الدعم لنهجه القائم على "الأمن-أولا". ومنذ 2015، مهدت سلسلة هجمات إرهابية على التراب الفرنسي، لبيئة تتمكن فيها سياسة فرنسا الخارجية من تجاهل مسائل حقوق الإنسان والمُثُل الديمقراطية دون إثارة احتجاج الداخل الفرنسي.


كان التخلي عن سياسة التدخلية الإنسانوية ملائما لـ لودريان، الذي نجح منذ عام 2013 في الدفع باتجاه دعم فرنسا للعديد من الحكومات القمعية، كحكومة إدريس ديبي في تشاد وحكومة دنيس ساسو نغيسو في جمهورية الكونجو. بالإضافة إلى أنه مكّن فرنسا من السعي وراء أهدافها التجارية قصيرة المدى، كما يظهر من دعمها المحموم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. في عامي 2015 و2016، قامت مصر بشراء 24 طائرة حربية من نوع "رافال"، وسفينتين حربيتين من نوع "ميسترال"، وبارجة حربية، وصواريخ تقدر بقيمة 5.2 مليار يورو. لترتفع أرباح فرنسا إلى ثلاثة أضعاف ما ربحته أثناء حكم ساركوزي. درّت هذه الصفقات على الخزينة 18 مليار يورو في 2015، و14 مليار يورو في 2016. في (أيلول/سبتمبر) 2015، أعلن لودريان صراحةً أن الرئيس السوري بشار الأسد هو عدو السوريين وحدهم، وهي جملة سوف يستخدمها ماكرون بعد عامين تقريبا.


خلال السنوات الخمس الماضية، قامت فرنسا بتوطيد علاقاتها مع بوركينافاسو وتشاد ومصر والأردن، ومالي وموريتانيا والنيجر. على سبيل المثال، تمتلك فرنسا قاعدة عسكرية في الإمارات منذ عام 2009. وبفضل تعاونها الحثيث مع السعودية في حربها ضد الحوثيين في اليمن تعرقلت مساعي حل الأزمة النووية الإيرانية. لقد وصلت علاقاتها مع السعودية إلى حد منح ولي العهد في 2016، الأمير محمد بن نايف، ميدالية ليون الشرفية.
من المغرب إلى كوت ديفوار ومصر وما بعدها، بدا أن رقعة التأثير الفرنسي على منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا آخذة في الاتساع. انطلاقا من هذه الشبكة الإقليمية، تبدو ليبيا محكومةً بحفتر، أو أي شخص آخر يعتنق ذات الأيديولوجية، هدفا من المنطقي بل والبديهي السعي وراءه. وبما أن ماكرون، كما يبدو، اعتنق نهج لودريان، فإنه لا يبدو بأن اتهامات جرائم الحرب الموجهة إلى حفتر، بالإضافة إلى نزعته اللاعلمانية واللاليبرالية، وحكومته المعسكرة، ستلقى آذانًا صاغية في باريس.
 
رياح مؤاتية

بالإضافة إلى السياسات الداخلية في فرنسا، هبت رياح الأجواء الدولية لتكون في صالح حفتر. حيث يتلاءم المارشال وجيشه الوطني الليبي، مدعومين من الإمارات ومصر والأردن وروسيا، مع النموذج الأمني الذي حددته السعودية والولايات المتحدة في قمة الرياض في (أيار/مايو) والقائم على تفضيل محاربة الإرهاب وحركات الإسلام السياسي على حساب الديمقراطية وحقوق الإنسان. قبل محادثات (تموز/يوليو) في باريس، أخبر ترمب وماكرون الصحافة أن "لدينا نوايا مشتركة حيال ليبيا"، ما يعني أن الولايات المتحدة منحت فرنسا الضوء الأخضر لتسلم زمام الأمور في ليبيا.


بالرغم من الدعم السابق لحكومة الوفاق الوطني من قبل أوباما إلا أن إدارة ترمب تراجعت عن التدخل في ليبيا. فرئيس وزراء أميركا ريكس تيليرسون صرح بسحب مبعوث أميركا الخاص من ليبيا. حيث إن هدف أميركا الوحيد من وجودها في ليبيا هو وقف التغلغل العسكري لداعش فيها. بعيدًا عن مهمة أميركا المحدودة في ليبيا والتي تضمنت عددا قليلًا من قواتها العسكرية فإن أميركا قانعة بتدخل حليفتها فرنسا وبالطريقة التي تناسبها.

 كان إيقاف دعم حكومة الوفاق الوطني في ليبيا من قبل واشنطن في صالح قوات حفتر. فبعد أن تبنت داعش الهجوم على الأقباط المسيحيين في مصر، قامت القاهرة بقصف عدة جبهات معارضة لحفتر على أساس أنها كانت موجهة ضد الجهاديين. لم تعرب الولايات المتحدة عن قلقها حيال ما فعلته مصر، بل إن لودريان دعم الجهود المصرية العسكرية. كذلك لم تستنكر فرنسا دعم الإمارات لحفتر بالأسلحة وبناء قاعدة جوية شرق ليبيا.


التدخل الدولي
باريس مصرة على إنجاح الاتفاقية الوطنية الليبية المدعومة من قبل الأمم المتحدة لكنها تؤمن بتعديل بعض بنودها. فهذه الاتفاقية تدعو إلى الحل العسكري في ليبيا على أن تكون القوى العسكرية تحت قيادة المواطنين الليبيين أنفسهم. وتدعو أيضًا لمشاركة جميع الأطراف السياسية في الحل الدبلوماسي تجنبًا للحرب الأهلية. مع ذلك، فإن قيادة فرنسا لهذه الاتفاقية تبدو غير فعالة إلى الآن، فقد فشلت في جذب جميع الأحزاب السياسية في محادثات السلام في باريس شهر يوليو الماضي. أيضًا، لم يطالب ماكرون حفتر بأية شروط، بل ساواه بسراج ورحب بجهوده العسكرية.
التدخل المنحاز لطرف دون آخر في ليبيا هو أحد أسباب تمدد الصراع الوطني داخل البلاد. وحده التدخل الدولي سيمنع انجراف ليبيا إلى نزاع أهلي
رويترز
 
التدخل الدبلوماسي الذي قامت به فرنسا جعل من حفتر شخصية مرحبا بها من قبل المجتمع الدولي، ودعمت حملته العسكرية التي دامت في ليبيا لأربعة شهور. وسياسة فرنسا اليوم أشبه بسياسة الإمارات البارحة حين استضافت الحكومة الإماراتية سراج وحفتر في مايو الماضي واستبعدت منافسي الأخير ورحبت به كرجل دولة. كل من أبو ظبي وباريس دعم الانتخابات الليبية المستقبلية في ربيع 2018 للتهرب من الحوار الفعال بين الأطياف السياسية الليبية.

التدخل المنحاز لطرف دون آخر في ليبيا هو أحد أسباب تمدد الصراع الوطني داخل البلاد. وحده التدخل الدولي سيمنع انجراف ليبيا إلى نزاع أهلي. بالرغم من عدم امتلاك فرنسا القوة الكافية إلا أنها لم تمتنع عن التحيز لصالح حفتر. وكنتيجة لذلك، سيزداد التدخل الأجنبي في ليبيا وسيصعب على البلاد تجنب هذه المرحلة الانتقالية. 

مترجم عن: (فورين أفيرز)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق