معني الحوار بين الأديان
لقد تزايدت في الفترة الأخيرة الأخبار والكتابات حول "الحوار بين الأديان"، وتولى الأزهر إقامة المؤتمرات ورتب لمؤتمر في مطلع هذا العام ، دُعي إليه بكل أسف البابا فرانسيس، وأقول "بكل أسف" لما يقوم به ذلك البابا من محاولات مستميتة لتنصير العالم. فهو مثله مثل الباباوان السابقان وثلاثتهم مجبرون على تنفيذ قرارات مجمع الفاتيكان الثاني، الذي حدد "الحوار بين الأديان" كوسيلة لإقتلاع الإسلام ولتنصير العالم.
يقبل القرآن .. ويقتلع الإسلام .. منتهي النفاق
ولا يسع المجال هنا لنورد كل المراجع الكنسية التي تتضمن شرحاً لمعنى: "الحوار" من وجهة النظر الفاتيكانية أو توجيهات لكيفية تنفيذه ، لكنَّا نشير إلى أهم هذه الوثائق. ففي شهر ديسمبر عام 1984 أصدر البابا يوحنا بولس الثاني نصا إرشادياً بعنوان: " بشأن المصالحة والتوبة في رسالة كنيسة اليوم "، وهو خطاب رسولي يقع في 128 صفحة، مكوّن من ثلاثة أجزاء، نطالع في الفصل الأول من الجزء الثالث منه موضوعاً عن "الحوار"، هو البند رقم 25، ويقع في ست صفحات، ومما جاء فيه: لقد تم إنشاء "المؤتمر العالمي للأديان" من أجل السلام، سنة 1970، ويعد أكبر تحالف دولي لممثلي الديانات الكبرى في العالم من أجل خدمة السلام ، كما يقولون. وفى 6 يناير 2009 افتتح الدلاى لاما مؤتمرا لحوار الأديان تحت عنوان "حوار الأديان ، "سمفونيات عالمية".. وقد تناول هذا المؤتمر بحث الوسائل الممكنة لمعالجة الخلافات بين الديانات الكبرى.
* إن الحوار بالنسبة للكنيسة هو عبارة عن أداة ، وبالتحديد عبارة عن طريقة للقيام بعملها في عالم اليوم.
* إن المجمع الفاتيكاني الثاني قد أوضح أن الكنيسة هي علامة لتلك الأخوة التي تجعل الحوار الصريح ممكناً وتزيده قوة ، وذلك بمقتضى الرسالة التي تتميز بها ، وهي : إنارة الكون كله ببشارة الإنجيل ، وتوحيد البشر بروح واحدة.
*أن الكنيسة تستعمل طريقة الحوار لكي تُحْسِنَ حمل الناس على الارتداد والتوبة سواء أكانوا أعضاء في الجماعة المسيحية بالتعميد والاعتراف بالإيمان ، أم هم غرباء عنها ، وذلك عن طريق تجديد ضميرهم وحياتهم تجديداً عميقاً في ضوء سر الفداء والإخلاص اللذان حققهما المسيح ووكلهما لخدمة الكنيسة .
* أن الحوار الصحيح يرمي – إذن وأولاً – إلى تجديد كل فرد بالارتداد الباطني والتوبة ، مع احترام كل الضمائر، اعتماداً على الصبر والتأني والتقدم خطوة خطوة وفقاً لما تقتديه أحوال الناس في عصرنا.
ويـُعد الخطاب الرســولي المعنون "رســالة الفـــادي" من أهم النصوص التي أصدرها البابا يوحنا بولس الثاني، إذ أنه يلقي مزيداً من الضوء على ما يدور من أحداث في مجال تنصـير العالم . وتكمن أهمية هذا الخطاب الصادر عام 1990 في نقطتين أساسيتين: فهو من ناحية يُعرب عن موقف البابا من الديانات غير المسيحية ، وخاصة من الإسلام ؛ ومن ناحية أخرى يتضمن ما أخفاه البابا من تحريف جـديد لمعنى ما يطلقون عليه "فــداء المســيح" وربطه بين ذلك " الفــداء" وبين كل فرد في العالم وبلا استثناء (البند 14) !.
وكان لا بد من البدء بتوضيح هذه الجزئية تحديدا لأنها الخط الأساسي حاليا في مجال الحوار الفاتيكاني. فكثيرا ما نطالع عبارات من قبيل "لقد حاولنا محاربة الإسلام قرونا طويلة لاقتلاعه وفشلنا، فلنترك الخلافات جانبا ونبحث عن المشترك وتفعيله وستخبو الخلافات وحدها" . وهو ما يوضح محاولة تغيير شكل الصراع ، والهدف واحد لا يتغيّر، فالغرب المسيحي المتعصب هو الذى لا يكف عن محاولات اقتلاع الآخر بل ولا يكف عن ترديد ذلك وإلا فما معنى عبارة "تنصير العالم" ؟
وتقع "رســالة الفـــادي" التي نحن بصددها ، في مائة وأربع و أربعين صفحة ، وتتكون من ثمانية فصول ، تشتمل على واحد وتسعين بنداً . وإن لم يكن موقـف المؤسسة الكنسية من الإسـلام بجــديد ، فإن مغـزى الإضافة الجـديدة التي أجراها البابا على ما يطلقون عليه "فــداء المســيح"، أي تضحيته بنفسه من أجل التكفير عن المسيحيين من ذنب "الخطيئة الأولى" ، يُمثل تحديا لا سابقة له فيما يتعلق بموقف الفاتيكان من المسلمين : إذ أفصح البابا عن أحد قرارات مجمع الفاتيكان الثاني، الذى كان يتم تداوله سرا و تعتيما ، وأعلن رسميا فرض المساهمة في عملية التنصير على كافة المسيحين ، فقد كانوا يتناقلونها صمتا فيما بينهم، أما بهذا الخطاب الرسولي فقد اصبحت معلومة متداولة، و لـم تعــد قـاصرة على رجال الإكليروس وفــرق المبشـرين وإنما على كافة المسيحيين أياً كانت عقيدتهم ...
وقــد قــال أحـد المعلقين البروتستانت وهو أمريكي الجنسية ، يُدعى جرلي أندرسون ،"أن هذا الخطاب يمثل نقطة تحول جديدة، بل إنه يعد أكثر نقطة انطلاق محملة بالآمال لمستقبل اللاهوت الكاثوليكي وللإرساليات التبشيرية" ، وهذه الآمال تعتمد على استخدام كافة المسيحين في عملية التنصير. إذ نُطالع في البند 2 : "إن الرسالة تعني المسيحيين جميعاً والابرشيات والرعايا والمؤسسات والمجمعات الكنسية كلها". ولا يقتصر فرض البابا على هذا النحو، وإنما نطالع في نفس بقية البند، من الخطاب: "إلزام كل الكنائس الخاصة ، وحتى الكنائس المحلية على استقبال المرسلين وإرسالهم لطمأنة غير المسيحين وبخاصة السلطات المدنية في البلدان التي يتوجه إليها النشاط الرسولي ، إذ إن غايته واحدة، هي خدمة الإنسان بإظهار محبة الله التي في يسوع المسيح".
وخدعة الحوار لم تتوقف منذ القِدم ، فما إن خمدت الحروب الصليبية حتى بدأ الحوار بهدف محاصرة الإسلام عن طريق الإرساليات التبشيرية، وهو ما كان قد أعلنه بطرس المبجل (1092 - 1156) ، فهو رائد الحوار بين المسيحية والإسلام في الغرب، إذ قال للمسلمين: "إنه لن يبدأ حرباً صليبية جديدة بالسلاح وإنما بالكلمات". الأمر الذي يكشف عن حقيقة معنى الحوار في المسيحية منذ لحظاته الأولى. ذلك الحوار الذي بدأه نفس ذلك القس المبجل مع "مسلمي إسبانيا وتمخَّض عن إبادتهم جميعاً وإلقاء الإسلام بعيداً عن إسبانيا" على حد وصف (جوليان رييس في صفحة 245) من كتابه المذكور.
وتبدأ مجموعة وثائق الفاتيكان المتعلقة بالحوار في العصر الحديث بما كتبه الكاردينال موريلا (Morella) تحت عنوان "توجيهات من أجل حوار بين المسيحيين والمسلمين". والكاردينال موريلا من الذين ساهموا في أعمال مجمع الفاتيكان المسكوني الثاني (1962-1965)، وقد تم اختياره يوم 19 مايو 1964 ليترأس أمانة سر لجنة الحوار مع غير المسيحيين، التي تفرعت منها بعد ذلك اللجنة البابوية للحوار مع المسلمين . وفى 15 يونيو 1969 أصدر كتابا من 161 صفحة، يتضمن توجيهاته الصريحة للكنسيين العاملين في مجال الحوار مع المسلمين . والكتاب مكوّن من ستة فصول، عناوينها كالآتي: "موقف المسيحي في الحوار؛ معرفة القيم الإسلامية ؛ مختلف الذين نحاورهم من المسلمين ؛ كيف نستعد للحوار؛ أبعاد الحوار الإسلامي-المسيحي؛ عقيدة المسيحي المشترِك في الحوار".
ونورد فيما يلي مقتطفات من هذه التوجيهات ، – علّها تعاون المسلمين ، على الأقل المشاركين منهم في لجان ذلك الحوار المخادع ، رؤية الوجه الآخر للحوار الكنسي مع المسلمين، وهي لعبة قائمة على التلاعب بالألفاظ والغدر من أجل التنصير:
* هناك موقفان لابــد منهما أثناء الحوار: أن نكون صرحاء وأن نــؤكد مسيحيتنا وفقاً لمطلب الكنيسة.
* أخطر ما يمكن أن يوقّــف الحوار: أن يكتشف من نُــحاوره نــيتنا في تنصيره ، فإذا ما قـد تم استبعاد هــذا الموقف بين الكاثوليكي وغير الكاثوليكي فإنه لم يُستبعد بعد بين المسيحي والمسلم ؛ وإذا ماتشكك من نــحاوره في هــذه النية علينا بوقـف الحـوار فـوراً مؤقتا ً، وهــذا التوقف المؤقت لا يعـفينا من تأكيد مواقفنا بوضوح .
* سيفـقد الحوار كل معناه إذا قــام المسيحي بإخفاء أو التقليل من قيمة معتقداته التي تختلف مع القــرآن.
* إن الحضارة التقنية تُــهـدد الإسلام اليوم أكثر من أي وقت مضى ، وعلينا أن ننـتـقد في الإسلام ما يمـثل مساساً بالـحرية الشخصية.
* لايجب على المسيحي أن ينـاقـش مصداقية أو أصالة الحـديث النـبوي فـلن يستمع إليه أي أحـد.
* إن عــدم ممارسة المسلم لأركان الــدين الخمسة لا تعني أنه لا يتمسك بـدينه.
* على جمـيع المسيحين تفـادي الحــديث عن مُـحمد أثنـاء الحـوار بأي استخفاف وعـدم كشف أنهم يحـقرون الإسلام أو ما يحيطون به مـُحمد من تبجــيل.
* علينا بعـدم التـوغـل في خـلافــات الـمذاهب الإسلامية وألا نـفاضل بينها فالكنيسة هي التي تقـوم بذلك من خـلالنا وبواسطتنا.
* أن العـالم الإسـلامي في كل البلدان يسير نحـو الحداثة ويبحث عـن نماذجه في الغرب الأوروبي أو الأمريكي، وهـذا البحث عـن الثقافة الغربية وأنماطها خـير أرضية للحـوار؛ وأول فئة يجب التركيز عليها هـم الطلبة الـذين يـدرسون بالخارج إذ عادة ما يكونوا قـد بـدأوا يتحررون من إسلامهم، فعلينا احتضانهم ومعاونتهم على العثور على الإيمان بالله دون أي انتقادات.
* من أهــم عقبات الحـوار ما قـمنا به في الماضي ضد الإسلام والمسلمين، وهذه المحاورات عادت للصحوة حالياً ، وقد أُضيفت الآن قضية إسـرائيل وموقف الغرب منها ، ونحن كمسيحين نعرف ما هي مسئوليتنا حيال هـذه القضية وعلينا أن نبحث دائماً عن توجه إنساني خاصة أن حـل هـذه المشكلة ليس في أيدينا.
* على المسيحين الاستماع إلى ما يتم في الإسلام حالياً من تحديث بلا تعليق ومتابعة ما يتم في مجال التحديث للمجتمع المدني – وذلك ما يسعدنا.
* في أي حـوار يجب على المسيحي أن يقـنع المسلم بأن المسيحية قـائمة على التـوحيد وألا يناقش أية تفاصيل فـأي كـلام سيقوله المسيحي تبريـراً للعقيدة لن يمكنه أن يقنع به المسلم الـذي لا يـرى في الثالوث إلا المساس بالتوحيد ، ويستند في ذلك إلي سورة التوحــيد (الأخلاص) .
* وقـد أعـطى الكاردينال كـونج محاضرة في الأزهــر في 31 مـارس 1965 حول الطابع المطلق للتوحيد في المسيحية وإنـه إلــه واحــد ، وكــم كانت دهشة الحاضرين كبــيرة وسعادتهـم أكبر وهــم يسمعون أحــد كبار كــرادلة الكنيسة يــؤكـد ذلك ، ولا يجب فهم هـذا الموقف على إنه إنكار للعـقيدة المسيحية أو أن المسيحي عليه أن يتـناسى عقيدته وأسـرارها وخاصه أسـرار الخلاص: إن ذلك ليس إلا تكتيـكاً يـخدم أغـراضنا ، لأن الله واحــد ، لـكنه واحــد في ثلاثـة أقـانيم ، وهـكذا سيقوم المسلم بفـهم الكنيسة وتقبلها.
* أفضل وسيلة لشرح طبيعة الكنيسة هــو وضعها في إطــار عـالميتها ومطالبتها بـوحـدة الناس جميعاً لخـدمة الله وهكـذا فإننا نقترب من مفهوم مجمع الفاتيكان الثاني.
* يجب الاعتماد على الغرس الثقافي ، ولا يجب إغفال الدور الذي يقوم به الغرب في العالم الثالث من تغيير حضاري .
ولعل هذه الشذرات ، وهي شذرات من زخم جد كثير، ان توضح للمسلمين جميعا ، أيا كانت أعمارهم وخاصة للمسئولين الذين ينساقون في لعبة وخديعة الحوار مع لجان الفاتيكان ، أن يدركوا ان المطلوب منهم هو التلاعب بالإسلام وتخريبه بأيديهم .
زينب عبد العزيز
30 اكتوبر2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق