الاثنين، 2 أكتوبر 2017

إلى الإخوان المسلمين.. هذا كتاب مرشدكم فاقرأوه

إلى الإخوان المسلمين.. هذا كتاب مرشدكم فاقرأوه

صلاح عبد المقصود  

وزير الإعلام في حكومة الرئيس محمد مرسي

* عاكف: قولوا للانقلابيين الذين يشككون في قوة الإخوان.. بيننا وبينكم الجنائز إذا مرت.

*
لم يخرج عاكف يوماً للإعلام متحدثاً عن خلافاته أو معاركه الإصلاحية داخل الجماعة مهما كانت حدتها وسخونتها.
* ما أشبه عاكف بابن تيمية.. كل منهما مات في السجن، ونال منه علماء السلطة، وقالوا عنه ما ليس فيه، ومع ذلك كان من علامات القبول عند الله أن خرج في جنازته ما لم يخرج في جنازة ملك أو سلطان.
* عاكف ينصح أبناءه: قوتكم في وحدتكم.. تناصحوا وتغافروا.. ولا تنازعوا.
* كان عاكف الذي حكم عليه بالإعدام في عام 1954، قد نجا من الموت ليعيش بعد قرار الإعدام لثلاثة وستين عاماً كانت كلها حياة في سبيل الله؛ لتختم بموت في سبيل الله أيضاً داخل السجن على أيدي نظام انقلابي لا يرقب في معارض إلاً ولا ذمة.
من حق الإخوان أن يرددوا قول الفرزدق عندما تفاخر بآبائه هاجياً غريمه جرير قائلاً له:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم ** إذا جمعتنا يا جرير المجامع!
لقد سطر التاريخ لكثير من رجال الإخوان ملاحم وبطولات ومواقف ومآثر.
لست هنا ممجداً لمن ابتلوا من الإخوان، فجزاؤهم عند الله تعالى، لكني أعرض باختصار لسيرة رجل منهم لم يسع للسجن، ولم يكن يحبه، ولم يستعذب المحنة، لكنها فرضت عليه التعايش معها؛ لأنه باختصار يعشق الحرية، وكأني به كان يهتف بشعار إضافي لشعارات الإخوان المعروفة فيقول: والحياة في سبيل الله أسمى أمانينا.
لكنه في الوقت نفسه كان دائم الدعاء، اللهم اختم لي بالشهادة، ويرجو أن تكون هذه الشهادة على أبواب الأقصى الذي تمنى أن ينال شرف المشاركة في تحريره من براثن الاحتلال الصهيوني.

(1)
الشهيد الحي
في الثاني والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، رحل الأستاذ محمد مهدي عاكف - المرشد العام السابع للإخوان المسلمين - شهيداً في سجنه بعد حياة حافلة بالمواقف التي ستبقى نبراساً لكل جيل يحمل قضية، ويجاهد من أجلها.
رحل المرشد الذي وصل عمره تسعين عاماً لم تشفع له، أو تبعد عنه تنكيل النظام الانقلابي في مصر، الذي اغتصب السلطة في يوليو/تموز 2013، وزجّ بمعارضيه في غياهب السجون، وكان على رأسهم الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، والمرشد العام للإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع، والمرشد العام السابع الأستاذ المجاهد محمد مهدي عاكف وغيرهم من قيادات الإخوان والأحزاب السياسية.
عاكف الذي وُلد بعد ميلاد جماعته بثلاثة أشهر فقط في عام 1928، والتحق بركبها في عام 1940، وكان عمره يومئذ لم يتجاوز الثانية عشرة، وشارك مع جماعته في مقاومة الاحتلال الإنكليزي في مصر، والصهيوني في فلسطين.
ذاق مرارة السجن في عهد فاروق الفاسد، وعصر عبد الناصر الفاشي، وعصر مبارك المستبد، ثم أخيراً عصر الانقلابي عبد الفتاح السيسي، وكان تجسيداً لتاريخ جماعة ناضلت وبذلت التضحية في كل العهود، ولم تبدل أو تساوم.
كان عاكف الذي حُكم بالإعدام في عام 1954، قد نجا من الموت ليعيش بعد قرار الإعدام لثلاثة وستين عاماً كانت كلها حياة في سبيل الله؛ لتختم بموت في سبيل الله أيضاً داخل السجن على أيدي نظام انقلابي لا يرقب في معارض إلاً ولا ذمة.
كان الشيخ الكبير (عاكف) قابعاً في سجن العقرب -سيئ السمعة- لثلاث سنين، محروماً من الدواء أو الغذاء الصحي، أو الهواء النقي؛ لينقل بعدها إلى سجن طرة، وعندما ساءت حالته الصحية نقل لتلقي العلاج على نفقة أسرته، لكن بعد أن تمكن المرض من جسده الضعيف، ولم يوافقوا على طلب محاميه - والعديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية - بالإفراج عنه على ذمة القضية التي يحاكم فيها، وهو في حكم القانون بريء لم تثبت إدانته بعد، ومن حقه الإفراج.
كما أن القُساة غلاظ القلب لم يوافقوا على طلب زوجته السيدة وفاء عزت بالسماح لها بعيادته لساعة كل يوم؛ كي تقدم له بعض الرعاية الضرورية لمن هو في مثل عمره ومرضه.
إنه حسن الختام لرجل بذل حياته مجاهداً، خادماً لدينه ووطنه، وأبى الله إلا أن تكون نهايته شهادة في سجون الظلم، لا على فراش بيته كما يموت البعير!
(2)
بيننا وبينكم الجنائز
كأني به كان يردد مقولة الإمام أحمد بن حنبل:
"قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم الجنائز حين تمر..".
فكانت جنازة ابن حنبل تفوق جنائز الملوك والسلاطين والأمراء عدداً، كذلك كانت جنازة - أو قُل جنازات - عاكف!
لقد حرم النظام الانقلابي المصريين من تشييع جثمان عاكف الطاهر إلى مثواه الأخير؛ لمعرفتهم بشعبيته وحب الناس له، رغم محاولات إعلام الانقلاب تشويه صورة الرجل وتاريخ جماعته التي تصدر قيادتها لست سنوات.
لماذا لم يترك الانقلابيون الحرية للشعب في تشييع جنازة المرشد أو الصلاة عليه، وقد كانت فرصتهم ليثبتوا صحة ادعائهم بأن شعبية الإخوان قد تآكلت، وها هي الجنازة التي تعد نوعاً من أنواع الاستفتاء على الرجل وجماعته كانت فرصة، كما قال الإمام أحمد؟!
ولماذا يمنع شيوخ السلطة بوزارة الأوقاف المصرية صلاة الغائب على الفقيد، إلا إذا كانوا يعلمون أن الصلوات ستفضحهم، وتظهر كره الناس للانقلاب ورفضهم له.
لقد أبى الانقلابيون إلا أن يدفنوه في الواحدة صباحاً، ولم يمشِ في جنازته إلا أرتال المدرعات والمصفحات، وجنود الجيش والشرطة المدججون بالسلاح.
ولم يسمحوا لأحد أن يصلي على قبره إلا لمحاميه، وزوجته وابنته وحفيدته.
لكن الاستفتاء على المرشد كان عالمياً، في تلك الصلوات التي أقيمت في كل مدن فلسطين وفي المسجد الأقصى بالقدس التي عشقها عاكف، وفي كل المدن التركية وجامع الفاتح بإسطنبول، وغيره من المساجد.
إضافة إلى تلك الصلوات التي أُقيمت على روح الفقيد في معظم دول العالم، ومجالس العزاء التي فتحت لذكر سيرته ومسيرته والدعاء له.
إن هذه الأعداد الهائلة التي خرجت تصلي على المرشد تذكرني بشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية الذي توفي بسجن القلعة بدمشق، لكنه لما مات "اجتمع الناس لجنازته اجتماعاً لو جمعهم سلطان قاهر وديوان حاصر لما بلغوا هذه الكثرة التي اجتمعوها في جنازته وانتهوا إليها.. هذا مع أن الرجل مات بالسجن، محبوساً بأمر السلطان، وكان كثير من الفقهاء والفقراء يذكرون عنه للناس أشياء كثيرة، ينفر منها طباع أهل الأديان، فضلاً عن أهل الإسلام"، كما ذكر المؤرخون.
ما أشبه عاكف بابن تيمية! ألم يشوه إعلام السيسي تاريخ الرجل وجهاده وعطاءه؟
ألم يقُل فيه علماء السلطة وشيوخ الشرطة ما ليس فيه ظلماً وبهتاناً؟
لكن كيف كان حكم الناس، وخروجهم حول العالم بهذه الصورة المبهرة؟
أليست علامة من علامات القبول؟ نحسبها كذلك والله أعلم.

لقد أعلى الله ذكر عاكف في الأرض، وحط من ذكر شانئيه، الذين سيقذف بهم في مزبلة التاريخ.
كيف هو اليوم ذكر ابن تيمية، وكيف ينتفع بعلمه وفقهه وسيرته؟
هل يعلم أحد منا أسماء من حبسوه وشوهوا صورته وسيرته؟!
(3)
تاريخ جماعة في سيرة رجل
عاكف الذي وُلد مع ميلاد جماعته، ونشط مع إخوانه مبشّراً بدعوته في المدارس ثم الجامعات، ولبّى نداء داعي الجهاد لمقاومة الاحتلال الإنكليزي في مصر، والصهيوني في فلسطين.
كان مشرفاً على معسكرات التدريب في جامعة إبراهيم (عين شمس حالياً) لمقاومة المحتل، فلما رحل المحتل وتسلم السلطة نظام قيل إنه مصري سلّمه عاكف مفاتيح تلك المعسكرات معتبراً أن مهمته انتقلت إلى يد أمينة، وما هي بأمينة فقد امتدت لاعتقاله بسبب محاولته إنقاذ من كان له الفضل في طرد الملك فاروق من قصر رأس التين ( الفريق عبد المنعم عبد الرؤوف).
تهمة عاكف كانت جنحة عقوبتها ستة أشهر، لكن نظام عبد الناصر (الوطني) غيّر القانون، وغير توصيف التهمة وعقوبتها لتصل إلى الإعدام، وتطبيقها بأثر رجعي لتشمل عاكف وإخوانه الستة، وقد كان.
أُعدم الستة، ونجا عاكف؛ ليبقى في السجن لعشرين عاماً.
يخرج من السجن في عام 1974 ليعمل مديراً للشباب في وزارة التعمير والإسكان، ثم مرتحلاً إلى السعودية، ومنها إلى العديد من الأقطار.. باحثا عن الشباب.. واصلاً لهم بالله.. ثم إلى ألمانيا مساهماً في ترتيب أوضاع الجاليات الإسلامية في الغرب، ومساعداً في تنسيق جهود الإخوان المسلمين حول العالم.
يعود عاكف في عام 1986 إلى مصر؛ ليترشح في برلمان 1987، يجلس تحت قبة البرلمان، بعد أن نجاه الله من حبل المشنقة، ومكث في السجن لعقدين من الزمان.
عاكف يصبح مرشداً، وينقل جماعة الإخوان المسلمين إلى أفق رحيب، ويسهم في تثبيت اسمها وجعلها رقماً صعباً في معادلة السياسة لا يمكن تجاوزه.
عاكف يصبح أقوى رجل في المعادلة السياسية المصرية، يحقق إنجازات وانتصارات غير مسبوقة في تاريخ الإخوان، ومع ذلك يختار العودة من موقع القائد إلى صفوف الجندية!
عاكف يعتقل بعد الانقلاب، ويوضع في زنزانة قذرة تحت الأرض في سجن العقرب الملعون.
تسوء حالته الصحية، يعيش بين الحياة والموت، يساوم ليطلب الإفراج الصحي من الانقلابيين مغتصبي إرادة الشعب.
يرد عليهم بقوله:
"لم أفعلها وأنا شاب صغير عندما حكموا بإعدامي.. فهل أفعلها وأنا شيخ في التسعين أنتظر لقاء ربي كل لحظة؟!".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق