الاثنين، 23 أكتوبر 2017

إبتسامات سبع نجوم

إبتسامات سبع نجوم 

أحمد عمر

قال صديقي نوري: أشكُّ في أن الابتسامة في بلاد الفرنجة هذه إجبارية يا خال؟ حتى الموظف العنصري من البيغيدا يبتسم لك ابتسامة مجاملة.

فذكرني بالشيخ الحبيب الجفري بنيوبه دائمة البروز، فلا تظنن أنّ الذئب يبتسم.


قلت: قرأت أمس خبراً علمياً عن الطاقة التي تولدها الابتسامة في المبتسم والمبتسَم له، وتقول: إن لها مفعولاً سحرياً، وقدرة على شفاء الأمراض. في الإسلام الابتسامة صدقة، أي إنها من الإيمان، والصدقة من الصدق والتصديق، يثاب عليها المسلم، لكنْ المسلمون اليوم في عذاب ونكر.

قال: هل نحن كفار؟

قلت: إنا لمغرَمون بل نحن محرومون؟

ذكرت له أمثلة: انظر إلى محاسبي المحلات التركية (الكاشير)، لا يبتسمون، أما محاسب المحل الباكستاني بجانب مركز بوليس الأجانب فهو دائماً مشغول بالهاتف مع شخص ما، وغير متفرغ لعمله، وبضاعته غالية، وفيها بضائع فاسدة.. ولا يرد السلام، ولا الكلام.. ولا الابتسامة.

قال نوري: ابتسامته تحتاج إلى هيئة أمر بالمعروف، أو هيئة ترفيه.

قلت: أما الافرنجي، فهو مدرب، خضع لدورة تأهيل في حسن البيع، يرحب بك، ويذكر لك سعر المتاع لفظاً، ثم يعيد لك المتبقي من مالك لفظاً قبل أن يضع في يدك تذكرةً ورقية، شهادةً، بما اشتريت، وما يقابلها من أسعار، ويسألك ما إذا كنت تريدها، ثم يتمنى لك يوماً سعيداً، وهو يغنيها ملحنةً.

قلت له: إن سيدة ألمانية تحب البضائع التركية، طلبت مني، وقد رأتني أتحدث مع البائع التركي، وكان كردياً، فشفعتني لديه كي يبتسم، وكان عبوسه قمطريراً، ولم تكن لدي الجرأة على الطلب، فذكرت الأمر لأخيه، وكان من القوم المبتسمين، لكنه قال لي مبلساً منه: فالج لا تعالج.

وقلت: إن ثمة بائع في سوبر ماركت "أضنة" الكبير، في شارع أوبل، غاضب، تظن أن له ثأراً معك، طلبت منه بعد مناورات أن يبتسم من فضله للمشتري، فنظر إلي، ثم عبس وبسر وقال إن هذا إلا سحر يؤثر، ونفدت منه بريشي.

قال نوري: الموظفون الألمان هنا جميعاً يبتسمون، وكأننا في طائرة، وهم مضيفو طيران.

قلت: شاهدت مرة فلماً وثائقياً عن عارضات أزياء أندنوسيات، يعملن ست ساعات، ويجهدن في الابتسام حتى الإرهاق، فالابتسامة أقل إجهاداً من الضحك، لكن الابتسامة مجهدة، إذا كانت بالإكراه أو طويلة المدة.

قال: السيسي أكثر الرؤساء العرب كشفاً لانفعالاته، فهو يضحك حتى تظهر لهاته، وكأنه تعاطى حشيشة كيف، ويبكي وكأنه يشاهد الفلم الهندي ماسح الأحذية. مرسي سقط لأنه لم يكن يعر ف الابتسام.

قلت: لا.. سقط لأسباب كثيرة، أما السيسي، فلأن الرجل بائع، والبائع يحب أن ينفق بضاعته، وقد باع تيران وصنافير، وسيناء معروضة للبيع، والشعب المصري في البازار، الرجل عنده مواهب في التجارة والتسويق، سأذكرك بأن صلاح الدين الأيوبي لم يكن يبتسم.

سأل: ما السبب؟

قال: لن أبتسم والقدس أسيرة. الابتسامة حمامة في ساقها رسالة، والزعماء العرب يبتسمون للعدو، ويكشّرون في وجوهنا.

وقارنت مرة ثانية بحسرة، بين رجل الأمن الألماني، ورجل الأمن السوري.

قال: خال، المقارنة لا تجوز.. يجب أن تكون من جنسها، فالأمن الألماني من البشر سويا، والسوري من الجن ففسق عن أمر ربه.

سأل نوري: خال.. حافظ الأسد لم يكن يبتسم، ولم يكن يمزح أبداً، هل ذلك لأن القدس أسيرة؟

فضحكت.

الرجل كان يفكر في الهيبة، بشار عنده مشكلة تحقيق الذات والحضور، وهو يضحك كثيراً، من أجل التسويق والبيع.


وذكرت له أن الملك السعودي، استطرف أمس في روسيا منحه شهادة دكتوراه، والغرب يمنح الشهادات لرؤسائنا بالكيلو، وكأنها نوط شجاعة، أو أوسمة، وهم ليسوا بحاجة لها، فقال وهو ينال الشهادة: أنا الآن الدكتور سلمان، وكانت تلك لفتة غريبة وظريفة منه.

قال: لمَ منحوه الدكتوراه؟

قلت: لا أعرف، يبدو أنه تصرف بحكمة عندما تعطل السلم، فنزل بمجهوده الشخصي، وعبر الشط على مودك.

قال: خال، أقسم بالله، إن الحادثة مرت بسلام عادل وشامل، تصور لو أنّ الدرج الكهربي دار بالعكس، الأمر يستحق شهادة دكتوراه.

وتابع: خال، النساء هنا يبتسمن، موظفات وغير موظفات، بل يبادرنك بالتحية والسلام. خطبت عدة عرائس في الوطن، وأحضرت الهدايا وأسمعتهن عشرات النكات والنوادر، ولم يكن يبتسمن لنكاتي، التي تدغدغ الحجر من خصره، أحياناً كن يبتسمن ابتسامات صفراء، وليس وردية.

ما السبب خال؟

قلت: البنات عندنا مثل صلاح الدين الأيوبي، لا يبتسمن حتى لا يطمعن الذي في قلبه مرض.

قال: أنا في قلبي مرض؟ في قلبي حب يا خال.

قلت: الحب مرض، وإسعافه ليس في المشفى، وإنما في تسليم مفتاح قدسه للسيدة المحبوبة في القفص الذهبي.

قال نوري الذي عانى من بأس خطيباته الكثير: ولكن يا خال بعد أن تكون القدس قد تحولت إلى زريبة خنازير.

تدخل صديقنا "أبو البر" في الحديث، وقال: لجأت إلى ألمانيا، وسلّمت نفسي، وحقق معي رجل بوليس رقيق الحاشية، أرق من النسمة العليلة، تظنه من رقته أنه من بنات الخدور وربات الحجال، استمر التحقيق معي مرة أربع ساعات، مع ابتسامة، وشاي، والمحققة التي صاحبته كانت امرأة أجمل من تشارلز تيرون، وسألوا فيما إذا كنت أرغب في تقسيط التحقيق على أيام.

فشكرته، وقلت له وكررت الشكر: لم أرى ألطف منك.

فقال لي بعد أن أكثرت من مدحه: أتريد الحقيقة، أنا أمقت الأجانب اللاجئين، ولكن هذا واجبي!


الواجب يدفع الدولة الألمانية إلى ملاطفة الناس، لضمان ولائهم، وعدم دفعهم إلى العنف، والعكس في بلادنا.

سأل نوري: المهم، ما جواب سبب عبوسنا الدائم يا خال؟

قلت: لعله الجواب الذي أجاب به الجاحظ عندما سُئل عن سبب قطوبه الدائم: إن الذي يمنعني من الضحك، أن الإنسان أقرب ما يكون من البذل، إذا ضحك وطابت نفسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق