(عصام سلطان) يكتب من محبسه..
عصام سلطان
هل يجرؤ النظام على إجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة؟
بدءاً من إتاحة الفرصة للمرشحين وأنصارهم في الدعاية وتمكين المندوبين والوكلاء والاقتراع السري، تجريها حكومة إنقاذ وطني مؤقتة ومستقلة، تحت إشراف قضائي كامل ومراقبة حقوقية، ونهاية بإعلان نتيجتها دون تلاعب؟
سأفترض شرعية كافة الإجراءات التي اتخذها النظام خلال السنوات الأربع الماضية، من قرارات وقوانين وأحكام عاصفة بالحقوق والحريات، وسأفترض صحة ما صدر عن النظام من بياناتٍ وتصريحات ناسفة لكل صور التعذيب والقتل والتصفية الجسدية، حتى للباحث الإيطالي ريجيني.. وسأفترض أن عدد المعتقلين ليس مائة وخمسين ألفاً، وأن القروض لم تبلغ 92 مليار دولار، وأن الدولار ليس بعشرين جنيهاً، وأن رغيف العيش لم يبلغ جنيهاً.. بل إنني سأذهب لأبعد من ذلك بكثير، وهو أن الدستور الحالي لم تضعه لجنة معينة من عدلي منصور، المعين من وزير الدفاع السابق، بمعنى أنه ليس دستوراً لقيطاً.
سأفترض صحة ذلك كله لأعود لأصل السؤال: هل يجرؤ النظام على إجراء انتخابات حرة؟ ويمكن إبداء السؤال بطريقة أخرى: ما الذي يستهدف النظام تحقيقه أولاً حتى يجري انتخابات حرة؟ هل يريد مثلاً الارتفاع بأحكام الإعدام من 1600 حكم إلى خمسة أو عشرة آلاف؟ أو زيادة عدد المعتقلين إلى نصف مليون؟ أو توسيع قائمة الكيانات الإرهابية إلى عشرة ملايين اسم؟ أو مضاعفة القروض لأكثر من ذلك؟ أو الوصول بسعر الدولار إلى مائة جنيه؟ أو رغيف العيش إلى عشرة جنيهات؟ أو التنازل عن أرضسيناء كلها، وليس تيران وصنافير فقط؟ أو إعادة "تظبيط" الدستور اللقيط..؟
تصلني الأخبار باعتزام بعض الشخصيات البارزة الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.. منهم من سبق له الترشح عام 2012، ومنهم من لم يسبق له الترشح.. منهم العسكريون ومنهم المدنيون.. منهم الجاد ومنهم الكومبارس.. لا أستطيع التكهن بمن سيفوز، لكنني أستطيع الجزم بمن سيحصل على صفر كبير إذا ما أجريت انتخابات حرة.
يخشى النظام من المستقبل بكل احتمالاته.. ففي حالة تزويره الانتخابات، وبالتالي تحقيق طموحه في الاستمرار في الحكم، فليس أمامه إلا الاستمرار والسير في نفس الطريق الذي بدأه منذ أربع سنوات، وهو المؤدي عما قريب إلى انهيار مؤسسات الدولة.. بل انهيار فكرة الدولة في معناها ومبناها.. وفي حالة إجراء انتخابات حرة، وبالتالي سقوطه، فليس أمامه إلا الهروب خارج البلاد قبل إعلان النتيجة، وربما قبل بدء الانتخابات.. كل السيناريوهات مفزعة له.. وهو ما يفسر حركته المتوترة والمتشنجة والمتناقضة.. تفكيره في تعديل الدستور ثم العدول عن الفكرة ثم معاودة التفكير ثانية..
الذين خططوا ليوم 3 يوليو 2013 من الأطراف الأجنبية وممثليهم، باتريسون وأشتون وبرناردينو، لم يخطر ببالهم ما ستلقاه خطتهم من مصير.. اعتقدوا أن مرسي سيخضع بسرعة وينهار، وأن غبار مسرح 30 يونيو/حزيران بإخراج خالد يوسف سيُغطي ويخفي معالم المشهد كله، وأن صورة شيخ الأزهر وبطريرك الأقباط خلف وزير الدفاع سيشرعن فعلتهم في الأرض وفي السماء، وأن سحق المظاهرات وإبادة الاعتصامات هي بمثابة عملية بسيطة كشكَّة الدبوس، إلا أنه وبمجرد بدء تنفيذ الخطة تبيَّن خطأ حساباتهم تماماً.. فقد انكشفت الحقائق أمام الناس بالصوت والصورة، وتعرَّى كل من شارك فيها ولو بالصمت، وتبرأ منهم من استيقظ ضميره الوطني، وتراجعت الأطراف الأجنبية خطوات إلى الوراء إلاإسرائيل بالطبع، وبقي مرسي كما هو -شوكة في الحلق- لا يمكن الوصول إلى حل سياسي يحترم إرادة الشعب إلا من خلاله وبوجوده كطرف أصيل..
الطريق أمام النظام لتعديل الدستور مسدود.. أم المشكلات أمامه فهي الانتخابات.. هي الحلقة الواهية أو النقطة الأضعف في جسده المتهالك الراقد داخل غرفة الإنعاش.. لن يجد حلاً لعزوف الشعب بالكامل عن المشاركة أو التفاعل مع تلك الانتخابات.. فضيحة اللجان الخالية في الانتخابات الماضية ما زالت أمام عينيه حتى مع زيادة أيام الاقتراع.. لو زادها شهراً لن يذهب أحد..
تنقسم القوى السياسية إلى فريقين: فريق يرفض الانتخابات من حيث المبدأ.. مشاركة وتفاعلاً ونتائجَ، ومعظمه ممن يقف على أرضية رفض النظام كلية.. شكلاً ومضموناً.. جملة وتفصيلاً، وفريق ثانٍ يقف على أرضية 3 يوليو ممن كانوا مع النظام في بداياته ثم اختلفوا بعد ذلك، وهو الفريق الذي يحتمل أنه سيخرج منه المرشحون المنافسون للنظام..
أياً كان الأمر، وبصرف النظر عن صحة وخطأ المواقف السياسية، سابقاً أو لاحقاً، فإنه ليس أمام الفريقين إلا التعاطي مع الحدث لتحقيق أكبر استفادة عامة ممكنة، ربما تصل لإسقاط النظام من خلال الضغط.. والضغط الشديد.. على النقطة الأضعف.. نقطة الانتخابات الحرة.. هذه هي اللغة التي يفهمها العالم..
في صيف 2010 وقبيل إجراء الانتخابات البرلمانية في عهد نظام مبارك، نشرت جريدة المصري اليوم مقالاً لي، أعتب على الإخوان موقفهم وأدعو فيه القوى السياسية إلى مقاطعة الانتخابات، على حسب ما اتفقنا عليه داخل الجمعية الوطنية للتغيير بعد مداولات طويلة انتهت إلى أن أي مشاركة في الانتخابات ستُعتبر من قبيل إسباغ الشرعية على نظام مبارك الفاسد، ومن ثم تمكينه من إتمام عملية التوريث.. كان للإخوان المسلمين رأي آخر مخالف، وهو المشاركة في الانتخابات.. تمسك الإخوان برأيهم وأعلنوه لنا على لسان ممثليهم في الجمعية الوطنية.. عصام العريان ومحمد البلتاجي.. تعاملنا بشكل ديمقراطي يحترم كل منا إرادة الآخر ولا يحمله على رأيه.. دخل الإخوان الانتخابات.. تم تزوير الجولة الأولى بنسبة 100% لصالح النظام.. استدراك الإخوان موقفهم بسرعة وأعلنوا انسحابهم.. وقع النظام في حيص بيص.. استكمل التزوير.. سقط بعد أيام..
إذن تتعدد المواقف وتتباين، بل وتتغير من وقت لآخر بين الفرقاء السياسيين وربما داخل الفريق الواحد، لا توجد ثوابت أو مطلقات في السياسة.. المهم هو تعرية نظام الاستبداد.. كل بطريقته..
زيادة في الضغط والتعرية أمام العالم، وربما الإسقاط الكامل للنظام المستبد الفاسد، اقترح عليَّ صديقي المشاغب والمعتقل معي بالعقرب أن يعلن الإخوان الآتي:
[ما زلنا متمسكين بالشرعية وبموقفنا الرافض للحوار مع الانقلاب">الانقلاب، وبالرغم من غياب أكبر فصيل سياسي داخل المعتقلالت بما يقدح في أي انتخابات تجري في غيبته.. إلا أننا ليس لدينا مانع من الحوار حول كل الموضوعات التي من شأنها انتشال مصر من الضياع والفشل والإفلاس والاقتتال الداخلي مع الفائز في الانتخابات.. بشرط أن تكون حرة..]
بعد أن انتهى صديقي من هذه الكلمات قلت له: ستسومك إدارة السجن سوء العذاب.. وسيعتبرك بعض إخوانك من المفرطين في الثوابت..
سجن العقرب - أكتوبر 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق