الأحد، 1 أكتوبر 2017

المسألة الكردية: حتى لا يكون تقرير المصير أداة لتمزيق الأوطان العربية

المسألة الكردية: حتى لا يكون تقرير المصير أداة لتمزيق الأوطان العربية



عبد الله الأشعل

إسرائيل والاستبداد العربي هما آفة الدولة الوطنية العربية، وكلاهما يعتمد على الآخر بشكل مباشر أو غير مباشر.

فقد ظهر حق تقرير المصير في النقاط الأربع عشرة التي أعلنها الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون خلال الحرب العالمية الأولى، وكان يقصد بها تشجيع المكونات والأقليات العرقية والدينية للدولة العثمانية على الانفصال وتفكيك الإمبراطورية، وذلك قبل أن يُهزم معسكر الأتراك مع الألمان في الحرب ويتم إنهاء الإمبراطورية رسميا في اتفاقية لوزان عام 1923.       

وفي عام 1924، قدم كمال أتاتورك طعما آخر للمنطقة بإلغاء الخلافة الإسلامية الوهمية، والتي لا تزال ذيولها تطارد الإسلاميين؛ حتى ظهر داعش بخلافة شوهت وجه الإسلام وأذلت المسلمين، فصار تقرير المصير وإنهاء الخلافة إسفينان لتمزيق المنطقة. ثم جاءت نداءات القومية العربية لتجميع العرب والمحافظة على جسد الأمة العربية ضد السرطان الصهيوني الذي اختار فلسطين أولى ضحاياه ونقطة انطلاقه.


ثم استخدم الاتحاد السوفيتى حق تقرير المصير للشعوب ضد الاستعمار الغربي، فردت واشنطن باستخدام حق تقرير مصير الأقليات الدينية والعرقية المكونة للاتحاد السوفييتى لإنهائه.

ولكن هذه الدعوة تجاوزت الاتحاد السوفييتي إلى إفريقيا، فانفجرت الصراعات العرقية والقبلية لتمزيق الدولة الوطنية الوليدة، ولم يكن ذلك في مصلحة واشنطن، فسارعت إلى الدفع نحو الديمقراطية في إفريقيا إطارا يجمع هذه الأقليات.

وكانت إسرائيل قد تمسكت في قيامها بحق تقرير المصير ضد الانتداب البريطاني، وكان ذلك يعني أن اليهود هم أصحاب الأرض، وأن الغاصب هو الفلسطيني والمحتل هو البريطاني، فقامت العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين والانجليز سعيا إلى السيطرة على فلسطين بدءا بقرار التقسيم الذي كان تكئة لتمدد المشروع الصهيوني إلى كل فلسطين والمنطقة.

وسعت إسرائيل إلى محاربة حركة الوحدة العربية التي تكتل العرب لحماية فلسطين واقتلاع إسرائيل، ولما نجحت بمساعدة الحكام العرب، واستنادا إلى استبدادهم، انتقلت إلى المرحلة الثالثة، وهي تفكيك الأوطان العربية بعد أن ساندت النزعة القُطرية المعادية للوحدة العربية، وسندها في ذلك هو الحكم المستبد الواحد لكل الدول، فيحرم المستبد الوطني من حصته في الاستبداد في شعبه والفساد ونهب الموارد.

فلما هُزمت الجيوش العربية، تحولت الجيوش لدعم المستبد الوطني كل في بلده واقتسام الأسلاب، وتلك بيئة مثالية للمشروع الصهيوني، فصارت الشعوب هي العدو وليس إسرائيل، بل وتحولت إسرائيل إلى حليف تجمعها بهؤلاء المستبدين مصلحة مؤكدة.

بهذه الصفة حاربت إسرائيل الثورات العربية مع الحكام، وسعت معهم نحو تفتيت الداخل العربي.

كانت أولى المحطات هي العراق، حيث المستبد الوطني الذي برر الاستبداد بشدة الحب لوطنه وحرصه عليه ضد أعدائه وترتب على ذلك أن رتبت له واشنطن محاربة إيران نيابة عنها ثم ورطته في غزو الكويت، ثم أجهزت على العراق كله بالغزو عام 2003، ثم تقسيمه بالفعل بعد أن وضعوا المخطط والتمهيد له عام1991.

وكان الأكراد دائما هم الورقة التي استخدمتها إسرائيل وإيران الشاه ضد صدام، فاضطر إلى إبرام صلح الجزائر 1975 ثم نقضه عام 1980. وبينما هو غارق في حربه ضد إيران، ضربت إسرائيل مفاعله النووي عام 1981، وأنشأ الخليج مجلس التعاون لتوقي الخطر العراقي مع السوفييتي والإيراني بعد قيام الثورة الإسلامية.

ورتبت واشنطن لصدام ضرب الأكراد بالأسلحة الكيماوية ووثقت الجريمة التي حاكمه عليها قاض كردي، وتم إعدامه يوم عيد الأضحى عام 2006. فالدكتاتورية المتستره بالعروبة مع المؤامرة هي التي أذكت روح التحدي الكردي ضد العرب، ولو استقامت الأمور بعد صدام لنشأ نظام ديمقراطي يحتوى الجميع، ولكان الانفصال جريمة ضد دولة موحدة، ولكن واشنطن زرعت ضمانات لتمزيق العراق.
الأولى هي الاحتلال المستند على الفتنة الطائفية بزعم تمكين الأغلبية ضد سيطرة الأقلية وتشجيع التطهير العرقي ضد السنة، والثانية صناعة داعش بحاضنة سنية في المحافظات التي قاومت الغزو الأمريكي، فازدهرت الطائفية.

والضمانة الثالثة هي إشعال الصراع السعودي الإيراني الذي يحل إيران محل إسرائيل في العداء والاستهداف، فصار تمزيق العراق وانفصال الأكراد لصالح إسرائيل.

ولذلك لم يكن غريبا أن تلقي إسرائيل بثقلها وراء استفتاء الأكراد، وأن تتظاهر واشنطن بأنها تحارب داعش وهو صنيعة أمريكية إسرائيلية خليجية.

ولهذا، فإن الحكومة المركزية في إطار النظام الفيدرالي الذي صنعته واشنطن في الدستور صارت ضعيفة بعد العداء مع السنة ومحاربة داعش مع إيران، فكان لا بد من تشجيع الأكراد على الانفصال رغم معارضة واشنطن في نفاق ظاهر.

ولكن الانفصال الذي يؤذن بتمزيق الأوطان العربية، وهو أكبر خدمة لإسرائيل يضر إيران وتركيا وسوريا المجاورة، فصار الاستفتاء إعلانا عن رفض الأكراد العيش في عراق واحد، مع عدم القدرة على تنفيذه بالانفصال، فخلق ذلك محنة للأكراد والعراق وكابوسا لتركيا وإيران وسوريا.
وإذا طبقنا حق تقرير المصير للأقليات بسبب فشل الحكومات المركزية في دعم مبدأ المواطنة؛ لاختارت الشعوب العربية جميعا الاستقلال عن حكامها، ولاختار ذلك مسلمو الروهينجيا في بورما، والمسلمون في الصين الانفصال بإقليمها عن الحكومة الباطشة في العاصمة، ولكن الأولى أن يحتفظ الفلسطينيون بأرضهم ضد الغصب الأجنبي الصهيوني.
نفس الموقف حدث في جنوب السودان، ورعت إسرائيل انفصاله، وهي تسعى إلى تمزيق ما تبقى من السودان، وكل ذلك بذريعة حق تقرير المصير. واضطرت الحكومة السودانية إلى أن تغطى على فشلها في تأكيد المواطنة وإنجاح الدولة الوطنية؛ وتتفق مع الجنوب على الانفصال باستفتاء في الجنوب وحده لينزلق إلى حروب أهلية وتوتر مع السودان، وهو بالضبط ما خططت له إسرائيل.
الفارق بين جنوب السودان والأكراد هو موافقة الخرطوم باتفاق ثم فترة انتقالية لاختبار حكومة الخرطوم. ولكن جنوب السودان محاط بدول تشجع تمزيق السودان، بخلاف العراق. 

وما دام الصراع الإيراني/ السعودي/ الصهيوني قائما، سيظل الأكراد في العراق ضحية هذا الصراع، فقد صورت لهم إسرائيل أنهم ينتقلون من هيمنة العرب في عهد صدام إلى هيمنة إيران في حكم الشيعة، ومن حقهم الاستقلال بدولة خاصة بهم ثم دولة الكرد الكبرى.

المشكلة لن تحل بخنق الإقليم، وهو يتمسك بذريعة مقبولة اسمها تقرير المصير، كما أن انفصال الأكراد يؤذن بتمزيق الأوطان العربية جميعا.. هكذا خططت إسرائيل مع المستبد العربي.

الحل في العراق وفي سائر الأوطان العربية عقد يرضي به الجميع وديمقراطية تضمن مبادئ المساواة والمواطنة، أما الاستبداد العربي ومخطط إسرائيل فيفضي إلى تفتيت الأوطان وتفكيكها، مادام المستبد العربي متمسكا بالسلطة وامتيازاتها على حساب وحدة الوطن وسلامة شعبه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق