حتى لا تكون مصالحة لميس على عمرو
لا أحد يكره أن تتحقق مصالحة فلسطينية، وتصمد وتعيش، ولا يوجد عاقلٌ يرفض المصالحة، غاية وطنية وإنسانية بذاتها، ووسيلة للخروج من تلك الدائرة اللعينة من الانقسام.
بيد أنه، ولأننا، ننشد مصالحةً حقيقية، فلا غضاضة في أن ننظر إلى ما يصاحب هذه الخطوة المهمة من أجواء، في الداخل والخارج، بكثير من الموضوعية، حتى لا تتحوّل المسألة إلى استعراضات دعائية فجة، واستثمارات رخيصة لصالح أطرافٍ لم يُعرَف عنها أبداً حرصها على القضية الفلسطينية، بوصفها قضية تحرير أرض مغتصبة وإنهاء احتلال.
يلفت النظر في موضوع المصالحة غياب السياسة، وحضور الأمن، إذ تنهض بالمسألة من الجانب المصري، المخابرات العامة، فيما بقيت الدبلوماسية، ممثلةً في الخارجية والرئاسة، خارج الصورة تماماً، بما يعني في المحصلة غياب الأفق السياسي عن الأمر برمته، على الرغم من أن هذا لم يمنع من الاتجار الرخيص بالموقف، عن طريق رفع صور عبد الفتاح السيسي على حوائط غزة، التي كان سعيداً بكل صاروخ إسرائيلي يسقط عليها، في عدوان 2014 كما تحدثت بذلك الدوائر العسكرية والاستخباراتية الصهيونية.
الأهم من ذلك أن كل حديثٍ عن ضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني وحتميته ينبغي أن ينبع ويصب في الهدف الأسمى والغاية الأكبر، وأعني دعم مشروع تحرير الأرض وحماية مشروع المقاومة، باعتبرها واجباً قومياً واستحقاقاً إنسانياً عادلاً، لا ينبغي تغييبه، أو تهميشه، أو حبسه في نطاق المسكوت عنه من الخطاب المصاحب لهذه الخطوة.
لم نسمع حديثاً عن مشروع مقاومة الاحتلال من الأطراف المبتهجة باحتفالية المصالحة، بقدر ما سمعنا خطابات مزعجة عن تكسير الأذرع والسيقان وقطع الألسنة التي تعترض، وعن التنازلات المؤلمة والصادمة، لكي تتحقق التفاهمات والمواءمات والمحاصصات.
سمعنا نتنياهو يشترط نزع سلاح المقاومة، ورأينا أيضاً مذيعة أجهزة عبد الفتاح السيسي، وزوجها، يتمايلان فرحاً بالصفقة المصرية، التي تخدم الجميع، بما في ذلك الإسرائيليين، كما نطقتها تلك التي راحت تلتقط الصور الاستثمارية مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، يتبعها زوجها، القادم من رام الله، بعد استنطاق محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، بلغو أجوف، يدّعي فيه أن"حماس" وقعت اتفاقيات مع الكيان الصهيوني، داخل مكتب الرئيس محمد مرسي في العام 2012.
يعلم محمود عباس جيداً أن "حماس" لم توقع اتفاقيات، ولم تدخل في مفاوضاتٍ مباشرة مع الكيان الصهيوني، لوقف العدوان على غزة، بل كانت هناك مصر العربية التي أنشأت غرفة عمليات للجم الجريمة الإسرائيلية، بمشاركة الرئيس التركي وأمير قطر ورئيس حركة حماس، على ضوء الموقف المصري الرائع، رسمياً وشعبياً، والذي عبر عنه الرئيس محمد مرسي بالقول" أوقفوا هذا العدوان الغاشم، لأنكم لن تستطيعوا احتمال وقفتنا أبدا، فمصر اليوم ليس كمصر أمس، فنفوسنا جميعا تتوق إلى المسجد الأقصى وبيت المقدس".
يعلم ذلك محمود عباس، ويحفظه، لكنها الرغبة في إهانة غزة، ومقاومتها، بتصوير الأمر وكأن المقاومة قد رضخت وأذعنت ودخلت "بيت طاعة أوسلو"، وسكت الكلام عن المقاومة والتحرير، وانتعشت الثرثرة عن الجوع والمياه والكهرباء، باعتبارها نتاج الإصرار على الكفاح ضد المحتل، والاستعصاء على التسليم بمنطق أذناب المحتل، من الباعة الجائلين في أزقة صفقة القرن.
نحب المصالحة ونريدها وننشدها، تعضيداً للحس المقاوم، ودعماً لحلم التحرير، وإسناداً لصمود غزة.. نتمناها على مذهب أحمد ياسين، وحتى ياسر عرفات، وسرب المجاهدين والمناضلين من أجل فلسطين.
ولا نريدها وكأنها محض اجترار لبقايا "أوسلو"، وفضلات صيغة "غزة وأريحا أولاً وأخيراً ودائماً"، لا نتمناها على مذهب ترامب ونتنياهو وتوابعهما.
وبكلمة واحدة: نريدها من أجل فلسطين، تحت رايات المقاومة، لا من أجل مصالحة لميس على عمرو، تحت صورة السيسي، ورسم البسمة على وجه عباس، بوضع مفاتيح الخزنة في يده، وإهانة تضاريس غزة بتعليق صور كارهي غزة، وخادمي التصور الإسرائيلي للمنطقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق