هل يحق لنا الفرح بمحاربة للفساد؟
الحرب الحقيقية على الفساد يجب أن تكون جزءاً من منظومة سياسية متكاملة، قائمة على الإصلاح السياسي وفاعلية الرأي العام.
لا أعتقد أن الأنظمة السياسية في العالم العربي التي تُحكم قبضتها على البلاد والعباد، لا تعرف مكامن الفساد، أو أسماء المفسدين ومسالكهم وحِيلهم، إن لم يكن كثير من تلك الأنظمة جزءاً منهم، أو راعية بشكل مباشر أو غير مباشر لمنظومات الفساد التي تعج بها دولنا والتي تغيب فيها معايير الشفافية والنزاهة.
تأتي لحظات في بعض الدول الغارقة في الفساد يصحو فيها النظام ويكشّر عن أنيابه- خصوصاً في المراحل الانتقالية- فيقود حملة لتطهير البلد، ويستبشر الناس، معتقدين جدية ذلك، وأن أيام الفساد باتت معدودة، وأنهم أصبحوا أمام عهد جديد، لكن سرعان ما تتحطم آمالهم، ويعود الوضع كما كان، وربما أسوأ، ليكتشف الناس أن ما جرى هو إعادة تدوير للفساد، وتبادل للمواقع!
من هنا يجب التنبه إلى موجات صحوة الضمير التي تهب على الأنظمة، والتأكد من أنها حقيقية وراسخة، وليست غضباً بسبب وقوع الفساد بعيداً عن سطوتها، أو جزءاً من صراع الفاسدين فيما بينهم، أو صراع أجنحة داخل النظام، من أجل إزاحة فريق من الساحة لاستفراد آخر، أو تهيئتها لنزول فريق جديد، فمن الضروري الحذر في التفاؤل من الموجات التي غالباً ما تأتي في ظروف خاصة، فلا يمكن الاستبشار بها قبل التأكد من أن الإجراءات المتخذة تعبِّر عن نهج ثابت، وقائمة على قواعد راسخة وليست موجة عابرة، أو مشروعاً شخصياً، أو غطاء لأجندات خاصة.
لا يمكن الاعتماد في مكافحة الفساد على وجود قوانين فقط، فغالباً ما تكون الدول التي يتنامى فيها الفساد تمتلك منظومات تشريعية شبه مكتملة بهذا الشأن، بل إن أنظمة وقوانين محاربة الفساد تكاد تتشابه في أغلب الدول، خصوصاً مع ارتباطها بالمنظمات العالمية والاتفاقات الدولية التي تُوجب على الدول سنَّ التشريعات التي تحدُّ من الفساد، فعلى سبيل المثال نجد القوانين الجزائية للدول العربية قد تضمنت أغلب جرائم الفساد التي تنص عليها اتفاقيات الأمم المتحدة، لكن ذلك وحده لم يعد كافياً لمحاصرة الفساد، إذا لم تكن السلطة خاضعة للرقابة الشعبية، التي تملك حق اختيار وعزل ومحاسبة الحكومات، وهذا يستلزم وجود حريات سياسية، فضلاً عن توافر الجدية والإرادة الصادقة من الأنظمة في تطبيق تلك التشريعات، وعدم الالتفاف عليها.
التحايل في محاربة الفساد له عدة أشكال وصور، أبرزها: إعاقة سير العدالة في قضايا الفساد وهو أخطر من الفساد نفسه، لأن الفساد يكاد يقع في جميع الأنظمة، لكن التمايز بينها يكون في مدى تمكين العدالة من أخذ مجراها، وعدم خضوع المؤسسات القضائية والرقابية للإملاءات السياسية، ودوائر المتنفذين.
إن الحرب الحقيقية على الفساد يجب أن تكون جزءاً من منظومة سياسية متكاملة، قائمة على الإصلاح السياسي وفاعلية الرأي العام، من خلال تعزيز حرية التعبير، وتمكين قوى ومؤسسات المجتمع المدني، وتفكيك شبكات المتنفذين، وإطلاق الحريات السياسية، وسيادة القانون، وتعزيز قيمة النزاهة والشفافية، بعد ذلك يأتي دور المؤسسات والتشريعات المنظِّمة، وفي ظل غياب كل ذلك لا يمكن التفاؤل بديمومة واستمرار موجات محاربة الفساد التي تهب على الأنظمة بشكل مؤقت، وترتبط بشخصيات محددة، لتأتي وتذهب حسب المزاج والظروف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق