ما وراء التطبيع
?What’s Behind the New Israel-UAE Peace Deal
ترجمة: كودري محمد رفيق
لقد وافقت دولة الإمارات العربية المتحدة على تطبيع العلاقات مع دولة الكيان الصهيوني، مُمَهِّدةً الطريق للدول العربية الأخرى لفعل الشيء نفسه، على الرغم من الغضب الشعبي في فلسطين وفي العالم الإسلامي.
ما المطلوب بموجب اتفاقية السلام الجديدة هذه، المعروفة بـ “الاتفاق الإبراهيمي”؟
يَعِدُ الاتفاق بين دولة الكيان الصهيوني والإمارات العربية المتحدة بإقامة علاقاتٍ طبيعية بين البلدين، ويشمل العلاقات التجارية، السياحية، الرحلات الجوية المباشرة، التعاون العلمي، والعلاقات الدبلوماسية الكاملة. وكذلك، ما تم الإشارة إليه فقط دون ذكره، تعزيز التعاون الأمني بين الدولتين ضد التهديدات الإقليمية، خاصة إيران ووكلائِها. ومن المهم معرفة أن دولة الكيان الصهيوني والإمارات تربطهما بالفعل علاقات أمنية، إلا أن الاتفاقية تجعل هذا التنسيق الأمني علنيًّا.
ووفقا للحكومة الإماراتية، فإن الاتفاق الإبراهيمي، كما سمّاه دونالد ترامب، “يوقف فورًا” الخطط الإسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية، ويفتح فرصةً للصهايِنة والفلسطينيين لاستئناف إجراءات إنهاء الصراع والبدء في مفاوضات السلام من جديد. بينما فضّل الساسة الإسرائيليون استخدام مصطلح “تعليق” خطط الضم مؤقتا، عوض مصطلح “الإيقاف الفوري” لها. ومن الواضح أن ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد شعر أنه مضطرٌّ لإثبات أن تطبيع العلاقات مع دولة الكيان الصهيوني لم يأتِ دون تكلفةٍ على الإسرائليين، أما بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن استخدامه لمصطلح “تعليق” هو بمثابة محاولةٍ لتهدئةِ الجماعات والفصائل السياسية المؤيدة للضم، والتي انتقدت بالفعل هذا الاتفاق.
لماذا وقع الاتفاق الآن؟
عندما ننظر عبر الضباب نحو عمق المشهد ووضوحه، نجد أن دولة الكيان الصهيوني والإمارات كانتا تتجهان ببطءٍ نحو التطبيع في السنوات الأخيرة الماضية. ففي عام 2015، افتتحت إسرائيل مكتبًا دبلوماسيا في العاصمة الإماراتية أبوظبي مرتبطًا بالوكالة الدولية للطاقة المتجددة. كما زار مسؤولون إسرائيليون كبار أبوظبي، وشارك إسرائيليون في مسابقات إقليمية في الإمارات، ومن المقرر أن تشارك إسرائيل في معرض إكسبو الدولي 2020 بدبي، والذي أُجِّل افتتاحه إلى أكتوبر 2021 بسبب جائحة فيروس كورونا.
بدأ التقدم الملحوظ نحو الاتفاق عندما لم تبدأ إسرائيل عملية ضم أراضي الضفة الغربية في 1 يوليو كما كان مقررا لها. وبحسب ما ورد، فقد انتهز الإماراتيون الفرصة لتقديم وعدٍ بتطبيعٍ كاملٍ للعلاقات إذا تم التخلي عن مخطط الضم. في الواقع، لقد كان هذا هو النص الفرعي الافتتاحي لمقالٍ نشره السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة في أكبر صحيفة يومية إسرائيلية، يديعوت أحرونوت، في شهر يونيو الماضي. وتماشيا مع الرغبة الإسرائيلية القوية لتوسيع علاقاتها الدبلوماسية الرسمية مع الدول العربية في الخليج العربي، أشرفت إدارة دونالد ترامب على الدبلوماسية الثلاثية التي أدت في نهاية المطاف إلى الاتفاق الإبراهيمي.
كيف يمكن أن يؤثر هذا الاتفاق على العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية وعلى المنطقة؟
ورغم الوعد الإسرائيلي بوقف الضم، رفضت القيادة الفلسطينية الاتفاق واستدعت سفيرها من أبوظبي احتجاجا عليه. فمن وجهة نظر القيادة الفلسطينية وأنصارها، فإن الاتفاقية تعكس “سوء نية” من جانب إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة، حيث أن العلاقات الإسرائيلية الإماراتية كانت طبيعية حتى قبل الاتفاق الإبراهيمي.
إن هذا النقد في الواقع لا مبرر له. فإن دولة الكيان الصهيوني ليس لها اهتمامٌ كبير بالمفاوضات مع الفلسطينيين فقد شددت قبضتها على الضفة الغربية دون مراعاةٍ لأحد. وتُحافظ، بالتعاون مع مصر، على حصارٍ مُحكَمٍ على قطاع غزة الذي تقوده حماس. وقد نقلت إدارة ترامب السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس مُعلنةً أن القدس عاصمة إسرائيل، وأنهت أو في أحسن الأحوال قلّصت، بشكلٍ كبيرٍ، المساعدات التي كانت تصل إلى الفلسطينيين. كما أصدرت خطة السلام التي يعتبرها الفلسطينيون غير عادلة وغير محققة لتطلُّعاتهم أو حافظة لحقوقهم الشرعية. بينما تنظر القيادة الفلسطينية في رام الله إلى التطبيع المستمر للعلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة على أنه “مؤشر” على خيانة أبوظبي للقضية الفلسطينية، ترى أبوظبي أنه ليس من صالحها إخضاع مصالحها الوطنية لقيادة فلسطينية فاسدة وغير فعّالة. كل هذا يشير إلى أن أي توقع لمفاوضات جديدة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية هو توقعٌ في غير محله.
داخل المنطقة، رحبت البحرين ومصر والأردن وعمان علانية باتفاق إبراهيم، بينما التزمت المملكة العربية الصمت على الرغم من وجود تكهُّناتٍ كبيرة بين المحللين تزعم أن عدم الرد من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هو علامة على دعمهِ الاتفاقية. وفي الجهة الأخرى، انتقدت إيران وقطر وتركيا الاتفاق، وهددت الأخيرة بسحب سفيرها من أبوظبي. وتظل منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء المنطقة ثابتة في معارضتها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
هل توجد اتفاقيات أخرى مع دول عربية أخرى يتم التحضير لها من خلف الكواليس؟
من بين دول الخليج جميعا، تبدو مملكة البحرين هي الأقرب لتطبيع العلاقات مع دولة الكيان الصهيوني. لقد أشرف الملك حمد بالفعل على بعض الخطوات الرسمية نحو التطبيع، منها سماحِه للمسؤولين الإسرائيليين بحضور اجتماعٍ إقليمي في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، فقد التقى وزير الخارجية الإسرائيلي بنظيره البحريني.
عُمان مرشحٌ محتمل آخر للتطبيع، فقد التقى نتنياهو مع السلطان الراحل قابوس بن سعيد في مسقط في أواخر عام 2018. ومع ذلك، قد يتصرف السلطان هيثم بن طارق، الذي وصل إلى السلطة في يناير 2020، بحذرٍ أكبر تجاه التطبيع فهو مازال قيد تعزيز سلطته. وقد يسعى السودان والمغرب أيضا لإقامة علاقاتٍ دبلوماسية مع إسرائيل.
كاتب المقال: ستيفن كوك
لقراءة المقال بالانجليزية هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق