العام السابع لأطفال أبو ظبي وتل أبيب
وائل قنديل
من التبسيط المخلّ وصف ما جرى بين أبو ظبي وتل أبيب تدشينا لعملية تطبيع أو افتتاح لعلاقات حميمية بين الطرفين، ذلك أن العلاقة قائمة ومتجذرة منذ أكثر من ثماني سنوات، بل أنها أثمرت وأنجبت أطفالًا ومشاريع على أبواب الصبا.
يشبه الأمر حفلات إعلان الزواج رسميًا، بعد سنوات من العلاقة، وعديد من الأطفال، كما يحدث في حياة مشاهير الغرب. وبالتالي، لا شيء يدهش في تصاعد دقات طبول الفرح في الإمارات والكيان الصهيوني، بتتويج العلاقة القديمة بإجراءات شكلية مبهرة.
للطرفين مواليد سفاح، أكبرهم وأولهم اسمه عبد الفتاح السيسي، أو قل: مشروع الثلاثين من يونيو 2013 في مصر، والذي لا يحتاج معه الباحث كثيرًا من الجهد، ليدرك أنه صناعة إسرائيلية، بتمويل إماراتي وسعودي. وكما قلت مبكرًا فإن السيسي هو أحد منتجات "الكويز" السياسي، المصنوع من خامات مصرية، بتكنولوجيا أميركية إسرائيلية، وتمويل خليجي.
الإدارة العامة لجريمة 30 يونيو كانت في أبو ظبي، كل شيء من التخطيط إلى التمويل إلى الدعم اللوجستي مركزه كان هناك، الجنرال أحمد شفيق، صاحب الثورة المضادة كان هناك، بينما وفود جبهة الإنقاذ في القاهرة تذهب وتعود على الجسر الموصول بينهما، وأفراد الحمام الزاجل، حاملو الرسائل والشيكات، معروفون ومعروفات بالاسم.
فيما بعد تطورت العلاقة، أو التحالف، أو الزواج الحرام، لتمضي في مساريها المتوازيين: حرق بؤر الربيع العربي وتدميرها في كل مكان.. ومحاصرة غزة وإعلان الحرب على المقاومة، سبيلًا لتصفية مشروع الكفاح الفلسطيني.
البداية في صيف العام 2013، حيث تسرّبت أنباء عن لقاء سري عقد في "امبريال كوليج" في لندن، بدعوة من دولة الإمارات ، ضم أكاديميين عربا ومسؤولون أمنيين إسرائيليين، إضافة إلى ديبلوماسيين غربيين سابقين، لبحث عدة ملفات خاصة بمنطقة الشرق الأوسط.
وذُكر في ذلك الوقت أن اللقاء تم ترتيبه عن طريق مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، جمال سند السويدي، وهو مستشار لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. وحضر اللقاء عن الجانب الغربي، وفقا للمصادر، سفير أميركا السابق في تل أبيب، دانيال كيرتز، والسفيرة الأميركية السابقة في الإمارات، مارسيل وهبة، وسفير أميركا السابق في السعودية، تشاس فريمان. وحضر عن الجانب العربي، إضافة إلى جمال السويدي، الناشطة السورية، ريم تركماني، عضو هيئة التدريس في "إمبيريال كوليج"، وبهجت قرني من الجامعة الاميركية في القاهرة، ومحلل الشؤون العسكرية المصري اللواء المتقاعد، سامح سيف اليزل، وهو الرئيس التنفيذي لمركز الجمهورية للدراسات والأبحاث السياسية والأمنية، وكذلك مستشار سفير السعودية في بريطانيا، نواف عبيد، وكان في معهد الدراسات الدولية بجامعة هارفرد. حضر اللقاء أيضا، مسؤولون أمنيون إسرائيليون، منهم عاموس جلعاد، وكان يعد في حينه أهم شخصية أمنية لدى "إسرائيل"، حيث يرأس دائرة الأمن التي لا تتغير بتغير الوزراء. كما حضر نائب وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، أفرايم سنيه، ونائب مدير دائرة الشؤون الاستراتيجية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، إلياهو سيخاروف.
كان محور اللقاء التنسيق لإجهاض الثورات العربية، حيث كانت أبو ظبي تعمل مبكرًا على احتواء هذه الثورات، وإجهاض عمليات التحول الديمقراطي في أكثر من بلد عربي، من خلال توثيق علاقاتها بإسرائيل، و القيام بدور الرابط بين القوى المضادة للثورات العربية بالكيان الصهيوني.
حين نشرت هذه التسريبات قبل سبع سنوات، كان غالبية متلقيها يتصوّرون أنها محض مبالغات وادعاءات بلا سند، لكن الوقائع على الأرض أكّدت بالدليل العملي أن فحوى اللقاء تحولت خططا وبرامج عمل جرى تنفيذها في مصر وليبيا وسورية واليمن.. وأخيرًا جاءت القفزة الأعلى بين أبو ظبي وتل أبيب وكأنهما عروسان يحتفلان بسعادة.
كان المشروع الإماراتي الصهيوني المشترك يضرب في عدة اتجاهات، أهمها بالطبع مشروعهما للانقلاب في مصر، وتنصيب ابنهما حاكمًا، لتكون أولى زياراته الخارجية إلى الإمارات التي أغرقته بالدعم المالي والسياسي، فبنت له ولنفسها عاصمة جديدة، على الأرض التي كانت في الماضي طريقًا وحيدًا لأي تحرّكات وإمدادات عسكرية من القاهرة باتجاه الحدود الشرقية في حال نشوب حرب، وليكون أكثر قربًا من الكيان الصهيوني، كما بنت لنفسها مدينة العلمين الجديدة التي لا تنتمي، معماريًا واجتماعيًا، إلى مصر والمصريين من قريب أو من بعيد .. ثم تكون زيارته الثانية سرًا إلى خليج العقبة، حين استدعاه بنيامين نتنياهو.
في إطار ذلك المحور المؤسس على تحالف الاحتلال والانقلاب، كان العمل الإعلامي والثقافي يتركز على تكريس مجموعة من الأفكار اللقيطة، أهمها أن الإقليم يضم ثلاثة أعداء أو خصوم للعرب، هم بالترتيب: إيران، وتركيا، والكيان الصهيوني، ومع الوقت يتم التركيز على أن الخطر يأتي من إيران وتركيا، هكذا اشتغل الإعلام المتصهين في القاهرة والرياض وأبو ظبي، على هذه النغمة، مع إضافة قطر إلى محور الأعداء، أو "محور الشر" بتعبير الصهيوني أفرايم سينيه في اللقاء المشار إليه أعلاه.
من هنا أندهش من مخلفات ومجاريح مشروع 30 يونيو، وهم يردّدون، ببلاهة، التصنيف الذي يضع دولًا أصيلة ومتجذرة في تاريخ المنطقة وجغرافيتها في سلة واحدة مع احتلال لقيط لم يمض على زرعه عنوة بالمنطقة ثلاثة أرباع قرن. والحاصل أنك عندما تبدأ الكلام إن إسرائيل دولة إقليمية، مثلها مثل إيران وتركيا، فأنت متصهين، أو على الأقل تحقق رغبة صهيونية، سواء كنت تدرك مضمون ما تردّده، أو لا تدركه، ولا يختلف عن ذلك من يستنكف أن يكون الشعور الديني، إسلاميًا ومسيحيًا، حاضرًا في معادلة المواجهة مع استعمار إجرامي يؤسّس وجوده على أسطورة دينية توراتية، ويضع حاخاماته قبل جنرالاته وقياداته السياسية، حين يتعلق الأمر بالحشد ضد الفلسطيني والعربي.
الشاهد أننا نحتاج إلى طرد الاحتلال من قلوبنا وعقولنا ووجداننا، قبل أن نفكّر في إجلائه عن الأراضي المحتلة وتحرير فلسطين.
نحتاج أن نحطم أصنامًا كثيرة، تربط نفسها بالثورة وبفلسطين، وتزعم أنها ضد التطبيع، لكنها لا تريد التنازل عن لقاءاتها الدافئة بصقور الاحتلال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق