رغم ضبابية المشهد وسوداوية تفاصيله إلا أن الزخم المصاحب للذكرى بين العام والأخر تؤكد أن القضية باقية رغم ما يعتريها من أعراض مرضية نتيجة التنكيل والضغط وتضييق الخناق، وهو ما توثقه ردود الفعل على منصات السوشيال ميديا والتي ترفع شعار "حق رابعة لن يضيع، رابعة الصمود".
شعارات تلخص رؤية ضحايا تلك المجازر والمتعاطفين معهم، وإيمانهم بأن "ما ضاع حق وراءه مطالب" ولأجل الإبقاء على هذه الشعلة مضيئة في نفوس المجتمع وذاكرته التاريخية، هناك ثلاث مسارات متوازية تتطلب العمل عليها بشكل مكثف للحفاظ على حالة الزخم دون إضعاف حتى تحقيق العدالة المطلوبة، طال وقت ذلك أم قصر.
المسار الأول: التجييش الإعلامي
هناك خطأ يقع فيه الكثير من المناصرين لتلك القضية يتعلق بعدم التعرض لها وتناقلها إعلاميًا إلا وقت ذكراها السنوية فقط، وهذا خطأ ربما يقتلها بالبطئ، وهو ما يتطلب إعادة النظر في تلك الاستراتيجية من أجل إحياءها في الذاكرة طيلة العام وليس في ذكراها فقط.
الأمر لا يتوقف فقط مع ذكرى الفض كل عام على إعادة نشر صور ومقاطع فيديو للأحداث، فلا بد أن تكون هناك منابر إعلامية مستمرة على مدار العام لمخاطبة الضمير العالمي وإيقاظ العقل المجتمعي المصري عبر بث الصور والمقاطع التي تكشف تفاصيل ما حدث.
المسار الثاني: التحرك الميداني
تشعب أنصار تلك القضية في عدد من دول العالم يسمح لهم بتعزيز حراكهم الميداني للتذكير بتلك القضية بين الحين والأخر، لاسيما بعد تراجع هذا المسار في مصر بصورة كلية بسبب التضييقات الأمنية المشددة.
هذا المسار من الممكن أن يثري الحراك خاصة أن أسماء كثيرة من شهود العيان على تلك المجازر لا تزال على قيد الحياة، الأمر الذي من الممكن أن يكون فعالا لتحريك القضية، في ضوء مساحات الحرية المسموح به في تلك الدول لإقامة مثل تلك الفعاليات.
المسار الثالث: اللجوء إلى القضاء
وهو المسار الأكثر حضورًا كما يراه البعض، ممن طالبوا بتدشين لجان حقوقية وقانونية متخصصة لإعداد ملفات كاملة عن المجزرة والانتهاكات التي تضمنتها وتقديمها للمحاكم الأجنبية والدولية من أجل القصاص.
ورغم أن القضاء لا يعمل بمعزل عن السياسة حتى في الدول المتقدمة وهو ما يفرض تحديات جسام أمام هذا المسار، لكن هذا لا يقلل أبدًا من قيمته وجدواه على المستوى البعيد، ويعزز المضي قدما في هذا الاتجاه العديد من الأنشطة والتحركات الأخرى، سياسية وإعلامية، من الممكن القيام بها، خاصة لو أن لدى أنصار هذا الفريق قيادات نشطة، قادرة على جمع الصفوف بقدر الإمكان، وقادرة على توظيف الطاقات، وتحسين القدرات، وترشيد النفقات، وتجاوز الخلافات، وفق ما ذهب الصحفي قطب العربي.
العربي في مقال له على "الجزيرة مباشر" يرى أن "أفضل عمل يمكن القيام به في الذكرى السابعة لمذبحة رابعة هو إطلاق مبادرة لجمع الشتات، وتوحيد الصف، واستعادة اللحمة، وبذلك يمكن بث روح جديدة قادرة على تفجير الطاقات وتوظيف الكفاءات، وتنشيط التحركات، وسيكون هذا هو الوفاء لدماء الشهداء ولعذابات المصابين والمشردين".
لا ينكر الصحفي المصري تراجع الاهتمام برابعة وضحاياها، بعيدًا عن النفي العاطفي الذي يردده أعضاء جماعة الإخوان بين الحين والأخر، غير أنه يرجع هذا التراجع إلى المصالح الدولية وضعف الإمكانيات اللازمة لاستمرار الزخم وليس كما يذهب أخرون بسبب الخوف من قمع النظام أو الانشغال بقضايا أخرى.
وفي النهاية تبقى مقولة "لا يضيع حق وراءه مطالب" حقيقة موثقة سجلتها صفحات التاريخ والتجارب الإنسانية، فقبل أيام قليلة أحيا العالم ذكرى مذبحة سربرنتسا في البوسنة والهرسك على يد المجرمين الصرب رغم مرور عشرات السنين عليها، فيما تم محاكمة مجرميها على رأسهم رادوفان كراديتش وسولبودان ميليوشفيتش وغيرهم.
كذلك إلقاء القبض على فيليسيان كابوغا أحد أبرز المتهمين في مذابح رواندا رغم مرور 26 عامًا عليها، هذا بخلاف محاكمة الرئيس التشادي السابق حسين حبري أمام محكمة خاصة أنشأها الاتحاد الأفريقي، بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق شعبه خلال فترة حكمه بين عامي 1982 و1990 والتي أودى فيها بحياة أربعين ألف شخص.
العبرة ليست بصاحب الكلمة العليا اليوم، لكنها بمن يستطيع أن يبقي على قضيته متوهجة في صدور أنصارها مهما طال الزمن، موظفًا هذا التوهج إعلاميًا وسياسيًا وقضائيًا، بما يعيد الحق إلى أصحابه وينتصر للضحايا من جلاديهم، لاسيما وإن كانت تلك الجرائم تم توثيقها على مرأى ومسمع من الجميع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق