تبرعت بأكثر من 3000 كتاب، بعضها لأكاديمية الفنون والإعلام التابعة للهيئة العامة للشباب... ووزّعت جزءاً آخر على العابرين في الشوارع والشواطئ... وأعطيت الأصدقاء الذين قابلتهم مصادفة جزءاً آخر.
وجاءتني ردود أفعال متباينة حول ما فعلت، فما بين اتهام بالجنون والاستهتار بالكتب والمعرفة، وما بين أسئلة متنوعة تمثل وعي أصحابها مثل «كيف تتخلى عن أبنائك؟»، ولماذا فعلت ذلك؟ وهل تسعى للفت الانتباه؟
وهل أنت فعلاً قارئ حقيقي؟ أليست الكتب كنزاً في حد ذاتها؟ أفلا تركتها لأبنائك؟ لماذا لم تتركها زينة في المنزل؟
في الواقع لديّ عشرة أسباب جعلتني اتبرع بـ95 بالمئة من مكتبتي، ولكني أشعر أني غير مستعد لمشاركتها كتابياً في المجال العام، كل ما أستطيع كتابته هو أني كنت أشعر بالسعادة مع كل كتاب أخذه قارئ غيري، وإحساس غريب وأنا أمارس ما تحثني كل الكتب على فعله... وهو العطاء.
وإحساس متناقض وأنا «أوقف» مكتبتي وأنا على قيد الحياة، وإحساس بالحرية والتخلي، وتطبيق فعلي لفكرة أن الكتاب لمَنْ قرأه وليس مَنْ ملكه، ومجاراة للسؤال الذي كان يراودني طوال السنتين الماضيتين، وهو كيف يمكن أن تتحوّل القراءة لفعل اجتماعي وليس ثقافياً فقط؟
إحساس «متفرّد» شعرت به طوال 6 ساعات تقريباً أثناء جلوسي على الأرض من أجل انتقاء الـ5 في المئة من الكتب التي ستبقى معي، وكنت أذكّر نفسي دائماً بهذه الجملة:
إنّ ربع دينار ثمن غالٍ على كتب وجُمل ليس لك بها حاجة، ولكن ألف دينار ليس مبلغاً غالياً ثمن كلمة، إذا كانت هذه الكلمة جوهرية بالنسبة لك.
عزيزي القارئ، لا شك أن القراءة والمكتبة هي قيمة في حد ذاتها، وأعتقد أنك لست في حاجة لأن أذكّرك بأهمية القراءة المستمرة، ولكن أيضاً هذا لا يعني أن ليس لها عواقب، منها إدمان النظر إلى الخيال في وقت تحتاج فيه إلى أن تتلمس أرضك التي تطأ عليها.
الحمقى لا يطمحون إلى الجمال والخير أو مزيد من المعرفة لأنهم راضون عن أنفسهم، وكذلك الحكماء والعارفون لا يطمحون إلى مزيد من القراءة أو الجمال لأنهم يملكون ذلك، أولئك الطامحون إذاً... فحسب الذين يقفون في حالة «المابين» بين الحماقة والحكمة... هم مَنْ يمكن لهم أن يطمحوا إلى مزيد من الجمال والخير والمعرفة... ثم يتوقفون على ناصية الطريق ليراقبوا سرباً من النمل وينصتوا لأنفسهم وما يقوله الطير الذي هناك، حيث نزل على الأرض ليلتقط شيئاً يراه... ولا نراه.
فلا شك أن رجلاً يضع مكتبته كلها على «هافلوري» ثم يتركها ويرحل... وتسأله إحدى العابرات «لماذا تتبرع بكتبك؟»، فينظر إليها ولا يجيب! هو رجل يقف ما بين الحماقة والحكمة، ولكن إلى أيهما أقرب... الله أعلم... وكل ما لم يذكر فيه اسم الله... أبتر.
قصة قصيرة من الشرق:
ذات يوم، قال:
- سأبيع كتاب الحكمة مقابل مئة قطعة ذهبية، وسيقول البعض إنها صفقة رابحة.
فقيل له:
- أعطني المفتاح الذي يُجيز فهم الكتاب، ولا أحد تقريباً سيأخذ الكتاب... حتى لو أعطيته له مجاناً.
@moh1alatwan
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق