رسالة إلى عبد المأمور
د. هاني السباعي
مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن.
يحار المرء عندما يشاهد أشاوس الأمن وهم يضربون المتظاهرين بوحشية!! هل هم بحق من أبناء جلدتنا؟! هل لهم أحاسيس ومشاعر مثلنا؟! هل يحملون هموم هذه الأمة!! وعن أية قضية يدافعون!!
فإذا كان المتظاهرون من طلاب ورجال فكر وثقافة وكافة طوائف الشعب يتظاهرون من أجل قضية نبيلة وهي قضية فلسطين!! فأية قضية تلك التي تحرك هؤلاء الجنود الذين يقمعون هذه التظاهرات!! هل دفاعاً عن قضية مقدسة!! لا وألف لا!! هل دفاعاً عن حاكم ظلوم غشوم؟! نعم وألف نعم!!.
وإذا سألت جندياً من هؤلاء المدججين بالأسلحة والهراوات المستوردة: لم تضرب إخوانك وأهلك من المتظاهرين العزل الذين يدافعون عن شرف أمتنا وينادون بإعادة الروح في نظام كسيح!! قال: أنا عبد المأمور!! وإذا سألت ذلك الضابط الذي يستعرض بمدفعه الذي كاد أن يصدأ لم تقذف هذه الجماهير بهذه الحمم والقنابل المسيلة للدموع ؟! أليسوا إخوانك وأهلك وعشيرتك؟!! قال: أنا عبد المأمور؟!
قلنا إذن المشكلة عند ذلك المأمور لا بد أن نرتقي إليه ونترك هؤلاء العبيد.. حسناً..
إذن الحل عند وزير الداخلية: بعد أن اخترقنا غابة من الجنود.. وأحراشاً من الجواسيس والعيون التي لا يخفى عليها دبيب النمل!! قلنا له: لم تأمر: جلاوزتك من شماريخ الأمن بقمع التظاهرات ألست من هذا البلد؟! ألست من هذه الأمة؟! أما لك إحساس أما لك اعتقاد؟! هل تتألم مثلما يتألمون؟!! لم يشأ إلا أن ينطق بكلمة واحدة: أنا عبد المأمور!!
قلنا حسنا!! نذهب إلى حامي الديار والذمار وزير الدفاع عن كرامة الأمة!! فبعد جهد جهيد.. وبعد تربص وترصد وكمائن هنا وهناك.. وصلنا إلى أول بوسطة على خط القتال: مكتب سيادة المشير جداً!! ألست صاحب الجيوش ووزير أمن البلد القوي: لم لا تأمر كتيبة من كتائبك تحرس هذه التظاهرات من بطش الذي هو أدنى؟! هل تشعر مثلما نشعر هل تتألم مثلما نتألم!! هل رأيت الزهور في فلسطين كيف تنفجر في قلب العدو الظلوم؟!.. هلا انتهت جيوشكم من تربية الكتاكيت!! ورعي المواشي وتصدير الفراولة!! أما آن لكم أن ترسلوا كتيبة أو سرية أو حتى فصيلة لكسر الحدود!! لم يشأ صاحبنا إلا أن قال: أنا عبد المأمور!!
قلنا: حسناً!! لم يبق أمامنا إلا الرأس الكبير!! بعد كل المحاولات الفاشلة استطعنا أخيراً أن نتسلق الرياح سوراً إثر سور لنعلم المخبوء والمستور: قلنا له: ألست كبير العائلة؟! أليس هؤلاء المساكين من رعاياك!! ألست مسؤولاً عنهم؟!! لم تأمر رجال أمنك وصناديد دولتك بضرب المتظاهرين بالهراوات ورش الماء والقنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين؟!! لصالح من تأمر زبانيتك بقمع التظاهرات والضرب في سويداء القلب أحيانا؟!! لصالح من يا كبير العائلة؟!!
أما سمعت ببراعم الزيتون في أرض فلسطين وهي تحي موات القلوب؟!! أما سمعت برائحة البارود تفوح من زهر الياسمين وشجر البرتقال!! هل تتألم مثلهم!! هل تكحل عينك بالنوم وأنت ترى قوافل الشهداء تخرج من فم التنين!! كنا نظن أنك ستكون وحاشيتك في طليعة التظاهرات؟!! لم تفعل .. وليتك سكت بل أمرت زبانيتك بالقمع والتعذيب!!
وبعد محاورة طويلة اكتشفنا أن الرجل لديه مناعة ضد ما نقول!! لكنه أجاب بكل برود: أنا عبد المأمور!! أصابنا ذهول!! كبير القوم يقول أنا عبد المأمور!! لكن سرعان ما استفقنا.. واضطررنا إلى تجاوزالمفاوز والفيافي حتى عبرنا الأطلسي: حيث يقبع الشر في صورة بشر يداعب كلابه غير عابئ بنا.. فسالناه عن بعد لأننا على يقين أنه مؤذ بحق: يا كبير البيت! ويا تمثال الغطرسة! لم تأمر عمالك في بلادنا بضرب المتظاهرين وقمع الأحرار؟!! لم تأمر موظفيك في بلادنا بقمع التظاهرات بوسائل التعذيب التي تصدرونها إلى بلادنا.. ألست بشراً مثلنا.. ألست كذا.. ألست كذا.. فزمجر وأرغى وأزبد وهدد وتوعد.. فاختفينا من طيف خياله: ً فعلمنا أخيراً من الآمر ومن المأمور!!
لكن الذي يجب أن يعلمه هذا المأمور قبل الآمر: أن أمرهم سواء وحكمهم سواء: فلا عذر لهم يوم أن يتمخض الزلزال (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين)..
أما العقوبة في الدنيا فهي كما كانت لكبيرهم وزعيمهم قديماً: (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم). أما هؤلاء العبيد!! وعبيد العبيد من رجال الأمن وجلاوزته، ومن جيوش الخزي والعار أصحاب المدافع المتصدئة والنياشين والأنواط المزيفة؛ حذار حذار! لقد تمخض الزلزال: فلن ترحمكم الجماهير المزمجرة لأنكم لم ترحموها!! وفي الحديث الشريف: من لم يَرحم لا يُرحم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق