«تستعبط»... اركب الدورية!
خواطر صعلوك
محمد ناصر العطوان
في عام 1998 كان عمري 14 عاماً، وكان مصروفي اليومي «ربع دينار»، وكنت أحب قراءة الصحف والمجلات، ولكني أيضاً كنت أحب السينما، وشراء ألبومات الأغاني الجديدة التي كانت تباع في أشرطة الكاسيت، فتوصلت إلى طريقة أستطيع من خلالها أن أدخر مصروفي لكي أذهب إلى السينما في نهاية الأسبوع، وفي الوقت نفسه أقرأ ثلاث جرائد كل يوم، ومجلتين كل أسبوع من دون أن أشتريها.
بجانب منزلنا كانت هناك بقالة، تفتح أبوابها في السادسة صباحاً، ولكن الجرائد كانت تصل في الرابعة والنصف فجراً، لذلك كنت أستيقظ في الخامسة، وأذهب هناك حيث أعرف المكان السري الذي يضع فيه المُوزع الجرائد، أقرأ... أتصفح... أضحك... أندهش... أتمنى لو كنت كاتباً صحافياً، ثم أطوي الجرائد التي قرأتها كما كانت وأعيدها مكانها، وأعود إلى البيت، أرتدي ملابس المدرسة، وأمر على «مكان الجريمة» لأتأكد أن صاحب البقالة قد وضع الجرائد مكانها على الرف المخصص، وكل شيء على ما يرام، وأنه لم يلاحظ شيئاً.
وذات يوم وفي فترة كأس العالم، كانت الجرائد - وما زالت - تخصص ملحقاً رياضياً لمتابعة الحدث، فانهمكت في القراءة حتى وجدت أن هناك ضوءاً أصفر قوياً قد باغت المكان، واعتقدت أن الشمس قد أشرقت مبكراً على غير عادتها، وعندما التفت فإذا بسيارة شرطة تقف أمام البقالة المغلقة، والتي يقف أمامها مراهق في الرابعة عشرة من عمره، وتبدو عليه ملامح الريبة والخوف.
- شقاعد تسوي هني؟
- أقرأ الجريدة...
- هاهاهاها... تستعبط... تعال اركب.
عزيزي القارئ، كنت قبل أن أقرأ الملحق الرياضي أتصفح صفحة اخبار، ووجدت فيها هذا الخبر.
«أجرى رئيس بلد ما اتصالاً هاتفياً مع رئيس بلد آخر... حيث تبادلا الرأي في أحوال المنطقة، وعلى هامش المكالمة تطرقا إلى بحث العلاقات بين البلدين».
ما الذي لاحظته أيها القارئ اللبيب من هذا الخبر؟
انه يقدم لك «اللاشيء» مغلفاً في خبر صحافي... وهذا هو تماماً احساسي عندما بدأ الشرطي يستجوبني عن أسباب وقوفي أمام بقالة مغلقة في الخامسة والخمس وأربعين دقيقة فجراً.
قررت أن أخبره الحقيقة... ولا شيء سوى الحقيقة، فأقسمت له بوعد وقانون الكشافة أن مصروفي «ربع دينار» وأن شراء الجريدة الواحدة يعني أن أفقد تقريباً نصف ثروتي كل يوم، وأنه ينبغي لي أن أرحل الآن قبل أن يصل صاحب البقالة لكي أتمكن من قراءة الجرائد غداً!
- هاهاهاها... تستعبط؟! تعال أركب.
عندها فقط تعلمت أهم درس في حياتي الصحافية كلها... وهو أن أنسب صيغة للشعوب لإخبارهم بالحقيقة هي كالتالي:
- أجرى رئيس دولة ما اتصالاً هاتفياً مع رئيس دولة أخرى، حيث تبادلا الرأي في أحوال المنطقة، وعلى هامش المكالمة تطرقا إلى بحث العلاقات بين البلدين.
ظل الشرطي يستجوبني ولم يقتنع أبداً... حتى أشرقت الشمس كعادتها هذه المرة، ووصل صاحب البقالة ليفتح أبوابه، وشعرت بالخجل... من كل شيء، من نفسي ومن صاحب البقالة ومن مصروفي الصغير ورغباتي الكبيرة في أن أقرأ الجرائد كلها وأذهب للسينما... وقبل أن أركب وأفتح باب «الدورية» أجرى الشرطي محادثة مع صاحب البقالة تبادلا الرأي في أحوال المنطقة، وتطرقا إلى بحث العلاقات الثنائية بين الجهتين.
الدرس المستفاد من هذا المقال هو ألا تقرأ شيئاً لم تدفع ثمنه، وألا تقف أمام بقالة في الساعة الخامسة قبل أن تفتح أبوابها، وأن تعذر الصحافة عندما لا تخبرك بالحقيقة، لأنك ربما عندما تعرف حقيقة تبادل الرأي في أحوال المنطقة وطبيعة العلاقات بين البلدين ستقول:
- هاهاهاها... تستعبط!وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
بجانب منزلنا كانت هناك بقالة، تفتح أبوابها في السادسة صباحاً، ولكن الجرائد كانت تصل في الرابعة والنصف فجراً، لذلك كنت أستيقظ في الخامسة، وأذهب هناك حيث أعرف المكان السري الذي يضع فيه المُوزع الجرائد، أقرأ... أتصفح... أضحك... أندهش... أتمنى لو كنت كاتباً صحافياً، ثم أطوي الجرائد التي قرأتها كما كانت وأعيدها مكانها، وأعود إلى البيت، أرتدي ملابس المدرسة، وأمر على «مكان الجريمة» لأتأكد أن صاحب البقالة قد وضع الجرائد مكانها على الرف المخصص، وكل شيء على ما يرام، وأنه لم يلاحظ شيئاً.
وذات يوم وفي فترة كأس العالم، كانت الجرائد - وما زالت - تخصص ملحقاً رياضياً لمتابعة الحدث، فانهمكت في القراءة حتى وجدت أن هناك ضوءاً أصفر قوياً قد باغت المكان، واعتقدت أن الشمس قد أشرقت مبكراً على غير عادتها، وعندما التفت فإذا بسيارة شرطة تقف أمام البقالة المغلقة، والتي يقف أمامها مراهق في الرابعة عشرة من عمره، وتبدو عليه ملامح الريبة والخوف.
- شقاعد تسوي هني؟
- أقرأ الجريدة...
- هاهاهاها... تستعبط... تعال اركب.
عزيزي القارئ، كنت قبل أن أقرأ الملحق الرياضي أتصفح صفحة اخبار، ووجدت فيها هذا الخبر.
«أجرى رئيس بلد ما اتصالاً هاتفياً مع رئيس بلد آخر... حيث تبادلا الرأي في أحوال المنطقة، وعلى هامش المكالمة تطرقا إلى بحث العلاقات بين البلدين».
ما الذي لاحظته أيها القارئ اللبيب من هذا الخبر؟
انه يقدم لك «اللاشيء» مغلفاً في خبر صحافي... وهذا هو تماماً احساسي عندما بدأ الشرطي يستجوبني عن أسباب وقوفي أمام بقالة مغلقة في الخامسة والخمس وأربعين دقيقة فجراً.
قررت أن أخبره الحقيقة... ولا شيء سوى الحقيقة، فأقسمت له بوعد وقانون الكشافة أن مصروفي «ربع دينار» وأن شراء الجريدة الواحدة يعني أن أفقد تقريباً نصف ثروتي كل يوم، وأنه ينبغي لي أن أرحل الآن قبل أن يصل صاحب البقالة لكي أتمكن من قراءة الجرائد غداً!
- هاهاهاها... تستعبط؟! تعال أركب.
عندها فقط تعلمت أهم درس في حياتي الصحافية كلها... وهو أن أنسب صيغة للشعوب لإخبارهم بالحقيقة هي كالتالي:
- أجرى رئيس دولة ما اتصالاً هاتفياً مع رئيس دولة أخرى، حيث تبادلا الرأي في أحوال المنطقة، وعلى هامش المكالمة تطرقا إلى بحث العلاقات بين البلدين.
ظل الشرطي يستجوبني ولم يقتنع أبداً... حتى أشرقت الشمس كعادتها هذه المرة، ووصل صاحب البقالة ليفتح أبوابه، وشعرت بالخجل... من كل شيء، من نفسي ومن صاحب البقالة ومن مصروفي الصغير ورغباتي الكبيرة في أن أقرأ الجرائد كلها وأذهب للسينما... وقبل أن أركب وأفتح باب «الدورية» أجرى الشرطي محادثة مع صاحب البقالة تبادلا الرأي في أحوال المنطقة، وتطرقا إلى بحث العلاقات الثنائية بين الجهتين.
الدرس المستفاد من هذا المقال هو ألا تقرأ شيئاً لم تدفع ثمنه، وألا تقف أمام بقالة في الساعة الخامسة قبل أن تفتح أبوابها، وأن تعذر الصحافة عندما لا تخبرك بالحقيقة، لأنك ربما عندما تعرف حقيقة تبادل الرأي في أحوال المنطقة وطبيعة العلاقات بين البلدين ستقول:
- هاهاهاها... تستعبط!وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق