الاثنين، 23 ديسمبر 2024

لماذا تقلق دول عربية من التغيير في سوريا؟!

 

لماذا تقلق دول عربية من التغيير في سوريا؟!



منذ سقوط بشار الأسد أرسلت أمريكا والدول الأوروبية المبعوثين إلى دمشق، وتدفقت الوفود الغربية بدون تردد للتواصل مع القيادة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع قائد العمليات العسكرية، الذي وجَّه الضربة القاضية للنظام السوري، ولكن حتى الآن تبدو الحكومات العربية غائبة عن المشهد، وكأن الأمر لا يعنيها، وعندما قرر القادة العرب اتخاذ موقف كان في قمة العقبة بحضور وزير الخارجية الأمريكي، حيث طالبوا بتسليم إدارة المرحلة الانتقالية إلى الأمم المتحدة!

بدلًا من أن يساعد العرب الحكم الجديد في استكمال بناء النظام السياسي بعيدًا عن التدخلات الخارجية ودعوة ما بقي من الجيوش الأجنبية للخروج، دعت قمة العقبة إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي صدر عام 2015، وكان يدعو إلى وقف إطلاق النار، ويطالب بشار بتقاسم السلطة مع المعارضة السياسية، أي تنفيذ القرار الذي لم يعد مناسبًا بعد سقوط النظام الذي كان مجلس الأمن يحافظ على بقائه وليس عزله!

لم يعلن العرب استعداد الجامعة العربية -ولو بالكلام- لمساعدة الشعب السوري وتقديم الدعم العاجل للبلد المدمَّر، ولكن طالبت قمة العقبة بـ”دعم المبعوث الأممي إلى سوريا والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تزويده بكل الإمكانات اللازمة وبدء العمل على إنشاء بعثة أممية لمساعدة سوريا لرعاية العملية الانتقالية وفقًا لقرار مجلس الأمن”، ويبدو من تصريحات الدبلوماسيين الأمريكيين بعد ذلك أن بيان العقبة تم بتوجيه أمريكي ليكون هو المرجعية التي يدخل منها الغربيون للوصاية والهيمنة على المرحلة الانتقالية.


التدخل العربي الجماعي يضر ولا يفيد

منذ طوفان الأقصى ثبت أن جامعة الدول العربية انتهى دورها بعد التمزق والفرقة وتورط أكثر من دولة عربية في التطبيع مع الإسرائيليين، بل كانت مواقف بعض الدول معادية لغزة، وقد فضح القادة الإسرائيليون والأمريكيون مواقف بعض العرب الكارهين للمقاومة الفلسطينية، ولم يعد سرًّا أن بعض الرؤساء والملوك كانوا يقولون في العلن غير ما يقولونه لنتنياهو وبلينكن في الغرف المغلقة، حيث كانوا يؤيدون القضاء على حماس، وهو ما شجع إدارة بايدن على دعم الاستمرار في الإبادة حتى الآن.

وعندما طالب نتنياهو أصدقاءه العرب بالمشاركة في إدارة غزة، وتنفيذ ما وعدوا به لاستبعاد حماس، والوفاء بتعهداتهم، عجزوا ولم يقدروا على إعلان مواقفهم الحقيقية أمام شعوبهم. كما أن الشعب الفلسطيني لم يقبل أن يحكمه الإسرائيليون أو عملاؤهم من الفلسطينيين والمعاونين من العرب، وكانت الموافقات السرية سببًا في المأساة التي تعيشها غزة، وأصابت نتنياهو بالغرور والغطرسة فدخل لبنان ثم سوريا ويهدد الآن بكل وقاحة بضرب أي دولة عربية، بمزاعم الدفاع عن النفس، دون الالتزام بالقانون الدولي.

بالتأكيد لا أحد يطلب من الدول العربية في الوقت الحالي أن تتحرك بشكل جماعي وتتدخل في سوريا، لأن تدخلها سيكون لصالح أمريكا وإسرائيل، وهم الدولتان اللتان تحتلان سوريا، الأولى في الشرق والجنوب والثانية في الجنوب الغربي، بل يتوسع الإسرائيليون في القنيطرة ودرعا وريف دمشق للضغط على الحكم الجديد حتى لا يكمل تحرير شرق الفرات، لكن ما ندعو إليه أن تتحرك الدول صاحبة المصلحة بشكل منفرد بالتنسيق مع القيادة الجديدة بدون الوسيط الأمريكي، وأن تساعد قدر الاستطاعة في إفشال المكر الخارجي الذي يدخل من خلال البيت العربي.


مخاوف مُبالَغ فيها

كان دخول حلب أشبه بزلزال ضرب الدوائر الاستئصالية في العالم العربي وأصابها بالجنون، فارتفعت أصوات الصراخ والتحذير من قدوم المعارضة السورية بصبغتها الإسلامية، وطالب بعض المنزعجين إيران وروسيا بوقف المعارضة بأي طريقة! لكن بعد سقوط دمشق وهروب الطاغية وتخليه عن أقرب المقربين، سيطر الذهول على أوساط السياسيين والإعلاميين الذين لا يحتملون رؤية مسلم متدين صاحب لحية يحكم ولو في آخر الدنيا.

صحف وفضائيات عربية رسمية تسب وتلعن المعارضة السورية وقائدها أحمد الشرع، وتبكي على بشار الذي قتل شعبه وفرَّط في وطنه، بل تسببت “الهستيريا” في إثارة الفزع في بعض الدول، والمبالغة في التحذير من الخطر القادم والتحريض على مزيد من القمع، وليس الاستفادة مما حدث بتغيير السياسات التي تؤدي إلى الاحتقان وتفكيك الجبهة الداخلية.

وقد استمرت الحملات الإعلامية المضادة رغم التحسن الطفيف في المواقف الرسمية لبعض الدول، في ضوء القراءة العاقلة لما يجري، وما يبدو من حكمة القادة السوريين الجدد في حقن الدماء، والحفاظ على مؤسسات الدولة، وإشاعة روح العدل والتسامح في التعامل مع كل المكونات.


اللوبي الإسرائيلي في العالم العربي

لم يعد جديدًا أن لوبي إسرائيل في العالم العربي يعتمد على التخويف من كل ما هو إسلامي، ويشعل حربًا لا هوادة فيها ضد الهوية الإسلامية، ونجح هذا اللوبي في توريط بعض الدول في شيطنة التيارات الإسلامية ومنع أي مبادرة للتفاهم أو التعايش والاحتواء، وهذا اللوبي لا يفرق بين المعتدلين ومن يتبنون العنف، ولا بين جماعات وأحزاب سياسية وأخرى تعيش في مناطق تحت الاحتلال الأجنبي، أو يعتاش على وجودها من يزعم أنه يحاربها، وإن اختفت يوجدها (التحالف الدولي في شرق الفرات نموذجًا).

يشعل اللوبي الصهيوني والدوائر التابعة له حربًا لا نهاية لها ضد التيارات الإسلامية، ويورط بعض الحكومات في سياسات ضد الإسلام لا تحافظ على التماسك الداخلي، وتقيد أي مسؤول أو صاحب قرار من مجرد الحديث عن الإصلاح وتقوية الجبهة الداخلية أمام الخطر الاستراتيجي الحقيقي، وهو التغول الإسرائيلي المدعوم أمريكيًّا الذي يهدد كل المحيط العربي والإسلامي.

سوريا بموقعها الجيوسياسي ليست كأي دولة، ونجاح الحكم الجديد في تخطي الفخاخ المنصوبة سيكون مكسبًا كبيرًا للأمتين العربية والإسلامية، وإذا كانت تركيا وقطر أول من رحَّب بانتصار الثورة السورية وفتحتا سفارتيهما وأعلنتا تقديم كل الدعم، فإن المنطقي أن الدول العربية التي فتحت الأبواب للاجئين السوريين وأكرمتهم في محنتهم لن تسير خلف الدوائر الصهيونية الاستئصالية وتعادي شعبًا عربيًّا مسلمًا حرر بلده.

ليس من الحكمة السير في طرق القطيعة مع الثوابت وإدمان الخسارة، ففي عالم السياسة لا توجد عداوات مع الأشقاء دائمة ولا صداقات مع الأعداء إلى الأبد، وستثبت التطورات المتسارعة أن العقيدة هي مصدر القوة وأساس التحالفات، ومعاداتها ضعف وخذلان، ومن لم ير مصلحته مع محيطه العربي والإسلامي لن تنفعه التبعية لدول الهيمنة التي تأخذ ولا تعطي، ولم تعد قادرة على البقاء والاستمرار في منطقتنا أمام عواصف التحرر والرغبة في الاستقلال.

الكشف: كيف تم إحباط خطة إسرائيل لتقسيم سوريا بسبب سقوط الأسد


الكشف: كيف تم إحباط خطة إسرائيل لتقسيم سوريا بسبب سقوط الأسد

وتقول مصادر أمنية إن إسرائيل أرادت إبقاء الأسد في السلطة تحت
 الوصاية الإماراتية مع إقامة علاقات عسكرية واستراتيجية مع الأكراد
 في الشمال الشرقي والدروز في الجنوب
ديفيد هيرست



أحبطت الإطاحة بحكومة بشار الأسد إسرائيلي خطة للتقسيم سوريا إلى ثلاث كتل من أجل قطع علاقاتها معها إيران وحزب الله، بحسب مصادر أمنية إقليمية مطلعة على المؤامرة.

خططت إسرائيل لإقامة علاقات عسكرية واستراتيجية مع الأكراد في الشمال الشرقي والدروز في الجنوب، تاركة الأسد في السلطة في دمشق تحت حكمهم إماراتي التمويل والسيطرة.

وكان من الممكن أن يؤدي هذا أيضًا إلى الحد تركيا النفوذ في سوريا على إدلب والشمال الغربي، ومعقل هيئة تحرير الشام (HTS) والجماعات المتمردة المدعومة من تركيا والتي أدى هجومها الخاطف في وقت سابق من هذا الشهر إلى سقوط الأسد.

وقد تم التلميح إلى الخطة في خطاب ألقاه وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون سار قبل شهر قال فيه إن إسرائيل بحاجة إلى التواصل مع الأكراد والدروز في سوريا لبنان مضيفا أن هناك “الجوانب السياسية والأمنية” التي يجب أخذها بعين الاعتبار.

“يجب علينا أن ننظر إلى التطورات في هذا السياق ونفهم أنه في منطقة سنكون فيها دائمًا أقلية، يمكننا إقامة تحالفات طبيعية مع أقليات أخرى، ” قال سار.

لكن الخطة تجاوزتها الأحداث عندما انهارت القوات الموالية للأسد في حمص وحماة، تاركة الطريق إلى دمشق مفتوحا.

بحلول ذلك الوقت، كان المتمردون قد حطموا بالفعل الخطوط الأمامية واستولوا على حلب، أكبر مدينة في سوريا، دون قتال، مما أدى إلى تغيير ميزان القوى في الحرب الأهلية التي استمرت 13 عامًا في البلاد.

في الساعات الأولى من يوم الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول، ظهر محمد غازي الجلالي، رئيس الوزراء السوري، بالفيديو وهو يقول إنه مستعد لتسليم السلطة سلمياً.

وسرعان ما رد أحمد الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام المعروف باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، بأنه مستعد لإبقاء جليلي في السلطة حتى يتم تنظيم عملية انتقالية.

وكشفت مصادر أمنية أنه حتى مع اقتراب هيئة تحرير الشام من العاصمة، كان السفيران الإماراتي والأردني في سوريا يقومان بمحاولات يائسة لمنع هيئة تحرير الشام من السيطرة على دمشق.

وشجع الأردن الجيش السوري الحر والجماعات المتحالفة معه من الجنوب على الوصول إلى دمشق قبل هيئة تحرير الشام.

“قبل وصول جولاني, ورتب السفيران لمقاتلين من الجيش السوري الحر أن يصطحبوا رئيس الوزراء السوري من منزله ويأخذوه إلى فندق فور سيزونز حيث سيتم تسليمهم رسميًا وقالت مصادر أمنية لصحيفة ميدل إيست آي إن مؤسسات الدولة لدى الجماعات المسلحة من الجنوب، تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها.

وتم تصوير جلالي وهو يرافقه إلى الفندق جنود من منطقة حوران جنوب سوريا ينتمون إلى الفيلق الخامس, قوة عسكرية مكونة من متمردين سابقين سبق لهم أن تصالحوا مع الحكومة السورية.



توقف “Jalali واتصل بجولاني. قال له جولاني: ‘لا تفعل it’ واستجاب جلالي لتلك النصيحة،” كما قال مصدر.

وعندما أدركت إسرائيل أنها لا تستطيع إحباط استيلاء هيئة تحرير الشام على البلاد، بدأت في تدمير الأصول العسكرية السورية، بما في ذلك إغراق أسطولها في اللاذقية واحتلال الأراضي بما في ذلك جبل حرمون, أعلى جبل في سوريا بالقرب من الحدود مع لبنان ومرتفعات الجولان المحتلة.

“كانت هذه الأسلحة آمنة في عهد الأسد. وهذا هو المبلغ الذي استثمرته إسرائيل في إبقائه مسيطراً. لكنهم أصبحوا غير آمنين في أيدي المتمردين، ” كما قال مصدر.

وأعرب مسؤولون في كل من الأردن والإمارات العربية المتحدة عن قلقهم إزاء استيلاء هيئة تحرير الشام على السلطة، واحتمالات تشكيل حكومة يقودها الإسلاميون في سوريا، حتى لو كان ذلك، كما وعد الشرع, يتم تمثيل جميع الفصائل والأديان.

منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2011، كان الإماراتيون في طليعة الجهود المناهضة للديمقراطية والثورة في مصر وليبيا وتونس واليمن.


يوجد في الأردن أكثر من مليون لاجئ سوري ويشترك في حدود صحراوية طويلة مع سوريا تمتد بين القبائل التي تعيش على جانبي الحدود.

رداً على الأحداث التي شهدتها دمشق، عقد الأردن في نهاية الأسبوع الماضي اجتماعاً لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا في العقبة.

وتحدث بيان صدر بعد ذلك عن ضرورة الإشراف على العملية الانتقالية وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب… نظرا لأنه يشكل خطرا على سوريا وأمن المنطقة.
الساعات الأخيرة للأسد في دمشق

ويبدو أن تفاصيل اللحظات الأخيرة من حكم الأسد قد تم تأكيدها جزئياً من قبل رئيس تحرير صحيفة الأكبر إبراهيم الأمين، المعروف بأنه يعكس وجهة نظر حزب الله.

أمين كتب أن الأسد كان مقتنعاً جداً بأن الإماراتيين سيأتون لإنقاذه لدرجة أنه انتظر “ حتى الساعات الأخيرة ” قبل مغادرة دمشق.

“أحد شركاء الأسد الذي بقي معه حتى الساعات الأخيرة قبل مغادرته دمشق, يقول أن الرجل كان لا يزال يأمل في حدوث شيء كبير لوقف هجوم الفصائل المسلحة. ورأى أن ‘the المجتمع العربي والدولي ’ يفضل أن يبقى في السلطة، بدلا من أن يتولى الإسلاميون إدارة سوريا، ” كتب أمين.


'بمجرد أن أبلغ الروس والإيرانيون بشار الأسد أنهم لن يكونوا في قلب المعركة، أدرك الرجل أن الهزيمة قادمة'

- ابراهيم الأمين، جريدة الأكبر

وأدرك الأسد أن اللعبة انتهت بعد أن أقنع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان نظيريه الروسي والإيراني سيرجي لافروف وعباس أراغشي، اللذين كانا يحضران مؤتمرا في قطر, عدم التدخل.



“ بمجرد أن أبلغ الروس والإيرانيون بشار الأسد أنهم لن يكونوا في قلب المعركة، أدرك الرجل أن الهزيمة قادمة.” كتب أمين.

وأضاف أن حزب الله توصل إلى استنتاجاته الخاصة بشأن عدم جدوى مساعدة الأسد عندما رأوا أن جيشه غير مستعد للقتال من أجله.

وكانت خطة الحكومة الإسرائيلية لتقسيم سوريا تتشكل منذ أسابيع مع العلم بوقف إطلاق النار مع حزب الله في لبنان, والذي تم الاتفاق عليه نهاية الشهر الماضي كان في الطريق.

وكثف الرئيس الإماراتي محمد بن زايد اتصالاته مع الطائفة الدرزية في إسرائيل. والتقى بالشيخ موفق طريف الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل, في أبو ظبي في 7 ديسمبر.

وقبل ذلك بأسبوع، كان لدى الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة عقدت المحادثات حول استخدام احتمال رفع العقوبات كأداة لإقناع الأسد بقطع العلاقات مع إيران وإغلاق الطرق التي تسلكها الأسلحة الإيرانية عبر سوريا لإعادة إمداد حزب الله.
التقى الشيخ موفق طريف (L)، الزعيم الروحي للجالية الدرزية في إسرائيل، بالرئيس الإماراتي محمد بن زايد في أبو ظبي في 7 ديسمبر (WAM)
التقى الشيخ موفق طريف (L)، الزعيم الروحي للجالية الدرزية في إسرائيل، بالرئيس الإماراتي محمد بن زايد في أبو ظبي في 7 ديسمبر (WAM)



ومن المقرر أن تنتهي العقوبات الأكثر صرامة، المعروفة باسم قانون سيزار، والتي أقرها الكونجرس في عام 2019، يوم الجمعة ما لم يجددها المشرعون الأمريكيون.

وصل مسؤولون أمريكيون، الجمعة، إلى دمشق لإجراء أول محادثات رسمية لهم مع ممثلين عن هيئة تحرير الشام، التي لا تزال محظورة في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى باعتبارها جماعة إرهابية.

صرح جير بيدرسن، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، لمجلس الأمن يوم الثلاثاء أن أ “smooth end” وكانت العقوبات ضرورية لتلبية احتياجات سوريا الهائلة.
الخوف التركي من العمليات الإسرائيلية

وكانت خطط إسرائيل بشأن سوريا قد دقت أجراس الإنذار في أنقرة قبل وقت طويل من وقوع الأحداث الجارية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، عقد البرلمان التركي جلسة مغلقة لمعالجة العمليات العسكرية الإسرائيلية، والتي صنفتها القيادة التركية على أنها "تهديد للأمن القومي.

قبل شهرين من خطاب سار، قال الرئيس رجب طيب أردوغان للبرلمان في سبتمبر/أيلول إن إسرائيل لديها طموحات توسعية يمكن أن تستهدف أجزاء من الأناضول.


إن الأجندة التوسعية لإسرائيل، المدفوعة بالتعصب الديني، لا تتوقف عند غزة. وقال أردوغان إن هدفهم التالي قد يكون وطننا.

ووجه فيدان، وزير الخارجية ورئيس المخابرات السابق، الرسالة إلى الوطن جلسة أسئلة وأجوبة في مؤتمر الدوحة حيث كانت حكومة الأسد تنهار.

صرح فيدان أن “ Israel لم ترغب ولم ترغب في إزالة الأسد على الإطلاق، مضيفًا أن الولايات المتحدة أبلغتنا ”Turkey“ أن إسرائيل تريد Assad[ فقط.

وردا على سؤال عما إذا كان الأسد عضوا نشطا في محور المقاومة الإيراني، أجاب فيدان: “ على مدار 13 عاما، عندما كنت رئيسا لجهاز المخابرات, لقد حافظت على اتصالات مع إيران. كنت أقول لهم إن فكرة أن يكون الأسد جبهة للمقاومة هي فكرة ضد إيران.

“كان الأمر في الواقع غير واقعي. لقد كانت مزحة وكان الأسد يخدم إسرائيل فقط.”

وقد ردد حليفه السياسي مؤخرًا دعوة أردوغان لحمل السلاح، زعيم حزب الحركة القومية (MHP)، دولت بهجلي.

وقال بهجلي: “إذا واصلت إسرائيل طموحاتها التوسعية بسياسات الهيمنة والعدوان، فإن المواجهة بين تركيا وإسرائيل ستكون حتمية

وحاول الشرع تهدئة المخاوف الغربية من أن تكون سوريا تحت حكمه قاعدة للهجمات ضد إسرائيل. وقال لبي بي سي هذا الأسبوع إن سوريا لا تشكل تهديدا للعالم وطالب برفع العقوبات.

'إذا واصلت إسرائيل طموحاتها التوسعية بسياسات الهيمنة والعدوان، فإن المواجهة بين تركيا وإسرائيل ستكون حتمية'
- دولت بهجلي، حليف أردوغان



"والآن، بعد كل ما حدث، لا بد من رفع العقوبات لأنها كانت تستهدف النظام القديم. وقال إنه لا ينبغي معاملة الضحية والمضطهد بنفس الطريقة.

ولا تزال المصادر الأمنية واثقة من أن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يضطر الشرع إلى معالجة مسألة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية خارج مرتفعات الجولان, وهي معترف بها دوليًا كجزء من سوريا ولكن تم احتلالها – ثم ضمتها إسرائيل لاحقًا – منذ عام 1967.

وتم طرد ما يقرب من 130 ألف سوري من منازلهم عندما احتلت القوات الإسرائيلية مرتفعات الجولان. واستقروا في ضواحي دمشق حيث نما مجتمعهم منذ ذلك الحين إلى أكثر من 800 ألف. وكانت عائلة جولاني واحدة منهم.

وعلى عكس سيناء، التي احتلتها القوات الإسرائيلية عام 1967 ثم أعادتها بعد ذلك، قامت إسرائيل بضم مرتفعات الجولان. وهذا يعني أنه لم يكن هناك طريق مفتوح للسلام بشأن هذه القضية، لأنه لن يتنازل أي سوري عن مطالبته، ” كما قال مصدر أمني.

“على الرغم من أن نتنياهو يريد منا أن نصدق أنه انتصر في سوريا بكسر سلسلة محور المقاومة الإيراني, والحقيقة هي أن محوراً جديداً يتشكل بسرعة، وفي جوهره تركيا وسوريا الجديدة تحت قيادة إسلامية سنية.

وقال المصدر إن “This لن يؤدي إلا إلى تعميق التحديات التي تواجه إسرائيل لأنه يفتح المواجهة مع العالم السني الأوسع.

اتصلت ميدل إيست آي بوزارة الخارجية الإسرائيلية للتعليق لكنها لم تتلق ردًا حتى وقت النشر.

وسبق للوزارة أن وصفت تقدم القوات الإسرائيلية إلى الأراضي السورية خارج مرتفعات الجولان المحتلة بأنه عملية محدودة ومؤقتة، وقالت إنها "ضروري لأسباب دفاعية بسبب التهديدات التي تشكلها الجماعات الجهادية العاملة بالقرب من الحدود."

يوم الثلاثاء، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القوات التي تمت زيارتها وتمركزت في قمة جبل الشيخ وقالت إن القوات الإسرائيلية "ستبقى في هذا المكان المهم حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل".

كما انتقدت إسرائيل دعم تركيا للجماعات المتمردة السورية والعمليات العسكرية ضد الأكراد في شمال شرق سوريا.

في أ تصريح وقالت الوزارة يوم الثلاثاء: “آخر دولة يمكنها الحديث عن الاحتلال في سوريا هي تركيا… لا يوجد أي مبرر لاستمرار العدوان التركي والعنف ضد الأكراد في سوريا!”

كما اتصلت MEE بوزارتي الخارجية الإماراتية والأردنية للتعليق لكنها لم تتلق ردًا حتى وقت النشر.

في أ تصريح وقالت وزارة الخارجية الإماراتية يوم الاثنين: “إن دولة الإمارات العربية المتحدة تراقب عن كثب التطورات الجارية في الجمهورية العربية السورية, ويكرر التزامه بوحدة وسلامة الدولة السورية، فضلا عن ضمان الأمن والاستقرار للشعب السوري الشقيق."

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي يوم الاثنين قال: “هذه لحظة تاريخية في دولة سوريا الشقيقة، لحظة تتطلب منا جميعا الوقوف إلى جانب الشعب السوري, لمساعدتهم على الشروع في تحقيق إنجاز تاريخي في بناء مستقبل يشكله السوريون أنفسهم، وضمان أمن سوريا ووحدتها واستقرارها وسيادتها وحقوق جميع السوريين


 المصدر:موقع "ميدل إيست آي


*******************************

ديفيد هيرست: المعارضة أفشلت خطة إماراتية إسرائيلية لتقسيم

 سوريا والإبقاء على الأسد


ترجمه "عربي21"






في حديث مع موقع ميدل إيست آي، قالت مصادر أمنية إن إسرائيل أرادت إبقاء ‏الأسد في السلطة تحت وصاية إماراتية بينما تمضي قدماً في إنشاء روابط ‏عسكرية واستراتيجية مع الكرد في الشمال الشرقي ومع الدروز في الجنوب.

لقد أحبطت الإطاحة بحكومة بشار الأسد خطة إسرائيلية تستهدف تقسيم سوريا ‏إلى ثلاث كتل من أجل حملها على قطع علاقاتها مع إيران وحزب الله، وذلك ‏بحسب ما صرحت به مصادر أمنية إقليمية تم إحاطتها بتفاصيل ذلك المخطط. ‏

كانت إسرائيل قد خططت لإنشاء ارتباطات عسكرية واستراتيجية مع الكرد في ‏الشمال الشرقي ومع الدروز في الجنوب، تاركة الأسد في السلطة في دمشق في ‏رعاية إماراتية تضمن تمويله والسيطرة عليه في نفس الوقت. ‏

فيما لو تم تنفيذ ذلك المخطط فإنه سوف يقصر نفوذ تركيا داخل سوريا على ‏إدلب وعلى الشمال الغربي، حيث تتمركز حركة تحرير الشام ومجموعات ‏الثوار المدعومة من قبل تركيا، والتي أفضى هجومها المباغت والسريع هذا ‏الشهر إلى سقوط الأسد. ‏

وكانت الإشارة إلى هذه الخطة قد وردت في خطاب لوزير الخارجية الإسرائيلي ‏جدعون ساعر قبل شهر، والذي قال فيه إن إسرائيل بحاجة إلى التواصل مع ‏الكرد والدروز في سوريا وفي لبنان، مضيفاً أن ثمة "جوانب سياسية وأمنية" ‏بحاجة إلى أن تؤخذ بالاعتبار. ‏

وقال ساعر: "يجب علينا أن ننظر إلى التطورات ضمن هذا السياق وأن نفهم ‏أنه في منطقة سنبقى فيها دوماً أقلية، فإن بإمكاننا أن نقيم تحالفات طبيعية مع ‏الأقليات الأخرى". ‏

إلا أن الخطة تجاوزتها الأحداث عندما تهاوت القوات الموالية للأسد في كل من ‏حمص وحماة، مما فتح الباب على مصراعيه أما الطريق باتجاه دمشق. ‏

كان الثوار حينها قد حطموا خطوط الجبهات الأمامية واستولوا على حلب، أكبر ‏مدينة في سوريا، بدون قتال، مما أحدث تحولاً في ميزان القوة في الحرب ‏الأهلية التي تشهدها البلاد منذ ثلاثة عشر عاماً. ‏

في الساعات الأولى من يوم الأحد الثامن من ديسمبر، ظهر رئيس وزراء ‏سوريا محمد غازي الجلالي في مقطع فيديو ليعلن بأنه على استعداد لتسليم ‏السلطة سلمياً. ‏

سارع أحمد الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام الشهير باسمه الحركي "أبو محمد ‏الجولاني"، إلى الرد قائلاً بأنه على استعداد لإبقاء الجلالي في منصبه إلى أن يتم ‏تنظيم عملية نقل السلطة. ‏

ولكن بينما كانت هيئة تحرير الشام تقترب من العاصمة، كان سفيرا كل من ‏الأردن والإمارات في سوريا يقومان بمحاولات يائسة للحيلولة دون تمكن هيئة ‏تحرير الشام من وضع يدها على دمشق، وذلك بحسب ما كشفت عنه مصادر ‏أمنية. ‏

ولذلك قام الأردن بتشجيع الجيش السوري الحر والمجموعات المتحالفة معه ‏على التحرك من الجنوب والاستيلاء على دمشق قبل أن تصلها هيئة تحرير ‏الشام. ‏

وفي تصريح لموقع "ميدل إيست آي"، قالت مصادر أمنية اشترطت الإبقاء على ‏هويتها طي الكتمان: "قبل أن يصل الجولاني، رتب السفيران للمقاتلين من ‏الجيش السوري الحر أخذ رئيس الوزراء السوري من منزله واصطحابه إلى ‏فندق "فور سيزنس" حيث كان من المقرر أن يتم تسليم مؤسسات السلطة بشكل ‏رسمي إلى المجموعات المسلحة القادمة من الجنوب".

وتم تصوير الجلالي وهو ينتقل إلى الفندق برفقة جنود من منطقة حوران في ‏الجنوب السوري ينتمون إلى الفيلق الخامس، وهي قوة مسلحة مشكلة من ثوار ‏سابقين كانوا من قبل قد تصالحوا مع الحكومة السورية. ‏

وتقول المصادر إن الجلالي تلكأ، واتصل هاتفياً بالجولاني، الذي قال له: "لا ‏تفعل ذلك"، فالتزم الجلالي بما نصحه به الجولاني. ‏

عندما أدركت إسرائيل أنها غير قادرة على منع هيئة تحرير الشام من الاستيلاء ‏على البلد بدأت بتدمير القدرات العسكرية السورية، بما في ذلك إغراق الأسطول ‏الراسي في اللاذقية واحتلال أراض تضم جبل الهرمل، أعلى جبل سوري ‏بالقرب من الحدود مع لبنان ومرتفعات الجولان المحتلة. ‏

تقول المصادر: "كانت تلك الأسلحة في أمان تحت قيادة الأسد. ولذلك كانت ‏إسرائيل حريصة على إبقاء مقاليد الأمور في يده. إلا أن الأسلحة لم تعد آمنة في ‏يد الثوار".

أصيب المسؤولون في كل من الأردن والإمارات العربية المتحدة بالذعر إزاء ‏استيلاء هيئة تحرير الشام على البلد، وما يعنيه ذلك من احتمال قيام حكومة ‏يرأسها الإسلاميون في سوريا، وذلك على الرغم مما تعهد به الشرع من أن ‏جميع الفصائل والأديان سوف تكون ممثلة. ‏

منذ انطلاق ثورات الربيع العربي في عام 2011، لم يزل الإماراتيون في ‏طليعة من يبذلون الجهود المعادية للديمقراطية والمضادة للثورات في كل من ‏مصر وليبيا وتونس واليمن. ‏

يوجد ما يزيد عن مليون لاجئ سوري داخل الأردن الذي يشترك مع سوريا في ‏حدود صحراوية طويلة، تتواجد على جانبيها نفس القبائل. ‏

رداً على الأحداث التي شهدتها دمشق، سارع الأردن نهاية الأسبوع الماضي ‏إلى عقد لقاء للجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا في مدينة العقبة. ‏

تحدث بيان صدر عن اللقاء فيما بعد عن الحاجة إلى "الإشراف على عملية ‏الانتقال" وكذلك "تعزيز الجهود من أجل مكافحة الإرهاب... بالنظر إلى أنه ‏يشكل خطراً على سوريا وعلى أمن المنطقة".

ساعات الأسد الأخيرة في دمشق

يبدو أن تفاصيل اللحظات الأخيرة لحكم الأسد يؤيدها ولو جزئياً ما أورده ‏إبراهيم الأمين، محرر صحيفة الأخبار التي يعرف عنها أنها تعكس رؤية حزب ‏الله. ‏

كتب الأمين قائلاً إن الأسد كان على قناعة تامة بأن الإماراتيين سوف يهبون ‏لنجدته، حتى أنه انتظر إلى الساعات الأخيرة قبل أن يغادر دمشق. ‏

ومضى الأمين يقول: "يقول أحد أقران الأسد، والذي بقي معه حتى الساعات ‏الأخيرة قبل أن يغادر دمشق، إن الرجل كان ما زال يرجو حدوث شيء كبير من ‏شأنه أن يوقف هجوم الفصائل. كان يعتقد بأن العرب والمجتمع الدولي كانوا ‏سيفضلون بقاءه في السلطة على أن يتولى الإسلاميون إدارة سوريا".

أدرك الأسد أن الأمر قد قضي بعد أن أقنع وزير خارجية تركيا حاكان فيدان ‏نظيريه الروسي والإيراني، سيرجي لافروف وعباس عراقجي، الذين كانوا ‏جميعاً يشاركون في مؤتمر في قطر، بعدم التدخل. ‏

كتب الأمين يقول: "بمجرد أن أخبر الروس والإيرانيون بشار الأسد بأنهم لن ‏يكونوا في قلب المعركة، أدرك الرجل أن الهزيمة وشيكة".

وأضاف قائلاً إن حزب الله خلص إلى أن من غير المجدي أن يهب لنجدة الأسد ‏بنفسه بعد أن رأى أن جيشه غير مستعد للقتال من أجله.‏

تبلورت خطة الحكومة الإسرائيلية لتقسيم سوريا منذ أسابيع مضت بعد أن تيقنت ‏بأن وقف إطلاق النار مع حزب الله في لبنان غدا وشيكاً، وهو ما تم بالفعل ‏الاتفاق عليه في نهاية الشهر الماضي. ‏

كان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد قد بادر بتكثيف ‏اتصالاته مع الجالية الدرزية داخل إسرائيل، حيث التقى في السابع من ديسمبر ‏في أبو ظبي بالشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل. ‏

قبل أسبوع من ذلك، أجرت الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة ‏محادثات حول استخدام إمكانية رفع العقوبات كوسيلة لإقناع الأسد بقطع علاقاته ‏مع إيران وإغلاق خطوط الإمداد التي تسلكها الأسلحة الإيرانية عبر سوريا ‏لتزويد حزب الله بها. ‏

كان من المقرر أن تنتهي يوم الجمعة صلاحية أشد هذه العقوبات، والتي تعرف ‏بقانون قيصر – والذي سنه الكونغرس الأمريكي في عام 2019، ما لم يبادر ‏المشرعون الأمريكيون إلى تجديدها. ‏

وصل يوم الجمعة إلى دمشق مسؤولون أمريكيون لإجراء أول محادثات رسمية ‏مع ممثلين لهيئة تحرير الشام، والتي ما زالت محظورة من قبل الولايات المتحدة ‏وغيرها من البلدان الغربية باعتبارها مجموعة إرهابية. ‏

وكان غير بيدرسن، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، قد قال أمام ‏مجلس الأمن يوم الثلاثاء إن "الإنهاء السلس" للعقوبات بات مطلوباً من أجل ‏تلبية احتياجات سوريا الكبيرة. ‏

تخوف تركيا من العمليات الإسرائيلية

كانت مخططات إسرائيل في سوريا قد دقت نواقيس الخطر في أنقرة قبل وقت ‏طويل من بدء الأحداث الراهنة هناك. ‏

ففي شهر أكتوبر (تشرين الأول) عقد البرلمان التركي جلسة مغلقة لمناقشة ‏العمليات العسكرية الإسرائيلية، والتي صنفتها القيادة التركية باعتبارها "تهديداً ‏للأمن القومي". ‏

وقبل شهرين من خطاب ساعر، قال الرئيس رجب طيب أردوغان مخاطباً ‏البرلمان في سبتمبر إن إسرائيل لديها أطماع توسعية قد تستهدف "أجزاء من ‏الأناضول".

وأضاف أردوغان: "إن أجندة إسرائيل التوسعية، والمدفوعة من قبل التطرف ‏الديني، لا تتوقف عند غزة. بل لربما كان وطننا هو الهدف التالي لها".

أما فيدان، وزير الخارجية الذي كان من قبل قد شغل منصب رئيس المخابرات، ‏فقد أوصل الرسالة من خلال جلسة أسئلة وأجوبة نظمت له على هامش مؤتمر ‏الدوحة بينما كانت حكومة الأسد تتهاوى. ‏

صرح فيدان بأن "إسرائيل لم ترد إزاحة الأسد ولم تكن ترغب في سقوطه"، ‏مضيفاً بأن الولايات المتحدة "أخبرتنا (تركيا) بأن إسرائيل لم ترد سوى الأسد".

وعندما سئل عما إذا كان الأسد في أي وقت من الأوقات عضواً في محور ‏المقاومة الإيراني، أجاب فيدان: "على مدى الثلاثة عشر عاماً التي شغلت فيها ‏منصب رئيس وكالة المخابرات، كنت على تواصل دائم مع الإيرانيين، وكنت ‏أقول لهم باستمرار إن فكرة أن الأسد واجهة للمقاومة تضر بإيران. فقد كانت ‏تلك الفكرة في حقيقة الأمر غير واقعية. بل كانت نكتة، حيث أن الأسد كان بكل ‏بساطة يخدم إسرائيل".

كانت دعوة أردوغان إلى النفير قد صدرت مؤخراً عن حليفه السياسي، زعيم ‏حزب الحركة القومية دولت بهجلي. ‏

فقد قال بهجلي: "إذا ما استمرت إسرائيل في أطماعها التوسعية بممارسة ‏سياسات الهيمنة والعدوان، فإن المواجهة بين تركيا وإسرائيل سوف تكون ‏حتمية". ‏

حاول الشرع تبديد المخاوف الغربية من أن سوريا تحت حكمه سوف تتحول ‏إلى قاعدة لشن الهجمات على إسرائيل. وقال في تصريح للبي بي سي هذا ‏الأسبوع إن سوريا لا تشكل خطراً على العالم، وناشد دول الغرب رفع العقوبات ‏عن بلاده. ‏

وقال: "الآن، بعد كل هذا الذي حدث، يجب رفع العقوبات لأنها كانت تستهدف ‏النظام القديم. لا ينبغي أن يعامل الضحية والطاغية بنفس الطريقة".

أعربت المصادر الأمنية عن ثقتها في أن الشرع، عاجلاً أم آجلاً، لا بد أن ‏يتطرق إلى مسألة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية فيما يلي مرتفعات ‏الجولان، والتي يعترف دولياً بأنها جزء من سوريا ولكنه يخضع للاحتلال، ثم ‏بعد ذلك تعرض للضم، من قبل إسرائيل منذ عام 1967. ‏

ما يقرب من 130 ألف سوري تم إجلاؤهم عن ديارهم حينما احتلت القوات ‏الإسرائيلية مرتفعات الجولان. استقر هؤلاء المهجرون في ضواحي دمشق، ‏حيث نما تعدادهم إلى ما يزيد عن 800 ألف نسمة. كانت عائلة الجولاني واحدة ‏من هؤلاء المهجرين. ‏

قال مصدر أمني: "خلافاً لما حدث في حالة سيناء، التي احتلتها القوات ‏الإسرائيلية في عام 1967 ثم انسحبت منها فيما بعد، قامت إسرائيل بضم ‏مرتفعات الجولان. وهذا يعني أنه لم يعد ثمة سبيل مفتوح أمام السلام بشأن هذه ‏القضية، لأنه لا يوجد من بين السوريين من يتنازل عن حقه". ‏

وأضاف: "على الرغم من أن نتنياهو يريد منا أن نعتقد بأنه حقق كسباً في ‏سوريا من خلال كسره لسلسلة محور المقاومة الإيراني، إلا أن محوراً جديداً ‏يتشكل سريعاً على أرض الواقع، تتواجد في القلب منه تركيا وسوريا الجديدة ‏بقيادة الإسلاميين السنة". ‏

ومضى المصدر يقول: "وهذا من شأنه أن يعمق التحديات التي تواجه إسرائيل ‏إذ تمضي في توسيع دائرة المواجهة مع العالم السني الأشمل".

تواصل موقع ميدل إيست آي مع وزارة الخارجية الإسرائيلية للحصول على ‏تعليق منها، ولكنه لم يتلق جواباً حتى موعد النشر. ‏

وكانت الوزارة قد وصفت من قبل توغل القوات الإسرائيلية داخل الأراضي ‏السورية فيما يلي مرتفعات الجولان بأنه "عملية مؤقتة ومحدودة" قالت إنها ‏كانت "ضرورية لأغراض دفاعية بسبب التهديدات التي تشكلها المجموعات ‏الجهادية التي تنشط بالقرب من الحدود".

قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الثلاثاء بزيارة قواته ‏المتواجدة على قمة جيل الهرمل وقال إن القوات الإسرائيلية سوف "تبقى في هذا ‏المكان المهم إلى أن يتم التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل". ‏

كما انتقدت إسرائيل دعم تركيا لمجموعات الثوار السوريين وللعمليات العسكرية ‏التي تشن ضد الكرد في شمال شرقي سوريا. ‏

وقالت الوزارة في بيان أصدرته يوم الثلاثاء: "آخر بلد يمكنه الحديث عن ‏الاحتلال في سوريا هي تركيا... لا يوجد تبرير لاستمرار العدوان التركي ‏والعنف الذي يمارس ضد الكرد في سوريا". ‏

كما تواصل موقع ميدل إيست آي مع وزارتي الخارجية في كل من الإمارات ‏والأردن للحصول على تعليق منهما ولكنه لم يتلق جواباً حتى موعد النشر. ‏

أصدرت وزارة الخارجية الإماراتية يوم الاثنين بياناً جاء فيه: "ترصد الإمارات ‏العربية المتحدة عن كثب التطورات الجارية في الجمهورية العربية السورية، ‏وتعيد التأكيد على التزامها بوحدة وسلامة الدولة السورية، وكذلك بضمان الأمن ‏والاستقرار للشعب السوري الشقيق". ‏

أما وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي فقال: "هذه لحظة تاريخية بالنسبة ‏للبلد الشقيق سوريا، تتطلب منا جميعاً الوقوف مع الشعب السوري، لمساعدتهم ‏في تحقيق إنجاز تاريخي في بناء مستقبل يرسمه السوريون بأنفسهم، بما يضمن ‏أمن ووحدة واستقلال وسيادة سوريا وحقوق جميع السوريين". ‏ ‏

أبو مصعب على بوّابة غرفة الولادة! (قصة من وحي السجون)

 أبو مصعب على بوّابة غرفة الولادة! (قصة من وحي السجون)

وليد الهودلي


لا يعلنون ساعة الصفر للإفراج عمّن استحقّ عليهم الإفراج وفق معاييرهم السوداء، تضطّر للوقوف أمام سجن عوفر الإسرائيلي من صبيحة اليوم إلى منتصف الليل.. مساحة فضفاضة من الزمن الصعب وأنت تنتظر انبجاس بوابة السجن وخروج الحبيب، زمن تمرّ به نفسيّتك في أصعب ظروفها القاسية والقاهرة والمفجّرة لمرارتك الصفراء، والهواجس أشد وأنكى من تقلّبات الطقس وغبار الطريق الذي تعبره الشاحنات الثقيلة بكلّ ضجيجها وغبارها.. تصبح خرقة جافّة بالية تذروها الرياح على قارعة الطريق، تحاول أن تزجي الوقت ببعض تحليلات السياسة وإلى أين وصلت إليه أخيرا حرب الإبادة في غزّة وما ستؤول إليه أيامها.. الوقت كاف لغربلة كلّ شيء بينك وبين الجار بالمأساة وملهاة الاحتلال التي يقال عنها سجون.

لعبة الاعتقال القاسية ليست في آخر رمق، يُفرج عن الحبيب المنتظر وينتهي الأمر، ما زال أخوان له منذ بداية الحرب وأخ منذ بداية انتفاضة الحجارة، يعني منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود.. أمعن النظر فيما تكتب يا رجل! ثلاثة عقود أم ثلاث سنين؟ عقود، وأعني ما أقول. وهناك زيادة على ذلك صهر وأبناء وأخ.. ووو.. وكثيرون، المهم الآن لنستقبل فرحة مجزوءة ولو لهنيهة من الوقت، والبقيّة الباقية كلّ شيء عنده سبحانه بمقدار.

السجن الذي سينطلق منه المفرج عنهم لا يسمح بالاقتراب منه، غارق في ظلام بعيد، تقف أمام نقطة عسكرية وبوّابة تفضي إلى السجن بعد مسيرة كيلومتر تقريبا، عشرات الرجال والنساء والأطفال ينتظرون كما الذي ينتظر وليده أمام غرفة الولادة في مشفى، فالخارج من هنا مولود بعد أن كان مفقودا هناك.. الجنود يتربّصون ويشهرون مدافعهم باتجاه الناس كأن الناس وحش يوشك افتراسهم.. شاحنات ثقيلة تعبر المكان تشق طريقها بقسوة وضجّة فظيعة غير عابئة بالمنتظرين أشواقهم القادمة من هناك.

مصعب معتقل إداري، أبو مصعب يدرك تماما ماذا يعني ذلك، فيمكن تجديده في أية لحظة فيعود ليقضي فترة إضافية دون أيّ مبرّر منطقي أو مسوّغ قانوني، هو فقط منطق الاحتلال وشريعة الغاب التي لا تحتاج إلى قانون، ويدرك ماذا تعني السجون في ظلّ هذه الحرب غير المسبوقة في توحّشها وإمعانها في الدم الفلسطيني، استفردوا بالأسرى أيضا وأمعنوا في سومهم أشدّ ألوان العذاب.. هناك خلف هذا الظلام ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من صنوف التنكيل وصبّ كلّ صنوف القهر والإذلال. مصعب تمّ تجديده ثلاث مرّات في هذه الحبسة، احتمال إتباعها الرابعة في آخر لحظة وارد، عندئذ يعودون أدراجهم بألم فظيع، ستطوي حزنك في صدرك وتلوذ به وتعود للانتظار المميت شهورا قادمة.

أبو مصعب عين على البوّابة وعين على هذا الطفل ابن مصعب الذي سمّاه باسم جدّه، الذي ملّ الانتظار وراح في نوم عميق في حجر أمّه، هل سيعود للبيت بحضن أمّه أم حضن أبيه؟ ويبتهل من قحف قلبه لربّه أن يعودوا ومصعب معهم، وينظر للأيام القادمة التي ستحمل له ولديه من ذاك الظلام والحبيب الغالي الذي طال عليه أمد السجن كثيرا كثيرا: أخوه نضال.

تعالت أصوات من بعيد فحدّج أبو مصعب بعينيه التي ضاقت من كثرة ما أمعنت في ذات المكان الذي يولد منه الموعودون بالإفراج، ارتدّ إليه بصره دون أن يأتي بشيء:

- انظري جيدا أم مصعب، ما زال نظرك في شبابه. ما شاء الله عليك، زرقاء اليمامة.

- انظر بقلبك أبا مصعب، ولدك تراه بقلبك (إنّي لأجد ريح يوسف).

- آه والله إني لأجد ريح مصعب. أنا شاعر إنّه الشباب روّحوا.

- الله يحفظ لي شعورك الجميل.

- أهذا وقت الغزل يا أم مصعب؟

خرجت مجموعة من المعتقلين وطفق أهلهم في عناقهم الحميم كأنّهم المطر المنهمر، ركض شابّ من المعتقلين، التحم بأبي مصعب وعانقه عناقا حارّا، يقبّل يديه وجبينه، أبو مصعب يرجع ذاكرته التي لم تسعفه، "من هذا الشاب الذي يعرفني جيّدا بينما أنا لا أعرفه". مسكين يخرج من ظلمات القهر ليجد نفسه في فضاء الحريّة، قد خلت عليه ففكّرني أباه، ظمؤه لهذا اللقاء الحميم أعماه بصره، ولكنّ أبا مصعب لا يعرفه، يحاول استفزاز الذاكرة وحثّها لإخراج مخبوئها دون فائدة.

انتهى من العناق المجهول وسارع للبحث عن العناق المعلوم. التفت إلى يمينه ليجد أم مصعب باسمة الثغر والهة القلب، فسألها:

- أين مصعب؟

- ما لك أبا مصعب، ومن الذي كنت تعانقه؟

أمعن النظر، عدّل نظّارته، إنه نصف مصعب، ترك نصفه الثاني في السجن ولم تكن القسمة بطريقة عادلة، أخذوا منه بكلّ الاتجاهات حتى أفقدوه ملامحه لدرجة لم تمكّن أباه من التعرّف عليه، حوّلوه لهيكل عظمي، لم يعد هناك بطن ولا خصر ولا وجنتان ولا وجه، معركة ضروس من القهر والتجويع وإضاعة الملامح.

معركة البابين

 

معركة البابين 

صورة د. تيسير التميمي

د. تيسير التميمي

قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس

معركة البابينواحدة من معارك الحروب الصليبية ضد مصر أيام 

تعرّضها للحملة الصليبية الثالثة، ودارت رحاها على مدى ثلاثة أيام

 في 18-4-1167 في أواخر شهر جمادى الآخرة من عام 562هـ

 على أرض مصر الشقيقة في منطقة البابَيْن (وتقع جنوب الْمِنْيا

 بعشرة أميال عند أطلال هيرموبوليس القديمة)

وكانت بين جيش السلطان الشهيد نور الدين محمود زنكي بقيادة أسد

 الدين شيركوه وبمشاركة ابن أخيه وأحد كبار ضباطه صلاح الدين

 الأيوبي رحمهم الله، وفي المقابل جيش من التحالف الصليبي

 الفاطمي الذي يقوده الملك عموري الأول ملك القدس المحتلة

 صليبياً،أسفرت المعركة عن هزيمة تحالف الشر ذاك وانتصار

 ساحق لجيش المسلمين الزنكيّ.

الملك عموري الأول حليف استراتيجي للدولة الفاطمية

كان الملك عموري الأول حليفاً استراتيجياً وحامياً للدولة الفاطمية.

 أراد هذا الملك تدمير الجيش الزنكي الذي أرسله نور الدين من

 سوريا إلى مصر،وكان هوسه الاستيلاء على مصر نظراً لأهميتها،

 فقد غزاها عدة مرات خلال فترة حكمه،لكنه لم ينجح في أيٍّ منها

 لأنه كان يواجه في كل مرة مقاومة قوية من المسلمين وبالأخص

 من نور الدين زنكي وقادته وجنوده،لذلك كان القتال في هذه

 المعركة سيصب في مصلحته لو أنه انتهى بانتصار الفرنجة،

قصة معركة البابين

وأما عن قصة هذه المعركة فقد كنتُ ذكرت في مقال سابق أن الوزير الفاطمي الخائن شاور تمكَّن من العودة إلى الوزارة والحكم بفضل الجيش الزنكي بقيادة شيركوه وصلاح الدين وغيرهما من القادة،

لكنه فور ذلك غدر بهم واستنجد عليهم بالصليبيين، فسارع
 الصليبيون في القدوم إليه،وحتى هؤلاء لم يفِ لهم شاور بالوعد،
 فبعد أن اطمأن إلى مركزه لجأ إلى الحيلة معهم ليجليهم عن مصر،

فأرسل لملكهم كتاباً جاء فيه [قد عرفتَ محبتي ومودتي، ولكن العاضد والمسلمين لا يوافقوني على تسليم البلد]

فعرض عليه الصلح وأخذ المال والرحيل عن مصر لئلا يتسلمها نور الدين فيما لو وصلها جيشه وواجه جيشهم،

فلما رأى الفرنج أن مصر امتنعت عليهم وافقوا على عرض شاور بعد التشاور

فقالوا فيما بينهم [نأخذ المال فنتقوَّى به ونعاود البلاد بقوة لا نبالي معها بنور الدين]

وشرطوا أن يعطيهم ألف ألف دينار مصرية (مليون دينار) يعجّل بعضها، فعجل لهم مائة ألف دينار ووعدهم بدقع الباقي بالتقسيط.

وفيما بعد كان بعض أعيان المصريين قد كاتبوا الفرنج ووعدوهم النصرة عداوة منهم لشاور ونكاية به،

فقد فرض على الناس دفع الأموال الطائلة ليسلمها للصليبيين، فقوي بذلك موقف الفرنج وأتوا مصر ثانية طمعاً باحتلالها وخوفاً من سيطرة نور الدين وشيركوه عليها

لأن ذلك سيهدد وجودهم في كل البلاد التي يحتلونها، وبدأوا بتجهيز جيوشهم بسرّيّةٍ،

وراسلوا ملك عسقلان الموصوف بالشجاعة والدهاء لمشاركتهم غزو مصر فلم يوافقهم،

فحاول الفرسان وذوو الرأي إقناعه فقال لهم 
[الرأي عندي أن لا نقصدها، فأموالها تُساق إلينا نتقوى بها على نور الدين،فإن قصدناها فلن يسلمها أهلها لنا بل سيقاتلوننا دونها، وسيحملهم الخوف منا على تسليمها إلى نور الدين،ولئن أخذها نور الدين فهو هلاك الفرنج وإجلاؤهم من أرض الشام] 

فقالوا له

[إنها لا مانع فيها ولا حامي لها، وإلى أن يتجهز عسكر نور الدين ويسير إليها نكون قد ملكناها وفرغنا من أمرها،وحينئذ سيتمنى نور الدين منا السلامة] فسار معهم على كره منه،

إحراق مدينة مصر خوفاً من سيطرة الفرنج

وحتى لا يعلم نور الدين بحقيقة حملتهم هذه وأهدافها تظاهروا بأنهم يريدون التوجه إلى مدينة حمص، فساروا إلى مصر في جحافل هائلة،
فنزلوا مدينة بلبيس واحتلوها ونهبوها وقتلوا وأسروا كثيراً من أهلها، فلما رأوا أن لا أحد يردعهم أو يحاسبهم تمادوا طغوا وبغوا،

تضايق الوزير شاور من هذا الحال فأمر الناس بإحراق مدينة مصر خوفاً من سيطرة الفرنج عليها ونهب ما فيها،

وأمر أهلها بالانتقال منها إلى القاهرة فاستجابوا لأمره، وإنه لأمر مستغرب أن شاور وهو المتولي للأمر كله كيف له أن يضيق ذرعاً بأفعال الفرنجة،

كيف وهم حلفاؤه يلجأ إليهم ضد بني جلدته ودينه كلما تزلزلت الأرض من تحت أقدامه وتزعزعت مكانته وتهدد منصبه ؟

بعد سيطرة الفرنجة على بلبيس ساروا إلى القاهرة وشددوا عليها الحصار وضيقوا على أهلها، لكنهم وجدوا مقاومة باسلة من المصريين الذين لم يستسلموا لعدوهم؛

بل قاتلوا دون مدينتهم وأرضهم وبذلوا جهدهم في حفظها، لكن الحال في مصر أصبح عصيباً جداً لا يطاق،

والناس في كرب عظيم وفي همٍّ وغمّ ومعاناة شديدة،

فأرسل العاضد الخليفة الفاطمي إلى نور الدين زنكي يستنصره ويعرِّفه بضعف المسلمين في مصر وما هم عليه من هوان وذلة وحالٍ بائس،

وبعث إليه في الكتاب بشعور النساء وقال له [أدركني واستنقذ نسائي، هذه شعور النساء من قصري يستغثْن بك لتنقذهن من أيدي الفرنج]

وما كان من نور الدين السلطان المجاهد للغزاة الصليبيين إلا أن استجاب لاستصراخ الخليفة تنفيذاً لأمر الله تعالى الذي قال

{… وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ…} الأنفال 72،

تجهيز الجيش الزنكي لإرساله إلى مصر

كان نور الدين في حلب لما وصله كتاب العاضد، فأرسل إلى أسد الدين شيركوه يستدعيه فلقيه على باب حلب قادماً من حمص،

فتوجها معاً إلى دمشق وشرعا بتجهيز الجيش لإرساله إلى مصر وجعل شيركوه على رأسه وأعطاه مائتَيْ ألف دينار،

هذا غير الثياب والدواب والعتاد والأسلحة وغيرها، واختار نور الدين من خيرة عسكره ألفَيْ فارس وأعطى كل فارس منهم عشرين ديناراً معونة غير محسوبة،

وأرسل مع شيركوه مجموعة من الأمراء والقادة والأعيان الذين يبتغون بجهادهم رضا الرحمن،

ومن هؤلاء الأمراء صلاح الدين الأيوبي وعز الدين جورديك وعز الدين قلج وشرف الدين بُزْغُش وعين الدولة الياروقي وقطب الدين ينال المنبجي رحمهم الله جميعاً.

تجهز أسد الدين وسار في شهر ربيع الآخر في جيش قوي وسار به إلى مصر، فلما وصلها عَبَرَ النيل إلى الجانب الغربي ونزل بالجيزة وأقام فيها نيفاً وخمسين يوماً،

وأما الفرنجة فلما وصلوا إلى مصر عبروا إلى الجانب الغربي من نهر النيل في الوقت الذي وصل فيه أسد الدين وعساكره قرية البابين في الصعيد،

وهنا أمر الملك الصليبي مجموعة من فرسانه بمطاردة شيركوه وجنوده،

وانضمت إلى المطاردة عساكر مصرية من الفاطميين. فطاردوه جميعاً عبر وادي النيل وعبروا النهر إلى الجيزة،

وكادت هذه المطاردة أن تنجح، لكن المسلمين تحولوا لمحاربتهم بعيداً عن الأراضي الزراعية وجذبوهم إلى الصحراء.

مراقبة تحرك الجيش الصليبي

أرسل شيركوه عناصر استخباراته لمراقبة تحرك جيش عدوه، فعادوا إليه وأخبروه بكثرة عَدَد الفرنجة وعُدَدِهم وجَدِّهم في ملاحقته،

فعزم على قتالهم وأن تحكم السيوف بينه وبينهم، إلا أنه خاف أن تضعف نفوس جنوده ومن معه عن الثبات في هذا المقام الخطير،

فعددهم قليل وبلدهم بعيد وطريقهم طويل، فقرر أن يستشيرهم فأشار جُلُّهم عليه بقطع النهر والعودة إلى الشام من حيث أتوْا،

وقالوا له [إن نحن انهزمنا وهو الذي يغلب على الظن فإلى أين نلتجئ؟ وبمن نحتمي؟

وكل من في هذه الديار من جندي وعامٍّيٍّ وفلاحٍ عدو لنا ويَوَدُّون لو شربوا دماءنا]

وهذا يعكس لنا مدى الحقد والعداوة والبغضاء التي زرعها الفاطميون في نفوس الناس تجاه المجاهدين الزِّنكيين

فقام الأمير شرف الدين بُزْغُش وهو من أمراء نور الدين وكان شجاعاً مقداماً

فقال لهم [من يخاف القتل والجراح والأسر فيكون فلاحاً أو مع النساء في بيته،

والله لئن عُدْتُم إلى الملك العادل من غير غَلبة وبلاء تُعذرون فيه ليأخذَنَّ إقطاعاتكم وليعودَنَّ عليكم بجميع ما أخذتموه إلى يومنا هذا ويقول لكم:

أتأخذون أموال المسلمين وتفرُّون عن عدوهم وتسلمَّون مثل هذه الديار المصرية يتصَّرف فيها الكُفَّار؟]

ومعنى إقطاعاتكم أي الأراضي التي خصصها لكم السلطان، فقال أسد الدين: هذا الرأي وبه أعمل، وقال ابن أخيه صلاح الدين مثله،

وكثر الموافقون لهم فاجتمعت كلمة الجميع على القتال في سبيل الله ومجاهدة الأعداء الغزاة،

وهذا يبين لنا هيبة ومكانة نور الدين في قلوب قادته وجنوده، وهكذا كل حاكمٍ في الأمة ينبغي أن يكون،

عقلية أسد الدين شيركوه وحنكته العسكرية

أقام شيركوه بمكانه حتى أدركه جيش التحالف وهو على تعبئة، وهنا برزت عقلية أسد الدين شيركوه وحنكته العسكرية،

فبنى خطته على أساس تكتيك الكماشة الذي هو من أخطر الخطط القتالية،

فقد أراد جذب الفرنجة بعيداً عن ساحة المعركة واستدراج سلاح الفرسان إلى هدف قيّم في نظرهم،

وحتى يوهمهم بأنه سيكون هو في قلب الجيش وضع معظم العُدَد والعتاد العسكري في القلب حيث لم يمكنه تركها في مكان آخر لئلاَّ تتعرض للنهب،

وجعل صلاح الدين في القلب وقال له [إن الفرنج والمصريين يظنون أنني في القلب، فهم يجعلون جَمْرتهم بإزائه وحملتهم عليه،

فإذا حملوا عليكم فلا تَصْدُقوهم القتال ولا تهلكوا نفوسكم واندفعوا بين أيديهم، فإذا عادوا عنكم فارجعوا في أعقابهم]

ومَعنى يجعلون جمرتهم بإزائه أي يجعلون اجتماعهم وهجمتهم باتّجاه القلب،

وَمعنَى الصدق في القتال أي الثبات فيه شجاعة وقوة، فهو يطلب من جنوده التظاهر بالقتال،

ومعْنى اندفعوا بين أيديهم أي تظاهروا بالفرار من أمامهم، واستكمالاً للخطة اختار شيركوه من شجعان عسكره جمعاً يثق بهم ويعرف صبرهم ووقف على رأسهم في ميمنة الجيش.

وهذا ما كان بالفعل في المعركة، فقد وقع عموري وجيشه في خطة شيركوه وكمينه بأن جعل هجومه الرئيسي باتجاه قلب الجيش معتقداً ان شيركوه فيه،

فقاتله جنود القلب قتالاً يسيراً ثم سارعوا بالفرار من أمامهم غير متفرِّقين، وتبعهم الفرنج،

فبذلك سحب صلاح الدين جيش عموري بعيداً عن ساحة المعركة.

وهنا هجم أسد الدين وميمنة جيشه على بقية جيش الفرنج ومن والاهم فرسانهم ومشاتهم فوضع السيف فيهم فأكثر القتل والأسر، فانهزم من بقي حياً وحراً منهم.

عاد عموري بجنوده منهزمين

وعندما عاد عموري بجنوده المنهزمين الذي هاجموا قلب جيش شيركوه من مطاردة صلاح الدين حشد قواته معاً وسار مباشرة عبر خطوط العدو وقاتل جنودهم على طول طريق العودة،

فلما وصلوا ساحة المعركة مجدداً رأوْا مكانها قَفْراً لا أحد فيها من جنودهم فانهزموا هم الآخرون أيضاً،

وانسحب عموري من المعركة مع جيشه المهزوم بعد مقتل عدد كبير من فرسانه،

فخسر فرصته بأن يصبح حاكماً لمصر كما خسر مثلها سابقاً ولاحقاً حتى نهاية حكمه.

كانت نتيجة هذه المعركة مما تعجَّب له بعض المؤرخين،

وموضع عجبهم كيف لألفي فارس أن يهزموا عساكر مصر وفرنج الساحل وهم أضعافهم، والحقيقة أن لا عجب في ذلك،

فقد شهدنا معارك كثيرة في التاريخ الإسلامي انتصرت فيها القلة القليلة المؤمنة على الكثرة الكثيرة الكافرة أو الظالمة،

فالعبرة ليست دوماً في القلة أو الكثرة بل في قوة الإيمان والصبر والثبات بعد إعداد والأخذ بالأسباب،

قال تعالى {… قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ

 غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}البقرة 249.

ومعنى يظنون في الآية الكريمة أي يوقنون.



في الطَّريق أشواكٌ وورود!

 

نقطة نظام

في الطَّريق أشواكٌ وورود! 

ادهم شرقاوي



في الحكايات الشَّعبية الأوروبيَّة:

إنَّ سيدةً عجوزا قالت لأحفادها يوماً: أنا لم أركبْ قطاراً طوال حياتي. ولأنهم رأوا رغبة جدتهم في ركوب القطار، اشتروا لها تذكرة على الفور، إلى مدينة قريبة كي تزور صديقتها.

ركبت الجدةُ القطارَ، فلاحظت أن أحد المقاعد في المقصورة ممزقٌ غطاؤه، فحملتْ أغراضها بغضب، وقصدت مقصورة أُخرى، وفي المقصورة الجديدة أزعجتها رسومات على جلود المقاعد، فقامت مرَّةً أخرى بتغيير المقصورة.

في الحقيقة إن الجدة بقيت تنتقل من مقصورة إلى أخرى طوال الرحلة، وما إن جلست أخيراً لأن الخيارات قد ضاقت عليها، لاحظت جمال الريف حيث يمر القطار بين المدينتين، وما كادت تستمتع بهذا المنظر الخلاب، حتى أعلن سائق القطار عن قرب نزول الجدة في محطتها المنشودة!

قالت الجدة في نفسها: لو كنتُ أعلم أن الرحلة قصيرة جداً، ما قضيتُ هذا الوقت أشكو وأتذمر، وكنتُ استمتعتُ بجمال الطبيعة!

إنَّ رحلة الحياة من الميلاد إلى الموت، تُشبه إلى حدٍّ بعيدٍ رحلة العجوز بين المدينتين!

الرحلة لا تخلو من المنغصات أبداً، ولكن الأشياء الجميلة ماثلة للعيان، ولكن للأسف إننا نشيحُ نظرنا عنها، ونركز فقط في المنغصات، فيضيعُ علينا جَمال الرحلة!

وظيفتُكَ شاقة أعرف، ولكن غيركَ عاطل عن العمل، فهلا تأملتَ معنى أن يكفيك اللهُ تعالى الحاجة إلى الناس!

زوجكِ فيه شيءٌ من العصبيَّة، لا يخلو إنسان من طبع، ولكنه شهمٌ وكريم ويغارُ عليكِ، لماذا عليكِ أن تنظري إلى النقطة السوداء في الصفحة البيضاء، بينما الأصل أن تفهمي طبعه، وتتصرفي على أساسه، وهذا من ذكاء العِشرة؟!

بيتُكَ صغيرٌ وبالكاد يتَّسعُ لكَ وللأولاد، ولكن لكَ مكان تأوي إليه، وصدر حنونٌ تضعُ رأسكَ عليه من وعثاء يومكَ، وفي الدنيا ملايين ممن لا بيوت تأويهم، ولا زوجات يؤنسونهم في ليلهم الطويل!

أولادكِ أشقياءٌ، بالكاد ترتبين البيت حتى يعيثوا فيه فساداً، ملابسهم تتسخ بسرعة، ويأكلون في اليوم عشر مرات! الوضع مُتعبٌ، وعمل البيت يطحنُ العظم، ولكن هلاَّ سألتِ نفسكِ: كم امرأةً حُرمت الولد؟!

وكم أُماً لديها ولد عنده إعاقة، كانت تتمنى لو أنه يهدمُ البيتَ كل يومٍ، ولا تراه على هذه الحالة؟!

أولادكِ ينبشون البيت لأنهم أصحاء! ويأكلون لأنَّ فيهم عافية، ويلعبون ويوسخون ثيابهم لأن فيهم الكثير من النشاط!

سرُّ الحياة يكمن في النظرةِ إليها، في العين التي ترى لا في المشهد الذي يُرى، وفي الحمد على نصف الكأس الممتلئ بدل الندب على نصفها الفارغ، لأن المحروم من الرضى محرومٌ من السَّكينة!


فتح دمشق على موعد مع أردوغان وماكرون!

 

 فتح دمشق على موعد مع أردوغان وماكرون!





مضر أبو الهيجاء 



مما يعكر صفو النصر في أرض الشام، ويطرح مخاطر حقيقية في الأفق القريب والمتوسط هو حالة التدفق الهستيري باتجاه دمشق،

والذي انتقلت عدواه كالحمى بين رموز الدول الغربية والأمريكية!

عجيب هذا الاستكبار العالمي والفجع الدولي والاحتقار الغربي لشعوب منطقتنا المكلومة!

خمسة عشر عاما ونساء الشام وأطفالها يقتلون بالبراميل المتفجرة ويذوب رجالهم بالأسيد ويكبس المعتقلون بمكابس الحديد،

والأجهزة الغربية تعلم وتشهد وتشد على يدي إبليس!

حتى إذا رحل طاغية الشام حضرت الأباليس لتعرب عن دهشتها من توحش وكيلها المأجور القاتل بشار، ثم لتشدد على حقوق الطفل والمرأة،

وتضغط بكل سياسييها لكي تبقى الأقلية رابضة على قلوب الأكثرية، وذلك كما خططتها ورسمتها وبلورتها فرنسا قبل مائة عام!

فهل سمع ماكرون البارحة بحرق أطفال ونساء الشام بغزة؟

ها هو يلتقي بوم الغرب ماكرون صاغرا بمحرر دمشق وحلب أردوغان، وفي عقل كل منهما تفكير مفارق وحديث مختلف.

إذا كان من حق أردوغان أن يصلي في الجامع الأموي كما وعد الشعب السوري قبل 12 عاما، وهو سليل الخلافة التي ساست الدنيا خمسة قرون،

وهو من وضع كل جهده لإنجاح الثورة وتحرير المدن الشامية،

فما بال ماكرون يستعجل ويسبق الجميع بافتتاح السفارة الفرنسية التي أسست لسورية المتوحشة قبل قرن؟

يقول سبحانه وتعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) ويقول سبحانه (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)..

 هم العدو فاحذرهم.

﴿أتى أمر الله فلا تستعجلوه﴾

 

﴿أتى أمر الله فلا تستعجلوه﴾




د. حاكم المطيري


جاء في الحديث: (يعجب ربك من قنوط عباده وقرب غِيَرِه) 
أي تغييره لأحوال العباد من حال العسر والشدة إلى حال اليسر والرخاء مع شدة يأسهم وقنوطهم من تغييرها!

‏وقد زارنا الشيخ الشقيري بوفد من قادة الثورة السورية في يوم الجمعة 30/ 8/ 2024 ودار حديث عن أوضاع سوريا فقلت استعدوا لتحرير حلب فقد اقترب أوانه!

‏فتحدث منهم الدكتور خالد عن تعقد القضية السورية وتداخل مصالح الدول بحيث لا يمكن أبدا توقع سقوط النظام وتغيير الأوضاع فيها وأنه على اطلاع واسع وتواصل دائم بكل المعنيين بالقضية السورية ويعرف من خفاياها ما لا نعرفه!

‏وأطال الحديث في إثبات رأيه وكرر عبارة يجب أن نكون (واقعيين) عند تحليل الأحداث وقراءة المشهد!

‏فلما فرغ من حديثه قلت له: يبدو أنك يا بو عمر خارج نطاق التغطية!

‏فنظر إلى نظرة تعجب واندهاش لرأيي الخيالي الحالم غير الواقعي!

‏فقال: ومتى تتوقع تحريرها؟

‏فقلت له: خلال أسابيع ولن تتجاوز بضعة أشهر بإذن الله وستتفاجأون بتحريرها وما سيحدث من فتح بعدها!

‏فهز رأسه مستبعدا إمكان حدوث ذلك!

‏فلم تمض ثلاثة أشهر إلا وهم في حلب!

‏وهذا ما حدث مثله بيني وبين الشيخ راشد الغنوشي – فك الله أسره وفرج كربه – في لقاء كان في بيتي في أواخر يناير 2010

وكان قد زار الكويت للمشاركة في منتدى المفكرين المسلمين ودار حديث طويل

وقلت استعدوا للثورة في تونس فهي على الأبواب وأخشى أن تحدث ولم تستعدوا لها!

‏فقال: لا يمكن حدوث ذلك في تونس وليس لها من دون الله كاشفة!

‏فلم يأت شهر ديسمبر إلا وقد بدأت ثورة أهالي سيدي بو زيد ليسقط نظام ابن علي في 15 يناير 2011 وإذا الغنوشي يعود ليحكم تونس!

فإلى كل المصلحين المظلومين المضطهدين في سجون الطغاة ﴿استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين﴾.

الثورة السورية.. زلزال هز عروش الطغاة

 

الثورة السورية.. زلزال هز عروش الطغاة

الثورة السورية ليست حدثًا عابرًا، ولا تغييرًا في

 منطقة نائية في العالم العربي، إنما هو زلزال

 بمعنى الكلمة، فللمرة الأولى في العصر الحديث


أحمد مولانا
باحث و كاتب


قضّت ثورات الربيع العربي مضاجع الكيان الصهيوني، ونشرت القلق في الغرب من انبعاث عربي إسلامي جديد،

فحشدوا طاقاتهم خلف القاطرة الخليجية التي قادت الثورات المضادة لدهس ثورات الربيع العربي

أميل دومًا لرفع الواقع وفق معطياته المادية، لكن مع مراعاة البعد القدري للأحداث، فالاعتماد على المعطيات المادية فقط «علمنة»

وجهل بسنن الله في الخلق وحركة المجتمعات، وإغفال المعطيات المادية دروشة،

وقد ورد في الحديث النبوي قوله صلى الله عليه وسلم «اعقِلها وتوكل».                                                                        

عندما خرجت من المعتقل في عام 2010 بعد أن شاهدت اكتظاظ السجون المصرية بآلاف الشباب،

تمحور السؤال الرئيسي في ذهني حول السبيل لتغيير الواقع في ظل القبضة الأمنية القاسية، وانتشار الخوف بين الجماهير.

وحينها سألت أحد الأفاضل ممن أسترشد برأيهم في قراءة اتجاهات الأحداث، فقال:

إنَّ مسارات التغيير حين تُسد، تتدخل يد القدر الرباني لتفتح الطريق، مثلما حدث في قصة الغلام والساحر،

حين سدت الدابة على الناس طريقهم، فقتلها الغلام بحجر وآمن الناس، فارتقب حدث قدري يغير الواقع،

ولم تلبث بضعة شهور، إلا ووقع حادث محمد بوعزيزي في تونس، فأحرق نفسه اعتراضًا على صفع شرطية له، فاندلع حريق عارم طال بن علي في تونس،

وحسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا، وعلي عبد الله صالح في اليمن، فضلًا عن ثورة حوربت بقسوة في الشام، وحراك قُمع سريعًا في البحرين.

زعم البعض أنَّ ما حدث مخطط لنشر فوضى خلاقة مزعومة، رغم أنَّ تلك الثورات قضّت مضاجع إسرائيل،

ونشرت القلق في الغرب من انبعاث عربي إسلامي جديد، فحشدوا طاقاتهم خلف القاطرة الخليجية

التي قادت الثورات المضادة لدهس ثورات الربيع العربي،

فتحولت بعض بلاد الثورات إلى ساحات اقتتال، واستولى على الحكم في دول أخرى مستبدون أكثر قمعًا من جيل مبارك وبن علي،

كما عادت قاطرة التطبيع مع الاحتلال التي اقتصرت سابقًا على مصر والأردن، لتضم أعضاء جددًا في اتفاقية إبراهام،

وبالتحديد الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وبدا أنَّ الظلام خيم على المنطقة مجددًا.

كسر الباب
صبيحة 7 أكتوبر، فوجئ العدو قبل الصديق، بطوفان من المقاومين الفلسطينيين يجتاح المواقع العسكرية للاحتلال والمستوطنات في غلاف غزة، للمرة الأولى منذ عام 1948،

ويسقط نحو 1200 قتيل إسرائيلي فضلًا عن نحو 250 أسيرًا، في محصلة هي الأكبر من نوعها في يوم واحد منذ تأسيس دولة الاحتلال.

 آنذاك وفي ظل ترقب رد الفعل الإسرائيلي والأمريكي من خلفه، شاورت ذات الأستاذ الموجه مجددًا،

كيف تقرأ ما حدث؟ فالانتقام سيكون كبيرًا للغاية،

فقال: إنَّ ما حدث هو تطبيق لقوله تعالى «ادخلوا عليهم الباب، فإذا دخلتموه فإنَّكم غالبون»، وإنَّ باب إسرائيل قد كُسر ولن يُجبر بعد اليوم، وإنَّ المنطقة دخلت في سلسلة أحداث لها ما بعدها،وستكون لها ارتدادات كبرى تعيد جذوة ثورات الربيع العربي، وتحشد الجهود مجددًا نحو القدس.

توالت الأحداث، وارتكب الاحتلال مجازر غير مسبوقة في غزة، ثم انعطف في سبتمبر الماضي إلى لبنان موجهًا ضربات قاتلة لحزب الله، وخرج نتنياهو متبخترًا بأنَّه قد قتل هنية والسنوار والضيف وحسن نصر الله، وأضعف حماس،

وصفى قيادات حزب الله، وبالفعل توصل لاتفاق وقف إطلاق نار يفصل جبهة لبنان عن غزة، وهو الأمر الذي رفضه نصر الله علنًا في السابق، كما شن الاحتلال ضربات في اليمن وسوريا وإيران، وأعلن نتنياهو أنَّه غيَّر وجه الشرق الأوسط، واعتبر أنَّه حوَّل الهزيمة المخزية إلى نصر ساحق.

أولى الارتدادات
وسط تلك الأجواء الكئيبة، جاءت أولى الارتدادات سريعًا في سوريا،حيث أطلقت هيئة تحرير الشام عملية عسكرية في 27 نوفمبر 2024 رفقة الفصائل الحليفة لها في غرفة ردع العدوان،

واستثمروا انشغال الروس في حرب أوكرانيا لدرجة أنَّهم استعانوا بجنود من كوريا الشمالية، وإخلاء إيران للعديد من مستشاريها والمليشيات التابعة لها من سوريا على خلفية الضربات الإسرائيلية المتتالية هناك،وسحب حزب الله لأغلب مقاتليه من سوريا للتصدي للعملية الإسرائيلية البرية بجنوب لبنان.

حدثت المفاجأة، فانهار نظام الأسد خلال اثني عشر يومًا، وكما يقال الفرار يولد الفرار، فأدى انكسار خط الدفاع الأول لقوات النظام في الفوج 46 غرب حلب إلى انهيارات متتالية في صفوفها، وباغتت الأحداث السريعة كافة الأطراف ليستفيقوا على وقع هروب بشار الأسد إلى موسكو،
ودخول أحمد الشرع «الجولاني» إلى دمشق فاتحًا منتصرًا.

الثورة السورية.. زلزال هز عروش الطغاة

إنَّ ما حدث في سوريا ليس حدثًا عابرًا، ولا تغييرًا في منطقة نائية في العالم العربي، إنما هو زلزال بمعنى الكلمة، فللمرة الأولى في العصر الحديث تنجح حركة إسلامية عبر ثورة شعبية مسلحة في إسقاط نظام استبدادي في العالم العربي، وفي بلد مركزي، فالشام مهد الحضارات عبر التاريخ، ومهبط الرسل، وأرض الملاحم في آخر الزمان.

وجاءت تلك الانتصارات على يد جماعات يقودها شباب في منتصف العمر مقابل نموذج تقليدي للحركات الإسلامية التي يقودها شيوخ جاوزوا السبعين والثمانين وأحيانًا التسعين من العمر، أي أنَّ التجربة فيها الكثير من حيوية الشباب.

أدركت إسرائيل دلالات ما يحدث، فعملت على تدمير طائرات وسفن جيش النظام وأنظمة الدفاع الجوي ومخازن أسلحته الضخمة ومنشآته المخابراتية، لحرمان الثوار من الاستفادة بها،

كما تقدم جيش الاحتلال للسيطرة على المنطقة العازلة في الجولان وجبل الشيخ، وتواصلت تل أبيب مع الدروز جنوب سوريا وقسد الكردية في شمال شرق البلاد بهدف الدفع نحو مخطط للتقسيم،ولإثارة المشكلات ضد الإدارة الجديدة، فيما زار قائد المنطقة المركزية الأمريكية الجنرال كوريلا مناطق سيطرة قسد لإبداء الدعم لها.

تحديات راهنة
إنَّ النجاح يغري بالنجاح، ولذا تتداول أدبيات دراسة الثورات «ظاهرة الدومينو» أي العدوى التي تسري بين الشعوب للمطالبة بحقوقها، وللتحرك ضد أنظمة الاستبداد في حال نجاح أحدها في إحداث التغيير، وهو ما وقع في أوروبا بعد الثورة الفرنسية، حيث انتقلت عدوى الثورة لتطيح بالحكم الملكي في عدة بلاد، بينما أقدمت بلاد أخرى على إصلاحات تؤسس لملكيات دستورية لتجنب لهيب الثورات.

ثم تكرر الأمر مع انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي حيث تلاشت الأنظمة الشيوعية من وسط وشرق أوروبا، ثم كان المثال الثالث في حقبة ثورات الربيع العربي التي امتدت من تونس إلى اليمن.

ولذا، فإنَّ ما حدث في سوريا ستكون له على الأرجح تداعيات على المنطقة، وبالأخص في العراق ولبنان ومصر.

ومع انكفاء النفوذ الإيراني، سيتصاعد صدام صهيوني سُني خلال السنوات القادمة.

كذلك فإنَّ التنظير السياسي الإسلامي السُني في أغلبه حلق في الفراغ لعدم وجود دولة عربية تُطبق أحكام الشريعة،

واليوم تبرز سوريا كنموذج يُرجح أن يستعيد مظلة الحكم الإسلامي مجددًا بنموذجه الحضاري والقيمي، وبما فيه من الرحمة والعدل،
وهما سمتان برزتا خلال عملية ردع العدوان، فلم تحدث مجازر طائفية أو انتهاكات على الهوية، وتم الحفاظ على أمن وسلامة المدن والمناطق المحررة، مع عقاب أشخاص بعينهم على جرائم ارتكبوها.

تضافر الجهود من العالمين العربي والإسلامي

إنَّ أمام سوريا تحديات عديدة، تتطلب تضافر الجهود من العالمين العربي والإسلامي للنهوض بالشام،عبر ضخ الاستثمارات وتقديم خلاصة الخبرات بما يساعد على تجاوز العقبات والأفخاخ التي ستعمل الجهات الراعية للثورات المضادة على صياغتها ورعايتها،
وتحت هذا العنوان توجد العديد من المقترحات التي يمكن التطرق لها في مقالات ودراسات قادمة.

وفي الختام، إنَّ من يتأمل حركة التاريخ، يدرك أنَّنا أمام تحول مفصلي، يشبه ما حدث في حقبة عماد الدين ونور الدين وصلاح الدين الأيوبي،
ولعلنا نقول قريبًا ها قد عاد صلاح الدين، فالتحرر من قيد الاستبداد خطوة جوهرية في طريق التحرر من قيد الاحتلال،

وإنَّ تحرر دمشق خطوة على طريق تحرير القدس؛ وبالأخص في حال تحررت القاهرة من سطوة الظلم الجاثم على صدرها.