الأيام الأخيرة للاحتلال الأمريكي في شرق سوريا
لم يتعلم الأمريكيون الدروس من فشلهم في احتلال العراق وأفغانستان، وما زالوا يصرون على تكرار المغامرة باحتلال الشرق السوري، غير مبالين بالأخطار التي يرونها بأعينهم والزلزال الذي أطاح بنظام بشار الدموي وهزم الاحتلالين الإيراني والروسي، وإن لم يسارعوا بالخروج فستكون نهاية وجودهم أشد مأساوية، فالشعب السوري الذي ذاق الويلات لن يقبل باقتطاع جزء من أرضه، ولن يقبل بمخطط التقسيم الأمريكي الإسرائيلي.
من الواضح أن كل حسابات إدارة بايدن في العالم العربي خاطئة، فهي تتحرك بأفق صهيوني ضيق، جعلها تخسر الكثير من رصيد الولايات المتحدة الذي بنته عبر عقود منذ الحرب العالمية الثانية؛ فالمشاركة في إبادة الفلسطينيين في غزة ومد الاحتلال بالقنابل والأسلحة والحماية بـ”الفيتو”، ثم حرق جنوب لبنان، كلّ ذلك أكد لكل الشعوب التي روعتها المذابح أن أمريكا مثل “إسرائيل” كلاهما لا يحترم النظام الدولي وكلاهما لا يتورع عن سفك الدماء وتدمير الحضارات.
الأمريكيون يحتلون شرق سوريا منذ عام 2015 ويسرقون آبار النفط والغاز، ويجندون مليشيات كردية تابعة لحزب العمال الكردستاني للسيطرة على الجزيرة الفراتية بزعم مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتشارك معهم قوات من التحالف الدولي الذي يضم بريطانيا وفرنسا ودولا أخرى، وقد اعترف الرئيس ترامب من قبل بأن القوات الأمريكية تحتل هذه المنطقة من أجل النفط.
الوجود العسكري الأمريكي
تمثل المنطقة التي يحتلها الأمريكيون في شرق الفرات نحو ثلث الأراضي السورية وتشير التقارير إلى وجود 17 قاعدة و13 نقطة عسكرية غير الحواجز والنقاط المتنقلة، ويتركز معظمها بجوار حقول النفط والغاز، تضاف إليها قاعدة التنف في الجنوب السوري على الحدود مع العراق والأردن، التي تمكنها من الهيمنة على البادية السورية، أي السيطرة على نصف الأرض السورية تقريبا.
التورط الأمريكي والاندفاع نحو احتلال شرق سوريا ما كان له أن يتم لولا انهيار النظام وعدم قدرته على التصدي للمعارضة المسلحة، إذ استدعى الإيرانيين والروس لحمايته، فتدخل الأمريكيون عسكريا، واختاروا منطقة الثروات لينالوا المكاسب والابتعاد عن الاشتباك مع المعارضة والجيوش الأخرى المنخرطة في الصراع.
أعلن الأمريكيون أن هدفهم القضاء على تنظيم الدولة، وقطع الطريق على أنشطة إيران ومنع تواصلها مع حزب الله، لكن الهدف الأهم الذي يصرح به بعض الاستراتيجيين الأمريكيين هو أن يكون لأمريكا دور في الترتيبات المستقبلية لسوريا، ولتجنب الصدام المباشر لجأ الأمريكيون إلى المليشيات الكردية لتكون هي الواجهة مستغلين الرغبة في الانفصال وإنشاء كيان كردي على طول الشمال السوري.
دعم مليشيات كردية ضد أغلبية عربية!
أسس الأمريكيون قوات سوريا الديمقراطية المعروفة باسم “قسد” لإدارة شرق الفرات ومناطق واسعة غرب الفرات في الشمال السوري، وتم استغلال هجمات النظام السوري والروسي والإيراني على المدن السورية باستمالة العشائر والقبائل العربية تحت إدارة المليشيات الكردية، وهو الأمر الذي أزعج الأتراك وجعلهم يتحركون للقضاء على الدويلة الكردية على حدودهم، وتدخلوا لتحرير بعض المناطق في الشمال الغربي لكن تحالف الروس والأمريكيين لدعم الأكراد أوقف العملية العسكرية التركية.
عانى السوريون تحت حكم “قسد” من الإرهاب المليشياوي الكردي، وفشل الأمريكيون في ترشيد أداء الإدارة الكردية العميلة، التي تصرفت بعدوانية مع المكونات العربية التي تشكل أغلبية السكان شرق الفرات، وتسبب القمع واعتقال زعماء العشائر ومحاولات فرض التجنيد الإجباري في انتفاضات متواصلة تم إخمادها بسلاح الجو الأمريكي الذي كان يقصف أي محاولة تمرد للتحرر من المليشيات، وآخرها انتفاضة قبيلة العكيدات العام الماضي.
ولكي تستمر سيطرة المليشيات الكردية المحمية أمريكيا تم تهجير الكثير من سكان المدن والقرى، وكان الاتهام بمساندة داعش هو السائد للتخلص من كل من يعلن رفضه أو تمرده على الإدارة الذاتية التي شكلها الأمريكيون، وهو ما جعل الكثير من العشائر تعود إلى التحالف مع الروس والإيرانيين ضد الأمريكيين، وتحرير بعض القرى شرق الفرات لكن سلاح الجو الأمريكي وقف حائلا دون اتساع حركة التمرد.
تحرير دمشق وزلزال المعارضة
الآن وبعد سيطرة قوات الثوار على دمشق ومعظم المدن السورية لم يعد أمام الأمريكيين الكثير من الوقت، فقد تم طرد المليشيات الكردية من حلب وتل رفعت ومنبج، وتهاوت قوات “قسد” في غرب الفرات أمام قوات المعارضة، وعاد الأمل إلى السوريين في المناطق التي يحتلها الأمريكيون، وبدأت المجالس العسكرية التي تعمل تحت الهيمنة الأمريكية تتفكك، وزادت حركات الانشقاق تحت الضغوط الشعبية الرافضة للتقسيم والمطالبة بالتحرر والاتحاد مع المعارضة.
تأخرت المعارضة في التوجه شرقا لحين الانتهاء من تنظيف المدن من شبيحة بشار، لكن الحماس والرغبة في سرعة الخلاص من الأمريكيين ومعاونيهم أشعلا الثورة في دير الزور والرقة والحسكة، وعندما أرسل الحكم الجديد الأرتال المسلحة إلى مدينة دير الزور هربت المليشيات الكردية بعد اشتباكات محدودة؛ مما يدل على انهيار القوات التي تحتمي بها الإدارة الأمريكية وأن التحرير الكامل مسألة وقت.
يحاول الرئيس التركي أردوغان إقناع الأمريكيين بأن اللعبة انتهت، ويطلب منهم التخلي عن دعم المليشيات المتهمة بالإرهاب وتسليم شرق الفرات بالسياسة إلى السوريين منعًا للصدام، لكن يبدو أن إدارة بايدن تحت ضغط اللوبي الصهيوني تصر على الاستمرار في اللعبة الخاسرة، وتطمع في أداء دور حيوي في تشكيل الحكم الجديد لسوريا، والإتيان بعملاء جدد والتلاعب ببعض القوى السورية العسكرية والمدنية مع الاستعانة بدول عربية.
لا يفهم الأمريكيون أن الشعب السوري بعد سقوط بشار عادت إليه الروح، ولن يقبل إلا بالتحرير الكامل، وسيفرض الحكم الجديد سيطرته على كل سوريا، ويمنع وجود داعش أو كل ما يبرر الوجود الأجنبي، ولن يتنازل السوريون عن شرق الفرات بما يحويه من ثروات نفطية وزراعية، وإن لم يغادر الاحتلال الأمريكي اليوم بإرادته فسيكون مصيره الطرد؛ بعد سحق المليشيات التي يستخدمها وحصار القواعد العسكرية من كل الاتجاهات كما حدث مع الروس، وخسارة كل شيء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق