أحمد الشرع «الجولاني» بين التصنيف الظالم والتوصيف الواجب
مضر أبو الهيجاء
في ظاهرة سلوكية سياسية غير مستغربة على قادة أمريكا، ينتقل شخص الجولاني من المطلوب والمنبوذ والملاحق رقم واحد، إلى سوبر ستار الأول في المنطقة الأكثر سخونة وحساسية في العالم!
لا شك بأن أمريكا لا تبتعد كثيرا عن نموذج حافظ وبشار الأسد، غير أنها نموذج متوحش بحجم القارة، فيما يشكل الأسدين وحشين بحجم الفئران والعقارب السامة.
وبغض النظر عن التصنيف الظالم الذي تستخدمه أمريكا المجرمة والمغرضة كأداة ناجعة ووسيلة قذرة لعضل مشروع أو استخدام آخر، فإن ما يعنينا نحن كمسلمين رساليين هو أن يكون توصيفنا الواجب للمشاريع ومناهجها وقياداتها، عدل وقويم يعكس سوية عقولنا وبصيرة قلوبنا ويحقق مصالح شعوب أمتنا ويمكن لدين الله في الأرض.
ومع كل فجر يوم جديد في سورية الشام، باتت تتوسع الصورة حول أحمد الشرع من حيث تاريخه السابق، وحاضره القائم، ومستقبله الواعد، الأمر الذي يوجب علينا توصيفه بشكل أمين دقيق واعيا وعدلا، وذلك بمعزل وبعيدا عن تصنيف أمريكا المغرضة والمتلاعبة، والتي لا يثق فيها إلا جاهل أو منافق.
وفي هذا السياق يمكن الإشارة الى جوانب رئيسية تتصل بالجولاني أحمد الشرع وتوصيفه:
أولا: التصنيف الأمريكي.
ثانيا: منهج وسلوك القاعدة.
ثالثا: التجربة العمرية والخبرة السياسية.
رابعا: الاستقامة وحب الرئاسة.
أولا: التصنيف الأمريكي المغرض والظالم
من نافلة القول أن أحدا في التاريخ المعاصر لم يقتل كما قتلت أمريكا شعوبا بأكملها وأنهت أعراقا كاملة، واشتهرت بقتل وتعذيب السجناء، واستباحة الأعراض، وقتل وصهر الأطفال، الأمر الذي يؤكد أن تصنيفاتها السياسية ما هي إلا نوع من أنواع العهر السياسي الباحث عن مصالحها الظالمة وعلى حساب شعوب الأرض.ومن الملاحظ والمشهود اليوم أن أمريكا قد فتحت وشرعت القنوات السياسية أمام أحمد الشرع -بعد الحظر والتصنيف- ليلتقي به الاخوة والأصدقاء والحلفاء والأعداء بلا خوف ولا موانع ولا محاذير!
إن زيارة عميد السياسة العربية -الذي يملك بين يديه ميزان ريختر الذي يقيس به توجهات السياسة الغربية- وليد جنبلاط لأحمد الشرع في قصر الرئاسة بدمشق، والتي أعقبها زيارة وزير خارجية الدولة العازلة، علامة فارقة ومنعرج سياسي حقيقي في العلاقة، ويمكن القول أن التصنيف الأمريكي والحظر قد رفع في واقع الحال دون المقال عن الجولاني، الأمر الذي يجعل اللقاء والتواصل والتعامل مع أحمد الشرع دون محاذير سياسية، طالما لم تقلب له أمريكا ظهر المجن.
ثانيا: منهج وسلوك القاعدة
لعل أبرز ما يعبر عن اختلال منهج وتصور وسلوك تنظيمات القاعدة وأخواتها، هو استباحة دماء المسلمين وعدم قبول الآخر حتى لو كان من المسلمين المجاهدين، ومهما كانت مساحة الخلاف معه ضيقة وفي الفروع دون الأصول!اذهبوا فأنتم الطلقاء
لقد فاجأت هيئة تحرير الشام وقائدها أحمد الشرع المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، وذلك عندما قالت لجميع الخصوم اذهبوا فأنتم الطلقاء، بعد أن كانت ترى في تجربتها بالعراق أن قتل المرتد -بحسب توصيفها الفاسد- أولى من قتل الكافر، فقتلت من المسلمين العاملين والمجاهدين ونخب العلماء الربانيين ما لم يستطع قتله الأمريكان!كما أذهل أحمد الشرع الجميع إذ تراه مقبلا بتدفق وحميمية على كل المخالفين المحليين والدوليين، حتى بتنا نركض أمامه لندفعه للتمهل في سياسة الانفتاح والمسامحة التي انتهجها مع المعادين من غير المسلمين والذين يختلف معهم في الأصول، فزادت خطواته عن حدها المعقول!
وفي هذا السياق يمكن القول أن المنهج القائم والتصور الحاكم لسلوك أحمد الشرع السياسي اليوم لم يعد يشبه سلوك القاعدة بالمطلق، بل ويخالف منهج الشيخين بن لادن والظواهري، ومضاد ومعاكس لمنهج الزرقاوي، وهو لهم اليوم بات مفارق، ومن العدل والانصاف ألا ينسب الشرع الى مدرسة القاعدة من حيث التصور والمنهج بعد حلوله قائدا فاتحا في دمشق، وبكلمة يمكن القول إن منهج وتصور وعقل وسلوك أحمد الشرع في سدة الحكم بدمشق مختلف ومغاير ومفارق للشيخ الجولاني في عموم تجربة العراق، وجزء هام من تجربة سوريا قبل الفتح.
ثالثا: التجربة العمرية والخبرة السياسية
لا يمكن لمن بلغ الأربعين عاما وانحصرت تجربته بالأعمال القتالية والجهادية في أطر خاصة مليئة بالعقد، أن ينتقل من حالة أمير حرب الى أمير دولة بحجم سورية ذات التاريخ العريق والواقع المرير والتنوع الكبير والتشابك المتعدد في كل مناحي الاجتماع والسياسة، ما يجعل التدافع على أرض الشام شديد الحساسية ويحتاج الى خبرات سياسية ومستويات عمرية تستوعب تجربة فردية واسعة!وبغض النظر عن مستوى الفطنة والذكاء والدهاء الذي مكن الجولاني من أن يسود ويصبح أحمد الشرع، فإن الواقع الموضوعي الذي اقتحمه من أوسع وأعقد أبواب السياسة في دمشق سيفرض عليه أن يكون متفاعلا أكثر من فاعل، وهو ما تعكسه محاولة استرضائه للجميع -بغض النظر عن صوابيتها من عدمه-، الأمر الذي يجعل احتمال ادارته من قبل المشاريع الكبرى راجحا لحد كبير، لاسيما في الخطوط العريضة للسياسة الدولية المفروضة والإقليمية المطلوبة.
السروريون والإخوان المسلمين
وفي هذا السياق فإنني أطرح مقاربتي لتدارك تلك الثغرة باعتبار التهديدات المحيطة والمرتبطة بها، وأرى وجوب ادماج فاعل وحقيقي لمكون أصيل في الحالة السورية،وهو مكون سياسي عريق وخبير وجزء من النسيج السوري وينتمي لنفس الهوية الثقافية ويحمل نفس الأهداف العلية، هو تنظيم السروريين وتنظيم الاخوان المسلمين السوري -بغض النظر عن ملاحظاتنا النقدية-،
فقد شكل الاخوان المسلمون في سورية تجربة تراكمية ضخمة، لا يقارن عمرها بعمر تجربة هيئة تحرير الشام وأحمد الشرع، لا من حيث العمر ولا الكم ولا النوع، لاسيما أنها تأسست قبل ولادة أحمد الشرع بنصف قرن، خاضت خلالها ولا تزال معتركات دعوية وعلمية وقتالية وجهادية وسياسية عويصة في فترات ظلام حالك،
الأمر الذي أكسبها وأكسب قياداتها خبرة لا يملكها الشرع حتى لو جمع حوله جميع محبيه وأنصاره ورفاق دربه -وبغض النظر عن فوارق سوية قياداتها-.
إن المسؤولية الشرعية والأخلاقية والسياسية عن بلد بحجم سورية والمتصلة بمستقبل شعب الشام المتنوع والعريق والذي عانى ويلات القرن،
يوجب على المكون القيادي المرشح لسورية أن يضم اليه كل خير ويحرم عليه اقصاؤه، لاسيما من ينسجم معه في هويته الثقافية وأهدافه الإسلامية بغض النظر عن الأخطاء وجوانب القصور المتوفرة في جميع التجارب ولدى كل الشخصيات،
والتي لا يمنع الاندماج الحقيقي والفاعل من بحثها ونقدها وتصويبها، لاسيما إذا انتصرت روح العمل الجماعي عند الجميع في سورية على روح الانتماء العصبي الحزبي الكريه المنتن والقبيح.
التحصين من الكهنة السياسيين المحيطين بالشام
ولعل مقاربتي في ضرورة ادماج الاخوان في التشكيلة الجديدة -رغم أنني لم أكن يوما إخواني الانتماء التنظيمي- يأتي في سياق تحصين الجسم الناشئ الطري والغض سياسيا، في ظل كهنة سياسيين يحيطون بالشام ويتداخلون عبر قنواتهم الخاصة واختراقاتهم العميقة مع كل الأجساد القائمة، الأمر الذي يفيد تنوع الانتماء وتعدد الخلفيات في احباط هيمنة الأخطبوط القادم لابتلاع سورية ووضعها في بطنه، إضافة الى أن موقف الاخوان المسلمين السوريين كان سويا مستقيما وثابتا في عناوين رئيسية خمسة هي:1/ السعي لإقامة الشريعة وتمكين الدين.
2/ رفض علمنة المفاهيم والأحكام الشرعية.
3/ الموقف من النظام الطائفي ومنظومته الطاغوتية.
4/ الموقف من المشروع الإيراني والشيعة والتشيع في البعدين الفقهي والسياسي.
5/ الموقف من الثورة والتفاعل الكامل معها ابتداء وانتهاء في الوقت الحاضر وماضي سورية.
رابعًا: حب الرئاسة والاستقامة
تحدث مجدد الدين والعالم الرباني ابن تيمية عن الشهوة الخفية وحب الرئاسة، وكذلك أشار تلميذه ابن قيم الجوزية، وقد تناقل هذا العلماء والمصلحون حتى أفرد فيه معان كثيرة العالم الرباني محمد الغزالي، رحمهم الله أجمعين.إن إشكالية شهوة التفرد وحب الرئاسة لا يتنزه عنها بشر إلا من أعانه الله على نفسه وعصمه من زلاتها، لاسيما وهي مفسدة للأعمال مهلكة للصالحين من الرجال.
حب الرئاسة وشهوة التفرد
وعندما نتحدث عن حب الرئاسة وشهوة التفرد في سياق حكم دولة وشعب، فإننا لا نتوقف عند حدود جزاء الأفراد في الآخرة، بل نقصد الاستقامة في قضايا الشأن العام والتي تتأثر بشكل مباشر وحاد وفاعل بتلك الشهوة الخفية، والتي يعمل عليها الأعداء بأكثر مما تعمل وتنجز فيها شياطين الجن والعياذ بالله!وبغض النظر عن الحاكم كائنا من كان خلفيته وانتماؤه، فإنه لا عاصم -بعد الله- من ذلك الانحراف الراجح الا دور العلماء الربانيين الغيورين على دين الله، وهل يوجد في سورية خير من الحالة العلمائية ممثلة بالمجلس الإسلامي السوري وعلى رأسه الشيخ الرفاعي، وما يمثله بشخصه الكريم من فهم واستقامة وخلق ومحل اجماع من قبل جميع المكونات السورية، لاسيما والشيخ الرفاعي يحتل منصب مفتي الجمهورية العربية السورية.
اللهم إياك نعبد وبك نستعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق