قيم وفضائل يجب إحياؤها خاصة أوقات المحن!
لقد عشنا ولا زلنا نعيش أصعب الأسابيع والأيام في حياتنا كلها، نشاهد فيها على الهواء قتل الأطفال والنساء، لا صوت في آذاننا غير الصراخ والبكاء، ولا رائحة في المكان سوى رائحة الدم، قتلى يسقطون كل ثانية، وجرحى أضعافهم، وآلاف تحت الأنقاض، ومن نجا من الموت يرى أن من مات هو الذي قد نجا، فمن كتبت له الحياة يتابع فصولا جديدة من المعاناة ليجد شربة ماء، أو كسرة خبز، أو مكان آمن يلوذ به.
تعطلت الحياة تحت سمع وبصر العالم الذي تجرد من قيمه وإنسانيته، وبقي أهل غزة وحدهم لا نصير لهم إلا الله، خذلهم القريب والبعيد، خذلهم إخوانهم في الدين والعقيدة، وإخوانهم في الإنسانية والرحمانية، في حين تعجز مفردات اللغة عن وصف حالهم، وعن وصف حالنا أيضا؛ قهر وعجز وجبن وألم، فما أصعب أن ترى الظلم في أعلى صوره ولا تملك دفعه عن المظلوم. لقد صار كثيرون منا لا يحبون احتضان أولادهم، لأنهم يتذكرون من حرموا من احتضان أولادهم إلى الأبد، ومن تلطخوا بدمائهم حين حضنوهم، ومن لم يجدوا سوى أيديهم ليمسكوا بها لأن بقية جسدهم تحت الركام.
العدل قيمة عظيمة، جاء الإسلام بها وحث عليها مع المؤيد والمخالف على السواء، بل وجعل هذه القيمة أس نظام الكون، به قامت الرسالات ومعها قامت أرقى الحضارات.
إن من أهم الفضائل والقيم التي يتعين علينا التمسك بها وإحياءها في أنفسنا وأولادنا في كل وقت وبخاصة في أوقات المحن والابتلاءات، ما ذكره ابن حزم رحمه الله تعالى حين قال: أصول الفضائل كلها أربعة عنها تتركب كل فضيلة، وهي العدل، والفهم، والنجدة، والجود، وأصول الرذائل كلها أربعة عنها تتركب كل رذيلة وهي الجور، والجهل، والجبن، والشح. ونحن في هذه المرحلة العصيبة نحتاج بقوة إلى التحلي بتلك الفضائل والتخلي عن تلك الرذائل وبيانها كالتالي:
- فضيلة العدل ويقابلها رذيلة الجور:
العدل قيمة عظيمة، جاء الإسلام بها وحث عليها مع المؤيد والمخالف على السواء، بل وجعل هذه القيمة أس نظام الكون، به قامت الرسالات ومعها قامت أرقى الحضارات. قال الله عز وجل: ﴿لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط﴾ [الحديد: 25]، فالعدل سنة ربانية وضرورة إنسانية، به تسعد البشرية، وهو سبب لبقاء الدول ونهضتها، والجور والظلم مذموم في الإسلام وفي كل الشرائع ،وهو يؤذن بالهلاك والفناء، قال تعالى: ﴿وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا﴾ [الكهف: 59]، وقد اختفى العدل من عالمنا وحل محله الجور والبغي والقتل للأبرياء والأطفال، ومسؤولية المسلم بذل الجهد لمنع الظلم وإقامة العدل.
- فضيلة النجدة ويقابلها رذيلة الجبن:
نجدة الملهوف وإغاثته من القيم والفضائل العظيمة في الإسلام، بل كانت من صفات النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبل بعثته، وهو ما وصفته به أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها فقالت: "كلا والله! لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" متفق عليه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد بعثته: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" أخرجه مسلم. وإخواننا وأهلنا في غزة في كرب وضيق وهم وخوف ورعب وحاجة، يحتاجون من يغيثهم ويشعرهم بالأمن بعد طول خوف وصبر، فهل ماتت النجدة في أمة الإسلام، وإخوانهم في الإنسانية؟
اعتاد العرب والمسلمون على الفتور والنسيان وضعف التفاعل مع طول أمد الحرب، كما هو الحال في حرب غزة الجارية منذ قرابة ثلاثة أشهر، وأخطر شيء على قضية فلسطين هو اعتياد مشاهدة المجازر ورؤية القتل والظلم وسفك دماء الأبرياء
- فضيلة الجود ويقابلها رذيلة الشح:
الجود والكرم خلق الأنبياء والصالحين، قال الله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه السلام: ﴿ ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ﴾ [هود: 69]، وقد ذم الله تعالى الشح والبخل فقال: ﴿ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير﴾ [آل عمران: 180]، والبخيل يعيش في الدنيا حياة الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء، ومن أفلح في مقاومة شح نفسه، أفلح في مقاومة أمراضها وعللها الأخرى. قال تعالى: ﴿ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون﴾ [الحشر: 9]، وقد جاء عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى أنه قال: كنت أطوف بالبيت، فرأيت رجلا يقول: "اللهم قني شح نفسي" لا يزيد على ذلك، فقلت له، فقال: إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق، ولم أزن، ولم أفعل، وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه. وأقبح صور البخل والشح، هو أن نبخل على إخواننا الملهوفين المنكوبين بمالنا ووقتنا ودعائنا ومتابعاتنا لأخبارهم ومصائرهم وحمل همهم في قلوبنا، وتعريف من حولنا بمصابهم ومعاناتهم.
- فضيلة الفهم ويقابلها رذيلة الجهل:
لأن قلة الفهم وشيوع الجهل يؤدي إلى هدم كل الفضائل؛ إذ كيف يوجه الناس للتحلي بالقيم الصالحة دون علم، وما يجري في غزة وفلسطين يحتاج إلى فهم ووعي وعلم، فلابد من قراءة التاريخ، ومعرفة السنن، ومدارسة القرآن لفهم طبيعة الصراع، وحقيقة الابتلاء، وكيفية النصرة والخروج من دائرة التيه والإحباط والخذلان.
لقد اعتاد العرب والمسلمون على الفتور والنسيان وضعف التفاعل مع طول أمد الحرب، كما هو الحال في حرب غزة الجارية منذ قرابة ثلاثة أشهر، وأخطر شيء على قضية فلسطين هو اعتياد مشاهدة المجازر ورؤية القتل والظلم وسفك دماء الأبرياء، وتراجع أو تآكل منظومة قيم الفضائل المركزية، لتحل محلها قيم الرذائل التي لخصها ابن حزم في الثمانية المذكورة؛ لهذا وجب على الدعاة وأولي النهى إحياء وتفعيل هذه القيم في الأمة، وحراستها وصيانتها، عسى أن يبدل الله حالنا إلى أفضل حال إنه قدير حكيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق