الثلاثاء، 24 ديسمبر 2024

حزب"لسنا ولن نكون"... أو كيان الخائفين

حزب"لسنا ولن نكون"... أو كيان الخائفين 



وائل قنديل




تعرف مصر هذه الأيام واحدة من عجائب الحياة السياسية والحزبية، لا مثيل لها منذ اكتشف الإنسان السياسة عن طريق فلاسفة عصور ما قبل الميلاد، إذ يولد حزب سياسي عملاق ينفي عن نفسه أن يكون حزباً، كما يرفض أن يكون سياسياً، أو له علاقة بالسياسة كما تعارف عليها المؤرّخون.

تنشأ الأحزاب السياسية في العالم كلّه (أوله وثالثه) لتكون بديلاً من الحكومات، منافسًة لها، مؤمنة بأنها تمتلك من الجدارة ما يؤهلها لأن تحكم وتدير وتحسّن حياة الناس، إلّا هذا الحزب الجديد الذي باغت به رجل السلاح والمال والأعمال السفلية والسرّية، إبراهيم العرجاني، ومعه رئيس مجلس نوّاب سابق اسمه علي عبد العال، قبل أن يختفيا وتظهر وجوه جديدة في فاترينة الحزب، الذي يخجل من تسمية نفسه حزباً، ويدرأ عن نفسه شبهة الانشغال بالسياسة.
"لسنا حزب فكرة ولسنا حزب أيديولوجيا، نحن يحرّكنا هدف واحد تحت مظلة 30 يونيو هو إعادة الثقة فى السياسة، ولسنا عرائس ماريونيت، نحن أمام شىء جاد"، ثمّ تابع بالعامّية "واحنا مش الحكومة ومش طامحين فيها، همنا أن نطور الحياة السياسية فى مرحلة انتقالية"، و"هذا الحزب ليس موالاة ولا معارضة وليس مدرسة فكرية واحدة، هو كيان جامع لجمهورية جديدة قوامها تحالف 30 يونيو".

التعريف السابق لهذا "الشيء الجديد" نشرته صحيفة مصرية على لسان رئيس هيئة الاستعلامات والمنسق العام للحوار الوطني، ضياء رشوان، الذي قالت عنه الصحيفة "أظهرته المنصّة كقائد بارز فى الكيان الجديد، خاصة تعبيره عن رؤية الحزب وتشخيصه للحالة السياسية". 
ونقلت عنه كذلك أنه "كان أمراً ضرورياً فى هذه المرحلة استعادة هذا التحالف فى كيان، نحن أمام حزب انتقالى يتحرك فى إطار المخاطر التى تواجه الوطن من الداخل والخارج، لن يحكم ولن يكون حزباً للسلطة، ولن يطلب السلطة، وفى الاستحقاقات الانتخابية سيسعى لائتلافات أوسع، هو كيان لا يعد اصطفافاً ولا يمحو هويات سياسية أخرى".

ماذا سيكون إذن؟... 
يجيب رشوان السائلين: "لن يكون الاتحاد الاشتراكى جديد أو الحزب الوطنى الجديد"، لماذا؟... يضيف: "نحن فى لحظة تستلزم هذا الكيان، هو لا يسعى إلى أغلبية ولا يريد الحكم، ولن يكون بابا للسلطة أو بابا للدولة، حتى لا يبحث عنه الطامعون أو طالبو المصالح، هو مرحلة نحو الجمهورية الجديدة".

حتى هذه اللحظة، ما تحدّث به المتحدّث باسم "الكيان" هو نفي وإنكار واستنكار، إذ تتكرّر مفردات "لن ولا ولسنا" عشرات المرّات، من دون أن يقول نحن كذا أو نسعى إلي هذا أو نطمح إلى ذاك وننافس فيه، وهو بذلك لا يعدو حالة عدمية تجسّد حالة الموات السياسي، أو بالأحرى العدم السياسي في مصر، حتى وإن كان المتحدّث باسمه يؤكّد أن هدفه "إعادة الثقة فى السياسة تحت مظلة 3o يونيو"، التي قتلت السياسة واجتثتها من التربة المصرية وأضرمت فيها النار، 
غير أنه لا يتركنا للحيرة طويلاً حين يذهب إلى بيت القصيد: "نحن أمام حزب انتقالى يتحرّك فى إطار المخاطر التى تواجه الوطن من الداخل والخارج"، 
ثمّ يشدّد على "وجوب الالتفات إلى القوة الصلبة التى أطاحت بغزّة ولبنان وسورية، فالقوة الصلبة مع القوة الناعمة لأيّ مجتمع تشكّلان درجة من التماسك لحماية الوطن من الداخل والخارج"، 
وضع تحت الجملة الأخيرة مائة خط، إذ تحمل كلّ كلمة منها لغماً، فلا يعرف أحد حدود تحرّك هذا "الانتقالي" أو اتجاه حركته، ثمّ ما هي الصفة أو الشرعية التي تمنحه حقّ أو واجب التصدّي للمخاطر التي تواجه الوطن من الداخل والخارج؟ 
ثمّ السؤال الأهم: هل ينتمي إلى القوة الصلبة (الجيش والشرطة) أم القوة الناعمة؟
لو وضعت هذه العبارات الملغومة في سياق حديث صانع 30 يونيو (2013)، وزارعها وحاصد ثمارها الوحيد، عن تحشيد المجتمع لمواجهة المؤامرة الخارجية الداخلية (هي بنظره الثورة الشعبية)، ولو علمت أن الإطلالة الأولى بهذا المشروع كانت لرجل المليشيات المسلّحة في سيناء، التي هي في حالة زواج كاثوليكي مع السلطة، فإن المُعلَن منه هنا ليس أكثر من مليشيا مسلّحة تختبئ في رداء من الشرعية الحزبية القانونية لتكون رادعاً استراتيجاً يستخدمه النظام للإجهاز على أيّ محاولة للتفكير في تغيير الأوضاع الحالية، تظاهراً شعبياً سلمياً، أو بالسيناريو السوري، ومن ثمّ يكون ضياء رشوان صادقاً تماماً في إعلان براءة هذا "الشيء" من السياسة، وتجريده من أيّ ملامح حزبية بالمعنى الكلاسيكي للأحزاب، وفي ذلك يبدو لافتاً للغاية، وباعثاً على التشاؤم، إلحاح المتحدّثين باسمه على أنه لن يكون لإبراهيم العرجانى أيّ دور فيه، و"اتحاد القبائل جمعية أهلية تحت مظلّة القانون، ومن اللقاءات المتعدّدة وجدنا أنه يجب أن ينضم إلى هذا الكيان".
 استدعاء اسم إبراهيم العرجاني هنا يؤكّد كلّ المخاوف السابقة، فهذا 
"ليس موالاة ولا معارضة وليس مدرسة فكرية واحدة"، 
كما قال رشوان، وكما تقول تعريفات الجيوش في النظم السياسية كلّها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق