قادة سورية الجدد أمام اختبار احتلال جبل الشيخ وتحدي شيخ الجبل!
إضاءات سياسية شامية توعوية
مضر أبو الهيجاء
احتل نتنياهو -الوجه الآخر للمجرم بشار الأسد- قمة جبل الشيخ الاستراتيجي بالنسبة لعموم فلسطين لبنان وسوريا وخصوص دمشق العاصمة، ثم أعلن عن بقائه وجيشه فيها حتى نهاية عام 2025، أي حتى تتبلور صورة أهم دولة مؤثرة الآن في المنطقة وهي سورية الجيوسياسية.
والحقيقة التي يجب أن ندركها هي أن استفزازات الثكنة الأمريكية القابعة على أرض الشام في فلسطين -اسرائيل- مقصودة لذاتها ومقصودة لغيرها!
فمن الناحية الذاتية، ورغم أن اسرائيل في حالة استعلاء منذ عملية 7 أكتوبر، إلا أنها أيضا في حالة تآكل من الداخل، وبات سقفها في مربع غزة ومخيم جنين، الأمر الذي يدفعها للخروج لمساحة أوسع لتجديد نشاطها الاستيطاني الذي عليه تحيا وتقوم، ولعلها تنعتق من أزماتها الداخلية الحادة.
أما من ناحية الغير، فمن البديهي أن إسرائيل تدرك أهمية سورية الجديدة بالنسبة لمستقبل إقليم الشام ومصر والخليج، وهي ترى بأم عينها أن العالم بأسره أصبح يؤم ويتحسس ويرقب ويرصد دمشق القادمة، ولذلك فإن تحرشات نتنياهو الأمريكية في جغرافيا سورية، تهدف الى دفع المولود الجديد للخروج من داخل بيته الذي يرعاه وينميه ويحفظه، للشارع العام، وذلك ليسقط وتتهشم ركبه، وهو المولود الذي لا يقوى على الصراع الآن.
وإذا كان احتلال جبل الشيخ يشكل تهديدا خارجيا، فإن كيان شيخ الجبل ( الدروز ) يشكل تحديا داخليا.
إن التحدي الطائفي الأكبر سيكون ممثلا بالطائفة الدرزية وذلك لسببين، الأول أن الكيان الدرزي جزء أصيل من شعوب دول المنطقة ويتموضع في أحشائها، وله اتصال تاريخي قديم بالقوى الغربية وحديث بالكيان الصهيوني، والثاني أن دروز سورية في العموم وقفوا مع الثورة، وحتى في الفترات الصعبة كانوا في المساحة الرمادية.
لاشك بأنه تتوفر في الكيان الدرزي انتماءات عروبية وعقول حرة وقيادات منتمية، الأمر الذي يوفر فرصة حقيقية لقادة سورية الحرة أن تصوغ معهم شراكة وطنية تحفظ الأوطان ولا تفتح ثغرة للأعداء ولا تخرق الهوية الثقافية والانتماء.
وإذا أردنا أن نصوغ مقاربة سياسية موضوعية بعد أن نضع احتلال جبل الشيخ وتحدي شيخ الجبل في الميزان، يمكننا القول أنه بقدر ما هي فكرة الصراع مع الصهاينة واضحة وبسيطة، بقدر ما هو تحدي الطوائف شائك ومعقد، وبقدر ما هي المواجهة مع إسرائيل صعبة ومعقدة وخطرة -في المرحلة الحالية-، بقدر ما هي معالجة مسألة الطوائف عاجلة ضرورة ممكنة وملحة.
إن كلمة السر التي تجعلنا نبتعد مرحليا الآن عن أي دخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل -اليد الأمريكية الضاربة والمنفذة للأعمال القذرة-، وبنفس الوقت تدعونا للمبادرة والاحتواء للطوائف -الخاصرة الرخوة والثغرة المحتملة- هي غياب البناء الحقيقي والفاعل في المجتمع السوري على امتداد مساحة الوطن، وفي كل المناحي!
لم يكن عبثا عندما صرح الأمريكان عام 1970 وبعد استلام حافظ الأسد، أننا الآن مطمئنين على المنطقة، حيث أنجز النظام البعثي الاشتراكي الطائفي الأمني الأسدي اتلافا للبشر والحجر والشجر في أرض الشام، وذلك خلال 54 عاما من الاتلاف الممنهج، حتى أنك بت ترى عددا لا يستخف به من علماء سورية ودعاتها كان مؤيدا لبشار ومصفقا لأبيه الجزار!
إن نجاح الثورة الشعبية السورية في منحاها القتالي وازاحتها لبشار الأسد عن سدة الحكم لا يعني بالمطلق أهليتها لمواجهة التحديات القائمة وتفكيك المخاطر القادمة، الأمر الذي يجعل الأولوية الآن هي لفريضة البناء.
وبكلمة يمكن القول أن القيام بفريضة البناء للفرد والمجتمع والدولة في أرض الشام مسطرة تحدد شكل وحجم ووقت التفاعل مع التهديدات الخارجية وأولوية معالجة التحديات الداخلية، وذلك لتتوفر عناصر الاستقرار التي تسمح ببناء سليم غير مشوه القوام.
ومن الصعب تحقيق تلك الغاية بدون تشارك واجتماع عقول جمعية وأطر ومؤسسات جماعية -غير حزبية- الأمر الذي يجب أن يتولد عن حوار حقيقي بين النخب السورية العلمية والدعوية والاقتصادية والصناعية المنحازة للقضية والتي تتحلى بالمسؤولية والغيورة على سورية، والمدركة لمستقبل شعوب المنطقة اللصيقة والمحيطة بسورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق