الأحد، 28 أبريل 2013

هوامش على دفتر الأزمة وكلمات فى العتمة


هوامش على دفتر الأزمة وكلمات فى العتمة


المستشار أحمد عبد اللطيف

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلًا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
قامت ثورة يناير على فساد نظام بسلطاته كافة وجأر بها الشباب الذين استشعروا الظلم وحدث بينهم وبينه تماس فرفعوا عقيرتهم وقدموا أرواحهم ليزيحوا هذا الظلم وحين أزاحوا الرأس وقفت لهم الثورة المضادة في كل المؤسسات وكان الشيوخ بالمرصاد لكل تغيير يتصل بالبنية والهيكل وهكذا تمكن الشيوخ وتماسيح البحيرة الذين يربضون في الماء الآسن من قتل هذا الأمل ودخلت الثورة في مستنقع التبريد فبرز العجائز واختفى الشباب وكان الشاعر على حق حين قال: لا تحلموا بعالم سعيد فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد
(2)
واللافت والعجيب أنك كنت ترى قبل الثورة أناس يهاجمون فساد النظام فتفتن بهم وتتبع خطاهم ومع جريان الأيام ترى من ولي أمر المصريين وبالذات من النخب القانونية قد تحول، فنائب رئيس مجلس وزراء الثورة يدافع عن أبناء الرئيس السابق في وكالة معلنة، ومن وضع التعديلات الدستورية تجده اليوم مع النائب العام السابق وضد أي تغيير ينال المؤسسة القضائية.
وكأنها قدس مقدس لا يأتيه أي بطلان والذين قالوا بوجوب تطهير القضاء والإعلام والشرطة وهيكلة الجميع صاروا يرددون الآن أن لا مساس وحافظوا على المؤسسة، فمن الذي يصنع التغيير؟ ألم نتعلم أنه الشعب؟ وأليس الشعب هو صانع المؤسسات؟ ولماذا ترفض المؤسسات التغيير؟ وأين مبدأ الفصل بين السلطات؟ إنه الصراع وإنها المصالح إذن فلنقل إنها المصالح لا المبادئ.
(3)
والسؤال لماذا كلما جاء حديث عن تعديلات فى قوانين السلطة والهيئات القضائية ارتفع الصخب؟ ولماذا يتم الحيلولة دائمًا بين الشعب وتعديل هذه القوانين؟
ألم يقرع سمع الجميع الصخب الدائر حول مشروعي قانون للسلطة القضائية قدمه فريق وقدم فريق آخر مشروعًا آخر إبان حكم المجلس العسكري واشتجر النزاع وتم وضع نص (آسفين)في كل مشروع وتم الغرض فى النهاية وتأجل الطرح لحين قدوم مجلس نواب وحين تم لنا مجلس نواب وشرع فى المناقشة تصدت له الدستورية العليا وصخب اجتماعات النوادي والإعلام وتم قتل الفكرة في مهدها وحين أتت الجمعية التأسيسية للدستور لتناقش موضوعات متصلة بالقضاء في مواد الدستور تمسكت كل هيئة قضائية بوضعها القديم ورفضت أفكار القضاء الموحد والنيابة المدنية وتنظيم المحكمة الدستورية العليا والفصل بين سلطتي التحقيق والاتهام وتم لهم ما أرادوا وقالوا وقتها فلننظم المسائل في القوانين وتم إهمال تطبيق نصوص في الدستور صالحة للتطبيق في ذاتها بدعوى عدم صدور قوانين تنظمها وحين جاء مجلس الشورى وأصبح من حقه التشريع دستوريًا وشرع دراسة الأمر قيل إنه ليس من حقه التشريع – رغم أنه شرع قوانين أخرى مكمله للدستور– فلماذا التفرقة؟
فإذا كان مجلس النواب أو مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية أو السلطة التنفيذية حين يكون لها حق التشريع لا يحق لهم جميعًا الاقتراب من هذه القوانين، فمن إذن؟ ولماذا يستتر كل فريق من القضاة خلف فريق سياسي إلا لأنها المصالح لا المبادئ! وآفة حارتنا النسيان.
(4)
أما أن القضاء يخلط في عمله السياسة فهذا صحيح وظاهر ومن يماري يخدع نفسه لقد صار ساحة للاستقطاب السياسي فترى فيه كل الأحزاب ويتم تطويع الصيغ القانونية وصبغها بمضامين سياسية وها هو يشكر جبهات وأحزاب على الوقفة وهو أمر غريب، إذ ماذا يكون الموقف لو تقاضى المشكورون أمامه وهو نفسه الذي يستدعى أبانا في واشنطن وأبانا في المجلس العسكري وكأننا عبيد أو قصر لابد لنا من مالك قوي أو ولي أو وصي وهذا من العار.
إن الجنون يكاد يعصف بالرأس ويضطرب الفؤاد وأن المرء ليدهش أن يرى قضاة يستعينون بالراعي الغربي أو الراعي المحلي وقد تعلمنا أن القاضي مستقل عن كل هذا، وأين مبدأ الفصل بين السلطات؟ وأين حياد القاضي؟
وقد علمنا حين كنا في فجر عملنا أن محكمة النقض رفضت إصدار بيان تأييد لتأميم قناة السويس وحين سئلت قيل أليس من المتصور أن ترفع أمامنا قضايا تعويض في هذا الشأن وكان هذا مضرب المثل في مبدأ حياد القاضي.
وقد تعلمنا أن الدعوة للانتخابات من أعمال السيادة وها هي توقف في القضاء الإداري.
ضاع القانون بفضل المصالح وإدخال الصراع السياسي في القضاء وتحول الناس جميعًا فلا بوصلة بها نهتدي ولا إمام به نقتدي إنها المصالح لا المبادئ.
(5)
أما أن القضاء يحتاج إلى تطهير فنعم، وأما أن به عوار فنعم، وليس كل حكم قضائي يعبر عن الحقيقة، وإلا فلماذا تلغي الأحكام؟ وهل محكمة دنشواي عادلة؟ وهل محاكمة سقراط كانت صحيحة، ومحاكمة جالليو كانت كذلك؟
القضاء شأنه شأن غيره من الجهات يرين عليه القصور والشيخوخة ويتورط أحيانًا في السياسة وهذا ظاهر الآن.
والتقدم في سن التقاعد يؤثر سلبًا في الأداء الذهني والسن الأفضل للتقاعد هو الخامسة والستون وأن تقف المناصب الإدارية عند سن الستين ومن أراد أن يعطي القضاء فليجلس على المنصة يحكم ليفيدنا حقًا من خبرته، أليس الغرض هو الاستفادة من الخبرة؟! ولماذا لا نلجأ للعلماء؟ وأهل الخبرة لبيان السن المناسبة للعطاء وهو معيار محايد؟
والقضاء ليصلح شأنه ينبغي أن ينال التعديل أسلوب التعيين في بدء السلم القضائي بوضع معايير شفافة ومستقيمة مبناها الكفاءة والاستقامة فبالمعايير العادلة يستقيم الأمر ولا تكون المناصب القضائية دولة بين الأقوياء. أليس العدل أساس الملك؟!
وينبغي حظر وتنظيم الندب للجهات الحكومية وغيرها لأنه باب من أبواب الفساد فقضاة ينتدبون يحصلون على آلاف مؤلفة وغيرهم يعمل عمله الأصلي ولا يحصل سوى على راتبه وأنا أرجو حتى نكون عمليين أن نطلب إحصاءً من الجهات كافة بالمبالغ التي تصرف للمنتدبين من القضاة، اسألوا البنك المركزي كم يحصل المنتدب واسألوا هيئة الاستثمار ومصلحة الآثار وغيرهم على ما يحصل عليه المنتدبون وستفجعون بل إن البعض يندب في أكثر من جهة ليخرج علينا الجهاز المركزي للمحاسبات بما ينفق من مبالغ على الندب وستذهلكم الأرقام بل إن الجهة الإدارية تستتر تحت غطاء رأي المنتدبين من الجهات القضائية وقد يكون خطأً وهو ليس حكمًا والأوفق أن يسند الأمر للشئون القانونية لكل جهة حتى يسهل الحساب وهو ما يدفعكم للمطالبة بتنظيم الندب وأن يكون كليًا كما نص الدستور وألا يتقاضى المنتدب راتبه إلا من جهة واحدة وأن يكون منظمًا من حيث مدته بحيث لا تطول الفترة وألا يندب القاضي لأكثر من جهة.
ومثل الندب الإعارة هناك من يعار أكثر من مرة وآخرون هنا لا يعارون أبدًا، فهل هذا هو العدل؟ وإذا كان العدل مفتقد بين القضاة أنفسهم أفسيقيمونه بين الناس؟!
كما ينبغي مساواة الجميع في الهيئات القضائية في المرتبات ومساواة النقض بالاستئناف ومساواة القاضي بالمنتدب.
كما ينبغي دراسة تأثير التقدم في السن على الإنجاز والعلاقة بينهما عكسية.
إن عيوب العدالة والنظام القضائي معروفة وقتلت بحثًا ويجب على المشرع ألا يتردد صحيحًا أنه يتعين أخذ الرأي ولكن الرأي لا يكون ملزمًا بل ينظر إليه في إطار صالح المجموع لأن القيادات قد يرضيها الوضع القديم والجسد الأعظم لا صوت له بل إن بعض من ساهموا في تهريب المتهمين الأجانب يدّعون الآن أنهم دعاة الاستقلال.
(6)
أيها السادة إذا كان المشرع سيجبن في كل مرة يطرح فيها تعديل قانون يمس الشرطة أو الجيش أو القضاء أو أي مؤسسة ويرضخ للصخب والفضائيات فإنه لا معنى إذن لمبدأ الفصل بين السلطات إن من بينها تعاون وتنسيق وليس قهرًا وإجبارًا من سلطة على الأخرى فمن أراد الإصلاح فلا يتردد ولا ينظر إلا إلى الصالح العام، فإن المتحولين كثر والتقدم لا يكون إلا بالحسم وأنه لمن الأعاجيب أن نرى القوانين تعطل بعد استفتاء وأخذ رأي من تطبق عليه، فالجهاز المركزي للمحاسبات لا يراقب طالما أن جهة ما رفضت مراقبته وهكذا كان ينبغي تعطيل ركن الزكاة في الإسلام طالما أن المرتدين كثرة وصوتوا على عدم أدائها ناهيك عن مهزلة آلية التصويت برفض الرقابة.
(7)
وفى الختام فتلك هوامش وكلمات أقولها تحت صليل سيوف المتحاربين وقد هالني المتحولون وآلمني أن أرى ما تعلمناه من مبادئ يداس بالأقدام ومن رأيناهم بالأمس يدافعون عن الاستقلال يقفون مع المعسكر الآخر ليتأكد أنها المصالح لا المبادئ. فليكن حسم الجراح هو الأساس دون النظر للآثار الجانبية العارضة وما لم يتم التطوير والتشريع وتعرف كل مؤسسة حدودها وتخومها وأن الغرض من إنشائها هو خدمة الشعب فلا أمل وإلا فانهوا وجود المؤسسات وليتقدم القضاة أو المشرعون ليمسكوا بزمام السلطات جميعًا ولتنتهي أسس الدولة المعروفة.
أقول هذا وأنا أهتف باسم الصامتين أقول مقالتي وحسبي إن لم تؤت أكلها أني قلتها حتى ولو كانت صرخة في وادٍ ولابد وقد ملئت قيثارتي بأنات الجوى وأنا المكبوت أن يكون لي من هذه الكلمات فيضان (رحم الله الشاعر محمد إقبال). 
ورحم نزار قباني حين قال.
إذا خسرنا الحرب لا غرابة.
لأننا ندخلها بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابة.
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة.
لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة.
السر في مأساتنا. صراخنا أضخم من أصواتنا.
وسيفنا أطول من قاماتنا.
بالناي والمزمار لا يحدث انتصار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق