الأحد، 21 أبريل 2013

كنت في الأزهر‏!‏


كنت في الأزهر‏!‏
د‏.‏سلمان العودة


البارحة كان الاجتماع في قاعة مكتظة بخريجي الأزهر قدموا من شتى البلاد، وكان من المتحدثين الشيخ يوسف القرضاوي ومحمد عمارة وسليم العوا وعصام البشير وأحمد الريسوني وآخرون وأنا.. لم يكترث الحضور للوحة ضخمة أمامهم تشيد بافتتاح المبنى في عهد فخامة الرئيس محمد حسني مبارك، كما لم يكترثوا لأحد المرافقين الذي كان يشير إلى اللوحة ويقترح  أن يشكر الرئيس على دعمه للأزهر، كبادرة تلطيفٍ للأجواء!
تنوع جغرافي ومدرسي يبشر بعهد جديد يبشر به صاحب الوجه البشوش والكلمة الهادئة  شيخ الأزهر د. أحمد الطيب.
اليوم الاجتماع في مكتب شيخ الأزهر، تدارسٌ لعقد مؤتمر برعاية الأزهر يجمع أطياف المسلمين السُّنة ويقرّب وجهات نظرهم، يندر أن يجتمع القرضاوي بشيخ الأزهر بالمفتي السابق على جمعة بالدكتور البوطي.. لم يتفق على هوية المؤتمر.. ولم يتوقع أحدٌ أنه على موعدٍ غداً مع شرارة ستطيح رؤوساً وتغير شعوباً وتعيد تشكيل الخارطة من جديد!
كنا في ظهيرة ٢٥ يناير إذاً!
في ذاكرتي حين دخلت الأزهر ثماني وأربعون شيخاً قادوا هذه المؤسسة العريقة عبر ألف عام كانوا ينتخبون من كبار العلماء ولا يتدخل الحاكم في اختيارهم ولذا ظلوا منارة للوسطية والصدع بالحق والوقوف في صف الضعيف، وكانت رواتبهم ورواتب أعضاء هيئة كبار العلماء تصرف من أوقاف المسلمين وليس من الحكومة، فلا غرابة ألا تاخذهم في الله لومة لائم، وكان منهم الشيخ الشرقاوي صاحب المواقف الشجاعة أثناء الحملة الفرنسية على مصر والذي وضعه محمد علي باشا تحت الإقامة الجبرية، وأبو الفضل الجيزاوي الذي قاد مسيرة الأزهر في الثورة والصراع مع المستعمر البريطاني.
نعم كانت العلاقة مع السياسي ملتبسة أحياناً،لم يكن الأزهر في جيب السلطة وعباءتها، ولا كان مستقلاً في كل عهوده ،كانت الحالة تعتمد على شخصية الإمام وشخصية الحاكم وليس على دستور واضح ولا على مؤسسية صرفة ولا على ثقافة مستقرة.
قرأت أن الشيخ عبد الحليم محمود رفض قانوناً من السادات وقال: لئن حاولوا فرضه فسأهتف من فوق منبر الأزهر: يسقط أنور السادات!
 ولما علم الشعراوي بهذا قال: لئن قال شيخ الأزهر هذا فسأقول أنا من تحت المنبر: يحيا عبد الحليم محمود! وهكذا يقوي الاتحاد مواقف العلماء.
ولد الأزهر قوياً وظل قوياً حتى صدرت في ستينيات القرن قوانين باسم تطويره وهي تستهدف تحويله إلى أداة في يد السلطة أو جامعة علمية.. صحبت الشيخ د.محمد سيد طنطاوي في رحلة إلى طاجكستان لإحياء مؤتمر الإمام أبي حنيفة ولقيته في مؤتمرٍ في شرم الشيخ فكان مثالاً في الطيبة والتواضع ولين الجانب، ولكنه لم يكن قادراً على معارضة اتجاهات السياسة في زمن الاستبداد. وفي فترة الضعف صدرت قرارات بشأن السلام وحصار غزة ومسائل أخرى..
بعد الثورة بدت الفرصة مواتية لاستقلال الأزهر عن السلطة السياسية ليعود قلعة حصينة للمسلمين جميعاً وليس للمصريين فحسب، ولاستقلاله عن المجتمع أيضاً وعن المعارضة ليصبح من الجميع على مسافة واحدة من أجل أداء دوره الإصلاحي وحفظ التوازن بين مكونات المجتمع المصري، وهذا يستوجب ترفعه عن الخصومات السياسية وحصوله على الاحترام الديني والاجتماعي والسياسي الذي يمنحه دور الوسيط، فهو لايسعى إلى سلطة بل إلى الاستقلال عن السلطة. والأهم ضمان استقلاله المالي وإعادة الأوقاف المخصصة له مع ديمومة ميزانيته الحكومية الداعمة. والاستقلال لا ينافي احتفاظ المؤسسات  الدينية الأخرى بوجودها واستقلالها كدار الإفتاء ووزارة الأوقاف.
ناثان براون باحث في معهد كارنيجي كتب (دور الأزهر في حقبة ما بعد الثورة) وكريستين ستيلت كتبت عن الأزهر في العصر المملوكي كمؤسسة مدنية فاعلة ومؤثرة.. مئات المقالات  وعشرات الصفحات في الفيس بوك تتمنى وتهوى...
فهل عسى أن تحتفظ ذاكرة الأجيال القادمة بتحولات عظيمة ونادرة  لهذه القلعة التاريخية التي طالما دفعت بالعلماء والقراء والقادة إلى أصقاع العالم؟
قم في فم الدنيا وحي الأزهرا
وانثر على سمع الزمان الجوهرا
واخشع ملياً واقض حق أئمة
طلعوا نجوماً ثم ماجوا أبحرا
كانوا أجلّ من الملوك جلالة
وأعز سلطاناً وأفخم مظهرا




جريدة الأهرام المصرية










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق