الأربعاء، 17 أبريل 2013

عندما يغرق أهالى الشهداء فى دموعهم!


عندما يغرق أهالى الشهداء فى دموعهم!
شعبان عبد الرحمن*

هكذا كانت خاتمة الفصل الأول من المشهد الدرامي الذي تعيشه مصر، ارتفعت أيدي «مبارك» عالية بالتحية، بينما كان بعض أنصاره يهللون داخل المحكمة بتحيته، وعلت وجهه ابتسامة عريضة إيذانًا بلحظة الإفراج التي نطقها القاضي في اليوم التالي.. بينما كان ذوو الشهداء غارقين في دموعهم، بعد أن انكفؤوا على أنفسهم، وسط موجة إعلامية عاتية غطت مصر، تبجّل في «مبارك» الذي كان يستعد للعودة، وكأنه لم يكن مجرمًا، ولم تقُم عليه ثورة، وكأنه كان في رحلة علاجية، أو رحلة استجمام، ثم يتأهب للعودة!
تلك كانت خاتمة لسيناريو محبوك، شارك في طبخه وإدارته كل قوى الشر داخل مصر وحولها، وفي العالم أجمع، وأُنفق عليه المليارات، ومازالت الجعبة مستعدة لدفع المزيد..
سيناريو تكفير المصريين بالثورة، وتكريههم في اليوم الذي قامت فيه، بعد أن بسطت «الدولة العميقة» بكل أركانها وجبروتها سيطرتها على البلاد، وتلاعبت بكل شيء..
 تصنيع للأزمات الطاحنة التي فرمت البسطاء فرمًا..
 إشاعة للرعب والفوضى؛ ما جعل الناس يلتفتون حول أنفسهم طوال الوقت خوفًا من المجهول..
 ترويج للإشاعات على أوسع نطاق، ويخدِّم على ذلك كله «إعلام العار» الذي يسيطر بكل وضوح على مسامع وعقول المشاهدين.. سيطر على الساحة، واختطف الحقيقة وتلاعب بها، وقلب معظم الحقائق؛ فبات النظام الحاكم المغضوب عليه من «الدولة العميقة» وأركانها بات في خانة كل النواقص، بعد أن تم رميه بكل النقائص، ولا رد له سوى السماحة والعفو مع أراذل الخلق.
لقد شوَّه إعلام العار كل شيء حتى لم يعد أكثر الناس يتحملون سماع كلمة «ثورة»، بعد أن شلت عصابات «الدولة العميقة» حياة الناس في مصر، وسط حماية جهاز أمني يقوم بمهمته على الورق، وجهاز قضائي يرفع كثير من رجاله سيف الخصومة موجِّهًا ضربات للنظام الجديد..
وأصبحت المنظومة تخدِّم على بعضها بعضًا.. مخربون وفوضويون ومجرمون يعيثون فسادًا، وجهاز أمن متغافل، وإن تحرك منه فريق وألقى القبض على المتهم أفرجت عنه نيابة «الزند» بعد دقائق، بينما «إعلام العار» يطنطن محوِّلًا المجرم إلى بطل، والسفاح إلى ضحية، مبررًا حرق كل شيء في مصر، وقد تاه الشرفاء داخل جهازي الشرطة والقضاء بين ركام متراكم من الغثاء.
لقد تسلم الرئيس «مرسي» مصر من «المجلس العسكري» بمنظومة القوانين التي صنعها «مبارك»، وجهاز القضاء الذي بناه «مبارك» على عينه، وجهاز الأمن الذي رباه وانتقاه، وجهاز الإعلام الذي رتبه ترتيبًا جهنميًا، ومنظومة الاقتصاد التي وضعها نظامه، بل تسلم ديون «مبارك» وجبال الفساد التي تركها، تسلمها من «المجلس العسكري» وتحدى الرئيس «مرسي» نفسه أن يصلح كل هؤلاء، وراهن على عنصر الوقت، كما راهن على أن قيم السماحة والعفو يمكن أن تلين الحديد، ونسي أن كل أنواع المعادن لو لانت لما لان هؤلاء «الأنذال»..
 راهن الرئيس على الحكم بنفس منظومة «مبارك» دون تغيير ثوري وجذري، فإذا بها تستفحل وتتوحش وتتحول إلى جحافل جرارة لهدم حكمه الشرعي..
هجوم متكرر على قصر الرئاسة، وحرق للبلد وشل مرافقه، وإشاعة الرعب والخوف، والضغط بقسوة على «لقمة عيش البسطاء»، ووقف حال الناس..
 بينما قطار البراءات تحرك وبسرعة من داخل القضاء، مطلقًا سراح كل المجرمين حتى وصل إلى آخر محطة.. محطة إخلاء سبيل الرئيس المخلوع..
 وهكذا تم تنظيف السجون من معظم المجرمين إلا قليلًا، ولم يبقَ في السجن إلا «مبارك» بتهم أخرى، والمعنى الأهم هنا هو أن «مبارك» ورجاله حتى اللحظة أبرياء من تهمة قتل المتظاهرين، رغم مرور عامين من التحقيق، وذلك ما يوقد نارين في قلوب ذوي الشهداء والمصابين؛ نار الشعور بالظلم، ونار الحسرة على ثورة خلعت الفرعون ولكنها مازالت عاجزة عن انتزاع حقوقهم بفعل سحرة الفرعون وزبانيته، والآن يهنأ المجرمون بالأمان في بيوتهم أو زنازينهم الفندقية!
ويبقى أهالي الشهداء يكفكفون دموعهم التي تحولت إلى دماء غزيرة، ويبقى المصابون يلعقون جراحهم بعد أن كاد الشعب أن ينساهم؛ لأن سيف عدل السلطان تأخر عن اقتطاف حقوقهم.
وبعد أن كان «الفلول» وأركان «الدولة العميقة» المجرمة يتوارون خجلًا من الناس، ويرقدون في جحور النسيان، تصالح عليهم «البرادعي» و«صباحي» وغيرهم وضموهم إلى «جبهة إنقاذهم»، وقدموهم أبطالًا مظفرين جاؤوا لإنقاذ مصر من رئيسها الشرعي، وظن «البرادعي» أن هؤلاء سيحققون له شيئًا، إنما جاؤوا في حركة أشبه بغسيل الأموال، جاؤوا ليمروا مرة أخرى للشعب عبر «جبهة الإنقاذ» لغسيل سمعتهم وجرائمهم، وبعدها تكون حركتهم حرة في سبيل العمل على إعادة دولتهم، «جبهة الإنقاذ» لم تخرب مصر فقط وتشل حركتها، وإنما استخدمت كمغسلة لتنظيف فلول «مبارك»، وإعادة تقديمهم للساحة مرة أخرى، وهذا ما تحقق، وانهارت الجبهة وبقي الفلول على الساحة في انتظار قائدهم «مبارك»؛ ليعيدوا معًا إنتاج النظام السابق.
كان الشعب يريد من الرئيس المنتَخَب بعد إقالة «طنطاوي» و«عنان» مواصلة خطواته الكبرى لضرب أركان النظام القديم في الشرطة والقضاء وإعلام العار وبقية مفاصل الدولة، ولو فعلها لما تخلف الناس عن مساندته بأغلى ما يملكون، ولكن الخطوات تباطأت، واستلم إعلام العار معظم عقول ووعي الناس؛ فقلَبَها رأسًا على عقب بسحر وشعوذة إعلامية شيطانية حافلة بالتحريض والأكاذيب، حتى بات الناس يصدقون ما يُقال، ومضت الحال هكذا حتى نهاية المشهد الأخير من الفصل الأول للثورة المصرية..
وبدأ المشهد الأول من الفصل الثاني يوم الاثنين 15/4/2013م، يوم قرار إخلاء سبيل «مبارك» وإعادة حبسه على ذمة قضايا أخرى، فهل يُكتَب هذا المشهد كاملًا بيد الرئيس الثائر فيشفي صدور قوم مازالت نيران الظلم تشبّ في صدورهم، أم يتأنى ويتمهل ويصبر ويحلم حتى تُحْكِم «الدولة العميقة» - لا قدر الله - سطوتها على المشهد دون منازع؟!
(*) كاتب مصري- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية
Shaban1212@gmail.com
twitter: @shabanpress

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق